ما رأيكم فيما يذهب إليه بعض العلماء من حمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أن المسألة الفلانية واجبة ) كقوله ( غسل الجمعة واجب ) .؟ حفظ
السائل : نستمع إلى الشق الثاني من السؤال .
الشيخ : أحسنت ذكرني به
السائل : وهو الكلام حول كلمة واجب .
الشيخ : نعم ، الحقيقة هو الذي يبدوا لي أن الواجب كالأمر فكما أن الأمر الأصل فيه الوجوب كذلك كلمة الواجب ، الأصل فيها ما دل عليه اللفظ صراحة وهو الوجوب وكما أن الأمر الذي الأصل فيه للوجوب لا يضطرد ذلك وإنما قد يخرج عن الوجوب إلى ما دونه بدليل أو قرينة تنهض في ذلك ، كذلك لفظة واجب ومثلها لفظة حق ، فهذه الأصل فيها هو كما يدل على ذلك ظاهرها فلما جاء الحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم فلا ينبغي أن يفهم إلا على ظاهر اللفظ كقوله عليه السلام ( من أتى الجمعة فليغتسل ) ... للاستحباب فهذا الدليل نفسه من صرف لفظة واجب إلى معنى التأكيد الذي نقلته عن الإمام الصنعاني تأكيد سنية ذلك الشيء لكن إذا لم يقم الدليل فينبغي أن نبقى على ظاهر النص ولا نتأوله لأنكم كما تعلمون كل عبارة في اللغة العربية لها دلالة ظاهرة فلا يجوز الخروج عن هذه الدلالة إلا بدليل خارجي أو قرينة مقرونة بها أو خارج عنها وإذا كان المقصود بهذا السؤال هو نفس حكم غسل يوم الجمعة فالذي أراه أن غسل الجمعة كما قال عليه السلام ( واجب على كل محتلم ومن أتى الجمعة فليغتسل ) وأنه لم يوجد هناك ما يصرف هذا الأمر أو ذاك اللفظ الصريح بالوجوب عن أصله لنقول أن هذا تأكيد لشرعية غسل يوم الجمعة وسنيته والحديث الذي يستدل به جمهور العلماء على تأويل الأمر من الوجوب إلى الاستحباب وتأويل الوجوب والحق الذي جاء في بعض الأحاديث إلى تأكيد السنية ، ألا وهو قوله عليه السلام ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ) هذا الحديث أولا ليست في صحته وفي ثبوته كتلك الأحاديث لأنه متكلم في جميع طرقه وإن كنت أنا شخصيا أرتاح إلى صحته نظرا إلى مجموع طرقه وعلى ذلك فلا بد لنا من أن نجمع بين هذا الحديث وبين تلك الأحاديث الأخرى الصريحة في الإيجاب ولا نرى نحن في هذا الحديث الذي اختلف في صحته وترجحت عندنا صحته لا نرى أن فيه صرفا للأمر من الوجوب إلى الاستحباب وذلك من ناحيتين اثنتين الناحية الأولى أن من توضأ يوم الجمعة وصلى فلا شك فبها ونعمت ، أي لم يغتسل فلا تكون صلاته يوم الجمعة غير صحيحة وإنما هي صحيحة وتكون هذه الصحة بكونه توضأ والغسل ليس من شروط صحة الجمعة وإنما هو من شروط يوم الجمعة ومن شروط من أتى الجمعة وإنما هو من شروط يوم الجمعة ومن شروط من أتى الجمعة فمن لم يأت الجمعة لسبب ما فليس عليه بواجب أن يغتسل وحسبه أن يتوضأ ويصلي فرضه فالحديث ماش ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ) هذا يبقى على ظاهره لأننا لو قلنا أن الغسل يوم الجمعة مستحب فهو مع الوضوء أفضل وإذا قلنا بأن الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة فهو مع الوضوء أفضل وأفضل وإذا قلنا بأن الغسل يوم الجمعة واجب ، فهو مع الوضوء أفضل وأفضل وأفضل ، فلا تنافي بين هذا الحديث وبين ذاك الحديث وهذا لو كنا علمنا أن هذا الحديث متأخر عن تلك الأحاديث وهذا لا سبيل إلى معرفته وهذا هو سبيل الجمع بين الأحاديث ولا حاجة لنا حينئذاك لأن نتأول الأمر أنه ليس للوجوب وأن نتأول كلمة أو لفظة الحق أو الواجب أنه ليس على ظاهرها ثم نلاحظ في طريقة التدرج في التشريع لهذا الحكم وهو الغسل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالغسل مباشرة وإنما قال لهم ( لو اغتسلتم يومكم هذا ) لو اغتسلتم يومكم هذا فيه حظ وفيه ترغيب وليس فيه أمرا وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها بأن الأنصار كانوا أصحاب نواضح وعمل فكانوا يلبسون الصوف فكانوا إذا جاءوا إلى المسجد خرجت منهم روائح الصوف على أبدانهم وبسبب عرقهم من أعمالهم فقال عليه السلام في جملة ما قال ( لو اغتسلتم يومكم هذا ) ، ثم جاء في حديث آخر ، الأمر الصريح بالغسل فارتفع بهم لدرجة ومرتبة وهذا أسلوب معروف في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم يهيئ المسلمين لتقبل الأحكام التي ما اعتادوها كما تعلمون مثلا من طريقة تحريم الخمر وهذه لا تخفى عليكم لكن أذكركم بشيء قد يخفى على بعضكم لقد فرض الله على المسلمين قبل شهر رمضان صوم يوم عاشوراء العرب ما كانوا كأمة وثنية ، ما كانوا كاليهود والنصارى عندهم تشاريع سماوية ولو أنها أصابتها تحاريف البشر لكن العرب ما كان عندهم من هذه التشاريع فأمرهم بصيام يوم في السنة فهي تهيئة لهم لهذا الشهر المبارك الذي فرض عليهم فيما بعد ولذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري ومسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصيام يوم عاشوراء فلما نزل شهر رمضان كان من شاء صامه ومن شاء تركه ) فهذا أسلوب معروف من النبي صلى الله عليه وسلم كيف يهيئ المسلمين للأحكام التي ستنزل عليهم من رب العالمين بواسطة النبي الكريم فانا أفهم أن قوله عليه السلام كما في حديث عائشة وفي الصحيح ( لو اغتسلتم يومكم هذا ) ، هذا غير قوله ( من أتى الجمعة فليغتسل ) هذا غير قوله ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل يوم جمعة ) مثلا أو ( واجب على كل مسلم ) كما سبق بيانه فلا يجوز تعطيل هذه النصوص وتأويلها أو بتأويلها بسبب ذلك الحديث مع إمكان الجمع وشيء آخر هذه الروائح التي كانت سبب التشريع الأول ألا وهو قوله عليه السلام ( لو اغتسلتم ليومكم هذا ) نجدها اليوم ظاهرة حتى من الشباب المثقف المنعم زعم والذي يعتني بنظافته مخالفة لشرعه فهو يحلق مثلا لحيته في سبيل النظافة يدخل يوم الجمعة إلى المسجد فتشم هناك رائحة الأقدام نتنه بسب أنهم يلبسون الجوارب هذه، وأرجلكم لم تغسل جيدا في ذلك اليوم، وإلا لو اغتسلوا كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لم نجد في المسجد مثل هذه الروائح هذا نقوله بالنسبة للمدن وبالنسبة للعواصم من البلاد فماذا يقال بالنسبة للقرى والفلاحين الذين المفروض فيهم أن يكونوا كالأنصار من حيث أنهم عمال أنفسهم فحكمة التشريع تقتضي بقاء الأمر على ظاهره لأننا إذا قلنا بالسنية الناس تارة يغتسلون وتارة لا يغتسلون فحكمة التشريع تقتضي أن يظل هذا أمرا نافذا المفعول في كل يوم جمعة ولا يمكن يكون كذلك إلا إذا استقر في أذهان المكلفين وجوب هذا الغسل في كل يوم جمعة هذا الذي أراه والله أعلم .