فائدة: قسم أهل العلم الأحكام الشرعية إلى قسمين، تعبدي غير معقول المعنى ومعقول المعنى. مع مواصلة الإجابة عن السؤال السابق. حفظ
الشيخ : وأنت الآن بإعادتك لسؤالك تذكرني بضرورة ذكر فائدة أخرى أهل العلم يقسمون الأحكام الشرعية إلى قسمين قسم تعبدي محض لا مجال للعقل فيه وإنما هو التسليم المطلق هكذا جاء الشرع فنسلم تسليما القسم الآخر لابد من التسليم صحيح ولكن للعقل فيه مجال للتفكير يا ترى ما هو السبب في أن الرسول عليه السلام قال كذا وأمر بكذا أو نهى عن كذا فهناك قسم آخر يسمونه مقابل القسم الأول عرفنا أن القسم الأول يسمونه بالتعبدي وزيادة في ذلك تعبدي غير معقول المعنى، القسم الثاني معقول المعنى نأخذ مثلا مثالين واضحين، المثال الأول أكثر العبادات الصلوات الخمس أربع أربع أربع ثلاث ركعات ركعتين لم ما الحكمة في ذلك؟ الله أعلم (( ويسلموا تسليما )) جهر وسر جهر دون سر سر دون جهر لم ما الحكمة؟ الله أعلم تعبدي ربنا أراد أن يكلفنا ليمتحننا (( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) من جملة الابتلاء أن فرض علينا عبادات غير معقولة المعنى بنشوف نتفلسف كعلماء الكلام وعلماء المنطق ونحو ذلك أم نحن نعترف بعبوديتنا لله فنخضع له ونسلم تسليما من زاوية أخرى شرع لنا أحكاما من نوع آخر معقولة المعنى لأن الإسلام في الإجمال كله عقل (( أفلا يعقلون )) (( أفلا يتدبرون )) إلى آخره لكن القسم الأول لابد منه لتظهر عبودية الإنسان لخالق الإنسان فضربنا مثلا الآن الصلوات الخمس وما فيها من صور مختلفة كما شرحنا يحاول كثير من الناس المتفلسفين في العصر الحاضر أن يتكلفوا لاستكشاف الحكمة من هذا التفاوت بين هذه الصلوات الخمس فنحن نقول هذا تعبدي محض، القسم الثاني معقول المعنى إذا استحضرنا مثلا قوله عليه السلام ( لا تحاسدوا لا تباغضوا لا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) هذه نواهي ومنها مثلا ( نهى عن بيع الغرر ) ما يتسأل متسائل لماذا نهى عن بيع الغرر لأن الحكمة واضحة لما فيه من الضرر أو من الغش للشاري من البائع وهكذا فهذه أحكام معقولة المعنى فالعلماء في هذين القسمين منهم المفكر والباحث ومنهم المتوقف الجامد لأنه يخشى أن تزل به القدم في بعض الأحكام فيتكلف ادّعاء أنه معقول المعنى فيأتي بشيء ما هو بسليم هذا من جهة ومن جهة أخرى يتورّع عن فلسفة الأحكام الشرعية ولو كانت من القسم الثاني أي معقولة المعنى إلا إذا كانت واضحة جلية كالشمس في رابعة النهار يتورع عن أن يحاول تعديل بعض الأحكام الشرعية للحِكم والمصالح للعباد ولماذا وهذا أنا لمسته لمس اليد في بعض الشباب إذا ما مرّنوا أو عوّدوا على أن يتلقوا الحكم الشرعي مقرونا بالتعليل العقلي يصبحون مع الزمن لا يقبلون الأحكام الشرعية إلا مقرونة بالعلل العقلية أو التعليلات العقلية فيقعون في الشك في بعض الأحكام الشرعية لأنهم لم يعرفوا حِكمها ونحن نقول إن هذا باب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب لأن الأمر كما قلنا آنفا إنما الأعمال بالخواتيم فإذا كان من نتائج تعويد طلاب العلم على أن يتقبلوا الأحكام الشرعية مقرونة بالتعليلات العقلية فسوف يعتادون على ألا يقبلوا ما كان من القسم الأول أي التعبدي المحض ولذلك وأنا أتورع وأتحاشى في أكثر الأحيان لاسيما إذا كان الحكم أو إذا كانت العلة غير واضحة فلا أُجهد فكري ونفسي في استكشاف حِكم التشريع كما يقال في هذا الزمان لكن أحيانا يكون الأمر واضحا جدا ما يحتاج إلى تكلف وإنما يحتاج إلى التذكير كون الآن إنسان جالس في المسجد أو في أي مكان ليس مستندا إستنادي هذا وكان متعبا بعض الشيء ما الذي يساعده على أن يركن إلى الراحة ومن ذلك النعاس الذي يتلوه عادةً النوم إذا كان متكئا ذلك أسرع له ليصل إلى النعاس أم إذا كان غير متكئا؟ هذا معروف بالتجربة من هذا النوع من الاتكاء هو الاحتباء الإنسان لما يحتبي هكذا في المسجد والخطيب يخطب يوم الجمعة فسيحاول طبيعة الإنسان أن تتبع هذا الإنسان بمقدمات النعاس ثم يأتي بعد النعاس النوم وقد يترتب من وراء ذلك ليس أن يفوته فائدة الذكر الذي أُمر في الكتاب الكريم بأن يسعى إليه بل وقد يكون ذلك سببا لبطلان صلاته لأن كثيرا من الناس نراهم في المساجد وأكثرهم من عامة الناس لا يهتمون بأن يفهموا ماذا قال الخطيب ولذلك يركنون إلى الراحة ويستسلمون للنعاس مبدئيا ثم ينامون فإذا أقيمت الصلاة انتبه وقام يصلي وين أنت تصلي إنت نمت فالرسول عليه السلام يقول ( من نام فليتوضأ إنما العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ ) وقد وقع لأحد أئمة الحديث والفقه وهو أبو عبيدة القاسم بن سلّام أو سلام وقع لهذا الإمام الفاضل الفقيه المحدث القصة التالية يقول كنت أرى من قبل أن نوم المتمكن لا ينقض الوضوء حتى وقع لي مرة يوم الجمعة والخطيب يخطب نام رجل بجانبي فلما أقيمت الصلاة قلت له يا فلان أنت نمت فاذهب وتوضأ لأنك قد خرج منك ريح قال لا أنا ما خرج مني ريح منك خرج الريح وهو كان متمكنا فعلا يعني لاحظ عليه الإمام أنه كان متمكنا ومع ذلك خرج منه ريح فإذن ما يشاع من قديم وحديث بأن نوم المتمكن لا ينقض الوضوء لأنه لا يخرج منه عادةً ريح هذا ممكن أن يكون أغلبيا إذا كان متمكنا فعلا ممكن أنه ما يخرج منه ريح لكن الناعس ما يملك نفسه فقد يميل يمنة ويسرة وهناك ينطلق الفساء فإذن يجب أن نأخذ الحديث على إطلاقه ( فمن نام فليتوضأ ) إذن يجب أن نستبعد الوسائل التي تجلب النوم إلى الجالس يوم الجمعة يسمع الخطيب منها أنه جاء في بعض الروايات أن من تسلط عليه النعاس فليغير مكانه الآن هذا مثال للقسم الذي تعرف حكمه لماذا قال فليغير؟ لأن تغيير المكان يبعد النعاس عن ذاك الإنسان فالإحتباء لو فرضنا أن حديثه ضعيف السند لكن هنا يقال إنه معقول المعنى ولا يلزم عادة من ضعف إسناد حديث ولو لم يكن له أي شيء يقويه أن يكون متن الحديث غير مقبول معناه شرعا مثلا أنتم تجدون بعض اللافتات مكتوب عليها " رأس الحكمة مخافة الله " هذا حديث ضعيف لكن معناه جميل جدا لكن ما الفرق بين قولنا معناه جميل وقولنا حديث ضعيف أي لا يجوز لنا أن نقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما دام أنه لم يثبت إسناده لكن من حيث النظر في معناه كأي كلمة يقولها أي إنسان كان عالما أو كان شاعرا أو أو إلى آخره فكلامه يحتمل أن يكون صوابا ويحتمل أن يكون خطأ فإذا كان هناك حديث ضعيف السند ليس له ما يقويه يحتمل أن يكون معناه مقبولا ويحتمل أن يكون معناه مرفوضا والأحاديث الضعيفة بل الموضوعة لا تتعدى قسما من هذين القسمين حينما يقول بعض النقاد من أئمة الحديث في ترجمة بعض الرواة يقول فلان هذه عبارة ابن حبان رحمه الله كأنها صارت علما له قال " فلان يروي المنكرات أو المعضلات عن الثقات " يعني بهذا أنه درس متون أحاديثه التي يرويها فوجدها منكرة ووجدها أنه يلصقها بالثقات الذين لا يعقل أن يتحدثوا بهذه المنكرات فمثلا جبنا نحن الآن " رأس الحكمة مخافة الله " مثل للحديث الضعيف لكن معناه فيه منتهى الحكمة لكن حينما يسمع الإنسان الحديث " البخيل عدو الله ولو كان عابدا والكريم حبيب الله ولو كان فاسقا " هذا ... الشرع لأن الإنسان لا يتقرب إلى الله بخصلة حسنة ولا يبعد من رحمة الله بخصلة سيئة وإذا سمعنا حديث " الباذنجان لما أكل له " انكشف الغطاء وظهر أنه معنى باطل بداهة وهذه الأحاديث الضعيفة فيها معاني صحيحة أحيانا وفيها معاني غير صحيحة أحيانا فالحديث ( نهى الرسول عن الإحتباء يوم الجمعة ) هو من حيث الرواية حسن أو صحيح لا أذكر الآن المرتبة بدقة ومن حيث المعنى معقول جدا لأن الاحتباء يجلب النعاس والنعاس يجلب النوم وفي ذلك تعريض لهذا المحتبي أن يخسر أمرا واحدا من أمرين لابد منه ألا وهو أن لا يستفيد من خطبة الخطيب هذا جوابي عما سألت.