اقتران العلم بالعمل (وهو من حسن الخلق). حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
(( يا أيها الذين ءامنو اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))،
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))،
(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))
وبعد: فقد ذكرنا أكثر من مرة أن من ثمرة العلم العمل وأن أي علم لا يقترن العمل به يكون العلم وبالا على صاحبه فلا جرم أنه قد جاء عن بعض السلف قوله " ويل للجاهل مرة وويل للعالم سبع مرات " فالمقصود من العلم العمل فلهذا فلا ينبغي لكم أن يكون همكم إنما هو العلم فقط بل أن يقترن العمل مع العلم ومن العلم الذي سار ذائعا ومنتشرا بين كل المسلمين لا فرق في ذلك بين عالم أو طالب علم أو غيرهم هو قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) هذا هو لفظ الحديث في الصحيحين ثم جاء الحديث بزيادة توضح المقصود المراد من الحديث بأوضح سبيل ألا وهو قوله عليه السلام ( من الخير ) أي ما يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير فالواجب على كل مسلم أن يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير وهذا الحب للخير لكل مسلم هو من مكارم الأخلاق والتي صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله فيها ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وأنا ألاحظ مع الأسف أن الناس اليوم يهتمون بالجانب الأوّل ألا وهو العلم ولا يهتمون بالجانب الآخر ألا وهو الأخلاق والسلوك فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكاد يحصر دعوته من أجل محاسن الأخلاق ومكارمها حينما يأتي بأداة الحصر فيقول ( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) فإنما ذلك يعني أن مكارم الأخلاق جزء أساسي من دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، والواقع أنني كنت في ابتداء طلبي للعلم وهداية الله عز وجل إياي إلى التوحيد الخالص واطلاعي على ما يعيشه العالم الإسلامي من البعد عن هذا التوحيد كنت أظن أن المشكلة في العالم الإسلامي إنما هي فقط ابتعادهم عن فهمهم لحقيقة معنى لا إله إلا الله ولكني مع الزمن صرت أتبين أن هناك مشكلة أخرى في هذا العالم تضاف إلى المشكلة الأولى الأساسية ألا وهي بعدهم عن التوحيد المشكلة الأخرى أنهم أكثرهم لا يتخلقون بأخلاق الإسلام الصحيحة إلا بقدر زهيد لقد جاءت أحاديث كثيرة تترا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمر بحسن الخلق فقد جاء في بعضها أن رجل استوصى أو طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصية فقال له عليه الصلاة والسلام ( عليك بحسن الخلق ) عليك بحسن الخلق وجاء في الحديث الآخر وهو حديث عظيم جدا ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الرّجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) إن كثيرا من المتعبدين تراهم صوّاما قائمين في الليل والناس نيام ومع ذلك فلم يتخلقوا بأخلاق الإسلام إلا بقدر زهيد جدا فقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) أمره عظيم جدا لأن من كان في معاملته مع المسلمين حسن السلوك فكأنه قام الليل وصام النهار ولذلك فعلينا نحن معشر المسلمين أن نقرن العلم إلى العمل والعمل هو منه حسن الخلق مع أخيك المسلم فأنا الوقت الذي أستبشر خيرا من تزاحمكم هذا التزاحم الشديد على الجلوس للطلب العلم بقدر ما يفرحني هذا يحزنني تدافعكم وتزاحمكم حتى لا يكاد الطفل الصغير يذهب بين أقدامكم فأذكّركم والذكرى تنفع المؤمنين أنكم يجب أن تتسموا وأن تتخلقوا بالسكينة فقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح ( إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة والوقار ولا تأتوها وأنتم تسعون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) إن المساجد هي بيوت الله تبارك وتعالى وهي تقصد ليس للصلاة فقط بل وللعلم وطالما سمعتم من المحاضرين والواعظين أن المساجد في الإسلام الأول لم تكن فقط من أجل الصلاة يصلّي الرجل أربع ركعات أو أقل أو أكثر ثم ينصرف وإنما كانت المساجد أيضا مدارس يتعلم الناس فيها العلم والسلوك والأخلاق فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر المسلم أنه إذا خرج من بيته إلى المسجد ألا يسعى وأن يمشي وعليه السكينة والوقار وأنتم تأتون إلى هذا المجلس لتلقي مثل هذا العلم الوارد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فعليكم أن تمشوا على السكينة والوقار فكيف وأنتم تركضون ما أقول ركض الدوابّ وإنما تركضون ركضا لا يليق بكم على اعتباركم طلابا للعلم فأرجو أن أراكم عند حسن الظن من العمل بما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذلك أن لا تتدافعوا وأن لا تتزاحموا وأن يكون عليكم السكينة والوقار فيما إذا قصدتم مجلس علم تريدون به التقرب إلى الله تبارك وتعالى هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين وأرجو أن لا أراكم مرة أخرى ألا كما ينبغي أن نراكم من حسن الخلق مع بعضكم بعضا والآن هاتوا ما عندكم من الأسئلة.
تفضل.