تفسير قوله تعالى : (( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هـذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) حفظ
الشيخ : قال الله تبارك وتعالى: ماسبق أخذنا فوائده ((وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما )) الفاعل فاعل القول هو الله عزوجل، وقوله: (( اسكن أنت وزوجك)) زوج معطوف على فاعل في ((اسكن)) ولا على أنت؟ على الفاعل في ((اسكن)) لأن ((انت)) توكيد للفاعل وليست هي الفاعل، لأن ((اسكن)) فعل أمر، وفعل لا يمكن أن يظهر فيه الفاعل لأنه مستتر وجوبا، وعلى هذا فأنت الضمير المنفصل وهذا توكيد للضمير المتصل وقوله: ((وزوجك)) هي حواء كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره، وقوله: ((الجنة)) اختلف العلماء، نعم أولا ((الجنة)) هي البستان الكثير الأشجار وسمي بذلك لأنه مستتر بأشجاره.
وهل المراد بالجنة جنة الخلد؟ أم هي جنة سوى جنة الخلد؟ ظاهر القرآن والسنة أنها جنة الخلد وليست جنة يعني ليست بستانا كثيرة الأشجار طيب المياه عذب المياه طيب الهواء لا، ولكنها جنة الخلد، لأن أل هنا للعهد الذهني، وقوله: (( وكلا منها رغدا حيث شئتما)) ((كلا منها)) أي من هذه الجنة ((رغدا)) أي أكلا هنيا ليس فيه تنغيص. ((حيث شئتما )) أي في أي مكان من هذه الجنة، ونقول أيضا وفي أي زمان لأن ((كلا منها)) فعل مطلق لم يقيد بزمان فهما يأكلان من أي مكان كان وفي أي زمن كان (( ولا تقربا هذه الشجرة)) فالشجرة أشار الله إليها ((هذه الشجرة)) ولم يقل شجرة كذا أو كذا بل أشار إليها بعينها، وأل في الشجرة للعهد الحضوري، لأن كل ما جاء بأل بعد اسم الإشارة فهو للعهد الحضوري إذ أن اسم الإشارة يعني الإشارة إلى شيء قريب، ((هذه الشجرة)) هل لنا أهمية في بيان نوعها ؟ لا، ولهذا لم يبين الله في القرآن ولا النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، ((فتكونا من الظالمين )) ((تكونا)) ولم يقل: فتكونان، لأنها وقعت جوابا للطلب وهو قوله: ((لا تقربا)) فالفاء هنا للسببية والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وقيل: إن الفعل منصوب بنفس الفاء، والأول للبصريين والثاني للكوفيين، والثاني هو المختار عندنا بناء على القاعدة أنه متى اختلف علماء النحو في إعراب كلمة أو جملة فإننا نأخذ بالأسهل مادام المعنى يحتمله.
(( فتكونا من الظالمين)) والظالم هو المعتدي، لأن أصل الظلم هو النقص، قال الله تعالى: (( كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا)) والظلم يكون بواحد من أمرين: إما بتفريط في واجب أو غلو فيه، أو انتهاك لمحرم، والمراد به هنا الانتهاك للمحرم يعني إن فعلتما فأنتما ظالمان لأنكما عصيتما الله.