تفسير الآية : (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشةً ومقتًا وساء سبيلاً )) . حفظ
قوله تعالى: (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ... ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا )) وقوله: (( ما نكح آباؤكم )) بناء على ما قررناه يكون المراد بما نكح الآباء العقد أي بما عقدوا عليهن سواء حصل الدخول أو لم يحصل وسواء حصل الوطء أم لم يحصل ، وقوله: (( آبائكم )) جمع أب وهو شامل للأب الأدنى ومن فوقه وهم الأجداد ، وشامل للجد من قبل الأب ومن قبل الأم ، وذلك لأن النكاح يكفي في تحريمه أدنى ملابسة بخلاف الإرث والنفقات فإنه في باب الإرث والنفقات لا يدخل في الآباء الأجداد في جهة الأم لكن في باب النكاح يدخل ، وذلك لأنه مكتفى فيه بأدنى ملابسة ، أرأيتم الرضاعة مثلا ؟ الرضاع يحرم النكاح لكنه لا يوجب أي شيء مما يوجبه النسب من نفقة أو تحمل دية أو صلة أو غير ذلك ، إذا (( آبائكم )) المراد من ؟ الآباء الأدنون والأعلون ، من قبل الأب ومن قبل الأم ، وقوله: (( من النساء )) هذه بيان لما الموصولة وذلك أن ما الموصولة وكذلك أسماء الشرط مبهمة يحتاج إلى بيان فيأتي في الغالب البيان بعدها مصدرا بمن (( من النساء إلا ما قد سلف )) " إلا " هنا أداة استدراك وليست أداة استثناء فهي بمعنى " لكن " فيعبر بعض العلماء عن مثل هذا بأنه استثناء منقطع ، ويعبر آخرون بأن " إلا " هنا بمعنى " لكن " وليست استثناء أصلا ، قال لأن الاستثناء لابد أن يكون المستثنى منه قد دخل في المستثنى منه ثم أخرج ، والمستثنى المنقطع لا يصدق عليه ذلك ، وعلى هذا فإذا جاء الاستثناء المنقطع فنجل " إلا " بمعنى " لكن " ويكون هذا من باب تناوب حروف بعضها عن بعض ، وقوله: (( إلا ما قد سلف )) أي: لكن ما مضى فإنه لا حرج عليكم فيه ولا يلحقكم فيه الإثم . فإن قال قائل: (( ما قد سلف )) لن يحلقهم الإثم فيه لأن الحكم لم يقرر بعد فكيف استدرك وقال: (( إلا ما قد سلف )) ؟ فالجواب ـ والعلم عند الله عزوجل ـ: أنه لما كان عقد النكاح أخطر العقود وأشدها استثنى ما سلف لئلا يظن الظان أن (( ما السلف )) ينسحب على الحكم ، ينسحب عليه الحكم الذي ثبت أخيرا ، فكأنه قال: لا تنكحوا ما نكح آبائكم النكاح وقد عفا الله عما سلف ، وقد عفا الله عما سلف لتطمئن النفوس ، وليس يعني ذلك أ، ما سلف من العقد يبقى ويقر عليه الإنسان بل يجب فصله ، والتفريق بين الإنسان والزوجة التي هي زوجة أبيه ، لأن هذا التحريم باق لم يزول وصفه ، وسيأتي إن شاء الله في أثناء الكلام على فوائد تفسير ذلك . ثم قال: (( إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا )) " إنه " الضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله: (( لا تنكحوا )) أي إن نكاحكم ، والضمير قد يعود على المصدر المفهوم من الفعل لدلالة السياق عليه كما في قوله تعالى: (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) " هو " أي العدل المفهوم من كلمة (( اعدلوا )) ، فقوله " إنه " إي نكاحكم ما نكح آبائكم (( كان فاحشة )) والآن ؟ كان فاحشة والآن ؟ فاحشة ، فعلى هذا تكون " كان " هنا مسلوبة الزمان جاءت لتحقق هذا ، لأن " كان " إذا سلبت الزمان كانت للتحقيق ، إذا نقول هذه كقوله تعالى: (( إن الله كان غفورا رحيما )) ليست معنى " كان " فيما مضى ولكن ثبت ثبوتا قطعيا أنه غفور رحيم ، هنا نقول (( كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا )) أي ثبت فحشه ، وقوله: (( فاحشة )) أي في نفسه (( ومقتا )) أي عند الله ، فنكاح ما نكح الآباء من النساء فاحشة في نفسه تستفحشه العقول والشرع وهو أيضا مقت والمقت أشد البغض (( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) أي كبر بغضا ، فالمقت أشد البغض (( وساء سبيلا )) (( ساء )) فعل الماضي من أنواع الأفعال الشتوية ، شتوية الجامد هو جامد في سياقه على هذا الوجه على أنه إنشاء يكون جامدا وإنما قيدت ذلك لأنه إذا جاء بمعنى الإساءة أو السيئة صار متصرفا ، كما قال تعالى: (( ليسوءوا وجوهكم )) يسوء هذه مضارع ساء ، فساء إذا كان المقصود بها إنشاء الذم صارت فعلا جامدا وإذا كان المقصود بها ضد ما يسر صارت متصرفا ، فلابد من قيد ، إذا أردت أن تقول ساء فعل جامد لابد أن تقول إذا كان المقصود بها إنشاء الذم ، وقوله: (( سبيلا )) أي طريقا ، فوصف الله عزوجل نكاح ما نكح الآباء بثلاثة أوصاف: أنه فاحشة ، وأنه مقت ، وأنه سبيل سيئ . أي نعم ، لكن ما فيها إشارة إلى الإرث وإلا نعلم . يصدق أن يهم بنكاح زوجة أبيه وغيرها .