الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.71 ميغابايت )
التنزيل ( 1479 )
الإستماع ( 463 )


  1. تتمة التعليق على قول شارح الطحاوية : " .... وحديث أبي سعيد الخدري أيضا في " الصحيحين " نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: ( كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: ( إنكم سترون ربكم عيانا، كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته )، الحديث أخرجاه في " الصحيحين " . وحديث صهيب رضي الله عنه المتقدم، رواه مسلم وغيره. وحديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) ، أخرجاه في" الصحيحين ". ومن حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: ( وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، فليقولن: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك ؟ فيقول، بلى يا رب )) . أخرجه البخاري في ((صحيحه)). وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا. ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول قالها، ولولا أني التزمت الاختصار لسقت ما في الباب من الأحاديث. ومن أراد الوقوف عليها فليواظب سماع الأحاديث النبوية، فإن فيها مع إثبات الرؤية أنه يكلم من شاء إذا شاء، وأنه يأتي لفصل القضاء يوم القيامة، وأنه فوق العالم، وأنه يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وأنه يتجلى لعباده، وأنه يضحك، إلى غير ذلك من الصفات التي سماعها على الجهمية بمنزلة الصواعق..." .

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وكيف تعلم أصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله ؟ وكيف يفسر كتاب الله بغير ما فسره به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسوله، الذين نزل القرآن بلغتهم ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ). وفي رواية: ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار )، وسئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى: (( وفاكهة وأبا ))، . ما الأب ؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟ وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه. وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة ؟ ومن قال: يرى لا في جهة، فليراجع عقله !! فإما أن يكون مكابرا لعقله أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة ..." مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.71 ميغابايت )
التنزيل ( 1525 )
الإستماع ( 462 )


  1. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وقوله : " وحكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك، ونحن. إلى تقرير رؤيته لجبريل أحوج منا إلى تقرير رؤيته لربه تعالى، وإن كانت رؤية الرب تعالى أعظم وأعلى، فإن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها ألبتة وقوله:"بغير إحاطة ولا كيفية"هذا لكمال عظمته وبهائه - سبحانه وتعالى، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به، كما يعلم ولا يحاط به علما. قال تعالى: (( لا تدركه الأبصار )). وقال تعالى: (( ولا يحيطون به علما )) . .وتفسيره على ما أراد الله وعلمه " إلى أن قال:" لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا "أي كما فعلت المعتزلة بنصوص الكتاب والسنة في الرؤية، وذلك تحريف الكلام الله وكلام رسوله عن مواضعه. فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له. فكل تأويل بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بيانا وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد، لم يكن بيانا ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم لا إنشاء... " مع تعليق الشيخ.

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخبارا بالذي عناه المتكلم، فإن لم يكن الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم. ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة: منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها: أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقوله: (( وكلم الله موسى تكليما )).و ( إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب ). فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الذي وضع له مع القرائن المؤكدة، كان صادقا في إخباره. وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه، وهو تأويل بالرأي، وتوهم بالهوى... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.65 ميغابايت )
التنزيل ( 1503 )
الإستماع ( 447 )


  1. تتمة التعليق على قول شارح الطحاوية " ... ولا شك أن الله قد حرم القول عليه بغير علم، قال تعالى: (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )). وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم )) فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، فيصدق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم هل خالفه أو وافقه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه، أو قد عرف مراده لكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو بتكذيبه - فإنه يمسك عنه، ولا يتكلم إلا بعلم، والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول. وقد يكون علم عن غير الرسول، لكن في الأمور الدنيوية، مثل الطب والحساب والفلاحة، وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية، فهذه العلم فيها ما أخذ عن الرسول لا غير ..." .

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ". هذا من باب الاستعارة، إذ القدم الحسي لا تثبت إلا على ظهر شيء. أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه. روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. وهذا كلام جامع نافع. وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو: أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالما، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا رسولا، فإذا عرف العامي المقلد عالما، فدل عليه عاميا آخر. ثم اختلف المفتي والدال، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي، دون الدال، فلو قال الدال: الصواب معي دون المفتي، لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت، فلزم القدح في فرعه ! فيقول له المستفتي: أنت لما شهدت له بأنه مفت، ودللت عليه، شهدت له بوجوب تقليده دونك، فموافقتي لك في هذا العلم المعين، لا تستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطئ.... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.71 ميغابايت )
التنزيل ( 1478 )
الإستماع ( 438 )


  1. تتمة التعليق على شرح الطحاوية : " ... فما المختار عندك ؟ فأجاب بالتفصيل، فقال: فيه منفعة، وفيه مضرة: فهو باعتبار منفعته فهو في وقت الانتفاع حلال أو مندوب أو واجب، كما يقتضيه الحال. وهو باعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام. قال: فأما مضرته، فإثارة الشبهات، وتحريف العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل بالابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص. فهذا ضرره في اعتقاد الحق، وله ضرر في تأكيد اعتقاد البدعة، وتثبيتها في صدورهم، بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل. قال: وأما منفعته، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف. قال: وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود. ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور، ولكن على الندور. انتهى ما نقلته عن الغزالي رحمه الله... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وكلام مثله في ذلك حجة بالغة، والسلف لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحا جديدا على معان صحيحة، كالاصطلاح على ألفاظ لعلوم صحيحة، ولا كرهوا أيضا الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق. ومن ذلك: مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة، فقد وعروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى وأحسن ما عندهم فهو في القرآن أصح تقريرا، وأحسن تفسيرا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد. كما قيل: لولا التنافس في الدنيا لما وضعت *** كتب التناظر لا المغني ولا العمد . يحللون بزعــم منهم عقـــــــــــــدا *** وبالذي وضعــوه زادت العــــقد . فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبه والشكوك، والفاضل الذكي الذي يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.75 ميغابايت )
التنزيل ( 1507 )
الإستماع ( 424 )


  1. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وكذلك قال أبو المعالي الجويني: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به. وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور. وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي، لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوما، فقال: ما تعتقد ؟ قال: ما يعتقده المسلمون، فقال: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به ؟ أو كما قال، فقال: نعم، فقال: أشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته. ولابن أبي الحديد الفاضل المشهور بالعراق: فيك يا أغلوطة الفكر*** حار أمري وانقضى عمري سافرت فيك العقول فما *** ربحت إلا أذى السفر فلحى الله الألى زعموا *** أنك المعروف بالنظر كذبوا إن الذي ذكروا *** خارج عن قوة البشر وقال الخوفجي عند موته: ما عرفت مما حصلته شيئا سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال: الافتقار وصف سلبي، أموت وما عرفت شيئا وقال آخر: أضطجع على فراشي وأضع الملحفة على وجهي، وأقابل بين حجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي منها شيء. ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلا تزندق، كما قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب. وقال الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. وقال: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه -ما خلا الشرك بالله - خير له من أن يبتلى بالكلام. انتهى... " مع تعليق الشيخ.

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك، التي كان يقطع بها، ثم تبين له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم - إذا سلموا من العذاب - بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب. والدواء النافع لمثل هذا المرض، ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله - إذا قام من الليل يفتتح صلاته -: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )، خرجه مسلم. توسل صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية. وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة: فجبريل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها. فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب. والله المستعان... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.73 ميغابايت )
التنزيل ( 1434 )
الإستماع ( 448 )


  1. تتمة تعليق الشيخ على شرح الطحاوية : " ... ثم قد صار لفظ التأويل مستعملا في غير معناه الأصلي. فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله: هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام. فتأويل الخبر: هو عين المخبر به، وتأويل الأمر نفس الفعل المأمور به. كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن ) . وقال تعالى: (( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق )). ومنه تأويل الرؤيا، وتأويل العمل، كقوله: (( هذا تأويل رؤياي من قبل )) . وقوله: (( ويعلمك من تأويل الأحاديث )) . وقوله: (( ذلك خير وأحسن تأويلا )). وقوله: (( سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )) ، إلى قوله: (( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا )) . فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل، والعلم بما تعلق بالأمر والنهي منه ؟ وأما ما كان خبرا، كالإخبار عن الله واليوم الآخر، فهذا قد لا يعلم تأويله، الذي هو حقيقته، إذ كانت لا تعلم بمجرد الإخبار، فإن المخبر إن لم يكن قد تصور المخبر به، أو ما يعرفه قبل ذلك، لم يعرف حقيقته، التي هي تأويله، بمجرد الإخبار. وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه، فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها، وما أنزل آية إلا وهو يحب أن يعلم ما عنى بها، وإن كان من تأويله ما لا يعلمه إلا الله. فهذا معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف، وسواء كان هذا التأويل موافقا للظاهر أو مخالفا له... " .

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... والتأويل في كلام كثير من المفسرين، كابن جرير ونحوه، يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالف، وهذا اصطلاح معروف. وهذا التأويل كالتفسير، يحمد حقه، ويرد باطله - وقوله تعالى: (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) ، الآية - فيها قراءتان. قراءة من يقف على قوله (( إلا الله )) ، وقراءة من لا يقف عندها، وكلتا القراءتين حق. ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله. ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد من وقف على قوله (( إلا الله )) أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاما لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: (( آمنا به كل من عند ربنا ))، وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله. ولقد صدق رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: ( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ) . رواه البخاري وغيره. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس، من أوله إلى آخره، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.72 ميغابايت )
التنزيل ( 1405 )
الإستماع ( 438 )


  1. تتمة التعليق على شرح الطحاوية : " ... الثاني: أن قوله: " كسائر المبتدعات " يفهم منه أنه ما من مبتدع إلا وهو محوي وفي هذا نظر. فإنه إن أراد أنه محوي بأمر وجودي، فممنوع، فإن العالم ليس في عالم آخر، وإلا لزم التسلسل، وإن أراد أمرا عدميا، فليس كل مبتدع في العدم، بل منها ما هو داخل في غيره، كالسماوات والأرض في الكرسي، ونحو ذلك، ومنها ما هو منتهى المخلوقات، كالعرش. فسطح العالم ليس في غيره من المخلوقات، قطعا للتسلسل، كما تقدم. ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال: بأن " سائر " بمعنى البقية، لا بمعنى الجميع، وهذا أصل معناها، ومنه " السؤر " ، وهو ما يبقيه الشارب في الإناء. فيكون مراده غالب المخلوقات، لا جميعها، إذ السائر على الغالب أدل منه على الجميع، فيكون المعنى: أن الله تعالى غير محوي - كما يكون أكثر المخلوقات محويا، بل هو غير محوي - بشيء، تعالى الله عن ذلك. ولا يظن بالشيخ رحمه الله أنه ممن يقول إن الله تعالى ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي النقيضين ، كما ظنه بعض الشارحين، بل مراده: أن الله تعالى منزه عن أن يحيط به شيء من مخلوقاته، وأن يكون مفتقرا إلى شيء منها، العرش أو غيره... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وفي ثبوت هذا الكلام عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه نظر، فإن أضداده قد شنعوا عليه بأشياء أهون منه، فلو سمعوا مثل هذا الكلام لشاع عنهم تشنيعهم عليه به، وقد نقل أبو مطيع البلخي عنه إثبات العلو، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وظاهر هذا الكلام يقتضي نفيه، ولم يرد بمثله كتاب ولا سنة، فلذلك قلت: إن في ثبوته عن الإمام نظرا، وإن الأولى التوقف في إطلاقه، فإن الكلام بمثله خطر، بخلاف الكلام بما ورد عن الشارع، كالاستواء والنزول ونحو ذلك. ومن ظن من الجهال أنه إذا"نزل إلى سماء الدنيا"كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم - يكون العرش فوقه، ويكون محصورا بين طبقتين من العالم. فقوله مخالف لإجماع السلف، مخالف للكتاب والسنة. وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني: سمعت الأستاذ أبا منصور بن حماد - بعد روايته حديث النزول - يقول: سئل أبو حنيفة رضي الله عنه ؟ فقال: ينزل بلا كيف. انتهى. وإنما توقف من توقف في نفي ذلك، لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف، ولذلك ينكر بعضهم أن يكون فوق العرش، بل يقول: لا مباين، ولا مجانب، لا داخل العالم ولا خارجه، فيصفونه بصفة العدم والممتنع، ولا يصفونه بما وصف به نفسه من العلو والاستواء على العرش، ويقول بعضهم بحلوله في كل موجود، ويقول: هو وجود كل موجود ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. وسيأتي لإثبات صفة العلو لله تعالى زيادة بيان، عند الكلام على قول الشيخ رحمه الله: " محيط بكل شيء وفوقه " إن شاء الله تعالى. ... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.68 ميغابايت )
التنزيل ( 1239 )
الإستماع ( 423 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... قوله: " ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه " . النفي والتشبيه مرضان من أمراض القلوب، فإن أمراض القلوب نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، وكلاهما مذكور في القرآن، قال تعالى: (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ))، فهذا مرض الشهوة، وقال تعالى: (( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا )) . وقال تعالى: (( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم )) . فهذا مرض الشبهة، وهو أردأ من مرض الشهوة، إذ مرض الشهوة يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، ومرض الشبهة لا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته. والشبهة التي في مسألة الصفات نفيها وتشبيهها، وشبهة النفي أردأ من شبهة التشبيه، فإن شبهة النفي رد وتكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وشبهة التشبيه غلو ومجاوزة للحد فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وتشبيه الله بخلقه كفر فإن الله تعالى يقول: (( ليس كمثله شيء ))، ونفي الصفات كفر، فإن الله تعالى يقول: (( وهو السميع البصير )). وهذا أصل نوعي التشبيه، فإن التشبيه نوعان: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي يتعب أهل الكلام في رده وإبطاله، وأهله في الناس أقل من النوع الثاني، الذين هم أهل تشبيه المخلوق بالخالق، كعباد المشايخ، وعزير، والشمس والقمر، والأصنام، والملائكة، والنار، والماء، والعجل، والقبور، والجن، وغير ذلك. وهؤلاء هم الذين أرسلت لهم الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية ". يشير الشيخ رحمه الله إلى تنزيه الرب تعالى بالذي هو وصفه كما وصف نفسه نفيا وإثباتا. وكلام الشيخ مأخوذ من معنى سورة الإخلاص. فقوله: " موصوف بصفات الوحدانية " مأخوذ من قوله تعالى: (( قل هو الله أحد )) . وقوله: " منعوت بنعوت الفردانية "، من قوله تعالى: (( الله الصمد لم يلد ولم يولد )) . وقوله: " ليس في معناه أحد من البرية " من قوله تعالى: (( ولم يكن له كفوا أحد ))، وهو أيضا مؤكد لما تقدم من إثبات الصفات ونفي التشبيه. والوصف والنعت مترادفان، وقيل: متقاربان. فالوصف للذات، والنعت للفعل، وكذلك الوحدانية والفردانية. وقيل في الفرق بينهما: إن الوحدانية للذات، والفردانية للصفات، فهو تعالى متوحد في ذاته، متفرد بصفاته. وهذا المعنى حق ولم ينازع فيه أحد، ولكن في اللفظ نوع تكرير. وللشيخ نظير هذا التكرير في مواضع من العقيدة، وهو بالخطب والأدعية أشبه منه بالعقائد، والتسجيع بالخطب أليق. و (( ليس كمثله شيء )) . أكمل في التنزيه من قوله: (( ليس في معناه أحد من البرية )) ... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.46 ميغابايت )
التنزيل ( 1251 )
الإستماع ( 466 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... قوله: " والحوض - الذي أكرمه الله تعالى به غياثا لأمته - حق " . الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حد التواتر، رواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا، ولقد استقصى طرقها شيخنا الشيخ عماد الدين ابن كثير، تغمده الله برحمته، في آخر تاريخه الكبير، المسمى ب" البداية والنهاية ". فمنها: ما رواه البخاري رحمه الله تعالى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن قدر حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء ). وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليردن علي ناس من أصحابي، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصيحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك ) . رواه مسلم. وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك، قال: ( أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاة، فرفع رأسه مبتسما، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (( إنا أعطيناك الكوثر}(1)، حتى ختمها، ثم قال لهم: هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) . ورواه مسلم، ولفظه: ( هو نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ) ، والباقي مثله. ومعنى ذلك أنه يشخب فيه ميزابان من ذلك الكوثر إلى الحوض، والحوض في العرصات قبل الصراط، لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. وروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أنا فرطكم على الحوض ) . والفرط: الذي يسبق إلى الماء. وروى البخاري عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال: هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد: فأقول: إنهم من أمتي فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فقال: سحقا سحقا لمن غير بعدي». سحقا: أي بعدا. والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنه حوض عظيم، ومورد كريم، يمد من شراب الجنة، من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر. وفي بعض الأحاديث: أنه كلما شرب منه وهو في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حال من المسك والرضراض من اللؤلؤ قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء. وقد ورد في أحاديث: «إن لكل نبي حوضا، وإن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمها وأحلاها وأكثرها واردا». جعلنا الله منهم بفضله وكرمه. قال العلامة أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى في " التذكرة " : واختلف في الميزان والحوض: أيهما يكون قبل الآخر ؟ فقيل: الميزان، وقيل: الحوض. قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل. قال القرطبي: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم، كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط. قال أبو حامد الغزالي رحمه الله، في كتاب ((كشف علم الآخرة)): حكى بعض السلف من أهل التصنيف، أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله. قال القرطبي: هو كما قال، ثم قال القرطبي: ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تظهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء. انتهى. فقاتل الله المنكرين لوجود الحوض، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده يوم العطش الأكبر... " .

  2. تتمة التعليق على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... قوله: " والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار ". الشفاعة أنواع: منها ما هو متفق عليه بين الأمة، ومنها ما خالف فيه المعتزلة ونحوهم من أهل البدع. النوع الأول: الشفاعة الأولى، وهي العظمى، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. في " الصحيحين " وغيرهما عن جماعة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، أحاديث الشفاعة. منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ( أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فدفع إليه منها الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى: فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، قال: هكذا هو، وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ذنبك، ما تقدم منه وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، فيقول: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى». أخرجاه في " الصحيحين " بمعناه، واللفظ للإمام أحمد ... " .

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.46 ميغابايت )
التنزيل ( 1305 )
الإستماع ( 422 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... وأما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء، ففيه تفصيل: فإن الداعي تارة يقول: بحق نبيك أو بحق فلان، يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين: أحدهما: أنه أقسم بغير الله. والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقا. ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق إلا ما أحقه على نفسه، كقوله تعالى: ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) . وكذلك ما ثبت في " الصحيحين " من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه، وهو رديفه: يا معاذ، ( أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم ) . فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو أن لا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يقسم به، ولا أن يسأل بسببه ويتوسل به، لأن السبب هو ما نصبه الله سببا. وكذلك الحديث الذي في المسند من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قول الماشي إلى الصلاة: ( أسألك بحق ممشاي هذا، وبحق السائلين عليك ) ، فهذا حق السائلين، هو أوجبه على نفسه، فهو الذي أحق للسائلين أن يجيبهم، وللعابدين أن يثيبهم، ولقد أحسن القائل: ما للعباد عليه حق واجـــب *** كلا ولا سعـــي لديه ضائـــع . إن عذبوا فبعدله، أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع . فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: ( بحق السائلين عليك ) وبين قوله: ( بحق نبيك ) أو نحو ذلك ؟ فالجواب: أن معنى قوله: بحق السائلين عليك أنك وعدت السائلين بالإجابة، وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي، بخلاف قوله: بحق فلان - فإن فلانا وإن كان له حق على الله بوعده الصادق - فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل. فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي ! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة ؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء ! وقد قال تعالى: (( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين )). وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية. والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع، لا على الهوى والابتداع... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وإن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان، فذلك محذور أيضا، لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق ؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) . ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام، ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما أن يقول الرجل: اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ولم يكرهه أبو يوسف رحمه الله لما بلغه الأثر فيه. وتارة يقول: بجاه فلان عندك، يقول: نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك. ومراده أن فلانا عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا. وهذا أيضا محذور، فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه بعد موته، وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه، يطلبون منه أن يدعو لهم، وهم يؤمنون على دعائه، كما في الاستسقاء وغيره. فلما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه - لما خرجوا يستسقون -: " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا ". معناه بدعائه هو ربه وشفاعته وسؤاله، ليس المراد أنا نقسم عليك به، أو نسألك بجاهه عندك، إذ لو كان ذلك مرادا لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه العباس ..." مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.46 ميغابايت )
التنزيل ( 1231 )
الإستماع ( 460 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... وفي الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو شاة لها يعار، أو رقاع تخفق، فيقول: أغثني أغثني، فأقول: قد أبلغتك، لا أملك لك من الله من شيء )، فإذا كان سيد الخلق وأفضل الشفعاء يقول لأخص الناس به: لا أملك لكم من الله من شيء فما الظن بغيره؟ وإذا دعاه الداعي، وشفع عنده الشفيع، فسمع الدعاء، وقبل الشفاعة، لم يكن هذا هو المؤثر فيه كما يؤثر المخلوق في المخلوق، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي جعل هذا يدعو ويشفع، وهو الخالق لأفعال العباد، فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها، وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه. وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر، وأن الله خالق كل شيء...".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق ". قال تعالى: (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )) . أخبر سبحانه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو. وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم: فمنها: ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان - يوم عرفة - ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا، قال: (( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا )) إلى قوله: (( المبطلون )) ) . ورواه النسائي أيضا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى الإمام أحمد أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سئل عن هذه الآية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال: ( إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار ) . ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن حبان في صحيحه. وروى الترمذي عن أبي هريرة، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله آدم مسح على ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب، من هذا ؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود، قال: رب، كم عمره ؟ قال: ستون سنة، قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم، جاء ملك الموت، قال: أولم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال: أولم تعطها ابنك داود ؟ قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم، فنسيت ذريته، وخطئ آدم، فخطئت ) . ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وروى الإمام أحمد أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديا به ؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا ) . وأخرجاه في الصحيحين أيضا. وفي ذلك أحاديث أخر أيضا كلها دالة على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النار وأهل الجنة ..." مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.72 ميغابايت )
التنزيل ( 1259 )
الإستماع ( 392 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... قال القرطبي: وهذه الآية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها، فنذكر ما ذكروه من ذلك، حسب ما وقفنا عليه. فقال قوم: معنى الآية: أن الله أخرج من ظهر بني آدم بعضهم من بعض، قالوا ومعنى (( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم )) ، دلهم على توحيده، لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا. (( ألست بركم )) أي: قال، فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، كما قال تعالى في السماوات والأرض: (( قالتا أتينا طائعين )) ، ذهب إلى هذا القفال وأطنب. وقيل: إنه سبحانه وتعالى أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وإنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها. ثم ذكر القرطبي بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك، إلى آخر كلامه. وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول: حديث أنس المخرج في الصحيحين الذي فيه: ( قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ) . ولكن قد روي من طريق أخرى: ( قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار ). وليس فيه" في ظهر آدم ". وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين: أحدهما: كون الناس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة. والثاني: أن الآية دلت على ذلك، والآية لا تدل عليه لوجوه: أحدها: أنه قال: من بني آدم، ولم يقل: من آدم. الثاني: أنه قال: من ظهورهم، ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض، أو بدل اشتمال، وهو أحسن. الثالث: أنه قال: ذرياتهم ولم يقل: ذريته. الرابع: أنه قال: وأشهدهم على أنفسهم، ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار- كما تأتي الإشارة إلى ذلك - لا يذكر شهادة قبله. الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة للحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: (( إنا كنا عن هذا غافلين ))، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: (( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )). السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: (( إنا كنا عن هذا غافلين ))، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم. السابع: قوله تعالى: (( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم )) ، فذكر حكمتين في هذا الإشهاد؛ لئلا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره. ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة. الثامن: قوله:(( أفتهلكنا بما فعل المبطلون )) ، أي لو عذبهم بجحودهم وشركهم لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم بمخالفة رسله وتكذيبهم، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل. التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليه بهذا في غير موضع من كتابه، كقوله: (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) ، فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )). العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها وهذا شأن آيات الرب تعالى، فقال تعالى: (( وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون )) ، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. والله أعلم... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.45 ميغابايت )
التنزيل ( 1245 )
الإستماع ( 446 )


  1. الكلام على إثبات الصفات والأسماء لله عزوجل مع التسليم في ذلك.

  2. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " ... وقوله: " وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) فمن سأل: لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين " . أصل القدر سر الله في خلقه، وهو كونه أوجد وأفنى، وأفقر وأغنى، وأمات وأحيا، وأضل وهدى. قال علي رضي الله عنه: القدر سر الله فلا نكشفه...

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.73 ميغابايت )
التنزيل ( 1262 )
الإستماع ( 446 )


  1. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فإن قيل: كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه ؟ وكيف يشاؤه ويكونه ؟ وكيف تجتمع إرادته له وبغضه وكراهته ؟ قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقا، وتباينت طرقهم وأقوالهم. فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره. فالمراد لنفسه، مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد. والمراد لغيره، قد لا يكون مقصودا لما يريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضاؤه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما. وهذا كالدواء الكريه، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل، إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة، إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية، فهو سبحانه يكره الشيء، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سببا إلى أمر هو أحب إليه من فوته . من ذلك: أنه خلق إبليس، الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب سبحانه، تبارك وتعالى، وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه. ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها. ومنها: أنه يظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فخلق هذه الذات، التي هي أخبث الذوات وشرها، وهي سبب كل شر، في مقابلة ذات جبرائيل، التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادة كل خير، فتبارك خالق هذا وهذا. كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والدواء والداء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر. وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها مجال تصرفه وتدبيره، فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته. ومنها: ظهور آثار أسمائه القهرية، مثل: القهار، والمنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع العقاب، وذي البطش الشديد، والخافض، والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمال، لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء. ومنها: ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم ) . ومنها: ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير، الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه، ولا ينزله في غير منزلته التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على انتهائها إليه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك. فلو قدر عدم الأسباب المكروهة له لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة. ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر، لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح، التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر ..." مع تعليق الشيخ.

  2. تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح . " ... ومنها: حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت، فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه. ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالاة لله سبحانه وتعالى والمعاداة فيه، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر ومخالفة الهوى، وإيثار محاب الله تعالى، وعبودية التوبة والاستغفار، وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه. إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها. فإن قيل: فهل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب ؟ فهذا سؤال فاسد ! وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب، والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.... " .

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.72 ميغابايت )
التنزيل ( 1285 )
الإستماع ( 455 )


  1. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فإن قيل: كيف يتأتى الندم والتوبة مع شهود الحكمة في التقدير، ومع شهود القيومية والمشيئة النافذة ؟ قيل: هذا هو الذي أوقع من عميت بصيرته في شهود الأمر على غير ما هو عليه، فرأى تلك الأفعال طاعات، لموافقته فيها المشيئة والقدر، وقال: إن عصيت أمره فقد أطعت إرادته ! [و] في ذلك قيل: أصبحت منفعلا لما يختاره *** مني، ففعلي كله طاعات ! وهؤلاء أعمى الخلق بصائر، وأجهلهم بالله وأحكامه الدينية والكونية، فإن الطاعة هي موافقة الأمر الديني الشرعي، لا موافقة القدر والمشيئة، ولو كان موافقة القدر طاعة لكان إبليس من أعظم المطيعين له، ولكان قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون - كلهم مطيعين ! وهذا غاية الجهل. لكن إذا شهد العبد عجز نفسه، ونفوذ الأقدار فيه، وكمال فقره إلى ربه وعدم استغنائه عن عصمته وحفظه طرفة عين - كان بالله في هذه الحال لا بنفسه، فوقوع الذنب منه لا يتأتى في هذه الحال ألبتة، فإن عليه حصنا حصينا" فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي"فلا يتصور منه الذنب في هذه الحالة، فإذا حجب عن هذا المشهد وبقي بنفسه، استولى عليه حكم النفس، فهنالك نصبت عليه الشباك والأشراك، وأرسلت عليه الصيادون، فإذا انتفى عنه ضباب ذلك الوجود الطبعي، فهنالك يحضره الندم والتوبة والإنابة، فإنه كان في المعصية محجوبا بنفسه عن ربه، فلما فارق ذلك الوجود صار في وجود آخر، فبقي بربه لا بنفسه... " مع تعليق الشيخ.

  2. تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح " .... فإن قيل: إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه ؟ !. فالجواب: أن يقال: أولا: نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم. ويقال ثانيا: هنا أمران: قضاء الله؛ وهو فعل قائم بذات الله تعالى، ومقضي: وهو المفعول المنفصل عنه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة، نرضى به كله، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به. ويقال ثالثا: القضاء له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب تعالى، فمن هذا الوجه ونسبته إليه يرضى به. والوجه الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به. مثال ذلك: قتل النفس، له اعتباران: فمن حيث قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره - يرضى به، ومن حيث صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله - نسخطه ولا نرضى به... " .

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.70 ميغابايت )
التنزيل ( 1237 )
الإستماع ( 433 )


  1. الكلام على الفرقة الناجية والسواد الأعظم

  2. تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح " ... وقوله : " فمن سأل: لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين ". اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله - على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك، كما في الإنجيل: "يا بني إسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا ؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا "؛ ولهذا كان سلف هذه الأمة. التي هي أكمل الأمم عقولا ومعارف وعلوما - لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا ؟ ولم نهى عن كذا ؟ ولم قدر كذا ؟ ولم فعل كذا ؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورا، بحيث لا يتوقف فشفاء العي السؤال. ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره. قال القرطبي ناقلا عن ابن عبد البر: فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه - فلا بأس به، فشفاء العي السؤال. ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره ...".

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.71 ميغابايت )
التنزيل ( 1271 )
الإستماع ( 431 )


  1. تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح " ... (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) ، (( هو أهل التقوى وأهل المغفرة )). ونظائر هذا المعنى في القرآن كثيرة. ولا بد لكل عبد أن يتقي أشياء، فإنه لا يعيش وحده، ولو كان ملكا مطاعا فلا بد أن يتقي أشياء يراعي بها رعيته. فحينئذ فلا بد لكل إنسان أن يتقي، فإن لم يتق الله اتقى المخلوق، والخلق لا يتفق حبهم كلهم وبغضهم، بل الذي يريده هذا يبغضه هذا، فلا يمكن إرضاؤهم كلهم، كما قال الشافعي رضي الله عنه: رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه فلا تعانه. فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور. وأيضا فالمخلوق لا يغني عنه من الله شيئا، فإذا اتقى العبد ربه، كفاه مؤنة الناس. كما كتبت عائشة إلى معاوية، روي مرفوعا، وروي موقوفا عليها: ( من أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله، عاد حامده من الناس له ذاما ) . فمن أرضى الله كفاه مؤنة الناس ورضي عنه، ثم فيما بعد يرضون، إذ العاقبة للتقوى، ويحبه الله فيحبه الناس، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أحب الله العبد نادى: يا جبرائيل، إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبرائيل، ثم ينادي جبرائيل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ) ، وقال في البغض مثل ذلك... " .

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فقد بين أنه لا بد لكل مخلوق من أن يتقي: إما المخلوق، وإما الخالق. وتقوى المخلوق ضررها راجح على نفعها من وجوه كثيرة، وتقوى الله هي التي يحصل بها سعادة الدنيا والآخرة، فهو سبحانه أهل للتقوى، وهو أيضا أهل المغفرة، فإنه هو الذي يغفر الذنوب، لا يقدر مخلوق على أن يغفر الذنوب ويجير من عذابها غيره، وهو الذي يجير ولا يجار عليه. قال بعض السلف: ما احتاج تقي قط، لقوله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ، فقد ضمن الله للمتقين أن يجعل لهم مخرجا مما يضيق على الناس، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللا، فليستغفر الله وليتب إليه، ثم قال تعالى: (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ))، أي فهو كافيه، لا محوجه إلى غيره... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.43 ميغابايت )
التنزيل ( 1219 )
الإستماع ( 423 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " .... والقدر الذي لا ريب في دلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه، وأن الذي جحدوه هم القدرية المحضة بلا نزاع - هو ما قدره الله من مقادير العباد. وعامة ما يوجد من كلام الصحابة والأئمة في ذم القدرية يعني به هؤلاء، كقول ابن عمر، لما قيل له: يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف - أخبرهم أني منهم بريء، وأنهم مني برآء. والقدر، الذي هو التقدير المطابق للعلم - يتضمن أصولا عظيمة: أحدها: أنه عالم بالأمور المقدرة قبل كونها، فيثبت علمه القديم، وفي ذلك الرد على من ينكر علمه القديم. الثاني: أن التقدير يتضمن مقادير المخلوقات، ومقاديرها هي صفاتها المعينة المختصة بها، فإن الله قد جعل لكل شيء قدرا، قال تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا )) . فالخلق يتضمن التقدير، تقدير الشيء في نفسه، بأن يجعل له قدرا، وتقديره قبل وجوده. فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته، كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة، خلافا لمن أنكر ذلك وقال: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات! فالقدر يتضمن العلم القديم والعلم بالجزئيات. الثالث: أنه يتضمن أنه أخبر بذلك وأظهره قبل وجود المخلوقات إخبارا مفصلا، فيقتضي أنه يمكن أن يعلم العباد الأمور قبل وجودها علما مفصلا، فيدل ذلك بطريق التنبيه على أن الخالق أولى بهذا العلم، فإنه كان يعلم عباده بذلك فكيف لا يعلمه هو ؟ !! الرابع: أنه يتضمن أنه مختار لما يفعله، محدث له بمشيئته وإرادته، ليس لازما لذاته. الخامس: أنه يدل على حدوث هذا المقدور، وأنه كان بعد أن لم يكن، فإنه يقدره ثم يخلقه... ".

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " فويل لمن صار قلبه في القدر قلبا سقيما ، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما " . اعلم أن القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن. قال تعالى: (( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) ، أي كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان. فالقلب الصحيح الحي إذا عرض عليه الباطل والقبائح نفر منه بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها، بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر". وكذلك القلب المريض بالشهوة، فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك، بحسب قوة المرض وضعفه. ومرض القلب نوعان، كما تقدم: مرض شهوة، ومرض شبهة، وأردؤها مرض الشبهة، وأردأ الشبه ما كان من أمر القدر. وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة. فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته، و: ما لجرح بميت إيلام... وقد يشعر بمرضه، ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها، فيؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس له أنفع منه، وتارة يوطن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه، لضعف علمه وبصيرته وصبره، كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها، ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول: أين ذهب الناس فلي أسوة بهم! وهذه حال أكثر الخلق، وهي التي أهلكتهم. فالصابر الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده، إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول، (( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )) ... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 4.06 ميغابايت )
التنزيل ( 1336 )
الإستماع ( 367 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : " .... والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس: (( ولها عرش عظيم ))، وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو: سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات. فمن شعر أمية بن أبي الصلت: مجدوا الله فهو للمجد أهل *** ربنا في السماء أمســـى كبيرا بالبناء العالي الذي بهر النا *** س وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله بصــــــــر الع *** ين ترى حوله الملائـــك صورا الصور هنا: جمع"أصور"، وهو: المائل العنق لنظره إلى العلو. والشرجع: هو العالي المنيف. والسرير: هو العرش في اللغة. ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، الذي عرض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته: شهدت بأن وعد الله حـــق *** وأن النار مثوى الكافريـنا . وأن العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالميــنا . وتحمله ملائــــكة شــــــداد *** ملائكة الإلــــــه مســــومينا . ذكره ابن عبد البر وغيره من الأئمة. وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ) . ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: ( تخفق الطير سبعمائة عام ) ... " .

  2. قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وأما من حرف كلام الله، وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) ؟ وقوله: ( وكان عرشه على الماء ) . أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية ؟ وكان ملكه على الماء ؟ ويكون موسى عليه السلام آخذا من قوائم الملك ؟ ! هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول ؟ ! وأما الكرسي فقال تعالى: ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) . وقد قيل: هو العرش، والصحيح أنه غيره، نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه، وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) أنه قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى . وقد روي مرفوعا، والصواب أنه موقوف على ابن عباس. وقال السدي: " السماوات والأرض في جوف الكرسي بين يدي العرش " . وقال ابن جرير: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض ) . وقيل: كرسيه علمه، وينسب إلى ابن عباس. والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة، كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش. وإنما هو- كما قال غير واحد من السلف -: بين يدي العرش كالمرقاة إليه... " مع تعليق الشيخ.

الشيخ محمد أمان الجامي
العقيدة الطحاوية
الحجم ( 3.49 ميغابايت )
التنزيل ( 1155 )
الإستماع ( 358 )


  1. تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " ... وأما كونه فوق المخلوقات، فقال تعالى: (( وهو القاهر فوق عباده )) ، (( يخافون ربهم من فوقهم )) ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال المتقدم ذكره: ( والعرش فوق ذلك، والله فوق ذلك كله ) . وقد أنشد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه شعره المذكور بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره على ما قال: وضحك منه. وكذا أنشده حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله: شهدت بإذن الله أن محمدا *** رسول الذي فوق السماوات من عل وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما ***. له عمــــــل مـــــــــن ربه متقبل وأن الذي عادى اليهود ابن مريم *** رسول أتى من عند ذي العرش مرسل وأن أخا الأحقاف إذ قام فيـــــهم *** يجاهد في ذات الإلــــه ويعدل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأنا أشهد ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: أن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية: تغلب غضبي ) رواه البخاري وغيره. وروى ابن ماجه عن جابر يرفعه، قال: ( بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا إليه رءوسهم، فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة، سلام عليكم، ثم قرأ قوله تعالى: (( سلام قولا من رب رحيم ))، فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون ) . وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير قوله تعالى: (( هو الأول والآخر والظاهر والباطن )) بقوله: ( أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء ) . والمراد بالظهور هنا: العلو. ومنه قوله تعالى: (( فما اسطاعوا أن يظهروه )) ، أي يعلوه. فهذه الأسماء الأربعة متقابلة: اسمان منها لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه. وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده، قال: ( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك! أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك! أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، وقال بأصابعه! مثل القبة عليه ، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ) ... " .

  2. تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " وفي قصة سعد بن معاذ يوم بني قريظة، لما حكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات ) وهو حديث صحيح، أخرجه الأموي في مغازيه، وأصله في الصحيحين. وروى البخاري عن زينب رضي الله عنها: أنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: " زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات " . وعن عمر رضي الله عنه: أنه مر بعجوز فاستوقفته، فوقف معها يحدثها، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، حبست الناس بسبب هذه العجوز ؟ فقال: ويلك! أتدري من هذه ؟ امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة التي أنزل الله فيها: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله )) أخرجه الدارمي. وروى عكرمة عن ابن عباس، في قوله: (( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ))، قال: ولم يستطع أن يقول من فوقهم؛ لأنه قد علم أن الله سبحانه من فوقهم. ومن سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر، ولا ريب أن الله سبحانه لما خلق الخلق، لم يخلقهم في ذاته المقدسة، تعالى الله عن ذلك، فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فتعين أنه خلقهم خارجا عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات، مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم، لكان متصفا بضد ذلك؛ لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية: السفول، وهو مذموم على الإطلاق، لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده... " .