تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فإن أعرضوا )) عن الإجابة (( فما أرسلناك عليهم حفيظا )) تحفظ أعمالهم بأن توافق المطلوب منهم (( إن )) ما (( عليك إلا البلاغ )) وهذا قبل الأمر بالجهاد (( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة )) نعمة كالغنى والصحة (( فرح بها وإن تصبهم )) الضمير للإنسان باعتبار الجنس (( سيئة )) بلاء (( بما قدمت أيديهم )) أي قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها (( فإن الإنسان كفور )) للنعمة .
" (( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ))نعمة كالغنى والصحة(( فَرِحَ بِهَاوَإِنْ تُصِبْهُمْ ))الضمير للإنسان باعتبار الجنس(( سَيِّئَةٌ )) بلاء (( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ))أي قدموه، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها(( فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ ))للنعمة"، (( وإنا إذا أذقنا ))معلوم أن الله تعالى واحد فلماذا قال : (( إنا )) ؟ نقول: للتعظيم لإظهار العظمة والسلطة وقوة الملك((إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ))يعني أوصلناها إليه حتى كأنها طعام ذاقه لا يشك فيه، وقوله: (( منا ))لأن كل نعمة بنا فإنها من الله كما قال الله عز وجل : ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ))[النحل:53] (( منا رحمة ))يقول: " نعمة كالغنى والصحة " والمثال هنا لا يعني الحصر لكنه مثال، الغنى نعمة، الصحة نعمة، الأولاد نعمة، الأمن نعمة، نعم الله لا تحصى كما قال الله عز وجل: (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ))[ إبراهيم:34]إذا ما ذكره المؤلف على سبيل إيش ؟ التمثيل، والتمثيل لا يعطي الحصر، وقوله : (( فرح بها ))المراد بذلك فرح البطر والأشر، لا الفرح بالنعمة مع اعتقاد أنها من عند الله، فإن هذا مأمور به أن يفرح الإنسان بنعم الله وفي الحديث: (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه )ومن آثار النعمة الفرح، الإنسان إذا رزقه الله مالا فرح، إذا عافاه الله بعد المرض فرح، إذا تزوج فرح، إذا ولد له فرح، ولكن الفرح نوعان: فرح أشر وبطر فهذا مذموم، وفرح بنعمة الله تعالى مع التزام شريعته فهذا ممدوح ولا بأس به، ولا ينبغي أن يكون الإنسان كالحمار لا يفرح بنعمة ولا يتألم بنقمة، بل يجب أن يكون الإنسان إنساناً منفعلا مع الحوادث، يفرح في موضع الفرح ويغتم في موضع الاغتماء.
(( فَرِحَ بِهَاوَإِنْ تُصِبْهُمْ ))يقول المؤلف: " الضمير للإنسان باعتبار الجنس " أزال بذلك إشكالا وهو أن الآية: (( وإنا إِذَا أَذَقْنَاالإِنْسَانَ ))والإنسان يا أخ واحد ولا جماعة ؟ واحد، كيف يقول : ((وإن تصبهم ))فيعيد الضمير عليه جمعا ؟ نعم أجاب عنه المؤلف بأن المراد بالإنسان الجنس فيشمل كل إنسان، ويصح أن يقول: (( وإن تصبهم سيئة ))ضد رحمة، ولهذا فسرها المؤلف بالبلاء، ((بما قدمت أيديهم ))أي بما قدموا من إيش ؟ من المعاصي، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها، لو أنك فكرت أيما أكثر عملاً الأيدي أو الأرجل ؟ تأملوا يا جماعة، طيب مشيك من البيت إلى المسجد كم خطوة ؟ كم حركة ؟ والرجل ما تتحرك ؟ لو ما تتحرك الرجل ما مشيت؟فيقال: إن حركة الرجل في جنس واحد وهو المشي، لكن حركة اليد ما أكثر أنواعها فضلاً عن أفرادها، فالأعمال حقيقة إنما تزاول باليد لأنها أكثر من أي عضو في البدن مزاولة للأعمال، حتى لو قال قائل : اللسان أكثر من اليد، من يحصي كلمات اللسان ؟ نجيب عن هذا بما أجبنا عن المشي، بأنها من جنس واحد، لكن اليد تبطش تضرب تكتب تمحو، يعني لا تحصى أنواعها، فلذلك عبر بالأيدي عن النفس، ومن ذلك قوله تعالى:(( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً ))[يس:71]انتبه إلى هذا(( مما عملت أيدينا أنعاماً)) المراد ؟ أجيبوا ؟ المراد مما عملنا، لكن اللغة العربية واسعة تعبر بالأيدي عن النفس، ومن ثم نعلم أنه لا سواء بين خلقآدمبيد الله وبين عمل أيدي الله سبحانه وتعالى في الإبل ونحوها، قال : ((فإن الإنسان كفور ))شوف أعاد الإفراد بعد أن جاء الجمع(( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ ))هذا ابتدأها بالمفرد (( فإن الإنسان ))ختمها بالمفرد من أجل أن يشمل الإنسان مجتمعا أو منفردا فهذه حالة، ولكن من المراد بالإنسان هنا ؟ الظاهر والله أعلم أن المراد بذلك الكافر لأنه هو الذي ينطبق عليه فرح البطر والأشر والكفر إذا أصيب بسوء.
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فإن أعرضوا )) عن الإجابة (( فما أرسلناك عليهم حفيظا )) تحفظ أعمالهم بأن توافق المطلوب منهم (( إن )) ما (( عليك إلا البلاغ )) وهذا قبل الأمر بالجهاد (( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة )) نعمة كالغنى والصحة (( فرح بها وإن تصبهم )) الضمير للإنسان باعتبار الجنس (( سيئة )) بلاء (( بما قدمت أيديهم )) أي قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها (( فإن الإنسان كفور )) للنعمة . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور )) .
ومن فوائد الآية الكريمة : أنها تسلية للدعاة من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أن الداعي عليه إيش ؟ عليه البلاغة، وليس عليه أن يهدي الناس ولا يمكن ذلك، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بأنه رأى النبي وليس معه أحد فكيف نغضب إذا دعونا إلى الله ولم يستجب لنا أحد ؟ إذا كان الأنبياء وهم الأنبياء لا يستجاب لهم كيف بنا نحن ؟ ولهذا نرى بعض الدعاة إذا لم يجد مجيباً استحسر وترك الدعوة هذا غلط، لا يجوز أبدا أن تيأس من رحمة الله، ادع ثم ادع ثم ادع حتى لو أوذيت بدل أن يستجاب لك فلا تيأس.
طيب إذا في هذه الآية تسلية لمن ؟ للدعاة إلى الله عز وجل كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأنت إنما عليك البلاغ وما أجل أن تقوم بما عليك من البلاغ، أما أن الناس فيهتدون فلا، هذه واحدة .
ثانياً : بعض الناس يريد أن يهتدي الناس بين عشية وضحاها وهذا غلط ، هذا لا يمكن خلاف سنة الله عز وجل، إن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو إلى التوحيد فقط، وفي الآخر إلى الصلاة، ومع ذلك لم يستجب أكثرهم، لم يستجب ملؤهم، حتى ألجئوه إلى إيش ؟ إلى أن يهاجر ويدع بلده، فكيف بك أنت تعيش في قوم أفسدهم الاستعمار العسكري والفكري والخلقي، تريد أن يهتدوا بين عشية وضحاها، من أنت حتى تريد خلاف سنة الله عز وجل ؟ اصبر وبالتدريج، ولا حرج عليك فيما أرى أن تعامل الناس بالتدريج، لا حرج ما دام المقصود الإصلاح، فاصبر على بعض المعاصي ودرج الناس عليهم، يعني مثلاً لو أن إنسان حذر الناس من شرب الدخان الذي ابتلي به كثير من الناس فقال له الشارب: أنا ما أستطيع ، قال: ما فيه مانع كل يوم اشرب عشرة لمدة أسبوع، ثم ثمان لمدة أسبوع، حتى يتقاصر إلى آخر النهاية، هل هذا جائز أو لا ؟ هذا جائز، لأني الآن لم أقره على شرب الدخان، أقررته على بعض المفسدة من أجل أن أتوصل إلى زوال المفسدة نهائيا، وهذا من العلاج ومن الدعوة بالحكمة، وهذا كما أنه في الأمراض المعنوية الدينية فهو أيضاً في الأمراض البدنية، الطبيب يعالج المريض شيئاً فشيئا، ويصبر على ما به من مرض شيئاً فشيئا، ولا يعطه الدواء كاملا للحظة واحدة كما فعل البدوي لما أعطوه نوفالجين وقالوا: خذ هذا كل ست ساعات واحدة فاستبطأ الأمر قال: أخلي كل ست ساعات واحدة ! أبلع الجميع، فبلع الجميع فقضي عليه، نعم استعجل الأمر وهلك، اصبر عالج الشيء بالتي هي أحسن المهم أن تكون عازماً على إزالتها .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس حفيظاً على الأمة لا في حياته ولا بعد مماته، وعلى هذا فلا يستغاث به بعد موته ولا تطلب منه الهداية وإنما الهداية من عند الله عز وجل .
ومن فوائد الآية الكريمة : وجوب الإبلاغ، ولم يبين الله تعالى الوسيلة للإبلاغ، فنقول : كل وسيلة للإبلاغ فهي واجبة، والوسائل لها أحكام ومقاصد، فيما سبق الإبلاغ محصور يبلغ الإنسان أهل بلده ومن يفد إليها من الناس، الآن يمكنه أن يبلغ إيش ؟ أن يبلغ العالم كله، وحينئذ نسأل لو أن شخصا أمكنه أن يجعل له صفحة في الإنترنت أيجوز أن يفعل ؟ يجوز الإنترنت فيها أغاني فيها بلاوي...لا دخل له في ذلك، طيب إذا صار قبله أغنية وبعده أغنية ؟، لا يضره عمل عامل، عجيب ولو أن الذيقبله أغنية وبعده أغنية يفتتح بالأغاني ويختتم بالأغاني ؟، ليس له ذلك، إذا لا يبلغ ؟، يبلغ حتى لو قبله أغنية وبعده أغنية ؟ ما تقولون في قوله ؟ صحيح لأن الأغنية قبل وبعد ليست من فعله، هذا من فعل من يتصرف بهذه المحطة، لكن لا يجوز أن نترك الدعوة إلى الحق لأن في هذه الإذاعة مثلا أو المحطة فيها سيئة، هذا غير صحيح ونظرية قاصرة، زاحم أهل الباطل حتى يتبين الحق، ولا يضرك إذا دخلوا فيها أشياء منكرة، بعض الناس مثلا يقول لنا أو لغيرنا: لا تدخلوا إنترنت، كيف تدخلون فيها وفيها الأغاني وفيها البلاء ما يصير، أيها أولى أن ندخل في هذا المضمار لعل الله أن يهدي بنا واحد من الناس أو أن ندع المجال لأهل الشر ؟ الأول بلا شك،الأول أحسن.
ومثل ذلك ما يقال في الانتخابات إذا كان البلد مبنيا على الانتخابات، يقول بعض الناس: لا تنتخب، يا جماعة ما أرشح واحد من أهل الخير قال: لا، لأن الانتخابات فيها بلاء فيها رشاوي فيها أهواء، إذا كان فيها رشاوي وأهواء أنا لن أدخل في الرشاوي والأهواء ولكن أدخل في ترشيح رجل أعرف أن فيه خيرا، قالوا: إذا رشحت واحد يجيء مائةفاسق، طيب إذا كان مائة فاسق ليس معه مستقيم أو مائة فاسق معهممستقيم ؟ الثاني أحسن، وإذا قالوا: إن هذا لا يجدي ولا ينفع واحد في المائة ما في فائدة، نقول: لا بد أن يكون فيه فائدة إذا أخلص النية لله لابد أن يؤثر، لأن الكلمة لله ليست تؤثر لأن فلانا تكلم بها لكن تؤثر لأنها كلمة الله، واسمع إلى قول الله تعالى: (( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى )) وبعده:(( وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ))[التوبة:40] أو: وكلمةَ الله ؟ بالرفع لأنه لو قال: وكلمةَ الله دخلت في المفعول به،يعني وجعل كلمة الله، وكلمة الله هي العليا بجعله وبغير جعله، ولهذا تبين الآن أن قوله: (( وكلمة الله هي العليا )) لها موقع عظيم جدا، يعني أن كلمة الله هي العليا مهما جاءت هي العليا، ولا يخفي عليكم ما يتكرر في قصة موسى مع السحرة وفرعون، لما اجتمعوا وكان موسى واثقاً بنصر الله عز وجل ولهذا لما قالوا : (( اجعلنا لنا موعداً )) جعل لهم موعد في وسط الليل في حجرة مظلمة ؟ لا، متى ؟ في وضح النهار، وفي يوم الزينة يوم العيد: (( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ))[طه:59]شيء عجيب، جاء السحرة وجمع فرعون كيده:(( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ))[طه:64]فقال موسى كلمة واحدة قال : (( ويلكم )) كمل يا عبد الله ؟ (( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ))[طه:61]ما الذي حصل من هذه الكلمة ؟ اسمع:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) في الحال، الفاء تدل على الترتيب والتعقيب والسببية:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) وإذا تنازع الناس فلا تحدث عن الفشل، حدث ما شئت ولا حرج:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) ففشلوا، وفي النهاية أن هؤلاء السحرة الذين جاءوا يكيدون لموسى صاروا مع موسى وهددوا بالقتل والصلب ولكن أبوا، قالوا لفرعون: (( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ))[طه:72]مثلما نقول نحن : سوي الذي تريد،(( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) الله أكبر، الله أكبر، الإيمان إذا دخل القلب فلا تسأل عن الحزم والعزم والقوة،(( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) والذي لا يموت اليوم يموت غدا.
فالمهم إني أقول: إن بعض الناس إذا رأى الموقف غلب فيه الشر استحسر وتخلى وهذا غلط، خذ غمار القوم والنصر للحق، أنا ما دخلت مع هؤلاء لأوافقهم على باطلهم سأدافع عن الحق الذي اعتقده مهما أملك، ثم إنه من الحكمة أن يفتت القوم المجتمعون، يفتت يعني يؤخذوا واحدا واحدا ويتكلم مع كل واحد ويقال: يا فلان إيشالفائدة من هذا ؟ هذا إثم عليك، هذا سوء في الدنيا والآخرة،كما فعلت قريش في نقض الصحيفة الذين تعاهدوا فيها على مقاطعة بني هاشم والقصة مشهورة صار أحد المعارضين لهذه الصحيفة يأتي كبراءهم، الكبراء الذين وقعوا،ويأتيهم على واحد واحد ويقول: كذا وكذا حتى تفتتوا، وهذه من السياسة لأنك إذا فتت المجتمعين إيش ؟ زالت قوتهم وزال سلطانهم، وحصلت على الخير.
ومن فوائدها أيضا : أن الناس ينقسمون إلى قسمين :
قسم : إذا أصابته رحمة من الله فرح بها فرح أشر وبطر .
وقسم آخر : إذا أصابته رحمة الله تعالى فإنه يستعملها في طاعة الله، وهذا يستفاد من غير هذه الآية .
ومنها : التحذير من الفرح بنعمة الله إذا كان الفرح فرح أشر وبطر، وأما إذا كان فرح استبشار وسرور وقيام بطاعة الله فإنه يمدح قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58].
ومن فوائد الآية الكريمة : أن ما يصيب الإنسان من سيئة فإنما هو بسبب عمله لقوله : (( بما كسبت أيديهم )) .
ومن فوائدها : التعبير بالبعض عن الكل إذا كان لهذا البعض تأثير كبير لقوله : (( بما كسب أيديهم )) .
ومن فوائدها : أن الإنسان من حيث هو إنسان إذا أصابته السيئة كفر بمعنى أيس من رحمة الله تعالى أن يصرف عنه هذه السيئة، وأما المؤمن فإنه لا ييأس بل يصبر وينتظر الفرج إيمانا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً ) نعم .
الطالب : ...
الشيخ :ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قوماً أتوا إليه واشترطوا ألا يصلوا الصلوات الخمس فوافقهم على هذا وقال : ( إنهم إذا أسلموا صلوا ) نعم.
2 - فوائد قوله تعالى : (( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور )) . أستمع حفظ
في عصر النبي صلى الله عليه وسلم هناك مجتمعات متنوعة كالمجتمع الحبشي والمدنيي والمكي فهل كانت الآيات تنزل في بعضهم خاصة .؟
الشيخ :هو لا شك هذا ليس من أجل القوم حبشيين أو مكيين أو مدنيين هذه قاعدة عامة، يعني تنزل الآيات التي نزلت مثلاً في مكة على من كان مثل أهل مكة كما نزلت فيهم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
3 - في عصر النبي صلى الله عليه وسلم هناك مجتمعات متنوعة كالمجتمع الحبشي والمدنيي والمكي فهل كانت الآيات تنزل في بعضهم خاصة .؟ أستمع حفظ
في قوله : (( فإن الإنسان كفور )) هل المراد صيغة مبالغة .؟
الشيخ : هذه ما هي صيغة مبالغة، هذه صفة مشبهة يعني يكون من صفته الكفر، نعم .
في قوله تعالى : (( وإنا إذا )) ما حكم من يقول إن الخطاب الذي يكون في القرآن بصيغة الجمع عن الله تعالى هو من متاشبه القرآن .؟
الشيخ : هذا ما قاله إلا النصارى، تعرف النصارى؟ يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، الدليل ؟ قال: هذا القرآن :(( إنا نحن نزلنا الذكر )) (( إنا نحن نحي الموتى )) فجمع الله تعالى الضمير في الآيات الشرعية:(( إنا نحن نزلنا الذكر )) وفي الآيات الكونية:(( إنا نحن نحي الموتى )) إذا الله متعدد، وهو لا شبهة فيه عند المسلمين إطلاقا، المراد التعظيم وإظهار العظمة والسلطان والقوة والقدرة .
5 - في قوله تعالى : (( وإنا إذا )) ما حكم من يقول إن الخطاب الذي يكون في القرآن بصيغة الجمع عن الله تعالى هو من متاشبه القرآن .؟ أستمع حفظ
قراة الآيات القرآنية .
القارئ: (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ))[الشورى49:50].
تفسير قوله تعالى : (( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور )) .
القارئ: (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ))[الشورى49:50].
7 - تفسير قوله تعالى : (( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( أو يزوجهم )) أي يجعلهم (( ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما )) فلا يلد ولا يولد له (( إنه عليم )) بما يخلق (( قدير )) على ما يشاء .
الأول : أن يهب لمن يشاء إناثا .
الثاني : أن يهب ذكوراً .
الثالث : أن يهب ذكوراً وإناثاً .
الرابع : أن يجعل الإنسان عقيماً لا ذكور ولا إناث،
ذلك لأن الأمر أمر الله عز وجل ولا أحد يستطيع أن يخلق شيئاً من هذا بل الله وحده هو الخالق، قال : (( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )) " (( عليم )) بما يخلق (( قدير )) على ما يخلق " فهو يعلم ما يخلق عز وجل، وقدير على أن يخلق ما أراد.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( أو يزوجهم )) أي يجعلهم (( ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما )) فلا يلد ولا يولد له (( إنه عليم )) بما يخلق (( قدير )) على ما يشاء . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير )) .
ومن فوائدها أيضاً : اختصاص الله تبارك وتعالى بذلك، من أين نأخذ الاختصاص ؟
الطالب : ...
الشيخ : غلط ، إلا إذا كنت لم تفهم السؤال، والسؤال اختصاص الله تعالى بملك السماوات والأرض، إيش وجه ذلك ؟ وجه ذلك أن الله قدم الخبر، والخبر حقه التأخير، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.
فإن قال قائل : إذا قلتم : إن ملك السماوات والأرض خاص بالله، أليس الإنسان له ملك ؟ طيب قال الله تعالى :(( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ))[النساء:3]فللإنسان ملك فكيف الجمع بين قولنا : إن ملك السماوات والأرض خاص بالله وإثبات الملكية لغير الله ؟
الجواب: ملك الله تبارك وتعالى تام شامل ففيه شمول التصرف وفيه شمول المكان، بمعنى أن ملك الله تعالى تام من كل وجه، عام من كل وجه، ملك الإنسان قاصر لا من جهة العموم المكاني ولا من جهة عموم التصرف، فكلنا نملك لكن ملكنا إيش ؟ محدود، أنا أملك حقيبة ولا أملك حقيبة أخرى لغيري، فهو محدود.
ثانيا : ملك ناقص لا يمكنني أن أتصرف في ملكي كما أشاء، صحيح ؟ لا يمكن أن أتصرف في ملكي كما أشاء صحيح ؟ صحيح، لا يمكن أن أضيعه لأننا منهي عن إضاعة المال، لا يمكن أن أعذبه إذا كان حيوانا لأني منهي عن ذلك، لا يمكن أن آكل من ملكي ما شئت وأدع ما شئت، فالحيوان المحرم لا يجوز أن آكله ولو كان ملكي، المهم أن ملك الإنسان محدود وثانياً: ناقص، محدود لا يشمل كل شيء، ناقص لا يملك كل التصرف .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الله تبارك وتعالى يخلق ما يشاء من الأعيان والأوصاف، على أي كيفية وعلى أي صفة، ولهذا انظر إلى مخلوقات الله هل هي واحدة ؟ أجيبوا، لا، لا ليست واحدة تختلف اختلافا عظيما كبيرا في الشكل في الأيدي في الأرجل في الغذاء في كل شيء، فالله تعالى يخلق ما يشاء، لكن اعلم أن الله تعالى هدى كل مخلوق لما خلق له، قال الله تعالى حين موسى حين سأله فرعون : (( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ )) أي خلقه اللائق به (( ثُمَّ هَدَى )) أي هدى كل مخلوق لما خلق له، ولذلك تجد هذا المخلوق لا يأكل من هذا النوع من العشب والمخلوق الآخر يأكل منه، تجد هذا المخلوق لا يسكن هذا النوع من الأرض ويسكن أرضا أخرى، ومخلوق آخر بضده، الرمل مثلاً لا يسكنه النمل لأنه لا يملك الجحور، لكن يسكنه الحشرات أو الزواحف التي تندس في الرمل، لأن هناك زواحف صغيرة تندس في الرمل اندساساً تشاهدها كأنما يغوص السابح في الماء، وليس لها جحور، هناك أشياء لا تسكن هذا النوع من الأرض بل تسكن أرضاً صلبة حتى تبني لها الجحور، أشياء غريبة من مخلوقات الله، لأن الله سبحانه وتعالى أعطى كل شيء خلقه .
من فوائد الآية الكريمة : أن الأولاد هبة من الله عز وجل لقوله : (( يهب لمن يشاء ويهب )) والهبة هي العطية بلا عوض، فما هو العوض الذي علينا بالنسبة لله لهذه النعم؟ هو الشكر.
وهنا سؤال هل يجوز أن تسمي ابنك أو بنتك هبة الله ؟ نعم يجوز، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله : في السقط، السقط إذا سقط يعني الحمل، إذا سقط بعد أن تنفخ فيه الروح فسمه ولو مات في الحال سمه، فإذا جهلت أنه ذكر أو أنثى فسمه اسما يصلح لهما بأن تقول هذا هبة الله، تسميه هبة الله .
ومن فوائد الآية الكريمة : أنه لا اختيار للمرء بالنسبة للأولاد لقوله : (( يهب لمن يشاء )) فجعل الأمر راجعاً إلى مشيئته تبارك وتعالى.
ومنها أنه لا ينبغي للإنسان أن ييأس إذا أتاه إناث متتابعات، فإن بعض الناس إذا أتاه إناث متتابعات أيس وقال : لن يولد لي ذكر، وهذا غلظ، فالله تبارك وتعالى يخلق ما يشاء .
ومن فوائد الآية : تمام قدرة الله تبارك وتعالى حيث خلق من هذه النطفة وهي واحدة خلق منها ذكورا خلصا وإناثا خلصا، والثالث أصنافا ذكورا وإناثا مع أن الماء واحد ولكن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن العقم يعتبر نقصاً بالنسبة لمن يولد له لقوله : (( ويجعل من يشاء عقيماً )) بعد أن ذكر أن الأولاد هبة، فيكون العقيم موهوبا له أو لا ؟ لا، إذا هذا نقص.
ويتفرع على هذه القاعدة أن لو تبين زوج المرأة عقيما فلها الفسخ، فسخ النكاح، يعني لو أن أحداً تزوج امرأة وهو لا يعلم عن نفسه ثم تبين أنه عقيم، فلها أن تفسخ إما بنفسها تشهد اثنين تقول : إني فسخت نكاحي من فلان، أو بالقاضي تذهب وزوجها إلى القاضي فيفسخ النكاح وهذا حق لها، فإن قال الزوج : أنا ليس في عيب إنه يقدر على الوطء وإنه مستقيم خلقاً ودينا،ليش تفسخونها مني ؟ ماذا نقول ؟ نقول : لأن العقم عيب والمرأة لها حق في الأولاد، ولذلك يحرم على الزوج أن يعزل عن زوجته إلا بإذنها، لأنه إذا عزل عنها حرمها من الأولاد إلا أن تأذن .
ومن فوائد الآية الكريمة : إثبات هذين الاسمين الكريمين لله عز وجل وهما العليم والقدير.
ومن فوائدها أيضاً : إثبات ما دل عليه هذان الاسمان من صفة، العليم دل على إيش ؟ على العلم، والقدير؟ على القدرة، وكل اسم من أسماء الله متضمن لصفة أو أكثر، وليست كل صفة يشتق منها اسم، انتبه كل اسم من أسماء الله فهو متضمن إيش ؟ لصفة أو أكثر، ولا يشتق من كل صفة اسم لله، وبه نعرف أن الصفات أكثر من الأسماء.
ومن فوائد الآية الكريمة : إثبات المشيئة لله عز وجل لقوله تعالى : (( يخلق ما يشاء )) لا أحد يجبره على أن يخلق أنثى أو ذكر، بل له عز وجل المشيئة التامة في خلقه.
واعلم أنه كلما ذكرت المشيئة لله عز وجل فإنه مقرونة بالحكمة، انتبه لهذه النقطة، يعني أن مشيئة ليست مشيئة مجردة بل هي مقرونة بالحكمة، والدليل على هذا قول الله تعالى : (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )) أكمل: (( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))[الإنسان:30](( عليماً حكيماً )) بعد أن قال : (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )) فعلم من هذا أن مشيئة الله تابعة لعلمه وحكمته، وأنه لا يشاء شيئاً مشيئة مجردة بل لا بد أن تكون مقرونة بالحكمة، وهذا في كل نص يأتيك فيه ذكر المشيئة لله فاعلم أنها مقرونة بالحكمة.
ثم قال عز وجل لما ذكر خلقه سبحانه وتعالى وأنه هو الخالق له المشيئة المطلقة، ذكر شيئاً آخر وهو الشرع، لو تأملت الآيات القرآنية لوجدت أن الله تعالى يذكر الشرع قبل القدر ، اقرأ (( الرحمن * علم القرآن )) بعدها (( خلق الإنسان )) فبدأ بالشرع (( علم القرآن * خلق الإنسان )) (( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق )) فبدأ بالقراءة، وهكذا تجد هذه القاعدة مطردة إلا أن يكون هناك سبب لتقديم الخلق على الشرع، نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى .