رحلة النور-091
توضيح حكم البدعة وتقسيماتها وأن كل بدعة ضلالة وليس في الدين بدعة حسنة.
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))، (( يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءًا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ))، (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سَديدًا * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومَن يُطِع الله ورسولَه فقد فاز فوزًا عظيمًا )).
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
هذه الخطبة مما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح بها خُطَبه كلَّها وبخاصة يوم الجمعة، ويذكرُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في * اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم *: " أنَّ تكرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الإفتتاحية في خطبه كلها، والتي تسمى بـــــــ: خطبة الحاجة، كان من الحكمة في تكرارها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى بهذا التكرار لها أن يمكن من قلوب أصحابه قاعدة من قواعد الشرعية الإسلامية الهامة الكلية التي لا استثناء فيها، ألَا وهي قوله عليه الصلاة والسلام: ( كلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار ) "، يؤكد ابن تيمية -رحمه الله- أن مثل هذه العبارة التي كان رسولُ صلى الله عليه وآله وسلم يُكررها على مسامع أصحابه دون أن يُدخل فيها تخصيصًا ما وبحديثٍ آخر، فذلك مما يؤكد أنَّ هذا العموم هو على إطلاقه وشموله فلا يجوز لمؤمنٍ يشهد لله عز وجل بالوَحدانية ولنبيه بالرسالة أن يعارض هذه الكلية فيقول: ليس كل بدعة ضلالة، وليس كل ضلالة في النار:
أولًا: لأن هذه العبارة العامة لابد لها من تخصيص وليس لها تخصيص.
وثانيًا: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما ذكرنا آنفًا- كان يكررها في كل جمعة، فلا يُعقل أبدًا أن يكرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلية على مسامع أصحابه ثم لا يُتبع بها يومًا ما تخصيص ما، فهذا قرينة ما بعدها قرينة على بقاء هذه القاعدة على كليتها وشمولها وعمومها، وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرَّرها في بعض خطبهِ الأخرى، كما روى أصحاب السنن، أما خطبة الحاجة هذه التي ذكرناها فهي من حديث جابر -رضي الله عنع- وفي * صحيح مسلم *، إلا أنَّ زيادة: ( وكلَّ ضلالة في النار ) هي من رواية الإمام النسائي في * سننه الصغرى * وإسنادها صحيح - والحمد لله -.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه الكلية في غير ما مناسبة أخرى، منها ما أخرجه أصحاب السنن وفي مقدمتهم أبو داود، والترمذي وصححه، من حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: ( وَعَظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظةً وجِلَت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله! قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي، وإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ).
فها أنتم ترون وتسمعون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه القاعدة الكلية في خطبة أخرى وموعظة ألقاها على أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاء في رواية: ( أن العرباض قال: قلنا: يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا وصية لا نحتاج إلى أحدٍ بعدك أبدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله -إلى أن قال- وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلَّ مُحدَثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ):
إذا كان الأمر كذلك وأنَّ الأمر في كل بدعة إنما هي ضلالة مهما كان أمرها ويظن بعض الناس الحسن فيها، فذلك خطأ واضح لمخالفة ذلك التحسين لقوله عليه السلام: ( كلُّ بدعة ضلالة )، ولقد أكد هذه الكلية بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم تصريحًا، وبعضهم تلميحًا أو إشارة، فقد صحَّ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، حديث موقوف، قال ابن عمر، وهو كالبيان لما ذكرته آنفًا: " كلُّ بدعة ضلالة وإن رءاها الناس حسنة ".
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
هذه الخطبة مما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح بها خُطَبه كلَّها وبخاصة يوم الجمعة، ويذكرُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في * اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم *: " أنَّ تكرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الإفتتاحية في خطبه كلها، والتي تسمى بـــــــ: خطبة الحاجة، كان من الحكمة في تكرارها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى بهذا التكرار لها أن يمكن من قلوب أصحابه قاعدة من قواعد الشرعية الإسلامية الهامة الكلية التي لا استثناء فيها، ألَا وهي قوله عليه الصلاة والسلام: ( كلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار ) "، يؤكد ابن تيمية -رحمه الله- أن مثل هذه العبارة التي كان رسولُ صلى الله عليه وآله وسلم يُكررها على مسامع أصحابه دون أن يُدخل فيها تخصيصًا ما وبحديثٍ آخر، فذلك مما يؤكد أنَّ هذا العموم هو على إطلاقه وشموله فلا يجوز لمؤمنٍ يشهد لله عز وجل بالوَحدانية ولنبيه بالرسالة أن يعارض هذه الكلية فيقول: ليس كل بدعة ضلالة، وليس كل ضلالة في النار:
أولًا: لأن هذه العبارة العامة لابد لها من تخصيص وليس لها تخصيص.
وثانيًا: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما ذكرنا آنفًا- كان يكررها في كل جمعة، فلا يُعقل أبدًا أن يكرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلية على مسامع أصحابه ثم لا يُتبع بها يومًا ما تخصيص ما، فهذا قرينة ما بعدها قرينة على بقاء هذه القاعدة على كليتها وشمولها وعمومها، وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرَّرها في بعض خطبهِ الأخرى، كما روى أصحاب السنن، أما خطبة الحاجة هذه التي ذكرناها فهي من حديث جابر -رضي الله عنع- وفي * صحيح مسلم *، إلا أنَّ زيادة: ( وكلَّ ضلالة في النار ) هي من رواية الإمام النسائي في * سننه الصغرى * وإسنادها صحيح - والحمد لله -.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه الكلية في غير ما مناسبة أخرى، منها ما أخرجه أصحاب السنن وفي مقدمتهم أبو داود، والترمذي وصححه، من حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: ( وَعَظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظةً وجِلَت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله! قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي، وإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ).
فها أنتم ترون وتسمعون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه القاعدة الكلية في خطبة أخرى وموعظة ألقاها على أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاء في رواية: ( أن العرباض قال: قلنا: يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا وصية لا نحتاج إلى أحدٍ بعدك أبدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله -إلى أن قال- وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلَّ مُحدَثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ):
إذا كان الأمر كذلك وأنَّ الأمر في كل بدعة إنما هي ضلالة مهما كان أمرها ويظن بعض الناس الحسن فيها، فذلك خطأ واضح لمخالفة ذلك التحسين لقوله عليه السلام: ( كلُّ بدعة ضلالة )، ولقد أكد هذه الكلية بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم تصريحًا، وبعضهم تلميحًا أو إشارة، فقد صحَّ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، حديث موقوف، قال ابن عمر، وهو كالبيان لما ذكرته آنفًا: " كلُّ بدعة ضلالة وإن رءاها الناس حسنة ".
بيان الشيخ أن المسلمين يقتصد في سنة خير من أن يبتدع يشء وذكر أثر ابن مسعود رضي الله عنه: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد فيه بدعة " .
الشيخ : وجاء ما يشير إلى هذا -كما ألمحت آنفًا- قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا أيضًا: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد فيه بدعة " والسبب في هذا واضح جدًّا عند أهل العلم، لأن المقتصد في السنة في الإتيان ببعضها مأجور إذا كان في ذلك مُخلصًا عند الله تبارك وتعالى لاشك ولا ريب، وليس كذلك من اجتهد في الابتداع في الدين فذلك مردود على صاحبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )، لذلك كان قول ابن مسعود في منتهى الحكمة وفي منتهى الموعظة الحسنة حيث قال: " اقتصادٌ في سنة خير من اجتهاد في بدعة "، وهذا يعني أن المسلم مكفيٌ عن أن يُشغل عقله وفكره في أن يحدث في الدين ما لم يكن منه، ثم يجتهد هل هو حسنٌ فيعمل فيه، لا، لا حاجة إلى ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العبادات، تسع هذه العبادات أفضل الناس ولو كان داود -عليه الصلاة والسلام- الذي روى الإمام البخاري في * صحيحه * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( كان داود أعبدَ البشر ) فلو كان داود -عليه الصلاة والسلام- من أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستطع أن ينهض بكل العبادات التي جاء بها -عليه الصلاة والسلام- تأكيدًا لما جاء في حديثين اثنين:
الحديث الأول: ما أخرجه الإمام مسلم في * صحيحه * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما بَعث الله مِن نبي إلا كان حقًّا عليه أن يأمر أمته بخير ما يعلمه لهم ).
والحديث الثاني يتعلق بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاته حيث قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام الشافعي في *سننه* وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما تركت شيًئا يقربكم إلى الله إلّا وأمرتكم به، وما تركت شيئًا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه )، لذلك صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق " : فقد كفيتم أي: قد شرع لكم من العبادات ما يكفيكم ويزيد عليكم فما عليكم إلا الاتباع.
" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق "، ولذلك جاء عن ابن مسعود أيضًا قصةٌ رائعة جدًّا فيها تطبيق منه -ابن مسعود أعني- لما سبق من الأحاديث والأثار الموثوقة، ذلك ما أخرجه الإمام الدارِمي في * سننه * بسنده الصحيح: " أنَّ أبا موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- جاء صباح يوم إلى ابن مسعود في داره، فوجد الناس ينتظرونه فقال لهم متسائلًا: أَخرجَ أبو عبد الرحمن؟ -كنية عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن- أخرج أبو عبد الرحمن؟ قالوا: لا، فجلس ينتظره إلى أن خرج، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته، والحمد لله لم أر إلا خيرًا " :
أرجو الإنتباه للجمع بين قوله: والحمد لله لم أر إلا خيرًا، لكن قال: أنكرته كيف ينكر الخير، لأنه مما أحدث كما سيأتيكم البيان في تمام القصة إن شاء الله.
" قال ابن مسعود: وماذا رأيت ؟ قال: إن عشتَ فستراه! رأيت في المسجد حِلقًا حِلقًا وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا -أي: عددًا- واحمدوا كذا وكبروا كذا، وأمام كل رجل منهم حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال ابن مسعود: أفلا أنكرت عليهم؟ قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك، فعاد ابن مسعود إلى داره وخرج متقنعًا -لا يعرف- حتى وقف على الحلقات التي وُصفت له، فلما رآهم كما قيل له كشف عن وجهه اللثام والقناع، وقال: ويحكم ما هذا الذي تصنعون أنا صحابيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا حصى نعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال: عُدوا سيئاتكم وأنا ضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم ما أسرعَ هلكتكم، هذه ثيابه صلى الله عليه وآله وسلم لم تبلَ وهذه آنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده أإنكم لأهدى مِن أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو إنكم متمسكون بذنب ضلالة "، لا شك أن القضية الأولى مستحيلة أن يكونوا أهدى من جماعة الرسول عليه السلام فلم يبق إلا أنهم متمسكون لذنب ضلالة، " قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا الا الخير " : وهذا لسان المبتدعة جميعهم ما يريدون إلا الخير، ولكن شأنهم كما ستسمعون من كلام ابن مسعود الذي هو في منتهى الحِكمة قال: " وكم من مريد للخير لا يُصيبه "، كما قال الشاعر:
" ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها *** إنَّ السفينة لا تجري على اليبس ".
الحديث الأول: ما أخرجه الإمام مسلم في * صحيحه * عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما بَعث الله مِن نبي إلا كان حقًّا عليه أن يأمر أمته بخير ما يعلمه لهم ).
والحديث الثاني يتعلق بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاته حيث قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام الشافعي في *سننه* وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما تركت شيًئا يقربكم إلى الله إلّا وأمرتكم به، وما تركت شيئًا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه )، لذلك صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق " : فقد كفيتم أي: قد شرع لكم من العبادات ما يكفيكم ويزيد عليكم فما عليكم إلا الاتباع.
" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق "، ولذلك جاء عن ابن مسعود أيضًا قصةٌ رائعة جدًّا فيها تطبيق منه -ابن مسعود أعني- لما سبق من الأحاديث والأثار الموثوقة، ذلك ما أخرجه الإمام الدارِمي في * سننه * بسنده الصحيح: " أنَّ أبا موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- جاء صباح يوم إلى ابن مسعود في داره، فوجد الناس ينتظرونه فقال لهم متسائلًا: أَخرجَ أبو عبد الرحمن؟ -كنية عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن- أخرج أبو عبد الرحمن؟ قالوا: لا، فجلس ينتظره إلى أن خرج، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته، والحمد لله لم أر إلا خيرًا " :
أرجو الإنتباه للجمع بين قوله: والحمد لله لم أر إلا خيرًا، لكن قال: أنكرته كيف ينكر الخير، لأنه مما أحدث كما سيأتيكم البيان في تمام القصة إن شاء الله.
" قال ابن مسعود: وماذا رأيت ؟ قال: إن عشتَ فستراه! رأيت في المسجد حِلقًا حِلقًا وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا -أي: عددًا- واحمدوا كذا وكبروا كذا، وأمام كل رجل منهم حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال ابن مسعود: أفلا أنكرت عليهم؟ قال: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك، فعاد ابن مسعود إلى داره وخرج متقنعًا -لا يعرف- حتى وقف على الحلقات التي وُصفت له، فلما رآهم كما قيل له كشف عن وجهه اللثام والقناع، وقال: ويحكم ما هذا الذي تصنعون أنا صحابيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا حصى نعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال: عُدوا سيئاتكم وأنا ضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم ما أسرعَ هلكتكم، هذه ثيابه صلى الله عليه وآله وسلم لم تبلَ وهذه آنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده أإنكم لأهدى مِن أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو إنكم متمسكون بذنب ضلالة "، لا شك أن القضية الأولى مستحيلة أن يكونوا أهدى من جماعة الرسول عليه السلام فلم يبق إلا أنهم متمسكون لذنب ضلالة، " قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا الا الخير " : وهذا لسان المبتدعة جميعهم ما يريدون إلا الخير، ولكن شأنهم كما ستسمعون من كلام ابن مسعود الذي هو في منتهى الحِكمة قال: " وكم من مريد للخير لا يُصيبه "، كما قال الشاعر:
" ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها *** إنَّ السفينة لا تجري على اليبس ".
2 - بيان الشيخ أن المسلمين يقتصد في سنة خير من أن يبتدع يشء وذكر أثر ابن مسعود رضي الله عنه: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد فيه بدعة " . أستمع حفظ
تتمة شرح أثر ابن مسعود في عدم جواز التسبيح بالحصى.
الشيخ : " وكم من مريد للخير لا يصيبه، إنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا: ( إنّ أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، -أي: لا يصل إلى قلوبهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) "، قال راوي هذه القصة وهنا منتهى العبرة: " ولقد رأينا أولائك الأقوام -أي أصحاب حلقات الذكر- يقاتلوننا يوم النهروان ": أي: أصبحوا من الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن بقية الصحابة، فاستنبطتُ من هنا فائدة قياسًا على قول العلماء: " الصغائر بريد الكبائر "، استنبطت من هذه القصة نحو قولهم فقلت: " صغائر البدع بريد الكبائر من البدع "، ولذلك فالعبرة من هذه الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة ومن هذه القصة بصورة خاصة هو: أن لا يحتقرنَّ المسلم بدعة ما يقول: وإيش فيها؟ هكذا يقول المبتدعة حينما نناقشهم ونقول لهم: اتقوا الله ولا تحدثوا في دين الله ما لم يكن، ونذكر لهم بعض هذه الأحاديث، فيقولون مثلًا: إيش فيها؟ يستصغرون البدعة ينظروا إليها بعقولهم يستحسنونها فلا يشعرون أبدًا أنهم يقعون في نوع من الإعتزال، ذلك لأن المعتزلة مما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة حقًّا هو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، هذا يعرفه العلماء مِن ضلالات المعتزلة ويعنون بهذه الجملة أي: إن المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، يعنون أن المعتزلة يقولون: ما حَكَم العقلُ بحسنه فهو حسن، وما حكم العقل بقبحه فهو قبيح، أما أهل السنة كلهم دون اختلاف بينهم فيقولون: الحسن ما حسَّنه الشارع الحكيم، والقبيح ما قبحه الشارع الحكيم، فلا مجال لإدخال العقل في أمور التحسين.
تعالى ابتلاءً منه لعباده ليراهم رؤية واقعه هل يكفرون أم يشكرون ؟!
تعالى ابتلاءً منه لعباده ليراهم رؤية واقعه هل يكفرون أم يشكرون ؟!
شرح الشيخ لحديث من سن في الإسلام سنة حسنة، وأن الحديث لا يدل على الابتداع في الدين.
الشيخ : لذلك فقوله صلى الله عليه وآله وسلم ولعلي أستطيع أن أنهي هذه الكلمة بالحديث التالي، حتى نوفر بعض الوقت للإجابة على بعض الأسئلة، لذلك أقول فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في * صحيحه *، من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: ( كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه أعرابٌ مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فلمَّا رآهم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم تمعَّر وجهه -أي: تغيرت ملامح وجهه حُزنًا على حالة هؤلاء الأعراب مِن الفقر- فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة، وتلا قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم مِن قبل ما يأتي أحدكم الموت فيقولَ ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصّدَّق وأكن من الصالحين )) ثم قال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره، فقام رجل من الصحابة وانطلق إلى داره ليعود حاملًا في طرف ثوبه ما تيسر له من الصدقة، ووضعها أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى سائر الصحابة ما فعل صاحبهم قام كل منهم إلى داره أيضًا ليعود بما تيسر له من الطعام والصدقة، قال جرير: فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات كأكوام الجبال، فلما رأى ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم تنوَّر وجهه كأنه مذهبة -أي كأنه فضة مطلية بالذهب تلألأ نوراً، فرحا باستجابة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحضه لهم على الصدقة على أولئك القوم-، فقال صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المناسبة: من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيئاً ) إلى هنا ينتهي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في *صحيحه * والشاهد منه: أن مِن الخطأ الفاحش الآن وفي آخر الزمان أن يستدل بعض الناس بهذا الحديث ضربًا بتلك القاعدة العامة: ( كلُّ بدعة ضلالة وكلُّ ضلالة النار ) يستدلون بهذا الحديث على تخصيص تلك القاعدة، فيزعمون أن معنى الحديث: ( مَن سن في الإسلام سنة حسنة ): يزعمون أن معناه أنَّ من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، هذا منتهى العجمة ومنتهى اللكنة، حيث أن الحادثة كما سمعتم كلها تدور حول حض النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصدقة آية وقولًا منه، ثم استجاب له أولَ من استجاب ذلك الصحابي الأول ثم اتبعه سائر الصحابة، فقال حاضًّا لمن يريد أن يكون له أجر عمله وأجر من يتبعه على عمله أن يسُن سنة حسنة، فقال بهذه المناسبة أي: بمناسبة الصدقة وقيام الرجل الأول الذي هو سَنَّ تلك السنة في ذلك المكان، فقال عليه الصلاة والسلام: ( منْ سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) أي: من فتح طريقًا يؤدي هذا الطريق إلى سنة حسنة، من أين نعرف السنة الحسنة أمن عقولنا أم من شريعة ربنا ؟!
عرفتم الفرق بين أهل السنة وبين المعتزلة، المعتزلة يقولون: الحسن ما حسنه العقل، أما أهل الشرع فيقولون: الحسن ما حسنه الشرع، والدليل في نفس هذه القصة حيث أمر الله عباده بأن يتصدقوا قبل أن يأتيهم الموت، ثم أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ببعض أحاديثه كقوله: ( تصدق رجل بدرهمه -أقل شيء- بديناره بصاع بره بصاع شعيره )، فلما قام هذا الرجل فتح باب الصدقة فقد سنَّ سنة حسنة، هذه السنة الحسنة ليست من عنده وإنما مما سمعه من الموعظة الحسنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك كان له أجر صدقته وأجر من اتبعه في تلك الموعظة.
كذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: ( ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة ) من أين نعرف السنة السيئة أمن عقولنا أم من شريعة ربنا؟! فالجواب هو هو من الشرع التحسين والتقبيح، كلاهما من الشرع ولا مدخل للعقل فيه.
إذ الأمر كذلك فختامًا أقول: ينبغي على كل المسلمين أن يقفوا عند حدود العبادات التي جاءت واضحةً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يُدخلوا فيها زياداتٍ لم تأتِ لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن الصحابة ولا عن السلف الصالح، فلا جرم أن أهل العلم يقولون:
" وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف ".
عرفتم الفرق بين أهل السنة وبين المعتزلة، المعتزلة يقولون: الحسن ما حسنه العقل، أما أهل الشرع فيقولون: الحسن ما حسنه الشرع، والدليل في نفس هذه القصة حيث أمر الله عباده بأن يتصدقوا قبل أن يأتيهم الموت، ثم أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ببعض أحاديثه كقوله: ( تصدق رجل بدرهمه -أقل شيء- بديناره بصاع بره بصاع شعيره )، فلما قام هذا الرجل فتح باب الصدقة فقد سنَّ سنة حسنة، هذه السنة الحسنة ليست من عنده وإنما مما سمعه من الموعظة الحسنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك كان له أجر صدقته وأجر من اتبعه في تلك الموعظة.
كذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: ( ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة ) من أين نعرف السنة السيئة أمن عقولنا أم من شريعة ربنا؟! فالجواب هو هو من الشرع التحسين والتقبيح، كلاهما من الشرع ولا مدخل للعقل فيه.
إذ الأمر كذلك فختامًا أقول: ينبغي على كل المسلمين أن يقفوا عند حدود العبادات التي جاءت واضحةً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يُدخلوا فيها زياداتٍ لم تأتِ لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن الصحابة ولا عن السلف الصالح، فلا جرم أن أهل العلم يقولون:
" وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف ".
ما الرد على من يستدل على بدعته بقول عمر رضي الله عنه: " نعمت البدعة هذه " ؟
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فضيلة الشيخ كيف ترد على من يستدل على بدعته بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " نعم البدعة هي " ؟
الشيخ : قول عمر هذا: " نعمتِ البدعة هذه "، أخرجه الإمام البخاري في * صحيحه *، والمناسبة هناك أيضًا تبين هذه الكلمة كما بينت مناسبة حديث جرير المعنى الصحيح في الحديث المرفوع فيه: ( مَن سَنَّ سنة حسنة ) ( ومن سَنَّ سنة سيئة ) :
تعلمون جميعًا -إن شاء الله تعالى- أن قيام الليل الأصل فيه أنها من النافلة التي لا يُشرع التداعي فيها إلى صلاتها جماعة، وإنما يجوز ذلك أحيانًا دون تداعي وهذا له تفصيل آخر، ولذلك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحيي شيئًا من صلاة الليل مع جماعته كما لو كان يصلي الفريضة معهم إلا في آخر رمضان من حياته عليه الصلاة والسلام فقد خرج ليلة من الليالي فصلى في المسجد صلاة القيام، فانتبه لصلاته بعض الصحابة الحاضرين فاقتدوا به، ثم شاع هذا الخبر في المدينة، فلما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة الثانية خرج أيضًا وصلى صلاة القيام مع جماعة من الصحابة هم أكثر من الجماعة الأولى، ثم خرج عليه الصلاة والسلام الليلةَ الثالثة فغص المسجد بالمصليين، لأن الخبر شاع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في الليلة الفائتة وهي الليلة الثانية صلاة الجماعة مع قيام رمضان، أي: صلاة التراويح، فلمَّا كانت الليلةُ الرابعة وانتظر الناس خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما تأخر عن عادته في تلك الليالي الثلاث لم يصبر بعضُهم، ولعله كان حديث عهد بالإسلام، ولم يعرف أنْ كيف يمكنه أن يقدر ويوقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ بعض الحصيات يرمي بها بابَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ظنًّا منه لعله نائم، فخرج -عليه الصلاة والسلام- عليهم مُغضبًا وقال: ( أَمَا إِنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا إني فعلت ذلك عمدًا، إني خشيت أن تُكتب عليكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة ) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تعلمون في ربيع الأول ولم يدرك رمضان الآخر.
وجاءت خلافة أبي بكر والناس في كل خلافته التي كانت نحو سنتين ونصف يصلون في المسجد زُرافات ووحدانًا ليس هناك إمام يجمعهم، إلى أن جاءت خلافة عمر بن الخطاب والناس كذلك، وتعلمون أنه من هديه رضي الله عنه أنه كان يتحسس أحوال المسلمين، ليس في المسجد فقط بل وفي الأسواق، وذلك مِن عدله وفضله، فلمَّا رآهم يُصلون هكذا متفرقين قال: " لو جمعناهم على إمام واحد، ثم عزم على ذلك فأمر أُبيَّ بن كعب أن يصلي بالناس إمامًا فصلى "، فخرج عمر رضي الله عنه كعادته يتفقد المسلمين في المسجد فرآهم خلاف ما كانوا عليه من قبل في أول خلافته، وفي خلافة أبي بكر الصديق، رآهم يصلون خلف إمام واحد وبجماعة واحدة فقال رضي الله عنه بهذه المناسبة: " نعمةِ البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل "، يشير بقوله رضي الله عنه: " والتي ينامون عنها أفضل ": إلى أن تأخير صلاة الليل أفضل من التعجيل بها، ولكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لولا أنْ أشقَّ على أُمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) لأنه هو الأفضل ولكن دفعًا للمشقة كان عليه الصلاة والسلام لا يؤخرها، ولما أجمع عمر بن الخطاب أمره على أن يجمع المسلمين وراء إمام واحد كان من مقتضى الحكمة ألا يجعل هذا التجميع آخر الليل، لأن ليس كل الناس يستطيعون ذلك، ولذلك فهو جمع بين التشريع الميسر أو إعادة المسلمين إلى التشريع الميسر وهو في أول الليل مع التنبيه إلى أن التأخير هو الأفضل، فقال بهذه المناسبة: " نعمت البدعة هذه "، فقوله: البدعة ليس المقصود بها البدعة الشرعية التي عمم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذمَّها فيما تقدم من الأحاديث وبخاصة القاعدة: ( كلُّ بدعة ضلالة ) حاشا لعمر أن يعنيَ هذا المعنى، قوله: " نعمت البدعة ": إنما هو بدعة لغوية وليست البدعة بدعة شرعية هنا، لما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليالي، وأنه إنما ترك ذلك خشية أن يتوهم الصحابة من متابعة الرسول عليه السلام في كل ليلة من رمضان التجميع هذا في القيام ترك دفعًا لهذا المحذور، ولما انتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى وانتهت أحكام الشريعة فلم يبق لأحد أن يغير أو يُبدل، لذلك فتح الله على قلب أمير المؤمنين فأحيا هذه السنة، فباعتبار ترك الرسول عليه السلام لها واستمرار أبي بكر في كلّ حياته وعمر أيضًا في أول حياته على هذا الترك، سَمَّى هذا الإحياء بدعة أي: جديدًا باعتبار ما قبل ذلك، لكنها ليست بدعة شرعية يشملها عموم قوله عليه السلام لأن النبي سنها بفعله كما ذكرنا، ثم بحديث أخرجه الإمام أبي داود في *سننه* من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( مَن صلى صلاة العشاء مع الإمام ثم قام معه حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة )، لمجرد صلاته صلاة العشاء مع الجماعة والقيام معه كتب اللهُ له كأنه قام الليل كله، ففي هذا حضٌّ من قوله عليه الصلاة والسلام بإحياء صلاة التراويح مع الإمام فلا يمكن أن يُفسَّر قول عمر: " نعمت البدعة ": بأنه يعني البدعة الشرعية، كيف وقد فعلها رسول الله وحض عليها رسول الله ؟!
فهي سنة فعلية وسنة قولية أيدها عليه السلام بهذا الحديث الصحيح.
فضيلة الشيخ كيف ترد على من يستدل على بدعته بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " نعم البدعة هي " ؟
الشيخ : قول عمر هذا: " نعمتِ البدعة هذه "، أخرجه الإمام البخاري في * صحيحه *، والمناسبة هناك أيضًا تبين هذه الكلمة كما بينت مناسبة حديث جرير المعنى الصحيح في الحديث المرفوع فيه: ( مَن سَنَّ سنة حسنة ) ( ومن سَنَّ سنة سيئة ) :
تعلمون جميعًا -إن شاء الله تعالى- أن قيام الليل الأصل فيه أنها من النافلة التي لا يُشرع التداعي فيها إلى صلاتها جماعة، وإنما يجوز ذلك أحيانًا دون تداعي وهذا له تفصيل آخر، ولذلك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحيي شيئًا من صلاة الليل مع جماعته كما لو كان يصلي الفريضة معهم إلا في آخر رمضان من حياته عليه الصلاة والسلام فقد خرج ليلة من الليالي فصلى في المسجد صلاة القيام، فانتبه لصلاته بعض الصحابة الحاضرين فاقتدوا به، ثم شاع هذا الخبر في المدينة، فلما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة الثانية خرج أيضًا وصلى صلاة القيام مع جماعة من الصحابة هم أكثر من الجماعة الأولى، ثم خرج عليه الصلاة والسلام الليلةَ الثالثة فغص المسجد بالمصليين، لأن الخبر شاع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في الليلة الفائتة وهي الليلة الثانية صلاة الجماعة مع قيام رمضان، أي: صلاة التراويح، فلمَّا كانت الليلةُ الرابعة وانتظر الناس خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما تأخر عن عادته في تلك الليالي الثلاث لم يصبر بعضُهم، ولعله كان حديث عهد بالإسلام، ولم يعرف أنْ كيف يمكنه أن يقدر ويوقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ بعض الحصيات يرمي بها بابَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ظنًّا منه لعله نائم، فخرج -عليه الصلاة والسلام- عليهم مُغضبًا وقال: ( أَمَا إِنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا إني فعلت ذلك عمدًا، إني خشيت أن تُكتب عليكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة ) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تعلمون في ربيع الأول ولم يدرك رمضان الآخر.
وجاءت خلافة أبي بكر والناس في كل خلافته التي كانت نحو سنتين ونصف يصلون في المسجد زُرافات ووحدانًا ليس هناك إمام يجمعهم، إلى أن جاءت خلافة عمر بن الخطاب والناس كذلك، وتعلمون أنه من هديه رضي الله عنه أنه كان يتحسس أحوال المسلمين، ليس في المسجد فقط بل وفي الأسواق، وذلك مِن عدله وفضله، فلمَّا رآهم يُصلون هكذا متفرقين قال: " لو جمعناهم على إمام واحد، ثم عزم على ذلك فأمر أُبيَّ بن كعب أن يصلي بالناس إمامًا فصلى "، فخرج عمر رضي الله عنه كعادته يتفقد المسلمين في المسجد فرآهم خلاف ما كانوا عليه من قبل في أول خلافته، وفي خلافة أبي بكر الصديق، رآهم يصلون خلف إمام واحد وبجماعة واحدة فقال رضي الله عنه بهذه المناسبة: " نعمةِ البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل "، يشير بقوله رضي الله عنه: " والتي ينامون عنها أفضل ": إلى أن تأخير صلاة الليل أفضل من التعجيل بها، ولكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لولا أنْ أشقَّ على أُمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) لأنه هو الأفضل ولكن دفعًا للمشقة كان عليه الصلاة والسلام لا يؤخرها، ولما أجمع عمر بن الخطاب أمره على أن يجمع المسلمين وراء إمام واحد كان من مقتضى الحكمة ألا يجعل هذا التجميع آخر الليل، لأن ليس كل الناس يستطيعون ذلك، ولذلك فهو جمع بين التشريع الميسر أو إعادة المسلمين إلى التشريع الميسر وهو في أول الليل مع التنبيه إلى أن التأخير هو الأفضل، فقال بهذه المناسبة: " نعمت البدعة هذه "، فقوله: البدعة ليس المقصود بها البدعة الشرعية التي عمم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذمَّها فيما تقدم من الأحاديث وبخاصة القاعدة: ( كلُّ بدعة ضلالة ) حاشا لعمر أن يعنيَ هذا المعنى، قوله: " نعمت البدعة ": إنما هو بدعة لغوية وليست البدعة بدعة شرعية هنا، لما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليالي، وأنه إنما ترك ذلك خشية أن يتوهم الصحابة من متابعة الرسول عليه السلام في كل ليلة من رمضان التجميع هذا في القيام ترك دفعًا لهذا المحذور، ولما انتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى وانتهت أحكام الشريعة فلم يبق لأحد أن يغير أو يُبدل، لذلك فتح الله على قلب أمير المؤمنين فأحيا هذه السنة، فباعتبار ترك الرسول عليه السلام لها واستمرار أبي بكر في كلّ حياته وعمر أيضًا في أول حياته على هذا الترك، سَمَّى هذا الإحياء بدعة أي: جديدًا باعتبار ما قبل ذلك، لكنها ليست بدعة شرعية يشملها عموم قوله عليه السلام لأن النبي سنها بفعله كما ذكرنا، ثم بحديث أخرجه الإمام أبي داود في *سننه* من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( مَن صلى صلاة العشاء مع الإمام ثم قام معه حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة )، لمجرد صلاته صلاة العشاء مع الجماعة والقيام معه كتب اللهُ له كأنه قام الليل كله، ففي هذا حضٌّ من قوله عليه الصلاة والسلام بإحياء صلاة التراويح مع الإمام فلا يمكن أن يُفسَّر قول عمر: " نعمت البدعة ": بأنه يعني البدعة الشرعية، كيف وقد فعلها رسول الله وحض عليها رسول الله ؟!
فهي سنة فعلية وسنة قولية أيدها عليه السلام بهذا الحديث الصحيح.
ما حكم لبس القصير بالنسبة للفتيات الصغيرات ؟
السائل : فضيلة الشيخ ما حكم لبس القصير بالنسبة للفتيات الصغار ؟
الشيخ : طبعًا الصغر له أسنان وله أعمار، فلا أرى فيما إذا كانت البنت لم تبلغ سن السابعة أنه يجوز التساهل في إلباسها ما لا يستر عورتها، شريطة ألا يكون هذا اللباس من ألبسة الكفار أو الكافرات، لأن إدخال أزياء الكافرين والكفاراتِ في بيوت المسلمين فيه تطبيع وتعويد هؤلاء السكان على أن تميل عواطفهم مع نموهم وسنِّهم على أن يستحسنوا هذه الأمور فيعتادون ثم يصعب توجيههم وإعادتهم إلى السيرة الحسنة، فإذا كانت الفتاة لم تبلغ سن السابعة فلا بأس في اللباس القصير بهذا الشرط، أما إذا بلغت سن السابعة، هذه السن التي يجب على وليها رجلًا وامرأة زوجًا وزوجة أن يأمروها بالصلاة، ولا شك حينذاك أن الأمر بصلاتها يستلزمُ أمرها بكل لوازم الصلاة من شروط وأركان، لأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ):
لا يعني الرسول عليه السلام بهذا الحديث: ( مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ) : أنهم يؤمرون بالصلاة كيفما اتفق لهم، يعني ولو كانوا عُراة بحكم أنهم صغار غير مكلفين، لا، حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث ولي الولد سواء كان ذكرًا أو أنثى بأن يأمره بالصلاة، إنما ذلك لتعويده على هذه الصلاة حتى إذا نشأ وترعرع وبلغ سن التكليف يكون مهيأً كما يقولون اليوم: أتوماتيكياً ليباشر الصلاة دون ضغط ودون أمر وإنما استجابة من نفسه لأنها صارت جزءً من حياته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الأب والأم بأن يأمر فتاته الآن التي بلغت سن السابعة بأن تصلي، فمعنى ذلك أنه يأمرها أن تتعلم الوضوء ويأمرها أن تستر عورتها، فلابد لها من اللباس الطويل ومن الخمار منذ سن السابعة حتى تكون صلاةً شرعية، وإلا فلا أحد يمكن أن يقول: تؤمر بالصلاة وهي عارية لأنها غير مكلفة، قد كلف ولي أمرها أن يأمرها بالصلاة الشرعية، وليست الصلاة شرعية إلا إذا توفر معها شروطها وأركانها وواجباتها على الأقل، وبهذا القدر كفاية.
الشيخ : طبعًا الصغر له أسنان وله أعمار، فلا أرى فيما إذا كانت البنت لم تبلغ سن السابعة أنه يجوز التساهل في إلباسها ما لا يستر عورتها، شريطة ألا يكون هذا اللباس من ألبسة الكفار أو الكافرات، لأن إدخال أزياء الكافرين والكفاراتِ في بيوت المسلمين فيه تطبيع وتعويد هؤلاء السكان على أن تميل عواطفهم مع نموهم وسنِّهم على أن يستحسنوا هذه الأمور فيعتادون ثم يصعب توجيههم وإعادتهم إلى السيرة الحسنة، فإذا كانت الفتاة لم تبلغ سن السابعة فلا بأس في اللباس القصير بهذا الشرط، أما إذا بلغت سن السابعة، هذه السن التي يجب على وليها رجلًا وامرأة زوجًا وزوجة أن يأمروها بالصلاة، ولا شك حينذاك أن الأمر بصلاتها يستلزمُ أمرها بكل لوازم الصلاة من شروط وأركان، لأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ):
لا يعني الرسول عليه السلام بهذا الحديث: ( مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ) : أنهم يؤمرون بالصلاة كيفما اتفق لهم، يعني ولو كانوا عُراة بحكم أنهم صغار غير مكلفين، لا، حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث ولي الولد سواء كان ذكرًا أو أنثى بأن يأمره بالصلاة، إنما ذلك لتعويده على هذه الصلاة حتى إذا نشأ وترعرع وبلغ سن التكليف يكون مهيأً كما يقولون اليوم: أتوماتيكياً ليباشر الصلاة دون ضغط ودون أمر وإنما استجابة من نفسه لأنها صارت جزءً من حياته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الأب والأم بأن يأمر فتاته الآن التي بلغت سن السابعة بأن تصلي، فمعنى ذلك أنه يأمرها أن تتعلم الوضوء ويأمرها أن تستر عورتها، فلابد لها من اللباس الطويل ومن الخمار منذ سن السابعة حتى تكون صلاةً شرعية، وإلا فلا أحد يمكن أن يقول: تؤمر بالصلاة وهي عارية لأنها غير مكلفة، قد كلف ولي أمرها أن يأمرها بالصلاة الشرعية، وليست الصلاة شرعية إلا إذا توفر معها شروطها وأركانها وواجباتها على الأقل، وبهذا القدر كفاية.
اضيفت في - 2021-08-29