بيان الغاية من زيارة القبور.
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )) .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً )) .
أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إذن الزيارة زيارة القبور بدلالة هذا الحديث يجب أن تتضمن العظة والعبرة من الزيارة، ومعنى هذا أنه لا يجوز زيارة القبور من أجل شيء آخر مثلاً كالندب والبكاء والصياح واتخاذ القبور مجالس كما يفعلون ذلك في كثير من البلاد السورية وغيرها حيث يقصدون في هذه القبور في الأيام الثلاثة يالأولى، فهذا ينافي القصد من الزيارة كما سمعتم ( فإنها تذكركم الآخرة ) .
فهذا شيء مُعلَّل في نفس الحديث يبيِّن فيه الرسول عليه والسلام الغاية من الأمر من زيارة القبور بعد النهي عنها، كذلك يبيِّن لنا الرسول عليه الصلاة والسلام أدب الزيارة وماذا يقول المسلم إذا زار القبور فهو يسلِّم على مَن في القبور فيقول : ( السلام عليكم أهل قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أنتم لنا فَرَط ، ونحن لكم تَبَع، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم ) .
إذن غاية أخرى من شرعية زيارة القبور الدعاء للزائر وللمَزور ، (نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم اغفر لهم ، اللهم ارحمهم ) فإذا خرجت الزيارة عن هاتين الغايتين عن هذين الأمرين العبرة والعظة والدعاء بالعافية والسلامة فهي زيارة غير شرعية، هي زيارة بدعية، وهذا يعني من باب أولى أن الزيارة إذا أصبحت بقصد طلب البركة ، لقصد طلب الدعاء منهم ، لقصد الاستغاثة بهم ، بلا شك هذا أبعد وأبعد عن أن تكون مثل هذه الزيارة زيارة شرعية ، بل هي زيارة شركية بدعية .
تتمة لباب : " الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو ماله وفضل البلاء والمرض والحمى وما جاء فيمن فقد بصره " تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( لما نزلت (( من يعمل سوءا يجز به )) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها او الشوكة يشاكها ).
2 - تتمة لباب : " الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو ماله وفضل البلاء والمرض والحمى وما جاء فيمن فقد بصره " تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( لما نزلت (( من يعمل سوءا يجز به )) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها او الشوكة يشاكها ). أستمع حفظ
شرح حديث أبي بكر الصديد رضي اللع عنه : ( يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية : (( ليس بآمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به )) الآية ، وكل شيء عملناه جزينا به ؟ ... ) .
عن عائشة رضي الله عنه أن رجلاً تلا هذه الآية : (( من يعمل سوءاً يجز به )) فقال : إنا لنجزى بكل ما عملنا هلكنا إذن ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم يجزى به في الدنيا من مصيبة في جسده مما يؤذيه ) .
هذا بمعنى الحديث السابق .
لا بد أن أتلو أيضاً الحديث التالي لأنه بمعنى ما قبله حتى لا نعيد الموضوع عليكم وهو .
قوله : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : ( يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية : (( ليس بآمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به )) الآية ، وكل شيء عملناه جزينا به ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : غفر الله لك يا أبا بكر ألست؟ تمرض ألست تحزن ؟ ألست يصيبك اللأواء أي الشدائد قال : قلت بلى ، قال : هو ما تجزون به ) .
إذن هذا الحديث أوضح لنا معنى الآية على والوجه التالي (( من يعمل سوءاً يجز به )) أي في الدنيا لكن هذا الحكم يجب أن تعلموا أنه خاص بالمؤمن، أما الفاسق المغرق في العصيان وفي المعاصي ثم هو دائماً حديد شديد قوي البنية دائماً يعتنى بنفسه وبصحته بالمادية الدنيوية ولايفكر في آخرته مطلقاً ، هذا الإنسان لا يشمله مثل هذا النص القرآني الكريم ولذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: ( أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس أظن أنه ذكر فيه الحمى فسأل ذلك الرجل ما هي هذه الحمى فقال له عليه السلام ألم تصب بها ؟ قال لا ، قال عليه السلام : من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا ) هذا يدلكم أهمية ما يتبلى به الإنسان ليس فقط من أمراض وإنما أي شيء يؤذيه كما شرح لنا هذا الأمر بوضوع تام حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فالمؤمن إذن كل ما يرتكبه من المعاصي في الدنيا يجزى بها عن ما يبتلى به من أمراض ومصائب وأي شيء يحزنه، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين ونرجوا أن يجعلنا من الصابرين إذا ابتلانا بشيء ، نحن نسأل الله العافية والسلامة كما علمتم من دروسنا هذه في هذا الكتاب أن خير شيء يسأله الإنسان ربه هو العافية، ولكن ليس الأمر كما نشتهي نحن فقد نبتلى فإذا بلينا فذلك خير لنا، وهذا هو الموضوع كله يدور على الباب على هذه القضية تماماً هي أن المسلم إذا أصيب بمرض أو بأي مصيبة فعليه أن يحمد الله وأن يرضى فيتذكر قول الرسول عليه السلام أخيراً : ( عجب أمر المؤمن كله إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له -فأمر المؤمن كله خير- وليس ذلك إلا للمؤمن ) .
وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .
3 - شرح حديث أبي بكر الصديد رضي اللع عنه : ( يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية : (( ليس بآمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به )) الآية ، وكل شيء عملناه جزينا به ؟ ... ) . أستمع حفظ
شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فمسسته فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ... )
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يُوعك، فمسَسْتُه بيدي، فقلت: يا رسول الله إنك لَتُوعك وعكا شديداً، فقال : أجل ، إني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم، قلت : ذلك لأن لك أجرين، قال : أجل ما من مسلمٍ يُصيبه أذى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) رواه البخاري ومسلم .
هذا لفظ الحديث في الصحيحين والسياق للإمام مسلم ، إلا أنَّه وقع في نسختي سَقَط وقليل من التحريف، فمَن كان عنده نسخة فَلْيصحِّحْها ، فهو يقول هنا مثلا : ( دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمسَسْتُه )، والصواب : ( وهو يُوعك فمسَسْتُه ) ، جملة : ( وهو يوعك ) سقطت .
كذلك بعد قوله : ( فمسَسْتُه ) في * صحيح مسلم * : ( بيدي ) وهي ساقطة من هذه النسخة .
كذلك من الخطأ الواضح المخالف لأساليب السلف قوله : ( قلت : ذلك بأن لك أجرين )، هنا جاء : ( بأن لكم أجرين ) بدل ( لك ) جاء بصيغة جمع ، وهذا لا أصل له لا في البخاري ولا في مسلم .
ثم الجملة الأخيرة : ( إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحط الشجرة ) هنا جاء بالتاء ، وإن كان المعنى واحداً ، لكن الرواية بالطَّاء ، هنا : ( تحتُّ ) ، والذي في * صحيح مسلم * وكذلك * البخاري * : ( كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) .
أما قوله : ( وهو يُوعك ) : الوعك هو الحمَّى ، فابن مسعود رضي الله عنه دخل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد أصابته الحمَّاء ، واشتدَّت عليه الحرارة ، حتى وجد ابن مسعود حرارة بشرة النبي صلى الله عليه وسلم في يده لمَّا وضعها عليه ، ولذلك قال له : إنك لَتُوعك وعكاً شديداً ، فأقرَّه عليه السلام على ذلك بقوله : ( أجل ) أي : نعم .
( إنِّي أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) يُضاعَف له البلاء لِيُضاعف له الأجر ، وهكذا الشأن كلما ضُوعف البلاء على الإنسان وصبر على ذلك كلما تضاعفَ له الأجر، حتى كما جاء في بعض الأحاديث المتقدمة : ( يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة ) ، إذا اشتدَّ المرض بالإنسان وصبر على ذلك صبراً جميلاً فيكون جزاؤه عند الله عز وجل أن يغفر له خطاياته كلها ، قال عليه الصلاة والسلام: ( أجل إني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم، قلت : ذلك بأنَّ لك أجرين، قال : أجل، ما من مسلمٍ يُصيبه أذى من مرضٍ كما سواه إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) هذا الإطلاق أي: ( حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) هو منتهى الإحسان من الله عز وجل لعبده ، وهذا إنما يكون فيما إذا اشتدَّ عليه البلاء وصبر عليه هو الصبر الحسن .
4 - شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فمسسته فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ... ) أستمع حفظ
شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( أن رجلاً من المسلمين قال : يا رسول الله ، أرأيت هذه الأعراض التي تُصيبنا ما لنا بها ؟ قال : كفارات قال أُبَيُّ : يا رسول الله ، وإن قلَّتْ ؟ قال : وإن شوكة فما فوقها ... )
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أن رجلاً من المسلمين قال : يا رسول الله أرأيت هذه الأعراض التي تُصيبنا ما لنا بها ؟ قال : كفارات قال أُبَيُّ : يا رسول الله ، وإن قلَّتْ ؟ قال : وإن شوكة فما فوقها ) .
وإن كانت شوكة فما فوقها فهي كفَّارة ، ولكن الجزاء على نسبة المصيبة كما ذكرنا فكلما كانت المصيبة أكبر كان الجزاء أكثر.
إلى هنا ينتهى حديث الرسول عليه السلام في رواية أبي سعيد الخدري جواباً على قول أُبَيٍّ قال عليه السلام: ( وإن شوكة فما فوقها ) فدعا على نفسه أي أُبَيٌّ لمَّا علم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الأمراض التي يُصاب بها الإنسان وبخاصة الحمَّى هي كفَّارات ، دعا أبيٌّ على نفسه بأن لا تزال الحمى تصيبه ، " ( دعا على نفسه ألَّا يُفارقه الوعك حتى يموت ، وألَّا يشغله عن حجٍّ ولا عمرةٍ ، ولا جهادٍ في سبيل الله ، ولا صلاةٍ مكتوبة في جماعة ، قال : فما مسَّ إنسان جسده إلا وجد حرَّها حتى مات، رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن حبان في * صحيحه *، الوَعْكُ : الحمَّى ".
هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى شيء من التعليق إلا ما فعله أبيُّ ، فقد يُشكل على بعض الناس دعاؤه على نفسه بالحمَّى ، وهو في الواقع مشكل ، لأننا نذكر حديثاً ذكرناه أكثر من مرَّة حينما مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ يدعو ربَّه أنه ما كان معذِّبَه في الآخرة فليجعل هذا العذاب بلاء بالمرض في الدنيا ، فعلَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو خيراً وأن يقول : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ) ، لأن الانسان قد لا يصبر يطلب البلاء ثم يكون من جملة البلاء أن لا يصبر على البلاء ، فلذلك فالعاقل لا يدعو لا يطلب البلاء لنفسه ، ولكنه يطلب إن بُلِيَ من الله عز وجل أن يجعله من الصابرين عليه ، فكيف نجد هنا أبيّاً دعا على نفسه بالحمَّى ؟
يبدو لي أنَّ هذا الإشكال يزول فيما إذا تذكَّرنا تحفُّظه في دعائه ، إنه دعا ربَّه أن لا تزال الحمَّى تنتابه وتصيبه ولكن بشرط ألَّا تمنعَه هذه الحمَّى عن القيام بشيء من العبادات والطاعات ، فكأنه بهذه الطريقة وبهذا القيد جمع بين الثواب الذي يثيبه الله عزَّ وجلَّ بسبب صبره على الحمى وبين تمكُّنه من القيام بالواجبات والطاعات الأخرى التي يُثاب أيضا عليها .
ولما درست أحاديث هذا الباب وجدْتُ في حديث يأتي قريباً ما يشهد شهادة واضحة بما فعله أُبيُّ بنفسه ، بمعنى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرُّ مثل هذا الدعاء ، ولا بأس من أن نتلوَ عليكم ذاك الحديث لاتِّصاله اتِّصالاً وثيقاً بما نحن فيه .
يقول هنا في الحديث الرابع والسبعين : وعن جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنَتِ الحمَّى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : من هذه ؟ قالت : أمُّ مِلدم ، فأمر بها إلى أهل قُبا ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه فشكوا ذلك إليه ، فقال : ما شئتم إن شئتم دعوتُ الله فكشفَه عنكم ، وإن شئتم أن تكونَ لكم طهوراً قالوا : أو تفعله ؟ قال : نعم، قالوا : فدعها )
وهذه القصة كما ترون لها علاقة بأهل قباء أي : بالأنصار ، وأبيُّ بن كعب هو أنصاري ، فكأن ما دعا به على نفسه من الدعاء فإنه من هذا الحديث .
ولذلك فنستفيد من هذا الحديث الأخير والحديث الذي قبله ومن دعاء أُبَيّ على نفسه بأن تظلَّ الحُمَّى ملاصقة له أن الأمراض الخفيفة للإنسان الذي يعلم من نفسه القوَّة وبالجلد والصبر عليها له أن يدعو الله عز وجل بها لنفسه ، ولكن عليه أيضاً أن يضمَّ إلى هذا الدعاء أن يظلَّ في قوته للقيام بما فرضَ عليه من واجبات وليست مجرد أداء الصلاة فقط ، بل وحتى الخروج إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة كما سمعتم في قول أبيٍّ نفسه حيث قال : دعا على نفسه ألَّا يفارقَه الوعك حتى يموت ، وألَّا يُشغِلَه عن حجٍّ ولا عمرةٍ، العمرة ليست بفرض، ولا جهادٍ في سبيل الله كذلك الجهاد في سبيل الله في تلك الأيام غالباً كانت من نوع فرض الكفاية، ولا صلاةٍ مكتوبةٍ في جماعة فذكر الجماعة هنا ، فكأن الله عز وجل فيما يبدو استجابَ دعاءَه حيث قال راوي الحديث وهو أبو سعيد الخدري: ( فما مسَّ إنسانٌ جسدَه إلا وجد حرَّها حتى مات ).
بعد هذا الحديث ثلاثة أحاديث ضعيفة.
5 - شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( أن رجلاً من المسلمين قال : يا رسول الله ، أرأيت هذه الأعراض التي تُصيبنا ما لنا بها ؟ قال : كفارات قال أُبَيُّ : يا رسول الله ، وإن قلَّتْ ؟ قال : وإن شوكة فما فوقها ... ) أستمع حفظ
شرح حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صداع المؤمن وشوكة يُشاكها أو شيء يُؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ، ويكفِّر عنه بها ذنوبه ).
عن أبي سعيد الخدري ، وإسناده حسن ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( صداع المؤمن أو شوكة يُشاكها أو شيء يُؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ، ويكفِّر عنه بها ذنوبه ) .
هذا من الأحاديث التي تجمع بين تكفير الذنوب بسبب المرض وبين رفع الدرجات أيضاً في الجنة ، ولكن لا بدَّ أن نذكر دائما وأبدا أن التكفير وأن الرفع للدرجات يكون بحسب الأذى أو المصيبة التي تُصيب المسلم .
6 - شرح حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صداع المؤمن وشوكة يُشاكها أو شيء يُؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ، ويكفِّر عنه بها ذنوبه ). أستمع حفظ
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( إنَّ الله لَيبتلي عبده بالسقم حتى يكفِّرَ ذلك عنه كلَّ ذنب ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( إنَّ الله لَيبتلي عبده بالسقم حتى يكفِّرَ ذلك عنه كلَّ ذنب ) .
السقم هنا بقى يعني الشَّديد الوطأة ، المقرون كما ذكرنا أكثر من مرة بالصَّبر على ذلك فهذا يكفِّر الله له كلَّ ذنب ، هذا تعميم يجب أن يراعى مقابله مصيبة عظيمة مقرونة بالصبر والرضا على القدر ، هذا الحديث رواه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما ، وقوله : على شرطهما فيه تساهل كبير، لأن في إسناد الحديث رجلاً اسمه عبد الرحمن بن سلمان الحجري ، وهو ممن لم يخرِّج له البخاري شيئاً، فيكون الحديث صحيحاً على شرط مسلم فقط .
الحديث الذي بعده وكذلك الذي يليه ضعيفان.
7 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( إنَّ الله لَيبتلي عبده بالسقم حتى يكفِّرَ ذلك عنه كلَّ ذنب ). أستمع حفظ
الكلام على إسناد حديثي حديث أنس رضي الله عنه قال: ( إن الرب سبحانه وتعالى يقول وعزتي وجلالي لا أخرج أحدا من الدنيا أريد أغفر له ... ) وحديث يحي بن سعيد رضي الله عنه : ( أن رجلا جاءه الموت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل هنيئا له مات ولم يبتل بمرض ... )
8 - الكلام على إسناد حديثي حديث أنس رضي الله عنه قال: ( إن الرب سبحانه وتعالى يقول وعزتي وجلالي لا أخرج أحدا من الدنيا أريد أغفر له ... ) وحديث يحي بن سعيد رضي الله عنه : ( أن رجلا جاءه الموت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل هنيئا له مات ولم يبتل بمرض ... ) أستمع حفظ
شرح حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ( ما من عبدٍ يُصرع صرعة من مرض إلا بعثَه الله منها طاهراً ).
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ما من عبدٍ يُصرع صرعة من مرض إلا بعثَه الله منها طاهراً ).
يصرع : المقصود يعني ليس الصَّرع المعروف ، وإنما يرميه يطرحه على الفراش هذا المرض ، فإذا ما نجا منه وعافاه الله عز وجل خرج طاهرا من ذنوبه، رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في * الكبير * ورواته ثقات ، قال : " وهو صحيح أيضاً ".
9 - شرح حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ( ما من عبدٍ يُصرع صرعة من مرض إلا بعثَه الله منها طاهراً ). أستمع حفظ
شرح حديث جابر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أمِّ السَّائب أو أمِّ المُسيَّب فقال : ما لك تزفزفين ؟ قالت : الحمى ؛ لا بارك الله فيها فقال : لا تسبِّي الحُمَّى ؛ فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدم كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ).
يفسِّر ( تزفزفين ) قال : رُوِيَ برائين وبزائين ، تزفزفين وترفرفين، ومعناهما متقارب وهو الرِّعدة التي تحصل للمحموم ، هذا حديث صريح جدّا في فضل الحُمَّى وأنها تُطهِّر من ابتلاهُ الله بها بالشرط الذي نذكِّركم به دائما أبدا الصبر على ذلك ، فهذه الحمَّى تطهِّر صاحبها كما يطهِّر النار خبث الحديد ، وفيه أدب من الآداب الإسلاميَّة التي قلَّما يتنبَّه لها المسلمون خاصَّة اليوم ، وهي أنه لا يجوز سبُّ من يؤذيه لشيء ما لا سيَّما إذا كان المسبوب ليس مُكلَّفا ، يعني من الثقلين الإنس والجن ، وإنما قد يكون مرضا كالحمَّى هنا ، وقد يكون حيوانا ليس مُكلَّفا ، كما جاء في حديث صحيح : ( لا تسبُّوا الدِّيك ، فإنَّه يوقظ للصلاة ) ، ونحن نعلم من بعض البلاد أو الحارات أن بعض مَن لا خلاقَ لهم ومَن لا دينَ عندهم يتضجَّرون من الأذان على المنارة ، وعفوا أقول على المنارة مجازا لأنه لم يبق اليوم مَن يصعد على المنارة ، ولكن مكبِّر الصوت قامَ مقام المؤذِّن حينما يصعد على المنارة ، فيرتفع الصوت المؤذن بواسطة المكبِّر فيتضجَّر من هذا الصوت الذي فيه ذكر الله عز وجل مَن لا خلاق له من الناس ، وقد يشتم وقد يسبُّ ، وربما وصل السَّبُّ إلى مَن أرسل محمَّداً عليه السلام بدين الإسلام .
فهذا الحديث فيه نهي صريح عن أنه لا يجوز للمسلم أن يسب المرض، لماذا ؟ لأن هذا المرض ليس مُكلَّفا ليس عاقلا ليس هو الذي سلَّط نفسه على المريض ، وإنما الله تبارك وتعالى هو الذي سلَّط هذا المرض على هذا العبد ، ولذلك فلا ينبغي للمسلم أن يسبَّ هذا المرض ، لأن الله عز وجل هو الذي تصرَّف فيه ، ولعل من هذا الباب وله صلة وثيقة بهذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تسبُّوا الدَّهر ، فإن الله هو الدَّهر ) فلما الإنسان بيتوجَّه لثورة غضبية ولوم على الدَّهر وفعل وتصرَّف وإلى آخره ، كلٌّ منَّا يعرف أن الدَّهر ليس شيئاً مُكلَّفاً ، وإنما ربنا عز وجل هو الذي يتصرَّف في هذا الدَّهر كما يشاء ، فلذلك فلا يجوز سبُّ الدهر، لأن هذه المسبَّة تتوجَّه إلى الذي يتصرَّف بالدَّهر وهو الله تبارك وتعالى ، لذلك لا يجوز سبُّ الدهر كما لا يجوز بداهة ذمُّ القدر ، وهذا بلاء عمَّ كتاب المسلمين اليوم.
عليه الصلاة والسلام : ( لا تسبُّوا الدَّهر ، فإن الله هو الدَّهر ) فلما الإنسان بيتوجَّه لثورة غضبية ولوم على الدَّهر وفعل وتصرَّف وإلى آخره ، كلٌّ منَّا يعرف أن الدَّهر ليس شيئاً مُكلَّفاً ، وإنما ربنا عز وجل هو الذي يتصرَّف في هذا الدَّهر كما يشاء فلذلك فلا يجوز سبُّ الدهر، لأن هذه المسبَّة تتوجَّه إلى الذي يتصرَّف بالدَّهر وهو الله تبارك وتعالى ، لذلك لا يجوز سبُّ الدهر كما لا يجوز بداهة ذمُّ القدر ، وهذا بلاء عمَّ كتاب المسلمين اليوم الذين لا علمَ عندهم ، يصبُّون كلَّ غضبهم على القدر وفعل بفلان كذا وكذا وكذا وكذا وكذا وحتى قال قائلهم ممَّن لا يُقدِّر أو لعله لا يعرف معنى القدر ، شو قال ؟
" إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلا بدَّ أن يستجيب القدر "
هذا كفرٌ ، كفر لو كانوا يعلمون ، ليه ؟ لأنهم عكسوا العقيدة الاسلامية ، ربنا عز وجل يقول في صريح القرآن الكريم : (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) ونحن بالتجربة نعرف بعد الإسلام والعقيدة الإسلامية أنَّ أحدنا بل جماعات منَّا ، بل شعوب ، بل أمَّة تريد شيئاً ثم لا تصل إلى ذلك الشيء ، لأن الله عز وجل كما في صريح القرآن الكريم : (( غالب على أمره )) ، فهذا الذي نظم هذا البيت الكافر لم يفكِّر فيما قال أبداً ، ومع الأسف الشديد إن الشاعر أحياناً قد يقول الكلمة لا يلقي لها بالاً ، وهنا ينطبق قول الرسول عليه السلام : ( وإنَّ الرجل لَيتكلَّم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً ) فالشاعر قد يقول كلمة ولا يعي ولا يدري ولا يفكِّر إلى ما ترمي من الخطأ ومن الضلال ، ولكن العجب الذي لا ينتهي هذا الشاعر تكلَّم وتكلَّم ولم يعِ ولم يتنبَّه ، فما بال الناس يترنَّمون بهذا البيت ؟! حتى بعض المتفقِّهة مرة جاء بعض الزُّوَّار من ليبيا إلى الجامعة الإسلامية وإذا به يتكلَّم بمناسبة العمل ويأتي بهذا البيت من الشعر ، وهو رجل متفقِّه زعم !
الخلاصة : إن نسبة التصرف إلى غير الله عز وجل من غير المُكلَّفين هذا لا يجوز بل قد يعود على صاحبه بالكفر ، فسبُّ الحمى معنى ذلك أن الحمَّى شيء عاقلة تفكِّر تعرف من تُصيب بمرضها وبعلَّتها ، والأمر ليس كذلك ، إنما الله عز وجل هو الفعَّال لما يُريد .
10 - شرح حديث جابر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أمِّ السَّائب أو أمِّ المُسيَّب فقال : ما لك تزفزفين ؟ قالت : الحمى ؛ لا بارك الله فيها فقال : لا تسبِّي الحُمَّى ؛ فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدم كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ). أستمع حفظ
شرح حديث أم العلاء رضي الله عنها قالت : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريضة ، فقال: أبشري يا أمَّ العلاء ؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبثَ الذَّهب والفضة ).
وعن أم العلاء رضي الله عنها قالت : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريضة ، فقال: أبشري يا أمَّ العلاء ، فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبثَ الذَّهب والفضة ) .
أيضاً سقطت هنا من النسخة لفظة : ( الذهب ) ، النسخة تقول : ( كما تُذهب النَّار خبثَ الفضة ) ، رواه أبو داود ، وفي أبي داود زيادة : ( الذهب ) أي : ( كما تُذهب النَّار خبث الذَّهب والفضَّة ) .
11 - شرح حديث أم العلاء رضي الله عنها قالت : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريضة ، فقال: أبشري يا أمَّ العلاء ؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبثَ الذَّهب والفضة ). أستمع حفظ
الكلام على إسناد حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : ( إنَّما مثل العبد المؤمن حين يُصيبه الوعك والحمَّى كحديدةٍ تدخل النار فيُذهب خبثَها ويبقى طيبُها ) .
الحديث من حيث متنه ليس فيه خطأ ، وهو صحيح ، ولكن من حيث راويه الصحابي الذي عزاه إليه حيث قال : عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، والصواب : عبد الرحمن ابن أزهر بدل : أبي بكر ، هو عبد الرحمن بن أزهر ، هكذا جاء في الحاكم وفي غيره ، وستجدونه قريباً مخرَّجاً في المجلد الثالث من * سلسلة الأحاديث الصحيحة * برقم : ألف وسبع مئة وأربعة عشر.
وبهذا القدر كفاية .
والحمد لله رب العالمين.
12 - الكلام على إسناد حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : ( إنَّما مثل العبد المؤمن حين يُصيبه الوعك والحمَّى كحديدةٍ تدخل النار فيُذهب خبثَها ويبقى طيبُها ) . أستمع حفظ
شرح حديث فاطمة الخزاعية قالت: ( عاد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة فقال لها كيف تجدينك فقالت بخير ... ).
وفي الدرس الماضي وصل بنا الدور إلى الحديث السبعين في ترقيم نسختي، وهذا الحديث من تلك الأحاديث الصحيحة، وهو قوله :
وعن فاطمة الخزاعية قالت: ( عاد النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من الأنصار وهي وَجِعَة ، فقال لها : كيف تجدينك ؟ قالت : بخير ، إلا أنَّ أم ملدم قد برَّحت بي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اصبري ، فإنها تُذهب خبثَ ابن آدم كما تُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ) رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح .
هذا حديثٌ يُشبه حديثاً مضى في الدرس السابق ، إلا أن هذه المرأة يبدو أنها من الناحية النفسية كانت خيرا من تلك ، حيث أنها أجابت هذه المرأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما سألها عن حالها فأجابت بقولها : " بخير إلا أن أم ملدم " أم ملدم هي الحمى ، وهذه كنية لها ، لأنها تلدم صاحبها وتضربه ضربا بالأوجاع، تقول : " قد برَّحت بي " يعني: أصابتها البرحاء يعني الشِّدَّة ، ولزمتها هذه الحمَّى ، فأوصاها النبي صلوات الله وسلامه عليه كما هو شأنه مع كل من يراهم من المبتلين بقوله : ( اصبري فإنها -أي : الحمى- تُذهب خبث ابن آدم كما يُذهب الكير ) كور الحدَّاد ( خبث الحديد ) كذلك الحمى تذهب بخبث ابن آدم أي : بمعاصيه وذنوبه ، فحريٌّ بكلِّ من ابتُلي بمثل هذه الأمراض كالحمى أن يصبر على ذلك ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
الحديث الذي يليه مباشرة ضعيف الإسناد.
13 - شرح حديث فاطمة الخزاعية قالت: ( عاد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة فقال لها كيف تجدينك فقالت بخير ... ). أستمع حفظ
شرح أثر الحسن قال : " كانوا يرجون في حمّى ليلة كفَّارة لِمَا مضى من الذنوب ".
وعنه يعني الحسن قال : " كانوا يرجون في حمَّى ليلة كفَّارة لِمَا مضى من الذنوب " رواه ابن أبي الدنيا أيضاً ورواته ثقات .
هذا الحديث ليس فيه التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه أولا من رواية الحسن وهو الحسن البصري ، والحسن البصري قد عرفنا من دروسنا السابقة أنه رجل من أفاضل وكبار علماء التابعين وزهَّادهم وشجعانهم ، قد جمع كثيرا من الخصال التي قلَّما تتوفر في أفراد من الرجال ، إلا أنه من الناحية الحديثية فيه ما يمنع العالم بالحديث من الاحتجاج بحديثه في بعض الأحيان ، وذلك حينما يروى الحديث عن الصحابي ، بل وعمَّن دونه أيضا من التابعين بصيغة عن أو بصيغة قال أو بأيِّ صيغة أخرى لا يصرِّح فيها بسماعه للحديث من ذلك الصحابي أو غيره ، إذا لم يصرِّح بالسماع لا يحتج بحديثه مع جلالته وفضله، ذلك لأنه محشور عند العارفين بعلم الحديث ومصطلحه في زمرة المدلسين.
هذا الحديث نراه هنا أولا الحسن البصري لم يقل هنا عن صحابيٍّ معيَّن، وإنما ماذا قال؟ " كانوا يرجون " ، عن الحسن قال: " كانوا يرجون " فلم يذكر الرسول عليه السلام أولا مطلقا ، ثانيا: هنا نقطة حديثية أخرى " كانوا يرجون " الجمع هذا يعود إلى من " كانوا " ؟ إلى الصحابة أم إلى التابعين؟ هنا قاعدة عند علماء الحديث : إذا تكلم الصحابي فقال : " كانوا يرجون " أحد الصحابة ، فهو نصٌّ في أن الذين يعنيهم هم الصحابة ، أما إذا قال التابعي كما هنا : " كانوا " فهو يحتمل أنه يعني علماء زمانه يعني من التابعين ، ويمكن أنه يعني هؤلاء ومعهم بعض الصحابة الذين أدرَكَهم .
خلاصة القول : مثل هذا الحديث لا يُعطى له حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه أول ا لم يذكر فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا ، وثانيا لأن الذي يروي هذا الخبر هو تابعي وليس بصحابي ، لو كان الصحابي يقول هذا الكلام فيعني ذلك أن الصحابة كانوا يرجون.
على كلِّ حال الغرض من مثل هذا البحث وهذا التحقيق أنَّنا لا نزال مع أولئك الرَّاجين ، لا نقطع بفضل ما جاء في هذا الأثر عن الحسن البصري أن حمَّى ليلة كفارة الذُّنوب كلِّها ، لو كان حديثاً مرفوعا الرسول عليه الصلاة والسلام مُصرَّح في نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لَعضَضْنا عليه بالنواجذ ، لكن ما هو إلا رواية من الحسن عن علماء عصره ، بأنهم كانوا يرجون من حمَّى ليلة تُصيب المسلم أنها كفَّارة للذنوب.
الحديث الذي بعده ضعيف السند.
شرح حديث جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قالت أم ملدم فأمر بها إلى أهل قباء فلقوا منها ما يعلم الله فأتوه فشكوا ذلك إليه ... ) .
قوله : عن جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنَتِ الحُمَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذه ؟ قالت : أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قبا ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه فشكو ذلك إليه ، فقال : ما شئتم ، إن شئتم دعوتُ الله فكشفها عنكم ، وإن شئتم أن تكون لكم طهورا، قالوا : أو تفعل ؟! قال : نعم، قالوا : فدعها ) رواه أحمد ورواته رواة الصحيح ، وأبو يعلى ، وابن حبان في صحيحه ، وراه الطبراني بنحوه من حديث سلمان ، وقال فيه : فشكوا الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فدفعها عنكم ، وإن شئتم تركتموها وأُسقِطَت بقيَّة ذنوبكم، قالوا : فدعها يا رسول الله ) .
فهذا الحديث هنا له روايتان ، الأولى عن جابر والأخرى عن سلمان ، والمهم أن الحديث حديث صحيح ، وفيه غريبة من العلم النبوي الغيبي الذي لا تُدركه العقول مطلقاً مهما سَمَت وعَلَت وهي قوله أن الحمَّى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( من هذه ؟ ) قد يتبادر إلى الذهن جاءت لتدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مثلا ، ويمكن أن المقصود تستأذن في الدخول حيث هو في بلدته في المدينة المنورة ، المهم أن العلم الغريب في هذه الرواية أن الحمَّى كأنها شخص ههنا في هذا الحديث ، وما هي إلا كما نعلم مرض حرارة شديدة تُصيب الإنسان، فكيف الحمَّى تأتي ؟ وكيف تستأذن ؟ وكيف الرسول عليه السلام يسأل من هذه ؟ فتقول مجيبا عن سؤال الرسول : أمُّ ملدم، فيأمر الرسول عليه السلام بها إلى أهل قباء ، أي : إن الحمَّى التي استأذنت في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها ، وإنما أذن لها أن تذهب إلى قباء ، وقباء عبارة عن حارة محلَّة كانت قديما للأنصار الذين آمنوا بالرسول عليه السلام ونصروه ، وهي الآن أصبحت يعني محلَّة من المدينة بسبب اتصال البنيان بينها وبينها ، وهي من الناحية العربية يمكن قصرها ويجوز مدُّها ، فيُمكن أن تقول : " قُبا " ويمكن أن تقول : " قُباء " ، فهنا جاءت بالقصر ليس بالمدِّ ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر إذ ا الحمَّى أن لا تدخلَ المدينة وإنما تأتى قُبا .
قال جابر رضي الله عنه وهو من الأنصار : " فلقوا " أي أهل قُبا ، ( لقوا منها ما يعلم الله ) يعني من الشِّدَّة ومن المرض الذي يلزم صاحبه بسبب الحرارة الشديدة التي تنتابه، ( فأتوه ) رجع أهل قُبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكوا ذلك إليه ، يعني كانوا مرتاحين من هذا الوباء من هذا المرض ، فلما الرسول عليه السلام أذن لها أن تأتي إلى قُبا أصيبوا به ولقوا منه الألاقي ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم شكواهم خيَّرهم فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم ) ، لأن هذا من جملة البلاء ، ( وإن شئتم أن تكون لكم طهورا لذنوبكم فعلت ، قالوا : أو تفعله ؟ قال : نعم، قالوا : فدعها )
لما عرف أصحاب الرسول عليه السلام من الأنصار من أهل قُبا أن ببقاء الحمى في بلدتهم أجرا كبيرا وتكفيراً لذنوبهم صبروا ورضوا ، وكذا شأن المسلم يُؤثر ما قد يُتعبُه وما قد يُضنيه حينما يعلم أن له على ذلك أجراً ، وقد كنت ذكرت لكم في قصة أبيِّ بن كعب وهو من الأنصار الذي دعا على نفسه وستأتي قصَّته الآن أنّه لا يزال يعيش مُصاباً بالحمَّى ولكنه طلب في دعائه من ربه عز وجل أن لا تُضنيه ولا تُتعبه أن يظلَّ مستطيعا للجهاد في سبيل الله والخروج إلى المسجد ومسجد الرسول عليه السلام ونحو ذلك فكان أبيُّ بن كعب رضي الله عنه كلَّما مُسَّ في طرفٍ من بدنه فكأن بدنه نار بسبب الحمَّى ، ولكن ما أثَّرت فيه من ناحية الطاعة والعبادة ، وأوردتُ شبهة وإشكالا وأجبتُ عليه بأنَّني ذكرت هذا الحديث الذي فيه هذه القصة بين أهل قُباء وبين النبي صلى الله عليه وسلم حين خيَّرهم بين أن تظلَّ حمَّى ملازمة لهم على أن يكون جزاؤهم عند الله عز وجل مغفرة ذنوبهم وبين أن يرفعها عنهم ، فلمَّا خيَّرهم قالوا شيئا فيه نكتة ، لعل بعضكم ربما لم يتنبَّه لها قالوا : أوتفعله؟ لي؟ إذا كان الرسول يخيِّرهم يقول : ( إن شئتم دعوتُ الله رفعها عنكم ، وإن شئتم تركتها ) قالوا : أوتفعله ؟ السبب هو الإشكال الذي أوردتُه في الأمس هو أن المعروف أنَّ المسلم لا يطلب من الله عز وجل البلاء ، بل يطلب منه تبارك وتعالى صرف هذا البلاء عنه ، فالآن هنا الرسول يُخيِّرهم، لذلك استغربوا ، لكن الغرابة تزول حينما نعلم أن هذه الحمَّى ليست مرضا بحيث يصرف المسلم عن القيام بواجباته الدينية ، ثم مع ملازمتها له تكون كفَّارة لذنوبه كما في هذا الحديث، وهو في الأحاديث التي سبقت في الدروس المتقدمة ، فلما قالوا له : أوتفعله؟ أجابهم بالإيجاب ، قال : ( نعم ) ، فحينئذٍ قالوا : دَعْها ، اترُكْها عندنا ونحن نصبر على ذلك ، هذا الحديث يذكِّرنا بأن الناس يختلفون من هذه الحيثيَّة من حيثيَّة الصبر وعدم الصبر ، ومنهم الصابرون ومنهم دون ذلك فهؤلاء أهل قُبا صبروا ورضوا بما يُصيبهم من الحمَّى لقاء مغفرة الله عز وجل لذنوبهم.
كذلك مثلاً تلك المرأة وقد مرَّت قصَّتها معنا أيضاً في هذا الباب التي كانت تصرع وتتكشَّف حينما تصرع ، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها ، فهو خيَّرها إن شاءت دعا لها فعافاه الله وإن شاءت صبرت ولها الجنة ، قالت : إذن أصبر ولي الجنة ، ولكن ادعُ الله لي أن لا أتكشَّف، فدعا الرسول عليه والسلام لها، هكذا الإنسان العاقل يفعل .
بينما تجد ذلك الرجل الآخر الضرير الذي يستدلُّ بقصَّته بعض الناس على ما لا تدل عليه القصة ، الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعمى فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يعافيني، قال : ( إن شئت دعوت ) كما قال هنا للأنصار تماما ، ( وإن شئت صبرت ، وهو خير لك، قال : فادعُ ) ما عنده صبر ، قال : فادعُ، فقال له عليه السلام : ( اِيتِي الميضأة وتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين من غير فريضة ، ثم قل ) إلى آخر الحديث .
هكذا الناس معادن ، فنسأل الله عز وجل أن يجعل معدننا من خير المعادن ، ومن ذلك أن يصبِّرنا على ما قد يبتلينا من البلايا والمصائب .
15 - شرح حديث جابر رضي الله عنه قال : ( استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قالت أم ملدم فأمر بها إلى أهل قباء فلقوا منها ما يعلم الله فأتوه فشكوا ذلك إليه ... ) . أستمع حفظ
شرح حديث أبي بن كعب رضي الله عنمها أنه قال : ( قال يا رسول الله ما جزاء الحمى قال تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق ... ).
قال المصنف رحمه الله :
وعن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه ، عن جده أي : جده هنا أبي بن كعب الأنصاري ( أنه قال : يا رسول الله ما جزاء الحمَّى ؟ قال : يُجزى الحسنات على صاحبها ما اختلجَ عليه قَدَمٌ أو ضَرَبَ عليه عرقٌ قال أبيٌّ : اللهم عليه أني أسألك حمَّى لا تمنعني خروجا في سبيلك ، ولا خروجا إلى بيتك ولا مسجد نبيك ، قال : فلم يٌمسَّ أبيٌّ قط إلا وبه حمَّى ) رواه الطبراني في * الكبير * و *الأوسط * ، وسنده لا بأس به ، محمد وأبوه يعني ابن الصحابي وحفيده ذكرهما ابن حبان في الثقات ، وتقدَّم حديث أبي سعيد بقصة أبيٍّ أيضا .
فهذا أبيٌّ لما سمع فضل وثواب الحمَّى دعا الله عز وجل بأن لا تزال تُصيبه ، ولكن مع الاحتفاظ بقوته ونشاطه في القيام بطاعة ربه عز وجل ، حتى الجهاد في سبيل الله الذي يتطلَّب قوَّة ونشاطا ، ومن يصاب بالحمَّى عادة لا يكون كذلك .
الحديث الذي بعده .
السائل : ...
الشيخ : نعم ؟
السائل : حول هذا الحديث اختلاف المتن .
الشيخ : تفضل .
السائل : ( أو غرقٌ ) قال أبيٌّ : اللهم إني أسألك هنا كأنك ذكرت زيادة .
الشيخ : إي نعم ، في لفظة : عليه .
السائل : ( اللهم عليه ).
الشيخ : ( اللهم عليه ) يعني بناء على هذا الفضل المذكور في الحديث أسألك.
16 - شرح حديث أبي بن كعب رضي الله عنمها أنه قال : ( قال يا رسول الله ما جزاء الحمى قال تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق ... ). أستمع حفظ
شرح الأحاديث أبي ريحانة رضي الله عنه قال : ( الحمَّى من فيحِ جهنَّم ، وهي نصيب المؤمن من النار ) . وحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : ( الحمَّى كيرٌ من جهنَّم ، فما أصاب المؤمنَ منها كان حظُّه من جهنم ). وحديث عائشة رضي الله عنها قال : ( الحمَّى حظُّ كلِّ مؤمن من النار ).
عن أبي ريحانة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الحمَّى من فيحِ جهنَّم ، وهي نصيب المؤمن من النار ) .
في الحديث الثاني والثالث وبه ينتهي هذا الفصل ألفاظ وروايات أخرى والمعنى واحد ، فالحديث الثاني هو .
قوله : عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الحمَّى كيرٌ من جهنَّم ، فما أصاب المؤمنَ منها كان حظُّه من جهنم ) رواه أحمد بإسناد لا بأس به .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الحمَّى حظُّ كلِّ مؤمن من النار ) رواه البزار بإسناد حسن .
وهذه الأحاديث الثلاثة هي في الحقيقة هي إيجاز وتجميع لمعاني الأحاديث المتقدمة ، لأن بعض تلك الأحاديث تصرِّح بأن الله عز وجل يغفر ذنوب مَن أصابَتْه الحمَّى وصبر على ذلك ، ولازم هذه المغفرة بلا شك أنه لا يدخل النار ، فهذه الخلاصة جَمَعَتْها هذه الأحاديث الثلاثة حيث تقول : الحمَّى حظُّ المؤمن من النار ، وهي من فيح جهنم ، يعني من حرارة جهنَّم ، ولكن يجب أن نتصوَّر أن الحمَّى مراتب ، فرُبَّ إنسان يُصاب خمس دقائق بحمَّى ، وآخر ساعة ، وآخر ساعات ، وآخر أيام وربَّما حياته كما سمعتم بالنسبة لقصة أهل قباء ، وبخاصة منهم أبيُّ بن كعب .
فالنسبة بقى للمغفرة التي يستحقُّها المصاب بالحمَّى والصابر عليها هذه بطبيعة الحال لا يستطيع أحدٌ مطللقاً أن يحدِّدها ويعيِّنها ، وإنما الأمر يعود إلى الله عز وجل وهو تبارك وتعالى مع أنَّه قال : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره )) ، فهو بالإضافة إلى ذلك ذو فضل عظيم ، فهذه الأمور التي جعلها كفَّارات لذنوب الإنسان هي فضل من الله عز وجل، وإلا فالأمر كما قال عز وجل : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) ، مع ذلك إذا كان الله عز وجل يُصيبنا بمصائب لأننا نستحقُّها بما كسبت أيدينا ثم يعود بعد ذلك فيجعلها كفارات لنا من ذنوبنا فهذا فضل من الله تبارك وتعالى .
خلاصة القول بالنسبة لهذه الأحاديث الأخيرة : لا يتوهَّمَنَّ أحدٌ أن الإنسان منا مجرَّد ما يصاب بنوع من الحمَّى مهما كانت خفيفة ومهما كانت قليلة الزَّمن " خلاص سوكر حالو بالجنة " لا ليس كذلك ، وإنما هذه الحمَّى اللي هي بتكون يعني وقاية لصاحبها من النار يبدو والله أعلم أنّ من نوعية ربما لا نعرفها نحن من حيث شدَّتها ومن حيث طول أمد ملازمتها للإنسان ، وإنما على كلِّ حال فكما جاءت الأحاديث الكثيرة تترى أن المسلم مهما.