كتاب الصيام
فيه ثبوت الشّهر، فيه المفطّرات، فيه آداب الصّائم، وما أشبه ذلك، فالفقهاء رحمهم الله يجعلون لكلّ جنس كتابا، ولكلّ نوع بابا، ولكلّ بحث فصلا، أي نعم.
الصّيام في اللغة: الإمساك، قال الشّاعر:
" خيل صيام وخيل غيرُ صائمة *** تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما " . قوله: " خيل صيام " أي: ممسكة، ومنه قوله تعالى -وكان الأجدر بنا أن نقدّمها على البيت-، قوله تعالى عن مريم: (( فقولي إنّي نذرت للرّحمن صوما )) أي: إمساكا عن الكلام.
وقول العامّة: " صامت عليه الأرض " : إذا التأمت عليه وأمسكته ، إذن الصّيام في اللغة: الإمساك.
وأمّا في الشّرع : " فهو التّعبّد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس " ، هل بين المعنى الشّرعي والمعنى اللّغوي علاقة؟
نعم، لأنّ كلاّ منهما إمساك، لكن الإمساك الشّرعي إمساك عن شيء معيّن .
فقولنا : التّعبّد لله هذا أمر لا بدّ منه ، وليذكر هذا في كلّ تعريف للعبادة فالصّلاة مثلا نقول هي: التّعبّد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، والزّكاة: التّعبّد لله ببذل المال المخصوص إلى جهة مخصوصة وهكذا.
الصّيام مرتبته من الإسلام أنّه أحد أركانه ، وحكمه: أنه فرض بإجماع المسلمين لدلالة الكتاب والسّنّة عليه، قال الله تعالى: (( يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام )) أي: فرض.
وقال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا رأيتموه فصوموا ) والأمر للوجوب، فصيامه واجب بالكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين إجماعا قطعيّا لم يختلف فيه اثنان لا سنّيّهم ولا بدعيّهم ، كلّهم مجمعون على صوم رمضان، ولهذا نقول : من أنكر وجوبه كفر إذا كان عائشًا بين المسلمين، لأنّه أنكر أمرا معلوما بالضّرورة من دين الإسلام.
أما من تركه تهاونا فقد اختلف العلماء في كفره، والصّحيح أنّه لا يكفر، وعن الإمام أحمد رواية: أنّه يكفر، قال: " لأنّه ركن من أركان الإسلام " ، والرّكن هو جانب الشّيء الأقوى وإذا سقط الرّكن سقط البيت ، لكن الصّحيح أنّه لا يكفر بترك شيء من الأعمال إلاّ الصّلاة كما قال عبد الله بن شقيق عن الصّحابة رضي الله عنهم.
وتكليف المسلمين بالصّيام تظهر فيه حكمة الله عزّ وجلّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل العبادات متنوّعة:
بذل محبوب، وكفّ عن محبوب، وعمل فيه شيء من التّعب لكن بدون مشقّة، عمل: يعني معاناة عمل، بذل محبوب، كفّ عن محبوب، فالزّكاة مثلا هاه؟
الطالب : بذل محبوب.
الشيخ : بذل محبوب، قال تعالى: (( وتحبّون المال حبًّا جمًّا )) ولهذا تجد بعض النّاس يحاول بقدر ما يستطيع أن يقلّل من زكاته أو أن يسقطها، أو أن يصرفها في شيء واجب عليه عرفاً، الصّيام كفّ؟ ها؟
الطالب : عن محبوب.
الشيخ : عن محبوب، وانظر ما يحصل فيه من المشقّة : مشقّة المألوف فيما إذا كان اليوم شديد الحرّ طويلا تجد الإنسان يشتاق اشتياقا كبيرا إلى الماء، لكن ليعتاد الإنسان على كفّ النّفس فرضه الله.
أمّا العمل فمثل الصّلاة والوضوء والحجّ، مع أنّ الحجّ فيه أحيانا بذل؟
بذل محبوب.
الحكمة من هذا التّنويع ، لأنّ من النّاس من يسهل عليه العمل دون بذل المال، ومن النّاس من يسهل عليه بذل المال دون العمل، ومن الناس من يصعب عليه الكفّ عن المحبوب، عن الأكل والشّرب والأهل فلهذا نوّع الله العبادات ليعلم من يكون عابدًا لله ممّن يكون عابدًا لهواه، فهذه هي الحكمة في فرضيّة الصّيام، وإلاّ فقد يقول قائل: هذا إمساك ما الفائدة؟ هذا ما عمل عملا؟
فنقول له: ترك محبوبا، قد يكون العمل عليه أهون من ترك هذا المحبوب، فهذه هي الحكمة في إيجاب الصّيام على العباد.
ثمّ إنّ للصّيام حكما كثيرة أهمّها: التّقوى، وهي التي أشار الله إليها بقوله: (( يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )).
الثاني: معرفة قدر نعم الله على العبد بتناول ما يشتهيه من الأكل والشّرب والنّكاح، لأنّ قدر النّعم لا يُعرف إلاّ بضدّها ، كما قيل: " وبضدّها تتبيّن الأشياءُ "، الإنسان الذي دائما شبعان وريّان ويتمتّع بأهله لا يعرف قدر هذه النّعمة، لكن إذا حجب عنها شرعا أو قدرا عرف قدر هذه النّعمة، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : إذن فيعرف الإنسان بذلك قدر نعمة الله عليه بتناول الأكل والشّرب والنّكاح، لأنّه يفقدها في هذا اليوم، فيشكر الله سبحانه وتعالى على التّيسير. ومن فوائدها: تعويد النفس على الصبر والتحمل حتى لا يكون الإنسان مترفا، فإن الإنسان قد يأتيه يوم يجوع فيه ويعطش فيكون هذا الصوم تمرينا له على الصبر والتحمل على فقد المحبوب وهذه تربية نفسيّة.
الرّابع: من الحِكَم أنّ الغنيّ يعرف حاجة الفقير فيرقّ له ويرحمه، ولهذا كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أجود النّاس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يقابل جبريل فيدارسه القرآن والإنسان قد لا يعرف حاجة المضطرّ إذا كان هو شبعان ولاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : لكن إذا جاع عرف قدر الجوع وألمه فيرحم بذلك إخوانه الفقراء هذه خمس؟
الطالب : أربعة.
الشيخ : أربعة، الخامسة: أنّ فيه تضييقا لمجاري الشّيطان، لأنّه بكثرة الغذاء تمتلئ العروق دما فتتّسع، وبقلّته تضيق المجاري، ومجاري الدّم هي مسالك الشّيطان لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم ) ، ولهذا أُمر الإنسان الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم لتضييق المجاري مجاري الدّم ويقلّ الشَّبق.
طيب السّادس: أنّ فيه حمية عن كثرة الفضولات والرّطوبات في البدن، ولهذا بعض النّاس يزداد صحّة بالصّوم، لأنّ الرّطوبات التي تلبّدت على البدن تتسرّب وتزول، حيث إنّ البدن يضمر وييبس فتتسرّب تلك الرّطوبات فيكون في ذلك فائدة عظيمة بالبدن وهذا أمر مشاهد.
سابعًا: ما يحصل بين يديه وخلفه من عبادة الله عزّ وجلّ فبين يديه السّحور، فإنّ السّحور عبادة لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( تسحّروا فإنّ في السّحور بركة ) ، وما يحصل من الإفطار لأنّ أحبّ العباد إليه أعجلهم فطرا، فالإنسان يتناول ما يشتهي عبادة عند الإفطار فهذا من فوائده.
ومنها أيضا الفائدة الثامنة: أنّ الغالب على الصّائمين التّفرّغ للعبادة ولهذا تجد الإنسان في حال الصّيام تزداد عبادته وليس يوم فطره ويوم صومه سواء، إلاّ الغافل، الغافل هذا له شأن آخر، لكن الإنسان اليقظ الحازم الفطن الكيّس هذا يجعل يوم صومه غير يوم فطره، فلهذه الفوائد وغيرها ممّا لم نذكره أوجب الله الصّيام على العباد.
وليس الصّوم أي: ليس إيجابه خاصّا بهذه الأمّة بل هو عامّ للأمم كلّها : (( كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )) .
ثمّ اعلم أنّ الصّيام خصّ بشهر معيّن من السّنة أشار الله تبارك وتعالى إلى الحكمة في تخصيصه بقوله: (( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن )) وقد احتجّ بهذه المناسبة أصحاب أعياد الميلاد ، وقالوا: هذا دليل على أن المناسبات الدينية يجعل لها خصائص، لأن الله جعل مناسبة إنزال القرآن أن نصوم هذه المناسبة كل عام، فهذا دليل على أنه لا بأس باتخاذ الأعياد في المناسبات، ولكن هذا في الحقيقة دليل عليهم وليس لهم، لأن كون الشارع يخص هذه المناسبة بهذا الحكم دليل على أن ما لم يخصه لا يُشرع فيه شيء، إذ لو كان الله يُحب أن يخصَّ بشيء لبيَّنه كما بيَّن هذا، وهذا مما يذكرنا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن كل مبطل يحتج على باطله بدليل صحيح، فإن دليله يكون عليه لا له " .
الصيام خُص بشهر هلالي ولا اصطلاحي ؟
الطالب : هلالي.
الشيخ : هلالي، وهو شهر رمضان، وسمي رمضان قيل: لأن وقت التسمية كان في شدة الحر والرَّمضاء، فالعرب سموه في ذلك الوقت رمضان واستمر، وقيل: لأنه يحرق الذنوب كالرمضاء تحرق الأقدام، فهو محرق للذنوب.
وقيل: إنه مجرد علم ليس له اشتقاق ، كما نقول: ذئب : للحيوان المعروف بهذا الاسم، لماذا سمي ذئبًا؟
لأنه ذئب، وكذلك نقول في الحيوان المعروف بالأسد: إنه سمي بهذا الاسم، لأنه أسد، وعليه فرمضان سمي رمضان، لأنه رمضان.
والذي يهمنا أن شهر رمضان من أفضل الشهور، ولكن هل هو من الأشهر الحرم؟
لا، لأن الأشهر الحرم أربعة: ثلاثة متوالية وواحد منفرد. ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب منفرد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ). متفق عليه
لا : ناهية ، والدّليل على أنّها ناهية؟
الطالب : جزم الفعل.
الشيخ : جزم الفعل بها ، حيث حذفت منه النّون.
وقوله: ( تقدّموا ) : هي فعل مضارع حذفت منه إحدى التّائين وأصلها تتقدّموا، وحذف إحدى التّائين كثير في اللغة العربيّة ومنها قوله تعالى: (( فأنذرتكم نارا تلظّى )) أي؟
الطالب : تتلظّى.
الشيخ : تتلظّى، ولولا أنّنا قلنا أنّه محذوف التّائين لكان تلظّى فعل؟
الطالب : ماضٍ.
الشيخ : ماضٍ، ولاّ لا؟
طيب هنا تقدّموا، لولا أنّنا قمنا بحذف إحدى التّائين لكان؟
الطالب : ماضيا.
الشيخ : فعلا ماضيا، تقول: جاء القوم فتقدّموا.
( لا تقدّموا رمضان ) اسم للشّهر، يعني لا تقدّموا هذا الشّهر المسمّى بهذا الاسم.
( بصوم يوم ولا يومين نعم ).
استثنى قال: ( إلاّ رجل ٌكان يصوم كان يصوم صوما ) : عندكم في الشّرح يقول إنّ رواية مسلم : ( إلاّ رجلا ) ولكن ليس بصحيح ، فإنّ رواية مسلم : ( إلاّ رجل ) كما قال المؤلف رحمه الله ( إلاّ رجل ) .
أما البخاري فقال: ( إلاّ أن يكون رجلٌ يصوم صوما فليصمه ) ، أما لو صحّت النّسخة : ( إلاّ رجلا ) فالظّاهر أنّه لا إشكال فيها ، لأنّها منصوبة على؟
الطالب : الاستثناء.
الشيخ : الاستثناء، لكن ( إلاّ رجلٌ ) قالوا : إنّه مستثنى من الواو في: ( لا تقدّموا ) ، والنّهي كالنّفي ، فيكون الاستثناء من تامّ غير موجب ، فجاز أن يبدل من المستثنى منه، والمستثنى منه مرفوع ولاّ لا؟
الطالب : مرفوع.
الشيخ : مرفوع، طيب .
قال: ( إلاّ رجلٌ كان يصوم صوما ) يعني: اعتاد أن يصوم صوما فليصمه: الفاء قابضة، واللّام للأمر المراد به الإباحة، وليس المراد به الاستحباب ولا الوجوب، المراد به الإباحة، لأنّه في مقابلة النّهي فكان للإباحة، كما لو قلت: زبد لا تكرمْه وعمروًا أكرمه، أي: يباح لك أن تكرمه.
طيب في هذا الحديث ينهى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام الأمّة أن يتقدّموا رمضان، والخطاب للصّحابة: ( لا تقدّموا ) الخطاب لأناس عنده، الخطاب للصّحابة خطاب للأمّة جميعا، والخطاب للواحد من الصّحابة خطاب للصّحابة جميعا، وعليه فإذا وجّه الخطاب لواحد من الصّحابة فهو لمن؟
الطالب : للأمّة.
الشيخ : لجميع الأمّة، والخطاب للصّحابة خطاب للأمّة.
فينهى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته أن يتقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين، لماذا؟
قيل: لأجل أن ينشطوا لاستقبال رمضان، لأنّ الإنسان إذا صام قبل يوم أو يومين يأتي رمضان وهو كسلان وتعبان من الصّوم السّابق وهذه العلّة كما ترون عليلة ليش؟
لأنّه لو كان كذلك لكان الذي يصوم قبل رمضان بأربعة أيّام أشدّ نهيا وإلاّ لا؟ مع أنّ الحديث يدلّ على الجواز.
وقيل: إنّ العلّة لأجل الفرق بين الفرض والنّفل، وهذا قد يكون فيه نظر، لأنّه لو كانت العلّة هكذا لم يكن فرق بين من كان يصوم صوما ومن لم يكن لكان النّهي عامّا.
وقيل: إنّ العلّة لئلاّ يفعله الإنسان من باب الاحتياط فيكون ذلك تنطّعا، من باب الاحتياط كيف؟
الطالب : لرمضان.
الشيخ : لرمضان، من باب الاحتياط لرمضان، يقول: أنا أخشى سبحان الله وإن كان رجب ناقص وشعبان ناقص أصوم يومين خوفا من النّقص، فيكون هذا من باب التّنطّع.
وقيل: لأن لا يظنّ الظّانّ أنّ هذا الصّوم من رمضان فيكون قدحا في الحكم الشّرعيّ الذي علّق صوم رمضان بماذا؟
الطالب : بالهلال.
الشيخ : برؤية الهلال، وهذا الأخير والذي قبله هو أقرب العلل، أمّا ما سبق فهي علّة عليلة، وهنا علّة لكلّ مؤمن وهي؟
الطالب : اتّباع أمر الله.
الشيخ : امتثال أمر الله ورسوله، العلّة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه ولهذا لمّا سئلت عائشة رضي الله عنها : ( ما بال الحائض تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة ).
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ). متفق عليه أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ...).
أوّلًا: النّهي عن تقدّم رمضان بصوم يوم أو يومين، لقوله: ( لا تقدّموا )، وهل هذا النّهي للتّحريم أو للكراهة؟
فيه قولان لأهل العلم: منهم من قال: إنّه للتّحريم، ومنهم من قال: بل للكراهة. الذين قالوا إنّه للتّحريم احتجّوا يا بندر بأنّ الأصل في النّهي؟
الطالب : التّحريم.
الشيخ : التّحريم إلاّ بدليل، والذين قالوا إنّه للكراهة قالوا: لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام استثنى قال: ( إلاّ رجل كان يصوم صوما فليصمه ) ولو كان للتحريم ما جاز أن يصام حتّى في العادة، بدليل أنّ أيّام التّشريق لما كانت حراما صار صيامها جائزا إن كان للعادة ولاّ حراما؟
الطالب : حراما.
الشيخ : حراما، وبدليل أيضا أيّام العيدين لما كان صومها حراما كان صوم العيد حراما ولو وافق العادة.
طيب ومن فوائد الحديث أيضا: جواز تقدّم الصّوم قبل رمضان بأكثر من يومين لقوله؟
الطالب : ( يوم أو يومين ).
الشيخ : ( يوم أو يومين )، ولكن هل إذا صام قبل رمضان بثلاثة أيّام يستمرّ أو نقول إذا بقي يوم أو يومان فأمسك؟
الطالب : يمسك .
الشيخ : أنتم فاهمين؟
يعني رجل صام قبل رمضان بثلاثة أيّام، فهل نقول إنّك لمّا بدأت الصّوم قبل رمضان بثلاثة أيّام أتمّه؟ أو نقول إذا بقي يومان يمسك؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : نشوف الحديث ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) هل يصدق على هذه الصورة، على صورة رجل صام في اليوم السّابع والعشرين والثامن والعشرين والتّاسع والعشرين؟
الظاهر أنّه يصدق عليه، ونقول: إذا بقي يومان فأمسك، إلاّ إذا كنت تصوم صوما فصمه، مثل لو كان يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر وصام السّابع والعشرين والثامن والعشرين والتّاسع والعشرين فهذا لا بأس به.
أو كان يصوم يوم الاثنين عادة فصادف يوم الاثنين التّاسع والعشرين لا بأس. أو كان يصوم الخميس عادة فصام يوم الخميس في التّاسع والعشرين فلا بأس، أو كان بقي عليه من رمضان الماضي أيّامٌ فأكملها قبل رمضان بيوم أو يومين فلا بأس لأنّ صومه حينئذ يكون؟
الطالب : واجبا.
الشيخ : واجبا، وقوله: ( إلاّ رجل ) هل المرأة كالرّجل؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لأنّ الأصل في الأحكام تساوي الرّجل والمرأة إلاّ بدليل يدلّ على الخصوصيّة.
طيب رجل يصوم يوماً ويفطر يوما فصادف يوم صومه التاسع والعشرين؟ هاه؟
الطالب : يصوم.
الشيخ : يصوم، نعم، لقوله: ( إلاّ رجل كان يصوم صوما فليصمه ).
ومن فوائد الحديث أيضًا الإشارة إلى النّهي عن التنطّع وتجاوز الحدود بناء على أنّ العلّة هي خوف أن يلحق هذا برمضان.
ومنها: أنّ للعادات تأثيرًا في الأحكام الشّرعيّة، من أين يؤخذ؟
الطالب : ( إلاّ رجل كان يصوم صومًا فليصمه ).
الشيخ : ( إلاّ رجل كان يصوم صومًا فليصمه ) ولكن ليس معنى ذلك أنّ العادات تؤثّر على كلّ حال، لكن لها تأثير، وقد ردّ الله عزّ وجلّ أشياء كثيرة إلى العُرف، والعلماء أيضا ذكروا بعض الأشياء تفعل أحيانا لا اعتيادا كما قالوا يجوز أن يصلّي الإنسان النّفل جماعة لكن أحيانا، لو أردت مثلا أن تقوم صلاة اللّيل أنت وصاحبك جماعة أحياناً فلا بأس، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فعل ذلك مع ابن عبّاس وحذيفة، أمّا أن تتّخذ ذلك سنّة راتبة نعم فلا، إذا اعتادها، فهذا دليل على أنّ للعادة تأثيرا في الأحكام الشّرعيّة سلباً أو إيجاباً.
ومن فوائد الحديث: أنّ الأمر قد يأتي للإباحة لقوله: ( فليصمه ) ، حيث قلنا إنّها للإباحة، وهل يأتي الأمر للإباحة في غير هذا الموضع؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كثيرا ما يأتي للإباحة وقد قالوا في الضّابط لإتيان الأمر للإباحة أن يكون في مقابلة المنع شرعا أو عرفا : (( وإذا حللتم فاصطادوا )) هذا في مقابلة المنع شرعا ، فإذا كنت مُحرما حرم عليك الصّيد، إذا حللت؟
حلّ لك الصّيد، أو نقول: إذا حللت فخذ البندقيّة واذهب صد الطّيور؟
الطالب : لا.
الشيخ : ها؟
الطالب : لا.
الشيخ : ليس كذلك، لكنّه مباح، لأنّه في مقابلة المنع : (( لا تقلوا الصّيد )) أو (( لا تحلّوا شعائر الله ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا )) .
طيب (( فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض )) ها؟
الطالب : للإباحة.
الشيخ : للإباحة، نعم لأنّها في مقابلة المنع، هذا الشّرعي، العرفي: استأذن عليك رجل فقلت ادخل، هذا أمر للإباحة أو للإلزام؟
الطالب : للإباحة.
الشيخ : ها؟
الطالب : للإباحة.
الشيخ : للإباحة أو لا؟
الطالب : نعم للإباحة.
الشيخ : للإباحة معلوم، ولهذا لو جئت وأنت ما دخلت ما أنّبتك، ولا يؤنّب أحدٌ شخصا لم يدخل إلاّ رجلا يعتبر أحمق، لو قلت: ادخل، ولم يدخل، بعض الناس إذا قلت: ادخل وما دخل، وجاء بجانب الباب يزجرك، ليش أنا قلت ادخل وأنت ما دخلت، فماذا يقول؟
الطالب : الأمر للإباحة.
الشيخ : فيقول: الأمر للإباحة، لكن إذا كان عامّيّا لا يعرف يقول: طيب الأمر للإباحة أوافقك على هذا ، لكن أنت الآن تسخر بي، ليش تستأذن منّي لكن لمّا أذنت ما دخلت؟!
الطالب : غير رأيه.
الشيخ : غيّر رأيه أي طيّب، أجل يستاهل.
على كلّ حال الأمر في مقابلة المنع يكون للإباحة سواء كان المنع شرعيّا أو عرفيّا طيب، لأنّه يقول : ( فليصمه ) .
طيب الضّمير في قوله: ( فليصمه ) ؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ، الضّمير المفعول : ( فليصمه ) أي: فليصم الصّوم الذي كان يصومه من قبل.
من فوائد الحديث: الإشارة إلى ضعف ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه أهل السّنن : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) ، فإنّ هذا الحديث ضعيف ، أنكره الإمام أحمد ، وإن كان بعض العلماء صحّحه أو حسّنه وأخذ به ، وقال: إنّه يكره الصّوم من السّادس عشر من شعبان إلى أن يبقى يومان، فإذا بقي يومان صار الصّوم حراما لهذا الحديث، والصّواب أنّ ما قبل اليومين ليس بمكروه وأمّا اليومان فهو ممنوع.
الطالب : كان يصوم صوما!
الشيخ : كان يصوم صوما : فرض على ثلاثة أوجه نعم، وهي :
أوّل ما فرض صوم عاشوراء، ثمّ فرض صوم رمضان على التّخيير، ثمّ فرض صوم رمضان على التّعيين، يعني: لا بدّ من الصّوم، فهذه ثلاث مراحل.
أمّا المرحلة الأولى فدلّ عليها أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يصوموا عاشوراء.
وأمّا المرحلة الثانية فقوله تبارك وتعالى: (( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوّع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون )).
وأمّا الثالثة : فهي قوله بعدها : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر )) فهذه ثلاث مراحل .
والحكمة من ذلك : أنّ الصّوم فيه نوع مشقّة على النّفوس ، فتدرّج التّشريع شيئاً فشيئاً ، لأنّ كلّ شيء يشقّ على النّفوس فالله عزّ وجلّ بحكمته ورحمته يلزم العباد به شيئاً فشيئاً ، ونظير ذلك تحريم الخمر ، فإنّه جاء على ثلاث مراحل المرحلة الأولى؟
الطالب : لا تقربوا الصلاة .
الشيخ : لا، أربع مراحل صحّ:
المرحلة الأولى : الإباحة، وإن كان هذه قد لا تعدّ مرحلة لأنّها على الأصل لكنّ الله نصّ على ذلك: (( ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سَكَرًا ورزقا حسناً )).
ثمّ الثانية: (( ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثممهما أكبر من نفعهما )).
ثمّ الثالثة: (( يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )).
ثمّ الرّابعة: (( يا أيّها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون )) نعم .
طيب الصّيام ما منزلته من الدّين؟
صام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تسع رمضانات إجماعًا، هذان إجماعان: فرض في السّنّة الثانية، وصام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام تسع رمضانات بالإجماع. طيب في الحديث أوّلا: ( لا تقدّموا ) حيث دخلت: لا النّاهية على فعل ماضٍ، نقول فيه إشكال : كيف تدخل لا الناهية على فعل ماض ؟
طيب استدلّ الإمام أحمد بهذا الحديث على ضعف حديث آخر وهو ؟
الطالب : الإمام أحمد قال : منكر يا شيخ .
الشيخ : ما هو ؟
فوائد عن بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الحاضر
قبل الدّخول في الدّرس سبق أن قلنا: إنّ آل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يعرف أحد من بني هاشم في الوقت الحاضر إلاّ ما ذكر عن ملوك اليمن، وأحد الإخوان أظنّه ياسر أظن : أورد علينا جماعة يسمّون آل رويتب وقال: إنّهم من بني هاشم، وقلنا: إنّ هذا يشكّ فيهم لعلّهم أخذوا هذا ومشوا عليه، لكن جاءنا كتاب من واحد منهم وقال: إنهّم يعني عندهم إثبات بأنّ حمد الجاسر أظنّ تكلّم في هذا الموضوع، وقال: إنّ من آل البيت آل فلان آل رويتب، وبناء ذلك نقول: إذا كان العلماء السّابقون نفوا أن يوجد أحد بسند صحيح إلاّ هؤلاء فإنّ القاعدة عند النّاس أنّ المثبت هاه؟
الطالب : مقدّم على النّافي.
الشيخ : مقدّم على النّافي، لكن لا ينبغي أن يهتمّ الإنسان ذاك الإهتمام بنسبه: " لا تقل أصلي وفصلي أبدا *** إنّما أصل الفتى ما قد حصل "، نعم، يجب أن يهتمّ الإنسان بالسّبب دون النّسب، ما هو السّبب؟
تقوى الله عزّ وجلّ: (( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ))، قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( سلمان منّا آهل البيت ) وسلمان من فارس، وأبو لهب ليس من آل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وهو عمّه.
فالمهمّ أنّ الذي يليق بنا أن نهتمّ بماذا؟
بالسّبب الذي يكون صلة بيننا وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
صحيح أنّ الاعتناء بالنّسب مهمّ من جهة ما يترتّب عليه من صلة الرّحم، ومن جهة أخرى ما يترتّب عليه بالنّسبة لآل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام من المؤمنين، فإنّ لهم حقّا على أمّته بأن يحبّونهم لله وإيش بعد؟ ولقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أي نعم.
أحببت التّنبيه على هذا حتى يعرف أنّ الشّيء إذا ثبت فإنّ النّافي يحمل على أنّه ليس عنده علم إلاّ إذا نصّ النافي فقال: هؤلاء النّاس مثلا المعيّنون لم يثبت نسبهم، فحينئذ قد يكون معه زيادة علم، وسيأتينا إن شاء الله في المصطلح إذا تعارض الجرح والتّعديل أيّهما يقدّم.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال :( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ). ذكره البخاري تعليقاً ، ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
قوله رضي الله عنه، أو قبل أن نفسّر الحديث:
هذا الحديث ذكر المؤلف رحمه الله أنّ البخاري رواه معلّقاً ، وأنّ الخمسة وهم: أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه رووه موصولاً.
والبخاريّ إذا علّق الخبر بصيغة الجزم كان عنده صحيحاً، نعم.
ثانيًا: هذا الحديث هل هو من المرفوع أو من الموقوف؟
الطالب : من المرفوع.
الشيخ : هو من المرفوع حُكمًا، وليس من المرفوع الصريح، لأنّ المرفوع صريحا هو الذي ينسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقال: قال رسول الله أو فعل رسول الله، أو فُعِل كذا بحضرته وما أشبه ذلك.
وأمّا إذا قال الصّحابي: " فقد عصى " ، أو إذا قال: " رخّص لنا " أو " أمرنا " أو " نهينا " أو ما أشبه ذلك فهو مرفوع حكمًا، يعني : له حكم الرّفع ، ولكن ليس بصريح ، بمعنى أنّه لا يجوز أن نقول : نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وننسب النّهي إليه على سبيل أنّه هو الذي نهى صراحة ، ولكن نقول : إنّ هذا في حكم النّهي ، ذلك لأنّ الصّحابي إذا قال : عصى فمعناه أنّه فهم أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام نهى عن ذلك سواء بصيغة النّهي، أو بصيغة ذكر العقوبة أو ما أشبه ذلك ، ولهذا نحن نتحرّز ما نقول: نهى، إذ يجوز أنّ الرّسول مثلا ذمّ من صام اليوم الذي يشكّ فيه ذمّه ذمّاً، والذّمّ ما يصلح أن نقول إنّه نهى، ويجوز أنّه عليه الصّلاة والسّلام رغّب في تركه مثلاً ترغيباً بالغاً بحيث يفهم من هذا الترغيب النّهي عن فعله وما أشبه ذلك.
طيب أمّا الحديث فيقول: ( من صام اليوم الذي يشكّ فيه ) : فما هو اليوم الذي يشكّ فيه؟
اليوم الذي يشكّ فيه هو الذي لا يُدرى أمن رمضان هو أم من شعبان؟ ما ندري هل من رمضان أو من شعبان؟!
فما هو اليوم الذي يمكن أن يقع فيه الشّكّ، يوم تسعة وعشرين، يوم واحد وثلاثين؟! هاه؟
الطالب : ما فيهما شك.
الشيخ : يوم تسعة وعشرين ما فيه شك.
الطالب : ثلاثين.
الشيخ : واحد وثلاثين ما فيه شكّ، تسعة وعشرين ما فيه شكّ، لأنّه من شعبان، واحد وثلاثين ما فيه شكّ لأنّه من رمضان، بقي عندنا يوم الثّلاثين هو يوم الشّكّ، لكن متى يكون شكّا؟
اختلف العلماء في ذلك:
فمنهم من قال: يكون شكّا إذا كانت السّماء صحواً ولم نر الهلال فهو شكّ لاحتمال أنّه قد هلّ ولم نره.
ومنهم من قال: إنّ يوم الشّكّ هو يوم الثّلاثين وهذا بالاتّفاق كما قلت قبل قليل إنّه يوم الثلاثين، إذا حال دون رؤية الهلال حائل، بأن كان بيننا وبين مطلعه سحب أو قَتَر أو جبال شاهقة ما نستطيع نتسلّقها أو ما أشبه ذلك، أيّهما أقرب؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الأخير هو الأقرب، بل هو المتعيّن، لأنّ الأوّل ما فيه شكّ إذا تراءينا الهلال ولم نره فاحتمال أنّ يكون قد هلّ ولم نره هذا خلاف الأصل، الأصل أنّه ما دمنا ننظر ولم نره فالأحكام الشّرعيّة تجري على الظّواهر، فهو ليس يوم شكّ شرعًا، وإن كان من حيث العقل قد يفرض العقل أنّ الهلال هلّ ولكن لم نره، ولكن من النّاحية الشّرعيّة ليس هو يوم شكّ لأنّ أحكام الشّرع تجرى على الظّواهر.
اطّلعنا في مطلع الهلال ولم نره، وفينا أناس أقوياء في النّظر ولم نره، نقول: إذن ما هلّ فليس عندنا شكّ في هذا، وهذا القول هو الصّحيح.
أمّا القول الثاني: الذين قالوا: إنّ يوم الشّكّ هو الثلاثين من شعبان إذا كانت السّماء صحوا، فقالوا: إذا كانت السّماء غيماً يعني إذا حال دون مطلعه حائل فإنّ الصّوم واجب، كيف واجب؟
قال: نعم واجب احتياطاً حكماً ظنّيّاً لا حكماً يقينيّاً لأنّه ما يمكن نتيقّن أنّه هلّ ونلزم النّاس بذلك، لكن حكم ظنّيّ احتياطيّ، -انتبه-.
إذن ننظر إلى هذا التّعليل: حكم ظنّيّ، هل يجوز أن نلزم النّاس بالأحكام الشّرعيّة بمقتضى الظّنّ ها؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، الظّنّ لا يجوز أن تثبت به الأحكام، لأنّ هذا ظنّ في وجود السّبب، احتياطا؟
هل نقول: هذا احتياط أو أنّ الاحتياط عدم الصّوم؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الواقع أنّ الاحتياط عدم الصّوم هذا هو الاحتياط ، لأنّ الاحتياط كما يكون في الفعل يكون في التّرك فنحن نحتاط لأنفسنا فلا نلزم عباد الله بما لا يلزمهم هذا هو الاحتياط، ولهذا لا تظنّوا أن الاحتياط اتّباع الأشدّ بل الاحتياط اتّباع ما يكون أقرب إلى الشّرع هذا هو الاحتياط، ليس الاحتياط أن تتبع ما هو أشدّ، أن تتبع ما هو أقرب إلى؟
الطالب : الشّرع.
الشيخ : إلى الشّرع، إذن فقد انتقض تعليلهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى من السّنّة ما ينقضه أيضا.
فالحاصل أنّ اليوم الذي يشكّ فيه هو يوم الثّلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال حائل: غيم أو قتر أو جبال شاهقة، أي نعم.
وقوله: ( فقد عصى أبا القاسم ) : المعصية مخالفة الأمر، فتارك الواجب عاصٍ، وفاعل المحرّم عاصٍ، أمّا إذا قيل طاعة ومعصية فالطاعة فعل الأمر، والمعصية فعل النّهي.
ولكن إذا أُطلقت المعصية شملت ترك الواجب وفعل المحرّم.
وقوله: ( أبا القاسم ) : هذه كنية الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يسمّى أبا القاسم ، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم قاسم، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّما أنا قاسم والله معطي ) ، والموصوف بالشّيء نعم قد يكنّى به، كما كنّى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عليّ بن أبي طالب بأبي تراب، وكنّى أبا هريرة بأبي هريرة لأنّه كان يحمل هرّة في كمّه رضي الله عنه.
طيب إذن كُنّي بذلك لكونه عليه الصّلاة والسّلام قاسما يقسم بين النّاس على ما أمره الله به، ولهذا قال: ( أنا قاسم والله معطي ) .
ويحتمل أن يكون كنّي بذلك لأنّ له ولدا اسمه؟
الطالب : القاسم.
الشيخ : القاسم ، لأنّ أبناء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة، وبناتِه أربعة، وكلّهم ماتوا في حياته إلاّ واحدة من بناته وهي فاطمة رضي الله عنها.
5 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال :( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ). ذكره البخاري تعليقاً ، ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان . أستمع حفظ
فوائد حديث ( من صام اليوم الذي يشك فيه ...).
أوّلاً: تحريم صوم يوم الشّكّ، لأنّ عمّارا جزم بأنّه معصية، والأصل أنّ ما أطلقت عليه المعصية فهو حرام، وهذا القول هو القول الرّاجح، لا سيما أنّه مؤيّد بحديث أبي هريرة السابق وهو: ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) .
طيب فعليه نقول: تقدّم صوم رمضان بيومين مكروه وبصوم يوم حرام ، لكن بشرط أن يكون هذا اليوم يومَ شكّ، أمّا إذا كانت السّماء صحوًا فصوم ذلك اليوم مكروه لحديث أبي هريرة.
ومن فوائد الحديث: جواز ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بغير وصف الرّسالة لقوله؟
الطالب : أبا القاسم.
الشيخ : ( فقد عصى أبا القاسم ) ، لأنّ باب الخبر أوسع من باب الطّلب ، فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام ما ينادى باسمه سواء كان اسمًا أو كنية، نعم لكن عندما يُخبَر عنه يجوز أن يخبر عنه باسمه فيقال: قال محمّد وقال أبو القاسم وما أشبه ذلك، نعم، لكن أيّهما أولى أن نقول هكذا أو أن نصفه بالرّسالة؟
الطالب : نصفه بالرّسالة.
الشيخ : أن نصفه بالرّسالة أولى، لا سيما وأنّنا إذا ذكرناه فإنّما نذكره على سبيل أنّه مُشرِّع، ومعلوم أنّ وصف الرّسالة ألصق بالتّشريع من ذكر اسم العلم سواء كان اسماً أو كنية، لكن هذا على سبيل الجواز.
ومن فوائد الحديث: جواز التّعبير عن اللّفظ بمعناه، أو بعبارة أخرى: جواز رواية الحديث بالمعنى، كيف ذلك؟
لأنّ عمّارا عبّر عن قول الرّسول بالمعنى، ما ساقه بلفظه.
فإن قلت: لماذا لم يسقه بلفظه؟ أليس سوقه بلفظه أولى؟
فالجواب: بلى، لكن قد يكون الصّحابيّ نسي اللّفظ الذي قاله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لكن قد تيقّن أنّه قد نهى عن ذلك مثلا، ولكن نسي اللّفظ فعبّر بقوله؟ نعم؟
الطالب : عصى أبا القاسم.
الشيخ : عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم، نعم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ) . متفق عليه . ولمسلم ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ). وللبخاري :( فأكملوا العدة ثلاثين ) . وله في حديث أبي هريرة :( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ).
ولمسلم: ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ).
وللبخاري: ( فأكملوا العدة ثلاثين ).
وله في حديث أبي هريرة: ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) " :
انتبهوا لهذا الحديث: قوله: ( إذا رأيتموه ) الهاء تعود على إيش؟
الطالب : الهلال.
الشيخ : على الهلال، وإن لم يسبق له ذكر لكن القرينة أو السّياق يدلّ عليه، فعلى هذا نقول ( إذا رأيتموه ) أي: هلال رمضان بالتّحديد، بدليل قوله؟
الطالب : ( فصوموا ).
الشيخ : ( فصوموا )، ( وإذا رأيتموه فأفطروا ) أي هلال؟
الطالب : شوّال.
الشيخ : شوّال، هلال شوّال ( فأفطروا ) نعم.
وقوله: ( غمّ عليكم ) الغمّ بمعنى: التّطبيق على الشّيء وإخفاء الشّيء، ومنه الغمّ الذي يصيب الإنسان لأنّه يحول بينه وبين صفاء الذّهن والتّفكير، فمعنى غمّ عليكم أي: ستر عليكم بغيم أو قتر أو جبال شاهقة لا تستطيعون صعودها أو ما أشبه ذلك.
وقوله: ( فاقدروا له ) : اختلف العلماء في قوله : ( اقدروا له ) :
فقال بعضهم: إنّه من التّقدير يعني: قدّروا وانظروا منازله فيما سبق من اللّيالي الماضية حتى تقيسوا هذه اللّيلة على ما سبق، وبناء على هذا القول يدخل علينا علم الحساب، الحساب الفلكي وأنّه إذا غمّ علينا الشّهر رجعنا إلى الحساب الفلكي وعملنا به، هذا على القول بأنّه من التّقدير.
وقيل: أنّه من القدر بمعنى التّضييق ومنه قوله تعالى: (( ومن قُدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله )) ، وحينئذ أيّ شيء نجعله ضيّقا هل هو رمضان أو شعبان؟
فيه خلاف، فقال بعضهم: نجعل الضّيّق شعبان، فيكون تسعة وعشرين، ونصوم هذا اليوم الذي هو يوم الشّكّ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد نصره الأصحاب، أصحاب الإمام أحمد نصرًا عظيما هذا القول وأبدأوا فيه وأعادوا.
القول الثاني: أنّ التّضييق لا يكون على شعبان، يكون على الشّهر القادم وهو؟
الطالب : رمضان.
الشيخ : رمضان، وإذا ضيّقنا على رمضان معناه ما دخّلناه، ننتظر حتى نكمّل شعبان ونجعل النّقص على رمضان، وهذا القول هو الصّحيح، هذا القول هو الصّحيح من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فسّره هو بنفسه، ففي رواية مسلم: ( اقدروا له ثلاثين )، وفي رواية البخاري: ( فأكملوا العدّة ثلاثين )، وفي حديث أبي هريرة: ( فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين )، ولا يشكّ أحد أنّ أعلم النّاس بما يقول القائل هو من؟
الطالب : نفس القائل.
الشيخ : خطأ.
الطالب : الصّحابة.
الشيخ : خطأ.
الطالب : ...
الشيخ : خطأ.
الطالب : القائل نفسه.
الشيخ : هو القائل، لا يشكّ أحد أنّ أعلم النّاس بالقول هو قائله، فإذاكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام هو الذي فسّره لنا قال: ( فأكملوا العدّة ثلاثين ) هل يبقى بعد ذلك قول لأحد؟
الطالب : لا.
الشيخ : أبدا، ولهذا كان القول الصّحيح أنّ المراد بالقَدْر أي: التّضييق لكن على الشّهر الداخل بحيث نكمّل الشّهر الأوّل السّابق كم؟ ثلاثين، نكمّله ثلاثين.
طيب أمّا ابن عمر رضي الله عنه راوي الحديث فكان يبعث من يرى الهلال في ليلة الثّلاثين من شعبان إذا كان هناك غيم أو قتر، فإن لم يُر أصبح صائما رضي الله عنه، ولكن هذا من فعله وروايته مقدّمة على رأيه، " رواية الرّاوي مقدّمة على رأيه " ، فيقال: هذا اجتهاد منه وهو رضي الله عنه معروف بأنّه يميل إلى التّشديد أكثر ممّا يميل إلى التّسهيل، ولهذا يقال أنّ هارون الرّشيد لما طلب من مالك أن يؤلّف الموطّأ وش قال له؟
قال: " تجنّب رخص ابن عبّاس، وتشديد ابن عمر ".
الطالب : وشواذّ ابن مسعود.
الشيخ : نعم؟
الطالب : وشواذّ ابن مسعود.
الشيخ : ما أدري عن الثّالثة هذه.
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : صحيحة ؟
الشيخ : والله ما أدري عن هذه، ومعروف ابن عمر رضي الله عنه بالتّشدّد حتى كان يغسل في الوضوء داخل عينيه ويقال: إنّه كفّ في آخر عمره من أجل هذا، فالله أعلم، على كلّ حال هو رضي الله عنه من أشدّ النّاس حرصا على العبادة، وكان يلزم نفسه بأشدّ الأمرين عنده فلهذا كان يصوم إذا كان هناك غيم أو قتر، نستمرّ الآن ما أحد عنده سؤال؟
الطالب : الوجه الثاني.
الشيخ : نعم؟
الطالب : الوجه الثاني من الترجيحات.
الشيخ : نعم، الوجه الثاني من التّرجيح أنّ حديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه صريح في أنّه إذا كان غيم أو قتر فإنّ صومه؟
الطالب : حرام.
الشيخ : لا يجوز، حرام، ( من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم )، وهذه المسألة فيها في مذهب الإمام أحمد سبعة أقوال، الأحكام الخمسة هذه خمسة أقوال، والقول السّادس: أنّ النّاس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا.
والقول السّابع: أن يعمل بعادة غالبة، لأنّ الغالب أنّه إذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص، فينظر هل رجب وجمادى الثانية كاملان فيكون شعبان ناقصًا أي نعم، ولكن السّنّة والحمد لله واضحة في هذا، السّنّة في هذا واضحة كما سيأتي إن شاء الله.
أوّلًا: في هذا الحديث يأمر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته إذا رأوا الهلال أن يصوموا إذا كان هلال رمضان وأن يفطروا إذا كان هلال شوّال، ويأمرهم أيضا إذا لم يتمكّنوا من رؤيته أن يكملوا العدّة ثلاثين، عدّة الشّهر السّابق سواء كان رمضان أو شعبان، لأجل أن يكونوا على بيّنة من الأمر حتى لا يقعوا في شكّ وحيرة، فالأمر والحمد لله واضح، إذا رأيت فصم وإذا غمّ عليك فلا تصم أكمل عدّة الشّهر ثلاثين.
في شوّال إذا رأيته فأفطر وإذا غمّ عليك فأكمل العدّة ثلاثين، فالأمر والحمد لله واضح حتى لا يقع النّاس في قلق وشكّ وحيرة.
ثمّ نرجع إلى معنى قوله: ( اقدروا له ) نعم الأخ؟
يقولون: إنّه من التّضييق في شعبان ومن التكميل في رمضان، إذا غمّ هلال شوّال يجب التّكميل، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان تناقض هذا القول، والصّحيح المتعيّن.
7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ) . متفق عليه . ولمسلم ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ). وللبخاري :( فأكملوا العدة ثلاثين ) . وله في حديث أبي هريرة :( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ...).
أوّلا قوله: ( إذا رأيتموه ) يستفاد منها أنّه لا يجب الصّوم قبل رؤيته لقوله: ( إذا رأيتموه ).
ثمّ ما المراد بالرّؤية، هل الرّؤية قبل الغروب أو بعد الغروب؟
نعم، من المعلوم أنّ القمر آية ليليّة فيكون المعنى إذا رأيناه في اللّيل الذي هو سلطانه كما قال تعالى: (( وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرة )) ، فإذا رؤي بعد الغروب ثبت الحكم، أمّا إذا رؤي قبل الغروب فقال بعض العلماء: إنّه يكون لليلة الماضية وبعضهم يقول لليلة المقبلة، ولا شكّ أنّ هذا فيه نظر، لأنّه إذا رؤي قبل الغروب متقدّما على الشّمس فإنّه لا يمكن أن يكون لليلة الماضية، وإلاّ لا؟
وإذا رؤي متأخّرا عن الشّمس فإن كان التّأخّر بعيدًا فإنّه يكون لليلة المقبلة ومع ذلك لا نحكم به قد يكون عند الغروب هناك غيم أو قتر ولا نراه فنكمل العدّة ثلاثين، لكنّه في الغالب لا يخفى، المهمّ أنّ الرّؤية متى؟
إذا كانت بعد الغروب لأنّه أي اللّيل هو سلطان القمر.
وقوله: ( إذا رأيتموه ) يستفاد منه أنّه لا بدّ من تحقّق الرّؤية أليس كذلك؟
( إذا رأيتموه ) أمّا إذا شككنا في ذلك فإنّه لا يجب الصّوم بل من صام فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم .
ويدلّ على أنّ المراد بالرّؤية اليقين، الرّؤية العينيّة المتيقّنة قوله تعالى في سورة البقرة: (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه )).
ومن فوائد الحديث: أنّ الإنسان إذا رآه ولم يره غيره ثبت الحكم في حقّه، فإن كان في رمضان يعني رأى هلال رمضان وغيره لم يره والحاكم ردّ شهادته لجهله بحاله مثلا فإنّه يصوم، وإن كان في شوّال فقيل: إنّه لا يصوم لأنّ الشّهر شرعا أي شهر شوّال لا يدخل إلاّ بشهادة رجلين، وقيل: بل يفطر، أنا قلت في الأوّل؟
الطالب : قلت: لا يصوم.
الشيخ : لا يصوم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : خطأ، إذا رآه الإنسان وحده أي: رأى شوّال وحده، فقيل: إنّه لا يفطر، لأنّ شوّالا لا يثبت إلاّ بشهادة رجلين وهو رجل واحد فدخول الشّهر إذن لم يثبت فلا يجوز الفطر.
وقال بعض العلماء: بل يجب عليه الفطر لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( إذا رأيتموه فأفطروا ) وهذا قد رآه، لكن يفطر سرّا، لأن لا يجاهر بمخالفة الجماعة فصار لدينا قولان: إذا رأى وحده هلال شوّال القول الأوّل: أنّه لا يفطر لأنّ شوّالا لا يثبت دخوله إلاّ بشهادة رجلين، واستدلّوا أيضا بحديث: ( الصّوم يوم يصوم النّاس والفطر يوم يفطر النّاس والأضحى يوم يضحّي النّاس ). والقول الثاني: أنّه يفطر لأنّه رآه وقد قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ) ولكنّه يفطر سرّا لئلاّ يجاهر بمخالفة الجماعة، وهذا القول أقرب من حيث اللّفظ: ( إذا رأيتموه ) لأنّ هذا رآه.
أمّا إذا كان الإنسان منفردا في مكان وليس حوله أحد يخالفه فإنّه يُفطر لأنّه حينئذ لا يتيقّن مخالفة الجماعة، مثل لو كان بدويّا في محل في البرّ وليس حوله مدن ولا قرى ورأى هلال شوّال، فإنّه لا يمكن أن نقول: صم، لأنّه ثبت دخول الشّهر في حقّه وهو إذا أفطر لا يكون مخالفا للجماعة هكذا قال أهل العلم، ومعلوم أنّ هذا في وقتهم أمر واقع وكثير، لكن في وقتنا الآن حيث انتشرت وسائل الإعلام قد يقال: إنّه لا يفطر حتى ينظر عن إفطار النّاس على القول بأنّه لا يفطر إذا انفرد برؤيته، أمّا إذا قلنا إنه يفطر فالأمر واضح. طيب ظاهر الحديث: ( إذا رأيتموه ) يشمل ما إذا رأيناه بالعين المجرّدة أو بواسطة الآلات؟
الطالب : الأصل بالعين.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الأصل بالعين.
الشيخ : هو عامّ: ( إذا رأيتموه ) فمتى رأيناه سواء بالعين المجرّدة أو بالمنظار المكبّر فإنّه تثبت رؤيته، وقد كان النّاس قديما نعهدهم يصعدون على المناير ومعهم الدّاربيل أو على الأصحّ مكبّر النّظر.
الطالب : مقرّب.
الشيخ : أو مقرّب النّظر، سمّوه ما شئتم، المهمّ أنّهم كانوا يستعملونها وإذا رأوه بواسطة هذه المنظارات فإنّه يحكم برؤيته والحديث عامّ، الحديث ليس فيه إذا رأيتموه ومعلوم أنّه حتّى لو قال: إذا رأيتموه بأعينكم فلا يمنع أن يكون رآه بواسطة أو مباشرة.
طيب الحديث: ( إذا رأيتموه ) فهل المراد إذا رآه كلّ واحد؟
لو كان كذلك لكان الذي نظره قاصرًا لا يجب عليه الصّوم ولو رآه النّاس، لأنّه يقول: ما رأيته أنا، ولكنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لا يريد هذا، ولكن إذا رأيتموه الرّؤية التي يثبت بها دخوله شرعًا وهو: أن يكون الرّائي رجلين فأكثر لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( وإن شهد شاهدان فصوموا وأفرطوا ) ، ولكن يأتي إن شاء الله الخلاف فيما إذا رآه واحدا.
طيب ويستفاد من قوله: ( إذا رأيتموه ) أنّه إذا رُؤي في بلد واحد لزم النّاس كلّهم الصّوم لأنّنا ما دمنا نقول: إنّه لا يشترط أن يراه كلّ واحد فإنّه يستفاد منه وهذه متفرّعة على التي قبل أنّه إذا رآه واحد أو إذا ثبتت رؤيته بمكان لزم الصّومُ جميعَ النّاس، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقول كثير من أهل العلم.
ولكن عارضهم شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة وقال: إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( إذا رأيتموه ) والجماعة البعيدون عن مطلع الهلال في هذا المكان لم يروه لا حقيقة ولا حكمًا، وقول الرّسول: ( إذا رأيتموه ) كقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا وغربت الشّمس فقد أفطر الصّائم )، فهل أنتم تقولون: إذا غربت الشّمس عند قوم جاز للآخرين أن يفطروا ولو كانت الشّمس لم تغب؟ الجواب؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ولم يقل بذلك أحد، إذن إذا رأيناه في مكان ولم ير في مكان آخر بعد التّحرّي والبحث فإنّه لا يلزم من لم يره، لأنّ هذا : ( إذا أقبل الليل من هاهنا ) توقيت يومي ، ( وإذا رأيتموه ) توقيت؟
الطالب : شهري.
الشيخ : شهري، ولا فرق بينهما، فالشّهر عند من لم يروه لم يدخل، والله عزّ وجلّ يقول: (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه )) وهؤلاء الذين يخالفون من رأوه في المطالع ما شهدوه وعلى هذا فلا يلزمهم الصّوم.
واستدلّوا أيضا، ودلالة الحديث على قولهم ودلالة الآية أيضا واضحة، واستدلّوا أيضا، استدلّوا بحديث رواه مسلم : ( عن كريب أنّ أم الفضل أرسلته في حاجة إلى معاوية، ومعاوية في الشّام، فرأوا الهلال في الشامّ فصاموا وكان ممّن رآه كُرَيب، رأوه ليلة الجمعة، ثمّ إنّ كريبا قضى حاجته من الشّامّ ورجع إلى المدينة والتقى بابن عبّاس رضي الله عنهما فسأله ابن عبّاس متى صام معاوية؟ قال: صام يوم الجمعة، قال: هل رأى الهلال؟ قال: نعم، وأنا رأيته أيضا، فقال: إنّا لم نصم إلاّ يوم السّبت، فقال له: ألا تكتفي برؤية معاوية؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهذا نصّ صريح من ابن عبّاس رضي الله عنهما تفقّهاً واستنباطاً، استنباطا من أين؟
من قوله: ( إذا رأيتموه ) وهذا دليل واضح في الموضوع، والقياس على التّوقيت اليومي أيضا دليل واضح، والخطاب في (( فمن شهد منكم الشّهر ))، ( وإذا رأيتموه ) أيضًا واضح ولهذا كان الصّواب ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أنّه إن اتّفقت المطالع لزم الصّوم والفطر وإلاّ فلا "، وهذا أحد القولين، فعندنا الآن قولان:
القول الأوّل: إذا ثبتت رؤيته في مكان ثبت ذلك في حقّ جميع النّاس في أيّ مكان كان.
الثاني: إذا ثبتت رؤيته في مكان لزمهم حكم تلك الرّؤية من فطر أو صوم، ولزم من يشاركهم في مطالع الهلال دون من لم يشاركهم، وهذا أقرب إلى الصّواب إن لم يكن هو المتعيّن.
القول الثالث: أنّه إذا كانت المسافة بين البلدين مسافة قصر، فإنّه لا يلزم البلد الآخر قالوا: لأنّ ما دون المسافة في حكم الحاضر، وما وراءها في حكم المسافر، فإذا كان بين البلدين أقلّ من المسافة لزم البلد الثاني الصّوم إذا رآه البلد الآخر، وإن كان بينهما مسافة قصر فلا.
والقول الرّابع: أنّ الصوم والفطر تبع للعمل أي: عمل وليّ الأمر، فإذا كانت هذه المنطقة تبعا لأمير معيّن فلها حكم واحد، وعلّلوا ذلك بأن لا يحصل الاختلاف بين من كانوا تحت إمرة واحدة، لأنّه إذا حصل الاختلاف بين من كانوا تحت إمرة واحدة حصل النّزاع والتّفرّق، فهذه أربعة.
والقول الخامس: أنّه إذا كان بينهما قُطر أو أقطار يعني: إذا كانت منطقة كبيرة مو بلد يعني تبع الأقطار والمناطق الكبيرة فإنّهم إذا كانوا في قُطر واحد لزمهم الصّوم وإن لم يكونوا في قطر واحد فلكلّ قطر حكمه.
على كلّ حال كلّ ما سوى القولين الأوّلين فهي أقوال ليست بتلك القوّة، إلاّ أن يقال: إنّه إذا كانوا تحت إمرة واحدة فإنّه يلزم الصّوم أو الفطر لحديث: ( الفطر يوم يفطر النّاس والصّوم يوم يصوم النّاس ) فتكون الأقوال الرّئيسيّة التي يمكن أن نعتبرها ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: لزوم الصّوم على جميع النّاس، والثاني: لزوم الصّوم على من وافقهم في المطالع، والثالث: لزوم الصّوم إذا كانوا تحت إمرة واحدة، لحديث: ( الصوم يوم يصوم النّاس والفطر يوم يفطر النّاس ).
ما هو عمل النّاس اليوم؟
الطالب : الثالث.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الثالث.
طالب آخر : الثاني.
الشيخ : الغالب عمل النّاس اليوم على الأخير.
الطالب : الثالث.
الشيخ : الغالب أنّه على الأخير، ولهذا تجد قريتين على الحدود بينهما أمتار قليلة، قرية صامت وقرية لم تصم، وقرية أفطرت في العيد وقرية لم تفطر، لأنّ هذه تحت ولاية وهذه تحت ولاية.
بل نجد أنّه أحياناً إذا حسنت العلاقات بين الدّولتين اتّفقتا، وإذا ساءت لم تتّفقا، فيجعلون الحكم تبعاً للسّياسة، إن حسنت العلاقات قالوا: والله هذه البلد أهلها ثقات ويجب أن نعمل برؤيتهم يلاّ أصدروا الفتوى بالفطر أو بالصّوم، وإن ساءت قالوا : كلّ له بلده وله رؤيته ولا يمكن أن نتبعهم، وهذا شيء شاهدناه بأنفسنا نحن، يعني علمنا به مباشرة بدون نقل.
على كلّ حال القول الصّحيح عندي هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لأنّه مؤيّد بظاهر القرآن والسّنّة وبما روي عن الصّحابة رضي الله عنهم.
طيب من فوائد الحديث: أنّ هذه الشّريعة والحمد لله لم تدع مجالا للقلق والإضطراب كيف ذلك؟
لقوله ( فإن غمّ عليكم فاقدروا له )، أو: ( أكملوا العدّة ثلاثين ) فإنّ هذا ممّا يريح الإنسان يعني لا تكن قلقا تقول ربّما هلّ ولكنّه تحت السّحاب، ربّما أنّه هلّ ولكنّه وراء الجبل، ربّما أنّه هلّ ولكنّه حجبه القتر، أبدًا لا تقلق، إذا لم تر الهلال لكونه غمّي عليك فأكمل العدّة ثلاثين بدون قلق، وهكذا ينبغي للإنسان أن لا يجعل في نفسه قلقا من الأحكام الشّرعيّة حتى في مسائل الفتاوي، لا ينبغي لك أن تضع المستفتي في قلق وحيرة فتقول: يمكن كذا، يمكن كذا، يحتمل كذا يحتمل كذا، إمّا أن يكون عندك علم يقيني أو ظنّي لأنّ الصّحيح أنه يجوز الحكم بغلبة الظّنّ عند تعارض الأدلّة: (( لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها ))، وتجزم بالفتوى ، وإلاّ فدعها ، وأمّا أن تبقى في حيرة وتوقع أيضا غيرك في حيرة فهذا لا ينبغي.
ومن فوائد الحديث: البناء على الأصل، يعني اعتبار البناء على الأصل من أين يؤخذ؟
الطالب : ( فاقدروا له ).
الشيخ : من قوله: ( فاقدروا له ) أو: ( أكملوا العدّة ثلاثين )، لأنّ الأصل بقاء الشّهر، فإنّ يوم الثّلاثين من الشّهر حتى نتيقّن أنّه دخل الشّهر التّالي، وهذا جزء أو فرد من أفراد عظيمة دلّت عليها أحاديث كثيرة، وهي: أنّ الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتبيّن زواله.
طيب وقوله: ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ) : لو قال قائل: رأيتموه الميم علامة الجمع، ولا بدّ من أن يكون الرّائي جماعة، أكثر من واحد، نعم، لو قال قائل هكذا، قلنا: لنستمع إلى الحديث الذي بعده.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام ، وأمر الناس بصيامه ). رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم .
9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام ، وأمر الناس بصيامه ). رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ، فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم . قال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فأذن في الناس يا بلال : أن يصوموا غداً ) . رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، ورجح النسائي إرساله .
ففي هذين الحديثين دليل على أنّه يُعمل بشهادة واحدٍ في دخول رمضان، وعلى هذا يكون الجمع في قوله: ( إذا رأيتموه فصوموا ) باعتبار الجنس، كأنّه قال إذا رآه أحد منكم.
هنا يقول : ( تراءى النّاس الهلال ) أي: طلبوا رؤيته، هذا معنى تراءوه كأنّ كلّ واحد يقول للثّاني: انظر إلى الهلال انظر إلى الهلال وما أشبه ذلك.
10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما :( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ، فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم . قال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فأذن في الناس يا بلال : أن يصوموا غداً ) . رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، ورجح النسائي إرساله . أستمع حفظ
فوائد حديث ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي ...) .
الإقراريّة، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أقرّه.
ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنّه لا يُعمل إلاّ برؤية من يوثق بنظره، بل من يوثق بقوله، لكونه أمينًا بصيرًا، فلو جاء الأعمى إلى القاضي وقال: إنّي رأيت الهلال وهو ثقة مأمون عند النّاس، وش نقول؟
الطالب : في المنام.
الشيخ : نعم، نقول هذا في الرّؤيا يمكن! أمّا في اليقظة فلا يمكن تراه وهذا ممّا يخلّ بأمانته.
طيب جاءنا رجل ليس بأعمى لكن ضعيف البصر وقال: إنّي رأيت الهلال، رأيت الهلال يقينا؟ قال: يقينا، أين اتّجاهه؟ قال اتّجاهه إلى الجنوب الشّرقي، نعم، اتّجاه القوس يعني، صحيح هذا، المنزلة صحيحة، لأنّ القمر حسب المنازل أحيانًا يكون اتّجاهه إلى الجنوب وأحيانا يكون إلى الشّرق المحض وأحيانا إلى الشّرق الجنوبي، لكنّه ضعيف البصر هل نأخذ بقوله؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، وإن كان ثقة، نعم، لأنّه ضعيف البصر، ولهذا ذكر العلماء أنّ رجلا كبير السّنّ كان مع النّاس الذين يتراءون الهلال وأبصارهم حديدة قويّة، هم قالوا: لم نره، وهو أصرّ على أنّه رآه، وجاؤوا عند القاضي، والقاضي ردده، قال: لا، أشهد أنّي رأيته، فقال أذهب معك تريني إيّاه؟ قال: نعم، ذهبوا وقال انظر إليه، انظر إليه، القاضي نظر فلم ير شيئا! وكان القاضي ذكيّاً فمسح على حاجب عينه، ثمّ قال: انظر، قال: والله الآن ما أرى شيئا!
الطالب : ههههه.
الشيخ : ليش؟ شعرة بيضة لكن ما تحقق، يحسب أنّها هلال! متقوّسة كالهلال فشهد أنّه رأى الهلال، لكن متى يأتينا قاضي مثل هذا القاضي الذّكيّ.
إنّما على كلّ حال أقول: لا بدّ أن يكون الرّائي ممّن يوثق بقوله لأمانته في النّقل، ولكون بصره حديداً يمكن أن يرى الهلال.
طيب ويستفاد من هذا الحديث أيضا: أنه لا تشترط الشّهادة في الإعلام بدخول الشّهر لقوله: ( أخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته فصام وأمر النّاس بالصّيام )، فلو قال للقاضي إنّي رأيت الهلال ولم يقل: أشهد نعم؟
الطالب : تقبل.
الشيخ : وجب الحكم بشهادته أو وجب الحكم بخبره.
وهل هذا خاصّ برؤية هلال رمضان أو عامّ في كلّ الشّهادات؟
يعني هل يشترط في الشّهادة سواء في المال أو في غير المال أن يقول الشّاهد: أشهد أو لا يشترط بل يكفي أن يقول: إنّي أقول كذا أو أخبر بكذا؟
الصّحيح أنّه لا تشترط الشّهادة، إلاّ ما دلّ الدّليل على اشتراطها، كقوله: (( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين ))، وإلاّ فإنّ الخبر يكفي عن الشّهادة، ولهذا قيل للإمام أحمد رحمه الله: " إنّ فلانا يقول: أقول العشرة في الجنّة ولا أشهد، فقال الإمام أحمد: إذا قال إنّهم في الجنّة فقد شهد "، وهذا هو الحقّ أنّ الشّهادة لا يعتبر فيها لفظ أشهد، بل إذا أخبر خبرًا جازما به فإنّه يعتبر شاهدا، ويدلّ عليه هذا الحديث.
طيب وأمّا الحديث الثاني ففيه دليل على أنّه يشترط في الشّاهد أن يكون مسلما، لقوله؟
الطالب : ( أتشهد أن لا إله إلاّ الله؟ ).
الشيخ : ( أتشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله؟ )، ثمّ قال: ( فأذّن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً )، وهذا واضح على أنّ الحكم بني على ما سبق من كون الرّجل يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله.
طيب هل يدلّ الحديث على أنّه يكفي أن يكون مسلمًا وإن لم يكن عدلا؟
الطالب : لا يكفي.
الشيخ : قد يقال: لا يدلّ، وقد يقال: يدلّ،
أمّا قد يقال: أنّه يدلّ فلأنّ هذا الرّجل لم يبد لنا منه إلاّ أنّه شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله فقط، وهذا لا يحصل به إلاّ الإسلام فقط، وأمّا كونه لا يمنع اشتراط العدالة فلأنّ الصّحابة كلّهم عدول، فإذا ثبت إسلام الصّحابيّ ثبتت عدالته، ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام عليه، نعم.