تتمة فوائد حديث ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي ...) .
قال: وعن ابن عبّاس، وعن ابن عمر، فيه فوائد الأوّل، حديث ابن عمر الثاني الذي قبل حديث ابن عبّاس فيه فوائد:
الأوّل أنّ من السّنّة ترائي النّاس الهلال، طيب الدّليل؟
الطالب : ( تراءى النّاس ).
الشيخ : قول ابن عمر: ( تراءى النّاس الهلال فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته ) .
ومن أيّ أنواع السّنّة هذه؟
الطالب : الإقرارية.
الشيخ : الإقراريّة.
طيب هل من السّنّة أن يؤمر النّاس بترائي الهلال، ويقال لهم: تراءوا الهلال اللّيلة الفلانيّة فمن رآه منكم فليشهد به عند القاضي؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : نعم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، لو قال قائل: أين الدّليل؟
الطالب : ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.
الشيخ : ما هو واجب، يعني لو قال قائل: إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يأمر أصحابه بذلك، ما قال: تراءوا الهلال، لكن النّاس بطبيعة الحال وبالفطرة وبالعادة يتراءونه ، فالظاهر والله أعلم أن يقال في الجواب عن ذلك: إنّنا نأمرهم لنذكّرهم بالسّنّة، نعم ولهذا الأفضل أن لا يقال: تراءوا الهلال، وإنّما يقال: كان الصّحابة يتراءون الهلال، فمن أراد منكم أن يتراآه فليتراءاه في اللّيلة الفلانيّة هذا أقرب لإصابة السّنّة.
من فوائد الحديث أيضا: وجوب العمل برؤية الشّاهد الواحد مع الجماعة، من أين يؤخذ؟
من أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس بالصّيام، لأنّه صام وأمر النّاس بالصّيام، وهذا هو القول الرّاجح من أقوال أهل العلم، والمسألة فيها ثلاثة أقوال:
هذا القول، والقول الثاني: أنّه لا بدّ من شاهدين اثنين أو شاهد مبرّز في العدالة، بحيث تقوم شهادته مقام شهادة اثنين عند القاضي.
والقول الثالث: إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد، وإن كانت صحوا لم تقبل.
الطالب : العكس.
الشيخ : إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد وإن صحوا لم تقبل.
الطالب : صحيح نعم.
الشيخ : هذا مذهب، أنتم الآن تقولون العقل يقتضي العكس؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لكنّهم هم يقولون: لا، مذهب أبي حنيفة على أنّهم من أهل الرّأي يقولون: إن كانت السّماء غيما قبلت شهادة الواحد وإن كانت صحوا لم تقبل ليش؟
دقيقة يا أخي، يقولون: لأنّه إذا كانت السّماء صحوا ولم يره النّاس دلّ على كذبه، وإذا النّاس ما رأوه، عرفتم؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : فتكون شهادة هذا الواحد مخالفة لشهادة الآخرين فلا تقبل، أمّا إذا كانت السّماء غيما فيمكن أن يره من دون النّاس لقوّة بصره مثلا، نعم، أو لكونه مثلا دقيق الملاحظة بحيث انفتح الغيم لمدّة وجيزة ورآه أو ما أشبه ذلك، فلهذا يفرّق هؤلاء بين أن تكون السّماء صَحوا وأن تكون غيماً أفهمتم الآن وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ولا شكّ أن مقتضى العقل أن يكون الأمر بالعكس، فيقال: إذا كانت السّماء صحوا فإنّه يمكن أن يره ولا يراه الآخرون، حتى إن كانت السّماء صحوا فالنّاس يختلفون في قوّة النّظر، نعم بخلاف ما إذا كانت غيما فإنّه يبعد أن يره، كيف يراه من بين النّاس؟
على كلّ حال هذا قول ذكرناه لأجل إتمام سياق الأقوال، والصّحيح أنّه يعمل بشهادة الواحد ولو كان معه جماعة لهذا الحديث.
ومن فوائد الحديث: أنّه ينبغي للإنسان أن يتقدّم بالحقّ ولو كان من أصغر النّاس، لأنّ ابن عمر رضي الله عنه كان صغير السّنّ، ومع ذلك تقدّم وقال إنّي رأيت الهلال فصام النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأمر بصيامه.
ولهذا لمّا وقع في قلبه حلّ اللّغز الذي ألغز به النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هاب أن يتكلّم به لأنّه كان أصغر القوم، لكنّ أباه عمر تمنّى أن يكون تكلّم به، واللّغز الذي أورده الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على الصّحابة: ( أنّ من الشّجر شجرة مثلها مثل المؤمن ، فذهب النّاس يتكلّمون في شجر البوادي هي كذا، هي كذا، هي كذا ) ، ولم يعرفوها ، ( فوقع في نفس ابن عمر أنّها النّخلة لكنّه لم يتكلّم لصغر سنّه، ثمّ قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام هي النّخلة ) .
وفيه أيضًا أنّ الحاكم هو الذي يوجّه الأمر إلى النّاس بالصّيام لقوله: ( صام وأمر النّاس بصيامه )، وهو كذلك، فإنّ هذه الأمور ترجع إلى الحكّام وليست راجعة إلى عامّة النّاس من شاء صام ومن شاء أفطر بشهادة غيره، ولكنّها راجعة إلى الحاكم الشّرعي.
وفيه أيضا ما أشار إليه الأخ غانم: أنّ من كان معلوم العدالة فإنّه لا يناقش ولا يحقّق معه، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما أخبره ابن عمر أنّه رآه صام وأمر النّاس بالصّيام بخلاف الحديث الثاني.
طيب ويستفاد منه أيضا: أنّه لا تشترط الشّهادة في رؤية الهلال يعني لا يشترط أن يقول أشهد لأنّه قال: ( فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته ).
وقد يقال: بل فيه دليل على أنّ الخبر شهادة لقوله تعالى: (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ))، وجعل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ابن عمر بإخباره شاهدًا، وقد مرّ علينا أنّ الإمام أحمد لما قيل له: إنّ يحيى بن معين يقول: أقول العشرة في الجنّة أو علي بن المديني نسيت ولكنّي لا أشهد، قال إذا قال؟
الطالب : فقد شهد.
الشيخ : فقد شهد، نعم.
فوائد حديث ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ...).
وفيه أيضاً وجوب التّحرّي في مجهول الحال لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سأل هذا الأعرابيّ: أتشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله؟ قال: نعم.
فأمّا من ظاهره العدالة فلا يبحث عنه، لكن لما كان الأعراب غالبهم لا يعرف الأحكام الشّرعيّة سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الأعرابيّ هل هو مسلم أم لا.
وفيه أنّ النّاس مؤتمنون على ديانتهم، لأنّه لما قال: أتشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله؟ قال نعم، لم يقل: من يشهد لك، وبناء عليه فإذا قيل للرّجل: صلّ، فقال: قد صلّيت نعم، ندعه هو ودينه إلاّ أن يقول: صلّيت في المسجد الفلاني وشهد أهل المسجد أنّه لم يصلّ فحينئذ نقبل قوله وإلاّ لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما نقبل، كذلك إذا قلنا: زكّ مالك فقال: قد زكّيت فإنّه يقبل وهو فيما بينه وبين الله، اللهمّ إلاّ إذا كان شاهد الحال يكذّبه كما إذا كان غنيّا كبيرا عنده أموال كثيرة وقال: إنّي زكّيت ونحن ما رأينا أحدا انتفع بزكاته وزكاته لو أخرجت لكان لها أثر في المجتمع لقلّته مثلا، فهذا قد نقول بعدم إيش؟
الطالب : زكاته.
الشيخ : بعدم قبول قوله، لماذا؟
لأنّ شاهد الحال يكذّبه، وشاهد الحال معتبر في الأحكام الشّرعيّة، ألم يبلغكم قصّة سليمان مع المرأتين حيث عمل بالقرينة، ما تقولون؟
الطالب : بلى.
الشيخ : بلى، ومن يقولها لنا؟ إبراهيم؟
الطالب : أن امرأتان كانتا في برية.
الشيخ : وكذلك أيضا الحاكم الذي حكم في قصّة يوسف عليه الصّلاة والسّلام حكم بالقرائن، قال: ((إن كان قميصه قدّ من قبل )) هاه؟
الطالب : فصدقت.
الشيخ : (( فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصّادقين ))، فالمهمّ أنّ صاحب المال الذي ادّعى أنّه أدّى زكاته نقول: إذا دلّت القرينة على كذبه لم نقبل قوله وإلاّ فإنّ النّاس مؤتمنون على دينهم.
طيب وفي هذا الحديث أيضًا من الفوائد: دليل على أنّ نعم حرف جواب تغني عن إعادة السّؤال، لأنّ الرّجل لم يقل نعم أشهد أن لا إله إلاّ الله، ولهذا لو قيل للرّجل أطلّقت امرأتك؟ قال: نعم، هاه؟
الطالب : تطلق.
الشيخ : تطلق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي نعم تطلق، ولو قيل له: أراجعت امرأتك؟ قال نعم، رجعت إليه، ولو قيل للرّجل: أزوّجت فلانا؟ قال: نعم، فقال الثاني: قبلت قُبِل، أو قيل للزّوج أقبلت؟ قال: نعم فإنّه يقوم مقامه، لحكم النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بإسلامه حين قال: نعم.
ومن فوائد الحديث: أنّه ينبغي إعلان دخول الشّهر بين النّاس، لقوله: ( فإذّن في النّاس أن يصوموا غدا ).
ومن فوائده أيضًا: أنّه ينبغي أن تتّخذ الوسيلة التي تكون أقرب إلى تعميم الخبر، نعم لقوله: ( أذّن في النّاس ) يعني أعلمهم، وعلى هذا فإعلام النّاس خبر دخول الشّهر بالأصوات أو بظهور الأنوار أو ما أشبه ذلك من الأمور المشروعة.
طيب ومن فوائده أيضا: أنّه ينبغي في الإعلانات اختيار الوسيلة التي تكون أبلغ في إيصال الخبر، لأنّ بلال رضي الله عنه معروف أنّه قويّ الصّوت ولهذا أمره النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أن يقوم في النّاس أن يصوموا غدا. انتهى أظنّ الكلام على هذا.
2 - فوائد حديث ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ...). أستمع حفظ
وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) . رواه الخمسة ، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه ، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان . وللدار قطني : ( لا صيام لمن لم يفرضه من الليل ).
وللدارقطني: ( لا صيام لمن لم يفرضه من الليل ) ":
قوله: ( من لم يبيّت الصّيام ) يعني نيّة الصّيام، وقوله: ( قبل الفجر ) يعني ولو في آخر اللّيل، لأنّ البيتوتة في الأصل هي النّوم في اللّيل يسمّى بيتوتة، وقوله: ( فلا صيام له ) لا: نافية للجنس، وصيام اسمها، وله خبرها، هذا النّفي هل هو نفي للكمال أو للوجود أو للصّحّة؟
الطالب : للصّحّة.
الشيخ : الجواب نشوف نمشي، الأصل في النّفي نفي الوجود، هذا الأصل فإذا وجد انتقلنا من نفي الوجود الحسّي إلى نفي الوجود الشّرعي، ونفي الوجود الشّرعي معناه عدم؟
الطالب : الصّحّة.
الشيخ : الصّحّة فيكون نفيا للصّحّة، فإن لم يمكن ذلك بأن ثبت وجوده شرعا وصحّته شرعا انتقلنا إلى نفي الكمال، فأيّ إنسان يدّعي في مثل هذه الصّيغة أنّه نفي للكمال فإنّنا لا نقبل قوله إلاّ بدليل.
طيب فإذا قلنا: لا ربّ إلاّ الله، هاه؟
الطالب : للوجود.
الشيخ : نفي للوجود؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نفي للوجود؟
الطالب : لا يا شيخ.
الشيخ : لا ربّ إلاّ الله؟
الطالب : نفي للصّحّة.
طالب آخر : نفي للوجود.
الشيخ : يعني ما يوجد ربّ إلاّ الله.
الطالب : أي نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : نفي للوجود؟
الطالب : نفي للصّحّة يا شيخ.
الشيخ : يا أخي ما فيه صحّة هذا، الصّحّة والبطلان في الأحكام، انتبهوا لا بعد تأتون بداهية، نعم الصّحّة والبطلان للأحكام، إنّما الأخبار يقال: صدق أو كذب.
الطالب : لكن يوجد أرباب كاذبة.
الشيخ : لا، الرّبّ عند الإطلاق إنّما يكون لله عزّ وجلّ.
طيب إذا قلنا ( لا إيمان لمن لا يأمن جاره بوائقه ) ؟
الطالب : نفي للكمال.
الشيخ : كمال؟
الطالب : نعم.
الشيخ : صحّ، لأنّ أصل الإيمان موجود عند هذا الرّجل كذا، ( لا صلاة بغير وضوء ) ؟
الطالب : للصّحّة.
الشيخ : نفي للصّحّة، تمام؟
الطالب : نعم.
الشيخ : وانتبهوا الآن لئلاّ تقعون في اختلاف، إذا كان الكلام في الخبر فالنّفي؟
ينفى صدقه أو كذبه، إذا كان في الأحكام؟
الصّحّة والبطلان، لأنّ الخبر لا يقال: صحيح أو باطل إلاّ على سبيل التّجوّز وإنّما يقال: خبر صادق أو خبر كاذب.
3 - وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) . رواه الخمسة ، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه ، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان . وللدار قطني : ( لا صيام لمن لم يفرضه من الليل ). أستمع حفظ
مراجعة ومناقشة تحت حديث ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ...).
الطالب : مراجعة يا شيخ.
الشيخ : ( فصامه وأمر النّاس بصيامه ) أيؤخذ منه أنّ الإنسان يبدأ بنفسه أوّلا بالعبادة ثمّ يأمر غيره؟
الطالب : لا يؤخذ
الشيخ : يعني فيها نظر هذه.
الطالب : ...
الشيخ : إذا ابتدأ الصّيام في بلد وانتقل إلى بلد آخر يخالفه فإمّا أن يكون البلد الثاني سابقا أو متأخّرا، إن كان البلد الثاني متأخرًا فإنّه يفطر معهم وإن لم يصم إلاّ ثمانية وعشرين يوما، لأنّ الفطر يوم يفطر النّاس وهذا الرّجل رأى الهلال، رآه بنفسه أو حكما فيفطر معهم ويقضي، لكن هل يعتبر البلد المنتقل إليه أو المنتقل منه عند القضاء؟
يعني مثلا إذا كان البلد الذي ينتقل منه أتمّوا ثلاثين والبلد الذي انتقل إليه صاموا تسعة وعشرين فقط؟ هاه؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : يعتبر الثاني، لأنّه هو وقت الفطر، والعكس بالعكس لو قدم من بلد سابق وأتمّ ثلاثين ولكن البلد الذي انتقل إليه لم يفطروا لأنّهم لم يروا الهلال فإنّه يبقى صائما حتى يفطروا ولو زاد عليه يوما أو يومان، لأنّ الرّجل لو سافر في يومه من بلد سابق في طلوع الفجر إلى بلد تأخّر عنه في الغروب ثلاث ساعات مثلا يفطر إذا غابت الشّمس عند البلد الأوّل؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، يبقى ولو زاد، بل لو زاد ثمان ساعات أو عشر ساعات يبقى صائما لكن كما تعرفون المسألة هذه إذا كان الإنسان مسافرا فإنّ له أن يفطر ولو في قلب رمضان، يعني ولو في نصف الشّهر لكن كلامنا على هل يثبت في حقّه دخول الشّهر أو لا يثبت.
وفي المسألة الثانية قال بعض العلماء إنّه إذا أتمّ ثلاثين يوما يفطر سرّا ليش؟ قال: لأنّه لا يمكن أن يزيد الشّهر على ثلاثين كما لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين، ولهذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( الشّهر هكذا وعدّ ثلاثين، وقال هكذا وقبض الإبهام ) يعني: تسعة وعشرين، فلا يمكن أن يزيد على ثلاثين إذن لا نلزمه أن يزيد ثلاثين، لكن الاحتياط بلا شكّ أن يتابعهم، لأنّ حقيقة الأمر أنّ المكان الذي وصل إليه ما صاموا أكثر من ثلاثين والآن لمّا وصل إلى هذا المكان يقال: الهلال ما بعد هلّ إلى الآن نراه في السّماء في الصّباح .
هل تقبل شهادة المرأة في رؤية الهلال؟
أمّا هلال شوّال فلا تقبل قولا واحدا، لأنّه لا بدّ فيه من رجلين اثنين، وأمّا رمضان فقيل: تقبل وهو المشهور من المذهب، وقيل: لا تقبل وهو قول في المذهب أيضا وجه لأصحابنا أو رواية نعم ما تقبل، لأنّ شهادة الرّجل تقابل شهادة امرأتين، لكن المذهب يقول: إنّها تقبل، لأنّ هذا خبر ديني كما لو قالت طلع الفجر فأمسك، غابت الشّمس فأفطر.
4 - مراجعة ومناقشة تحت حديث ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ...). أستمع حفظ
تتمة شرح الحديث (من لم يبيت الصيام قبل الفجر... ).
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
قال -رحمه الله تعالى-: " وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ). رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان.
وللدارقطني: ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) " :
قوله في الحديث: ( من لم يبيّت الصّيام قبل الفجر ) سبق لنا أنّ البيات هو نوم اللّيل، وهنا بيّن أنّه من الغروب إلى الفجر، لأنّه قال: ( من لم يبيّت الصّيام قبل الفجر ) والمراد بالفجر هنا الفجر الصّادق، لأنّ الفجر فجران: فجر كاذب، وفجر صادق، والذي تترتّب عليه أحكام الصّيام وأحكام الصّلاة هو الفجر الصّادق، وبينه وبين الفجر الكاذب حوالي ساعة أو ساعة وربع أو أقلّ من السّاعة حسب اختلاف الفصول، أمّا الفروق بينه وبين الفجر الصّادق فذكر العلماء أنّ بينهما ثلاثة فروق:
الفرق الأوّل: أنّ الفجر الصّادق يكون ممتدّا من الجنوب إلى الشّمال عرضا، والفجر الكاذب يكون طولا من الشّرق إلى الغرب.
والفرق الثاني: أنّ الفجر الصّادق يكون فيه الضّياء متّصلا بالأفق، وأمّا الفجر الكاذب فالضّياء منقطع أي: بينه وبين الأفق ظلمة لا يتّصل الضّياء بالأفق. والفرق الثالث: أنّ الفجر الكاذب يظلم بعد ذلك وينمحي، والفجر الصّادق لا يظلم بل يزداد نورا نعم هذه ثلاثة فروق بين الفجر الصّادق والفجر الكاذب.
والفجر الصّادق هو الذي تترتّب عليه الأحكام.
وقوله: ( من لم يبيّت الصّيام ) ظاهره العموم، صيام الفرض وصيام النّفل، وقوله: ( فلا صيام له ) أي: لا صيام تامّ أو لا صيام صحيح؟
الطالب : صحيح.
الشيخ : قلنا: إنّه يجب أن يحمل النّفي أوّلا على نفي الوجود، فإن لم يمكن فعلى نفي الصّحّة ونفي الصّحّة كما تعلمون نفي للوجود الشّرعي في الواقع، فإن لم يمكن بأن دلّت الأدلّة على أنّ هذا صحيح فيحمل على نفي؟
الطالب : الكمال.
الشيخ : الكمال، هنا يجب أن يحمل على نفي الصّحّة ، لأنّه ليس هناك ما يدلّ على أنّ الرّجل إذا صام في أثناء النّهار صحّ صومه فيحمل حينئذ على نفي الصّحّة أي: فلا صيام صحيح له.
ووجه ذلك أنّ الصّوم لا بدّ يشتمل على جميع النّهار، ومن لم ينو إلاّ بعد طلوع الفجر ولو بجزء يسير فقد مضى جزء من يومه لم ينوه ولم يصمه وحينئذ لا يصحّ، وعليه فيكون هذا الحديث -وإن كان فيه خلاف في رفعه ووقفه- فإنّ النّظر يقتضيه لأنّ الله يقول: (( كلوا واشربوا حتي يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام )) من أين؟
الطالب : (( إلى اللّيل )).
الشيخ : هاه؟ من أين، من أين؟
الطالب : من الفجر
الشيخ : من الفجر إلى اللّيل، وعلى هذا من لم ينو قبل الفجر ولو بلحظة فإنّه لم يتمّ صومه لأنّه مضى عليه جزء من النّهار لم يصمه، واضح؟
وقول المؤلف: " ومال التّرمذيّ والنّسائيّ إلى ترجيح وقفه، وصحّحه مرفوعا ابن خزيمة وابن حبّان " :
معناه أنّه تعارض هنا الحكم عليه بالوقف وبالرّفع، وقد مرّ علينا عدّة مرّات أنّه إذا تعارض الرّفع والوقف وكان الرّافع ثقة حكم بالرّفع، لوجهين:
الوجه الأوّل: أنّ الرّفع زيادة، والزّيادة من الثّقة مقبولة.
الوجه الثاني: أنّه لا منافاة بين الرّفع والوقف، فإنّ الرّاوي أحيانا يسوق الحديث إلى منتهاه وأحيانا يقوله من عنده، يحدّث به، فالصّحابي مثلا قد يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذا ويتكلّم في الحديث، وقد يقول الحديث من نفسه مبيّنا للحكم فقط لا راويا، وعلى الاحتمال الأخير يكون حاكما لا راويا ، أنا مثلا عندما أسوق حديث عمر : ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ) ، وأقول : قال البخاري حدّثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطّاب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إنّما الأعمال بالنّيّات ) ، فإنّني في هذه الحال أكون راويا ، ولكن عندما أقول: إنّما الأعمال وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فإنّي أكون حينئذ؟
الطالب : حاكيا.
الشيخ : حاكما، لا أريد الرّواية، فهكذا الصّحابي إذا روى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديثا فإنّه يكون راويا وأحيانا يقوله من عند نفسه حاكما به لا راويا له.
هذا إذا كان الرّاوي ثقة، أمّا إذا كان الرّاوي غير ثقة أي: الرّافع فإنّنا لا نقبل الرّفع حينئذ لا لأنّه عورض بالوقف، ولكن لضعف الرّاوي.
والخلاصة أنّه لا منافاة بين كون الرّاوي يحدّث بالحديث مرّة مرفوعا أو يقوله ناسبا إيّاه إلى نفسه على سبيل الوقف، لأنّنا نقول على الوجه الأوّل يكون راويا وعلى الوجه الثاني يكون حاكما.
طيب: " وللدّارقطني : ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) " .
اقرأ يا طلال؟
القارئ : " وللدارقطني ( لا صيام لمن لم يفرضه مِن الليل ) " .
الشيخ : ( لا صيام لمن لم يفرضه من اللّيل ) : إشارة إلى أنّ المراد بذلك الصّيام الواجب هو الذي يفرض ، أمّا التّطوّع فإنّه لو ابتدأه الإنسان فله أن يفطر كما سيأتي.
فوائد حديث ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر ...).
من فوائد الحديث أوّلًا: وجوب النّيّة في الصّيام، لقوله: ( من لم يبيّت النّيّة فلا صيام له )، ويشهد لهذا ذلك الحديث العظيم الذي يعتبر ركنا عظيما من أركان الشّريعة، وهو حديث عمر: قول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ).
ثانياً: أنّه لا بدّ أن تكون النّيّة قبل طلوع الفجر، لقوله: ( من لم يبيّت الصّيام قبل الفجر ) ووجه ذلك: لأجل أن تستوعب النّيّة جميع النّهار.
ومن فوائده أيضا: " أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب "، أنتم الآن قلتم معي ما شاء الله كأنّكم فاهمين ، لكن من أين تؤخذ هذه الفائدة؟
الطالب : ما هو ؟
الشيخ : لكن ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، هاه؟
الطالب : لأن الصيام واجب فيكون تبييت النية واجب.
الشيخ : لأنّه لا يمكن استيعاب جميع النّهار إلاّ بنيّة قبل الفجر، وإلاّ فالأصل أنّ ابتداء الإمساك من طلوع الفجر لا قبله، لأنّ الله يقول: (( حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود )) ، لكن لما كان لا يتمّ استيعاب جميع النّهار إلاّ بنيّة قبل الفجر صارت النّيّة قبل الفجر واجبة، وهذا من باب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
ونظير ذلك قولهم في الوضوء: إنّه لا يمكن استيعاب غسل الوجه إلاّ بجزء من الرّأس، فلا بدّ أن يتناول الماء شيئا ولو كالشّعرة من الرّأس، وكذلك قالوا في مسح الرّأس.
المهمّ أنّه ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
طيب فإن قلت: هل يجوز أن أبتدأ النّفل في أثناء النّهار؟
فالجواب: إن كان النّفل معيّناً فإنّه لا يصحّ إلاّ من قبل طلوع الفجر، مثلا أيّام البيض لا بدّ أن يصومها الإنسان من أوّلها وإلاّ صار صائمًا نصف يوم أو ربع يوم حسب ما ينوي، وكذلك الأيّام المعيّنة: كلّ معيّن لا بدّ أن ينويه قبل الفجر، أمّا النّفل المطلق فلا بأس كما سيأتي على خلاف في ذلك أيضا.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا ، قال : فإني صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : أهدي لنا حيس فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل ). رواه مسلم .
الطالب : لتقدم الخبر.
الشيخ : أوّلا: لتقدّم الخبر، والثاني: لتقدّم؟
الطالب : الاستفهام.
الشيخ : الاستفهام نعم.
طيب وقوله: ( شيء ) : هذا عامّ أريد به الخاصّ ، والمراد به شيء يؤكل بدليل قوله: ( قلنا: لا ، قال: فإنّي إذن صائم ) .
وقوله: ( فإنّي إذن ) إذن: ظرف للزّمن الحاضر، وهناك إذن وإذا وإذ، هذه الأدوات الثّلاث تقاسمت الزّمان:
فإذ لما مضى، وإذا للمستقبل، وإذن للحاضر.
إذن فقوله: ( إنّي إذن ) أي من الآن صائم، والصّيام كما سبق في اللّغة الإمساك، وفي الشّرع التّعبّد لله تعالى بالإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس.
وإذا جاء اللّفظ في لسان الشّارع وله معنى لغويّ ومعنى شرعيّ وجب حمله على الحقيقة الشّرعيّة، على المعنى الشّرعي.
وإذا جاء اللّفظ في كلام أهل اللّغة وله معنيان: شرعيّ ولغويّ حمل على المعنى اللّغوي.
وإذا جاء الكلام وله معنيان: لغويّ فصيح وعرفيّ وشرعيّ وتكلّم به إنسان باللّسان العرفيّ، فإنّه يحمل على العرف، يعني إذن كلّ كلام يحمل على ما تعارفه المتكلّم به.
إذن لا يصحّ أن نحمل قوله: ( صائم ) على الصّيام اللّغوي أي: فإنّي إذن ممسك عن الأكل بل نقول: إنّه هذا صيام شرعي لأنّ هذا معناه في اللّسان الشّرعي.
( ثمّ أتانا يوما آخر، فقلنا: أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً فأكل ) :
قولها : ( أتانا يوما آخر ) : يعني غير اليوم الأوّل.
( فقلنا: أهدي لنا حيس ) : الحيس هو: تمر يخلط بشيء من الأقط والسّمن ويؤكل، الأقط معروف؟
الطالب : نعم.
الشيخ : والسّمن معروف، يخلط فيؤكل، موجود إلى الآن في عرفنا لكنّه في عرفنا يخلط بشيء من الدّقيق بدلا عن الأقط، ولعلّ البادية يخلطونه بالأقط، إنّما الحاضرة عندنا يخلطونه بالدّقيق ويسمّى عندنا؟
الطالب : حيس.
الشيخ : لا.
الطالب : قشد.
الشيخ : يسمّى قشد، أي: والظاهر أنّها قشدة أصلها، قاف شين دال، طيب. فقال: ( أرينيه ) هنا إشكال من النّاحية النّحويّة: أرينيه ليش جاءت الياء وهذا فعل أمر، وفعل الأمر يحذف منه حرف العلّة؟
الطالب : يعني كان يصحّ أن يقول: في هذا أريني إيّاه ؟
الشيخ : لا لا، مو قصدي اتّصال الضّمير وانفصاله.
الطالب : لا لا ، أقول الياء.
الشيخ : وش الذي جابها؟
الطالب : اتّصال الهاء بالفعل؟
الشيخ : بالفعل.
الطالب : نعم.
الشيخ : يعني بقيت لأنّ الفعل متّصل بضمير.
الطالب : نعم.
الشيخ : أي، نعم، خطأ!
الطالب : هههه.
طالب آخر : هذا يا شيخ مفعولي أرى.
الشيخ : كيف؟ الياء هذه وش الي جابها؟
من الأفعال الخمسة والياء فاعل .
الطالب : الياء فاعل ؟
الشيخ : ما فيه، أرينيه: فيه في الحقيقة ثلاثة مفاعيل.
الطالب : أي نعم.
الشيخ : فيه مفعولان، وفاعل، الياء الأولى فاعل، والياء الثانية مفعول أوّل، والهاء مفعول ثانٍ.
الطالب : أين المفعول الثالث ؟
الشيخ : ما فيه مفعول ثالث.
الطالب : أرى تتعدى لثلاث ؟
الشيخ : لا، في هذا ما تعدّت إلى ثلاثة مفاعيل، فعندنا أرينيه : أري تخاطب، والياء يعود إليها أري.
الطالب : لا.
الشيخ : يعود إليها، الياء الأولى تعود إلى المخاطبة، إذن فهي فاعل، والنّون للوقاية، والياء الثانية مفعول أوّل، والهاء مفعول ثانٍ كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب وهنا الإراءة بصريّة وهي تنصب مفعولا واحدا وبالهمزة تنصب؟
الطالب : مفعولين.
الشيخ : مفعولين.
الطالب : إعراب البناء هنا ؟
الشيخ : ما فيه بناء، أي نعم، علامة البناء حذف النّون والياء فاعل.
الطالب : هذه النون؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : أقول حذفت الألف أرى!
الشيخ : أي حذفت لأنّها التقت بالياء الساكنة.
الطالب : ...
الشيخ : أرينيه : أري : فعل أمر مبني على حذف النّون والياء فاعل، والنّون للوقاية، والياء مفعول أوّل، والهاء مفعول؟
الطالب : ثاني.
الشيخ : ثاني، كذا وإلاّ لا؟ طيب.
نقول: أرينيه يعني رؤية عين.
( فلقد أصبحت صائما ) صائما لغة وإلاّ صائما شرعا؟
الطالب : شرعا.
الشيخ : شرعا ، لأنّها جاءت بلسان الشّارع فوجب أن تحمل على المفهوم الشّرعي.
( فأكل ) : من هذا الحيس، في هذا الموضع الشّارح رحمه الله يميل، أو نقوله بعد الشّرح.
في هذا الحديث تذكر عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام دخل على أهله وسألهم هل عندهم شيء، يريد أن يأكل، فلمّا لم يجد عندهم شيئا قال: إذن أصوم، ما دام أنّه لا يوجد أكل ولست بآكل فلأصم حتى يكون صيامي قربة إلى الله عزّ وجلّ ففعل عليه الصّلاة والسّلام، وأنشأ الصّيام من حيث قالت له: إنّه ليس عنده شيء، من ذلك الوقت.
أمّا المرّة الثانية فإنّه جاء إلى البيت عليه الصّلاة والسّلام، وأخبروه بأنّه أُهدي إليه الحيس فطلبه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأكل منه مع أنّه أَخبر بأنّه كان صائماً، هذا معنى الحديث.
7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا ، قال : فإني صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : أهدي لنا حيس فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل ). رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال ...).
أوّلا: بساطة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في معاملة أهله، وأنّه ليس ممّن يتفقّدون البيت ماذا زينوا، وماذا أخذنا من السّكّر، وماذا أخذنا من الشاي، وماذا أخذنا من الرّزّ، وما أشبه ذلك، يقول: ( هل عندكم شيء ) ما يعرف عن بيته شيئاً لأنّ البيت لمن؟
الطالب : للمرأة.
الشيخ : لربّة البيت، البيت لربّة البيت، ولهذا قال: ( هل عندكم شيء ).
ومن فوائد الحديث أيضًا: أنّه يجوز أن يخاطب الرجل الشّريف الكريم بكلمة لا، لقولها؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، وهي زوجته وهو زوجها وهو أشرف الخلق عند الله ومع ذلك تخاطبه بكلمة لا، وهذا له أمثال كثيرة، ومنها حديث جابر لما قال له عليه الصّلاة والسّلام ( بعنيه، قال: لا ) نعم ، فلا بأس أن تقول لمن خاطبك وإن كان عظيما لا، أمّا قول بعض النّاس سلامتك وما أشبه ذلك من الكلمات ..
الطالب : ما لك لوى.
الشيخ : أو ما لك لوى، أو ما أشبه ذلك فهذه من باب المجاملة، ولو أنّ الإنسان عدل إلى كلمة لا لم يكن في ذلك بأس.
سألته ليش؟
قال: رحت أطيّر الماء، مع أنّ العلماء يقولون الأولى أن يقول: أبول ولا يقول أريق الماء وكأنّه في عهدهم يقولون: أريق الماء ونحن نقول نطيّره تطييرا!
الطالب : ههههه.
الشيخ : لكن هو يقول الأولى أن أقول أبول، فهذه الكلمات التي لها معنى معروف من يستحي من البول؟ كل الناس يبولون.
طيب إذن في هذا الحديث دليل على أنّه يجوز أن يقول الإنسان: لا ، للرّجل العظيم وأنّ ذلك ليس من سوء الأدب.
وفيه أيضا دليل على جواز إنشاء نيّة صيام النّفل من النّهار، من أين يؤخذ؟
الطالب : ( فإني إذن صائم ).
الشيخ : لا، ( فإنّي إذن ) لو لا كلمة إذن لاحتمل أن يكون قد صام من قبل، لكن لما قال: إذن معناه أنّه أنشأ الصّوم من الآن، فيجوز أن ينوي النّفل من أثناء النّهار.
وهذا في النّفل المطلق، وأمّا المعيّن فإنّه يصام كما يصام الفرض من أوّل النّهار، ولكن إذا نوى من أثناء النّهار فهل يكتب له أجر الصّوم يوما كاملا، أو يكتب له من نيّته؟
الطالب : الأخير من نيّته.
الشيخ : نعم، في هذا قولان لأهل العلم:
فمنهم من قال: يكتب له أجر كامل، لأنّ الصّوم شرعًا من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، وإذا صحّحنا أنّ ذلك صوم فإنّ من لازمه أن يثبت له أجره من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنّه ليس له أجر إلاّ من نيّته، واستدلّ لذلك بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )، وهذا أوّل النّهار لم ينو الصّوم، فكيف يكتب له أجره مع أنّه لم ينوه؟!
وهذا أقرب إلى الصّواب، لكن يكون الفرق بينه وبين الفرض حينئذ أنّ الفرض لا يصحّ صوم بعض يوم، وأمّا النّفل فيصحّ، طيب هل يشترط أن لا يفعل مفطّرا في أوّل النّهار؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم؟
أمّا على قول من يقول: إنّه يكتب له الصّوم من طلوع الفجر فاشتراط أن لا يفعل مفطّرا قبل النّيّة واضح جدّا، لكن على قول من يقول: إنّ النّيّة من أوّل النّهار والأجر يكون من النّيّة هذا محلّ إشكال، لكن مع ذلك حسب ما علمت من كلام أهل العلم أنّه يشترط أن لا يكون فعل مفطّرا قبل النّيّة، فلو فرضنا أنّ هذا الرّجل أفطر بعد طلوع الشّمس فطورا كاملا قبل الظّهر قال: نويت أن أصوم إلى اللّيل يجزئ وإلاّ لا؟
لا يجزئ لأنّ هذا ليس بصوم، لكن إن نواه صوما لغويّا؟
الطالب : ...
الشيخ : يجزئ وإلاّ لا بأس به.
الطالب : لا بأس به.
الشيخ : لا بأس به، لكن غير مشروع، إن نوى به التّقرّب إلى الله ما هو مشروع.
طيب إذن يشترط أن لا يفعل منافياً للصّوم من طلوع الفجر إلى نيّته، فإن فعل منافيا للصّوم لم يصحّ صومه ولو من أثناء النّهار.
وكأنّ الشّارح رحمه الله يميل إلى أنّ التّطوّع لا تصحّ نيّـته من أثناء اليوم، نعم، لا تصحّ نيّته من أثناء اليوم، وتوهّم رحمه الله حيث قال: " إنّ في بعض سياق الحديث: ( فلقد كنت صائما ) بدل قوله: ( إنّي إذن صائم )، وقال: إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان قد صام ، لكن لما سأل يريد أن يرى إن كان فيه شيء أكل وأفطر، إن كان ما فيه شيء استمرّ على صيامه "، هكذا أوّل الحديث أنتم معي وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، أقول: الشّارح يرى أنّ الصوم لا يصحّ في أثناء ولو نفلا ويقول: إن في بعض ألفاظ الحديث: ( فلقد كنت صائما )، جعلها في المسألة الأولى بدل قوله: ( فإنّي إذن صائم )، لكنّ هذا وهم، لأنّ صحيح مسلم: ( فلقد كنت صائما ) بدل قوله: ( فلقد أصبحت صائماً )، فهي في المسألة الثانية لا في المسألة الأولى، وعلى هذا فيكون تأويله للحديث تأويلا غير صحيح، هذا الذي عنده الشّرح يكتب عليها حاشية لأنّ هذه الجملة ليست في المسألة الأولى وهي نيّته الصّيام في أثناء اليوم، ولكنّها في المسألة الثانية الذي قال: ( أرينيه فأكل ).
ويستفاد من هذا الحديث : مشروعيّة قبول الهديّة ولو كانت طعاما من أين تؤخذ؟
الطالب : ( أهدي لنا حيس ).
الشيخ : هاه؟
الطالب : ( أهدي لنا ).
الشيخ : ( أهدي لنا حيس ) ، خلافا لبعض النّاس الذين يترفّعون عن قبول الهديّة إذا كانت طعاما، ولا سيما في وقتنا الحاضر لما أنعم الله على النّاس صار الإنسان يستنكف إذا أهدي له هدية طعام نعم، ولكن والله لسنا خيرا من بيوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبلون الهديّة حتى وإن كانت طعاما، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: ( لو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت ).
ومن فوائده أيضا: جواز أكل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الهديّة نعم لأنّه أكل منها، أمّا الصّدقة فلا تحلّ له عليه الصّلاة والسّلام، ويدلّ على أنّ الصّدقة لا تحلّ له أنّه لمّا دخل ذات يوم وجد البرمة على النّار وفيها لحم فطلب عليه الصّلاة والسّلام أن يأكل، قالوا ليس عندنا شيء قال: ( ألم أر البرمة على النّار؟ ) وش البرمة؟
الطالب : قدر .
الشيخ : قدر من فخّار، ( قالوا: ذاك لحم تصدّق به على بريرة ، قال: هو عليها صدقة ولنا هديّة ) : فأكل عليه الصّلاة والسّلام، إذن ففي هذا الحديث الأخير دليل على أنّ الصّدقة حرام على النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ ذلك أمر معلوم عندهم وأمّا الهديّة فهي له حلال.
ومن فوائد الحديث أيضا: جواز إصدار الأوامر على من لا يستنكف من الأمر: ( أرينيه ) ،وعليه فيكون النّهي عن سؤال النّاس لا يشمل مثل هذه الصّورة يعني النّهي عن سؤال النّاس لا يشمل من إذا سألته فرح بسؤالك إيّاه، بل قد يكون هذا من باب الأمر المطلوب والإحسان إليه، أمّا من إذا سألته استثقل السّؤال ولم يعطك الشّيء إلاّ حياء وخجلا فهذا لا ينبغي لك أن تسأله، واقض أنت حاجتك بنفسك.
ومن فوائد الحديث: جواز قطع صوم النّفل من أين يؤخذ؟
لقوله : فأكل نعم؟
الطالب : لقولها .
الشيخ : كيف؟
الطالب : لقولها.
الشيخ : نعم لقولها : ( فأكل ) فهذا أيضا دليل على جواز قطع النّفل.
لكنّ أهل العلم يقولون: لا ينبغي قطعه إلاّ لحاجة أو مصلحة، فالحاجة مثل أن يشقّ عليه تكميل الصّوم لعطش أو جوع أو نحو ذلك، والمصلحة مثل أن يكون في قطع الصّوم تطييب قلب صاحبه.
هذا الحديث على أيّ شيء يحمل على المصلحة وإلاّ على الحاجة؟
الطالب : الحاجة.
الشيخ : نشوف، يمكن أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان محتاجا للأكل فأكل، ويمكن أن يكون الغرض بذلك تطييب قلب أهله لأنّ قولها أهدي لنا حيس كأنّهم فرحوا به ويحبّون أن يأكل منه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فطلبه فأكل منه.
وفيه أيضا: جواز إخبار الإنسان عن عمله الصّالح وإن كان يمكنه أن يخفيه لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ( فلقد أصبحت صائما ) ومن الممكن أن يقول: هاتوا الحيس ويأكل بدون أن يعلموا، نعم لكنّه أخبرهم فهل نقول إنّ مثل هذا مشروع فلو دعاك رجل وأنت تقول والله اليوم أنا صائم أو نقول إنّ هذا من باب الجائز؟
الطالب : جائز.
الشيخ : أو ينظر في ذلك إلى المصلحة؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : هذا الأخير، ينظر في هذا إلى المصلحة، قد يكون من المصلحة أن تخبره، وش المصلحة بإخباره؟
الطالب : للإقتداء.
الشيخ : نعم لأجل أن يقتدي بك لأنّ كثيرا من النّاس يأخذ بفعل غيره ويقتدي به، قد يكون من المصلحة إخباره لأنّك لو تعذّرت بدون ذكر السّبب لكان في قلبه شيء، فإذا ذكرت السّبب طابت نفسه.
قد يكون من المصلحة أن تخبره بأنك صائم لأجل أن لا يعيد عليك السّؤال أو العرض مرّة ثانية، لأنّه ربّما يقابلك في أوّل النّهار ويقول تفضّل معنا للفطور تقول: لا والله ما أشتهي ذلك، فإذا جاء الظّهر عرض عليك الغداء، تقول: ما أشتهي ذلك، يأتي العصر يعرض عليك القهوة ها؟ لكن إذا أعلمت من الأوّل أنّك صائم استراح واسترحت أنت.
الطالب : إذا دعاك الظهر هل يدعوك غيرها ؟
الشيخ : يمكن يحبّ يجلس معك، على كلّ حال الأفضل أن يبقى الإنسان على صومه إلاّ لمصلحة أو حاجة.
طيب وهل يقاس على ذلك جميع النّوافل ؟ يعني أنّه يجوز للإنسان أن يقطع النّفل؟
الجواب: نعم، كلّ النّوافل يجوز أن تقطعها لكن لا ينبغي إلاّ لسبب حاجة ومصلحة إلاّ الحجّ والعمرة، قال بعض العلماء: وإلاّ الجهاد فإنّك إذا شرعت فيه لا يجوز لك قطعه، لكن الصّحيح أنّه كغيره من النّوافل ما لم يلق العدوّ زحفا، فحينئذ لا يجوز الفرار.
والحجّ والعمرة لا يجوز قطعها إلاّ لضرورة، إمّا حصر أو شرط يشترطه الإنسان عند إحرامه أو ما أشبه ذلك، أظنّ عبد الوهاب هو الذي رفع من يعيدها لي؟
الطالب : التّنكير.
الشيخ : التّنكير، مثل ذات يوم.
الطالب : الحال أو الشّأن مثل قوله (( فأصلحوا ذات بينكم )).
الشيخ : نعم، الحال أو الشّأن مثل قوله (( فأصلحوا ذات بينكم )).
الطالب : الجهة .
الشيخ : الجهة؟
الطالب : ذات اليمين أو ذات الشّمال.
الشيخ : أي، قد تكون بمعنى صاحبة، مثل : في ذات الله.
الطالب : في ذات الله.
الشيخ : الرّابع؟
الطالب : مؤنّث ذو.
الشيخ : مؤنّث ذو، مثل: (( والسّماء ذات البروج )) أي: صاحبة البروج، الخامس: ذات بمعنى التي على لغة؟
الطالب : طيء.
الشيخ : طيء، السادس: ذات بمعنى: عين الشّيء، كما يقال: الذّات والصّفات، لكن ذكرنا أنّ هذه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ليست عن العرب العرباء وإنّما هي محدثة، وهي: أي: ذات مقابل نفس، نفس الشّيء وذات الشّيء، يعني: في اللّغة العربيّة بدل ذات أي: نفس، نفس الشّيء، كم المعاني صارت الآن؟
الطالب : ستّة.
الشيخ : ستّة؟ طيب.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . متفق عليه . وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ).
قوله: ( لا يزال ) هذه من أخوات كان فهي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر واسمها؟
الطالب : النّاس.
الشيخ : النّاس، وبخير؟
الطالب : خبرها.
الشيخ : خبرها، والباء هنا للمصاحبة أي: مصحوبين بالخير أو مصاحبين للخير.
وما في قوله: ( ما عجّلوا الفطر ) ما: مصدريّة، ظرفيّة ولاّ لا؟
الطالب : ظرفيّة.
الشيخ : ظرفيّة، مصدريّة ظرفيّة، مصدريّة لأنّ ما بعدها يحوّل إلى مصدر، ظرفيّة لأنّه يقدّر فيها مدّة، حوّل ما بعدها إلى مصدر عجّلوا؟
الطالب : ...
الشيخ : لا يا أخي عجّلوا تعجيل، طيب هات الظّرف؟
الطالب : مدّة.
الشيخ : مدّة، فيكون التّقدير: لا يزال النّاس بخير مدّة تعجيلهم الفطر، أمّا دوام وهي ما نقلها إلى هنا فهذه في ما دام فيقول: مدّة دوام كذا، لأنّ دام مصدرها دوام لكن هنا عجّل مصدرها تعجيل أي: مدّة تعديلهم الفطر.
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( لا يزال النّاس بخير ) المراد بالنّاس هنا الصائمون فهو عامّ أريد به الخاصّ، نعم خاصّ من وجهين:
الصّائمون المسلمون، لأنّ الكفّار وإن صاموا فليس لهم صيام ولا يقبل منهم لاشتراط الإسلام في كلّ عبادة، ولأنّ الكافرين ليسوا في خير حتى وإن صاموا وجاعوا وعطشوا فليسوا في خير.
في هذا الحديث يخبر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّ النّاس إذا عجّلوا الفطر فإنّهم في خير مصاحبين له والخير ملازم لهم، والفطر المراد به الفطر من الصّيام وأطلق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام الفطر أي ما يفطر به فإذا عجّلوا الفطر بأيّ شيء يفطّر الصّائم فهم لا يزالون بخير .
الطالب : ...
الشيخ : كيف؟
هاه؟ الإسلام؟ الصّائم هو المسلم، الصّائم المسلم على التّخصيص.
9 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . متفق عليه . وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ).
أوّلاً: مشروعيّة الفطر، كذا؟ من أين يؤخذ؟
الطالب : لأانه رتب عليه فضل.
الشيخ : بأنّ ما رتّب الفضل على صفة من صفاته فهو كذلك مشروع لتعذّر الوصف دون الأصل، دون الموصوف، فهنا رتّب الخير على تعجيل الفطر إذن الفطر مشروع.
ثم الفائدة الثانية: مشروعيّة تعجيل الفطر، ولكن متى يكون؟
يكون إذا تحقّق غروب الشّمس بالاتّفاق، لقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا وغربت الشّمس ): فلا بدّ من تحقّقها.
أو غلب على ظنّه غروب الشّمس، إذا غلب على ظنّه الغروب فإنّه يفطر ويعجّل الفطر.
طيب إذا غلب على ظنّه عدم الغروب هل يعجّل؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، إذا شكّ وتردّد؟
الطالب : لا يجوز.
الشيخ : لا يجوز، إذا علم عدم الغروب؟
الطالب : يحرم.
الشيخ : طبعاً يحرم.
طيب يحرم في ثلاث مسائل، ويشرع في مسألتين:
يحرم إذا علم عدم الغروب، إذا شكّ في الغروب، إذا ترجّح عنده عدم الغروب، هذه حرام عليه، إذا علم عدم الغروب فالأمر واضح، إذا ظنّ عدم الغروب فكذلك أيضا، إذا شكّ فلماذا لا يجوز الفطر كما يجوز الأكل فيما إذا شكّ في طلوع الفجر؟
الطالب : الأصل بقاء الليل.
الشيخ : هاه لأنّ هناك الأصل بقاء اللّيل، وهنا الأصل بقاء؟
الطالب : النّهار.
الشيخ : النّهار، فلا يجوز مع الشّكّ، يجوز إذا تيقّن غروب الشّمس بأن شاهدها غابت، وهذا واضح بدليل الكتاب والسّنّة : (( ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل )) ، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: ( إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا وغربت الشّمس فقد أفطر الصّائم ) .
إذا غلب على ظنّه جاز أيضا أن يفطر، بل يشرع أن يفطر، ودليل ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ طلعت الشّمس ) ووجه الدّلالة من الحديث أنّهم لو تيقّنوا غروبها ما طلعت فدلّ هذا على أنّهم علموا بغلبة الظّنّ.
طيب إذا كان الإنسان في حجرة ليس لها نوافذ وغلب على ظنّه أنّ الشّمس غابت هاه؟
الطالب : يطلع يناظر.
الشيخ : ما هو بطالع.
الطالب : يخرج ليرى.
الشيخ : طيب نقول: إن كان هناك قرينة فإنّه يعمل بها، فإذا غلب على ظنّه أفطر، وإن لم يكن قرينة ولكن تباطأ النّهار فقط فإنه لا يفطر، السّبب أنّه قد يشتدّ جوعه نعم فيتباطأ النّهار، فهذا لا يفطر، لكن إذا كان عنده عادة مثلا لنفرض أنّ من عادته أنّه إذا صلّى العصر قرأ مثلاً إلى غروب الشّمس مثلا خمسة أجزاء، وقرأها اليوم فله أن يفطر بغلبة الظّنّ.
طيب السّاعة العمل بالسّاعات من غلبة الظّنّ أو من اليقين؟
الطالب : من اليقين.
الطالب : غلبة الظّنّ!
الشيخ : سبحان الله!
الطالب : من اليقين.
الشيخ : من اليقين؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لا ما هو صحيح، السّاعات تختلف.
الطالب : في الغالب.
الشيخ : لا، السّاعة يمكن تتقدّم ويمكن تتأخّر، ما هو صحيح هذا لكن لا شكّ أنّها مرجّحة.
طيب وهل يحتاط مثلا الإنسان بالنّسبة للسّاعة إذا قال: يعني أخشى أنّها مقدّمة مثلا هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، إذا كان يخشى أنّ فيها اختلاف فليحتط لنفسه.
ومن فوائد الحديث: ثواب تعجيل الفطر وهو أن يكون الإنسان إيش؟ مصاحبا للخير مقترنا به لقوله: ( لا يزال النّاس بخير ).
ومن فوائد الحديث: تفاضل الأعمال، ووجه ذلك أنّه رتّب هذا الجزاء على تعجيل الفطر ولولا أنّه أفضل من تأخيره نعم ما رتّب الفضل عليه، فيؤخذ منه تفاضل الأعمال، وقد سبق لنا أمس وجه التّفاضل وأنّه من ستّة أوجه أو سبعة نعم.
طيب ومن فوائده: أنّ تأخير الفطر سبب لحصول الشّرّ، من أين يؤخذ؟
من المفهوم، المنطوق أنّ المعجّل بخير، فالمفهوم أنّ غير المعجّل؟
الطالب : بشرّ.
الشيخ : بشرّ.
ومنه نأخذ أنّ من يؤخّر الفطور من أهل البدع فهم في شرّ لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقول: ( لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا بالفطر ).
والمراد بالخير هنا الخير الدّيني وليس الخير الدّنيوي، المراد الخير الدّينيّ وهو ما يعود على القلب بالإنشراح والنّور.
ومن فوائد الحديث: محبّة الله عزّ وجلّ لمبادرة عباده بإتيان رخصه، كيف؟
الطالب : لأنهم إن عجلوا الفطر فهم بخير.
الشيخ : لأنّه جعلهم في خير ما عجّلوا الفطر فأثابهم على ذلك، وهذا يدلّ على محبّته له سبحانه وتعالى لأنّ الدّلالة على الصّفة تكون بالمطابقة وبالتّضمّن وبالإلتزام، فإذا كان الله يثيب على هذا فهو إيش؟ يحبّه وإلاّ يكرهه؟
الطالب : يحبّه.
الشيخ : يحبّه، طيب وهذا في الحقيقة فرد من آلاف الأفراد المأخوذة من قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ( إنّ رحمتي سبقت غضبي ) فكلّ ما فيه خير للعباد ورحمة وتيسير لهم فهو داخل في هذا الحديث القدسي بل هو أيضا داخل في القرآن، ما جاء في القرآن: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )).
طيّب هل يؤخذ منه فائدة وهي كراهة التنطّع في الدّين؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، لأنّ تعجيل الفطر ينافي التنطّع، والمنتطّع الذي يقول: ما أفطر إلى أن يؤذّن مؤذّن الحيّ الذي أنا فيه هذا متنطّع.
في بعض الجهلة يشوف الشّمس غابت بعينه ولكن ما سمع المؤذّنين يقول: ما أفطر ليش؟ قال: ما بعد أذّن، والعبرة بغروب الشّمس إذا كنت في مكان مرتفع وشاهدت الشّمس غابت والنّاس ما بعد أذّنوا فأفطر ولا ينبغي لك أن تؤخّر، لأنّك إذا قدّمت فلا تزال بخير.
شرح حديث ( قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ).
قوله: ( قال الله عزّ وجلّ: أحبّ عبادي ) :
هذا يسمّى حديثا قدسيّا وهو: ما رواه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ربّه، يرويه عليه الصّلاة والسّلام في ما يظهر، وهو أحد القولين يرويه بالمعنى، فاللّفظ ليس لفظ الله، بل هو لفظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصحّ أن ينسب إلى الله كما صحّ أن ينسب القرآن إلى فرعون وإلى صالح وإلى شعيب وإلى موسى وإلى غيرهم.
فالله تعالى يقول: (( قال موسى لقومه )) ، (( وقال فرعون )) ، فهل هذا اللّفظ الذي قال الله أنّ فرعون قاله مثلا هل هو لفظ فرعون؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا ليس إيّاه، وعلى هذا فنقول: إنّ الحديث القدسي القول بأنّه منقول بالمعنى أقرب من القول بأنّه منقول باللفظ، لو قلنا: إنّه منقول باللّفظ لكان هذا اللّفظ الذي ذكره الرّسول صلّى الله عليه وسلّم معجزًا، لأنّه كلام الله، ولو قيل كذلك لقلنا إذا اجتمعت أحاديث قدسيّة جمعت جميعا وجب أن لا تمسّ؟
الطالب : إلاّ بطهارة.
الشيخ : إلاّ بطهارة، ولو قلنا بذلك أيضًا: لكان الحديث القدسيّ أعلى سندا من؟
الطالب : القرآن.
الشيخ : من القرآن، لأنّ الحديث القدسي ينسبه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى الله مباشرة، والقرآن إنّما جاء بواسطة جبريل، ولهذا صارت رتبة الحديث القدسي بين الحديث النّبويّ والقرآن.
قال الله عزّ وجلّ: ( أحبّ عبادي إليّ أعجلهم فطرا ) :
أحبّ : هذا اسم تفضيل وهي مبتدأ ، وأعجلهم أيضا اسم تفضيل وهي خبر المبتدأ.
قوله: ( أحبّ عبادي ) المراد هنا بالعباد عبوديّة خاصّة، المراد بالعباد الذين تعبّدوا لله العبوديّة الخاصّة، وهي أيضاً: عبوديّة أخصّ لأنّ المراد بهم الصّائمون بدليل قوله هاه؟
الطالب : ( أعجلهم فطرا ).
الشيخ : ( أعجلهم فطرا ).
فوائد حديث ( قال الله عز وجل : أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ).
منها: إثبات المحبّة لله عزّ وجلّ لقوله: ( أحبّ عبادي إليّ )، وأنّ محبّة الله تتفاوت، من أين يؤخذ؟
الطالب : من اسم التّفضيل.
الشيخ : من اسم التّفضيل: ( أحبّ ) ، فالله تعالى يحبّ هذا العمل أكثر من العمل الآخر، وهذا العامل أكثر من محبّة العامل الآخر، واضح؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب وفي هذا الحديث ردّ على أهل التّعطيل الذين نفوا إثبات المحبّة لله ، والنّاس فيها طرفان ووسط:
طرف يقول: إنّ الله تعالى لا يُحِبّ ولا يُحَبّ.
وطرف يقول: إنّ اللّه يُحَبّ ولا يُحِبّ.
وطرف يقول: إنّ الله يُحِبّ ويُحَبّ وهذا الأخير هو قول السّلف، وهو الصّحيح.
وهنا لم يكن خير الأقوال الوسط، لأنّ الوسط مذهب الأشاعرة ومن ذهب مذهبهم يقولون: إنّ الله يُحَبّ ولا يُحِبّ، لماذا؟
يقولون: لإنّ المحبّة ميل الإنسان إلى ما ينفعه أو يدفع الضّرر عنه، وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ، ولكن قولهم هذا قياس فاسد في مقابلة النّصّ أيضا، فهو فاسد في ذاته وفاسد لمصادمته النّصّ.
أمّا قولهم أنّ الإنسان لا يحبّ إلاّ ما يلائمه ممّا يدفع عنه الضّرر أو يجلب له النّفع فهذا ليس بصحيح، فإنّ الإنسان قد يحبّ بعض المواشي وبعض السّيّارات، تجده يحبّ سيّارته هذه أحبّ من الثّانية، يحبّ قلمه هذا أكثر من الثّاني، يحبّ كتابه هذا أكثر من الثاني نعم بدون أن يكون هناك ملائمة، لا ملائمة بين الإنسان وبين الجماد.
ثانياً نقول: هذه المحبّة التي قلتم هي محبّة من؟
الطالب : المخلوق.
الشيخ : المخلوق، أمّا الله عزّ وجلّ فمحبّته ثابتة بدون أن يكون محتاجا إلى من ينفعه أو يدفع الضّرر عنه، أو يلائمه لأنّه من شكله أو لا يلائمه.
طيب ومن فوائد الحديث أيضا -الحديث القدسي هذا-: أنّ النّاس يتفاضلون في محبّة الله لهم لقوله: ( أحبّ عبادي إليّ )، وما هي القاعدة العامّة في فضل الإنسان غيره في محبّة الله؟
الطالب : التّقوى.
الشيخ : غير؟
الطالب : الاتّباع.
الشيخ : الاتّباع نعم، أتبعهم لرسوله نعم صحّ، القاعدة العامّة اتّباع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، فكلّ من كان أتبع لرسول الله فهو أحبّ إلى الله، الدّليل: (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ))، والحكم إذا علّق بوصف ازداد قوّة بقوّة ذلك الوصف.
ومن فوائد الحديث: استحباب المبادرة بالفطر، لقوله: ( أعجلهم فطرا ).
طيّب إذا قُدّر أنّها غابت الشّمس وأنت ليس عندك ما تفطر به فماذا تصنع؟
الطالب : تنوي الفطر.
الشيخ : تنوي بقلبك؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم تنوي بقلبك، وقال بعض العامّة: تمصّ أصبعك.
الطالب : لتقيء.
الشيخ : لا لا، يمصّ أصبعه بدون هذا، وقال بعضهم: لا، أدخل طرف الغترة في فمك ثمّ بلّه بالرّيق ثمّ أخرجه ثمّ ردّه ومصّه، عمليّة! ليش؟
لأنّه إذا انفصل الرّيق ثمّ عاد صار مفطّرا، نعم، قالوا: ودليل ذلك أنّ الفقهاء يقولون: لو أنّك تسوّكت بالمسواك ثمّ أخرجته وفيه ريق ثمّ أعدته إلى فمك نعم ومصصته وبلعته فإنّك تفطر لأنّ الرّيق لمّا انفصل صار له حكم الأجنبيّ، نعم فبناء على ذلك يقول: دخّل غترك في فمك وخلّيها تترطّب من الرّيق ثمّ أخرجها، ثمّ أعدها وامصصها، هؤلاء أفقه من الأوّلين، أمّا الأوّلون فلا حظّ لهم في ذلك لأنّ الأصبع وش فيه؟ ما فيه شيء.
الطالب : أفقه في ماذا ؟
الشيخ : إي لكن الكلام على الموافقة للفقه.
طيب القول الثاني يكفي النّيّة، القول الثاني: إذا لم تجد شيئا فلا تتكلّف تكفي النّيّة.
الطالب : ...
الشيخ : لا، هذه مسألة ثانية هذه، هل قوله : ( فقد أفطر الصائم ) حلّ له الفطر أو أفطر حكما؟
والصّحيح حلّ له الفطر وإلاّ لم يكن للوصال فائدة، طيب على كلّ حال هذه مسألة الثانية نبحثها فيما بعد.
طيب لو أنّه أذّن وأنت تتوضّأ؟
الطالب : على حسب
الشيخ : طيب نشوف، هل تشرب، عندك التّمر، هل تشرب أو تطلب من يأتي لك بتمرا؟
الطالب : تشرب.
الشيخ : الظّاهر أنّه إذا كان قريبا أنّ التّمر أفضل، لأنّ عين التّمر كما سيأتينا أفضل من الماء.
نظيره إذا لم تثبت رؤية الهلال إلاّ بأثناء النّهار.
الطالب : ...
الشيخ : ذكرنا نحن ذلك، ذكرنا أنّه يشترط لصحّة الصّوم بنيّة من أثناء النّهار أن لا يفعل مفطّرا في أوّل النّهار.
الطالب : شيخ لو أفطر؟
الشيخ : وجود المفطّر مانع، وجود المفطّر مانع لأنّه يقول: (( وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتموّا الصّيام إلى اللّيل )).
يؤخذ من الحديث إثبات صفة الكلام لله عزّ وجلّ، وهذه مسألة مهمّة وسيأتينا إن شاء الله في التّوحيد، نعم يا إبراهيم؟
الطالب : والراجح ؟
الشيخ : أي نعم أمّا الفقهاء يقولون يفطر، وأنا والله في شكّ من هذا، لأنّه لا يقال: أنّ هذا الرّجل أكل أو شرب، وأيّ فرق بين الرّيق إذا أنّك جمّعته في فمك وبلعته أو وضعته في المسواك ثمّ ردّيته؟
ما تجد فرقا بيّنا، وعلى كلّ حال الإنسان يجب أن يحتاط في هذه الأمور، وإذا أخذت المسواك وفيه بلل فهو إمّا أن يعصره قبل أن يدخّله مرّة ثانية ، وإلاّ إذا دخّله لا يمصّه.
الطالب : أحب عبادي الصائمين مطلقا ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : هو أطلق.
الشيخ : لا لأنّه قال: ( أعجلهم فطرا ).
الطالب : هل هذا دليل إذا كان عليه ذنوب، هذا العاصي عليه ذنوب لكن يستعجل في الفطر هل يكون أحبّ العباد إلى الله؟
الشيخ : إي، أحبّ الصّائمين، ولهذا قيّدناها بالصّائمين، يعني ما يلزم أنه أحب العباد الآخرين الذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون لا، أحبّ الصّائمين، وأيضًا لاحظوا أنّه أحبّهم في هذا الفطر، قد يكون هذا الصّائم مسرف على نفسه في صيامه، والثاني أتقى منه لله في صيامه فيكون أفضل.
" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( تسحّروا فإنّ في السَّحور بركة ) متّفق عليه " :
فإنّ في السَّحور أو في السُّحور؟
الطالب : في السَّحور.
الشيخ : يحتمل، يحتمل أنّه السَّحور أي: ما يتسحّر به، أو السُّحور الذي هو الأكل في آخر اللّيل.
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( تسحّروا ) أي: كلوا السُّحور وهو الأكل في السّحر أي: في آخر اللّيل، والخطاب هنا موجّه للصّائمين لأنّهم هم الذين يتسحّرون أمّا غيرهم فإنّهم لا يتسحّرون بل يتغدّون ويتعشّون .
وقوله: ( فإنّ في السَّحور بركة ) : هذا تعليل للأمر وهو بيان أنّ في السّحور بركة.
والبركة : " كثرة الخير ودوامه، ومنه البِركة مجتمع الماء، لأنّ الماء فيها ثابت قارّ ولأنّه يكون كثيرا " ، فالبرَكَة هي كثرة الخير وثباته وقراره.
وقوله: ( فإنّ في السّحور بركةً ) بالنّصب على أنّها اسم إنّ مؤخّرا.
طيب من بركات السّحور:
أوّلاً: امتثال أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقوله: ( تسحّروا )، وكلّ شيء تمتثل به أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أمر الله ورسوله فإنه بركة وخير، ولهذا جرّب نفسك عندما تفعل العبادة وأنت تستحضر أنّك تفعلها امتثالا لأمر الله تجد فيها من اللّذة والانشراح والطّمأنينة والعاقبة الحسنة ما لا يوجد فيما إذا فعلتها على أنّها مجرّد شيء واجب، عرفتم؟
وجرّبوا هذا وأرجو أن يكون منّا على بالٍ دائماً : أنّنا نفعل العبادة على أنّ ذلك امتثالا لأمر الله ورسوله حتى نجد لذّتها وأثرها على القلب وعلى الجوارح، هذا من بركة امتثال أمر الله ورسوله.
من بركته أنّ فيه حفظا لقوّة النّفس وقوّة البدن، لأنّ النّفس كلّما نالت حَظَّها من الأكل والشّرب استراحت، وكذلك البدن كلّما نال حظّه من الأكل والشّرب نمى وبقيت قوّته، ولهذا يُكره للإنسان أن يحرم أن يصلّي بحضرة طعام يشتهيه، لأنّ ذلك يوجب تشويش قلبه وانشغال ذهنه.
ومنها: من بركته أنّ فيه عوناً على طاعة الله، لأنّك تأكله لتستعين به على أيّ شيء؟
الطالب : على الصّيام.
الشيخ : على الصّيام، وهذا لا شكّ أنّه بركة، فكلّ شيء يعين على طاعة الله فإنّه خير وبركة.
نعم ومنها: أنّ البركة الحسّيّة الظّاهرة، فإنّ الإنسان إذا كان مفطرا يأكل في اليوم مرّتين أو ثلاثا ويشرب كثيرا مرارا، وإذا تسحّر وصام ما يأكل ولا مرّة واحدة، ولا يشرب ولا مرّة واحدة، ولهذا يتعجّب كيف أمس أشرب ستّ أو سبع مرّات في اليوم والآن أصبر على الماء؟! وكذلك في الأكل، وهذا من بركته.
خامساً: أنّ فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتسحّر، ولا شكّ أنّ الفعل الذي تقتدي به برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير وبركة.
ومن بركته أيضا أنّ فيه الفصل بيننا وبين صيام أهل الكتاب.