وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) . متفق عليه .
فإنّ في السَّحور أو في السُّحور؟
الطالب : في السَّحور.
الشيخ : يحتمل، يحتمل أنّه السَّحور أي: ما يتسحّر به، أو السُّحور الذي هو الأكل في آخر اللّيل.
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( تسحّروا ) أي: كلوا السُّحور وهو الأكل في السّحر أي: في آخر اللّيل، والخطاب هنا موجّه للصّائمين لأنّهم هم الذين يتسحّرون أمّا غيرهم فإنّهم لا يتسحّرون بل يتغدّون ويتعشّون .
وقوله: ( فإنّ في السَّحور بركة ) : هذا تعليل للأمر وهو بيان أنّ في السّحور بركة.
والبركة : " كثرة الخير ودوامه، ومنه البِركة مجتمع الماء، لأنّ الماء فيها ثابت قارّ ولأنّه يكون كثيرا " ، فالبرَكَة هي كثرة الخير وثباته وقراره.
وقوله: ( فإنّ في السّحور بركةً ) بالنّصب على أنّها اسم إنّ مؤخّرا.
طيب من بركات السّحور:
أوّلاً: امتثال أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقوله: ( تسحّروا )، وكلّ شيء تمتثل به أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أمر الله ورسوله فإنه بركة وخير، ولهذا جرّب نفسك عندما تفعل العبادة وأنت تستحضر أنّك تفعلها امتثالا لأمر الله تجد فيها من اللّذة والانشراح والطّمأنينة والعاقبة الحسنة ما لا يوجد فيما إذا فعلتها على أنّها مجرّد شيء واجب، عرفتم؟
وجرّبوا هذا وأرجو أن يكون منّا على بالٍ دائماً : أنّنا نفعل العبادة على أنّ ذلك امتثالا لأمر الله ورسوله حتى نجد لذّتها وأثرها على القلب وعلى الجوارح، هذا من بركة امتثال أمر الله ورسوله.
من بركته أنّ فيه حفظا لقوّة النّفس وقوّة البدن، لأنّ النّفس كلّما نالت حَظَّها من الأكل والشّرب استراحت، وكذلك البدن كلّما نال حظّه من الأكل والشّرب نمى وبقيت قوّته، ولهذا يُكره للإنسان أن يحرم أن يصلّي بحضرة طعام يشتهيه، لأنّ ذلك يوجب تشويش قلبه وانشغال ذهنه.
ومنها: من بركته أنّ فيه عوناً على طاعة الله، لأنّك تأكله لتستعين به على أيّ شيء؟
الطالب : على الصّيام.
الشيخ : على الصّيام، وهذا لا شكّ أنّه بركة، فكلّ شيء يعين على طاعة الله فإنّه خير وبركة.
نعم ومنها: أنّ البركة الحسّيّة الظّاهرة، فإنّ الإنسان إذا كان مفطرا يأكل في اليوم مرّتين أو ثلاثا ويشرب كثيرا مرارا، وإذا تسحّر وصام ما يأكل ولا مرّة واحدة، ولا يشرب ولا مرّة واحدة، ولهذا يتعجّب كيف أمس أشرب ستّ أو سبع مرّات في اليوم والآن أصبر على الماء؟! وكذلك في الأكل، وهذا من بركته.
خامساً: أنّ فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتسحّر، ولا شكّ أنّ الفعل الذي تقتدي به برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير وبركة.
ومن بركته أيضا أنّ فيه الفصل بيننا وبين صيام أهل الكتاب، فإن فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب كما في صحيح مسلم: ( أكلة السّحور ) ، وهذا لا شكّ أنّه من بركاته ، فكلّ شيء يميّز المسلم من الكافر سواء في اللّباس أو في الحلى أو في أيّ شيء، فإنّه خير وبركة، لأنّه لا خير في موافقة المشركين أبدًا أو اليهود أو النّصارى في أيّ شيء، أمّا في العبادات فقد يؤدّي إلى الشّرك والكفر، وأمّا في العادات فلأنّ التشبّه بهم في الأمور الظّاهرة قد يوصل إلى التّشبّه إلى الأمور الباطنة، والغالب أنّه ما من شخص يتشبّه بإنسان إلاّ وهو يجد في نفسه إعجاباً به، وأنّه أهل لأن يتشبّه به ويقتدى به، أو ربّما يكون في قلبه محبّة له، وهذا شرّ ممّا قبله بالنّسبة للكافرين.
إذن هذه ستّة أوجه كلّها يشملها قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( فإنّ في السّحور بركة ) نعم، وربّما يكون هناك بركات أخرى معنويّة غير ظاهرة لنا لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ما أمر به وعلّله بهذه العلّة إلاّ وفيه منافع كثيرة للعباد.
1 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( تسحروا فإن في السحور بركة ).
يرى بعض العلماء أنّه للوجوب، وهذا على رأي من يرى أنّ الوصال حرام، لأنّه إذا كان الوصال بين اليومين حرامًا فالأكل بينهما واجب، فإذا لم يأكل في اللّيل وجب أن يتسحّر لئلاّ؟
الطالب : يواصل.
الشيخ : يواصل، ولكنّ جمهور أهل العلم على أنّ الأمر هنا للاستحباب.
لو قلت: هل هذا الرّأي يؤيّده قوله: ( فإنّ في السّحور بركة ) نعم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كيف؟
الطالب : يؤيد القول الثاني.
طالب آخر : الخيرية لا تنافي الوجوب.
الشيخ : أي، كون فيه البركة لا ينافي الوجوب، بل هذا ربّما نقول: إنّه يؤيّد القول بالوجوب.
ومن فوائد الحديث أيضًا: إثبات البركة في بعض الأطعمة، لقوله: ( فإنّ في السَّحور بركة )، وإذا كان في السّحور بركة وهو طعام فقد يكون في الإنسان أيضا بركة، يكون الإنسان مباركا على من له اتّصال به ، كما في حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه في قصّة ضياع عقد عائشة رضي الله عنها، حتّى انحبس الناس على غير ماء، فأنزل الله آية التّيمّم قال أسيد: " ما هذه بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ".
وأمّا من أنكر أن يكون في الإنسان بركة فهذا إن أراد بإنكاره إنكار أن يكون به بركة جسديّة بمعنى أنّ جسده مبارك فهذا حقّ، لأنّه لا أحد يُتبرّك بجسده أو عرقه أو فضلاته إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه يتبرّك بفضل وَضوئه وكذلك بريقه وعرقه وما أشبه ذلك.
أمّا بوله وغائطه فالصّحيح أنّه نجس كغيره من البشر.
طيب، وإن أراد بنفي البركة نفي ما يحصل منه من خير وعلم ونفع ماليّ فهذا صحيح ولاّ لا؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : هذا غير صحيح، فإنّ من النّاس من يكون فيه بركة على جليسه إمّا بعلمه أو بخلقه أو بماله أو بنفعه صحّ؟
بعلمه ينشر علما في الحاضرين فيستفيد النّاس منه، هذه بركة بلا شكّ، ولاّ لا؟
الطالب : بلى .
الشيخ : ولهذا وصف الله القرآن بأنّه مبارك لما فيه من العلم والخير.
وإمّا أن يكون فيه بركة بماله مثل: صدقات، هدايا، هبات، وما أشبه ذلك.
وإمّا أن يكون فيه بركة بنفعه مثل: أن يخدمك ويساعدك وما أشبه هذا.
وإمّا أن يكون فيه بركة بخُلُقِه، يكون الرّجل على خلق حسن ويتعلّم صاحبه منه الأخلاق، وكم من أُناس تعلّموا حسن الأخلاق بمصاحبة مَن هم على خلق، وهذا كثير، حتّى إنّ الإنسان الذي عنده علم قد يصحب عامّيّاً فيرى من حسن أخلاقه وبشاشته وطلاقة وجهه وكلامه اللّيّن للنّاس ما يأخذ منه أسوة، كلّ هذه من البركات بلا شكّ.
والحاصل أنّ البركة تكون في المخلوقات، ولكن من الذي جعلها فيها؟
الطالب : الله.
الشيخ : الله عزّ وجلّ.
ومن فوائد الحديث أيضًا: حسن تعليم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لكونه يقرن الحكم بالعلّة في قوله؟
الطالب : ( فإنّ في السّحور بركة ).
الشيخ : ( فإنّ في السّحور بركة ) ، والعلّة تختلف، قد تكون العلّة ممّا يحثّ الإنسان على الفعل أو ينفّره من الفعل، ففي هذا الحديث الغرض من العلّة هاه؟
الحثّ على الفعل، وفي قوله تعالى: (( إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنّه رجس )) هاه؟
الطالب : التّنفير.
الشيخ : التّنفير منه.
ومثل إلقاء النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام الرّوثة حين جاء بها عبد الله بن مسعود ليستنجي بها ، فألقاها الرّسول وقال: ( إنّها ركس أو رجس ) للتنفير من ذلك، وقد ذكرنا في ما سبق أنّ فائدة تعليل الحكم أو أنّ لتعليل الحكم ثلاث فوائد: الفائدة الأولى قلها يا سفيان؟
الطالب : نسيت يا شيخ.
الشيخ : نسيت؟ نعم؟
الطالب : سمو الشريعة.
الشيخ : وجه ذلك؟
الطالب : نعم؟
الشيخ : أقول: ما وجه ذلك، ما وجه كون ذكر العلّة تدلّ على سموّ الشّريعة؟
الطالب : مثل هذا المثال: بين الحكم وعلته ورتّب على السّحور البركة.
الشيخ : لكن ما وجه كون ذكر العلّة دليلا على سموّ الشّريعة؟
الطالب : لأنّها تدلّ على أنّ الشّريعة لا تأمر ولا تنهى إلاّ لحكمة.
الشيخ : نعم لأنّها تدلّ على أنّ الشّريعة لا تأمر ولا تنهى إلاّ لحكمة، طيب هذا واحد، الثاني؟
الطالب : اطمئنان نفس المؤمن.
الشيخ : نعم.
الطالب : المؤمن يطمئنّ لهذا الحكم عند معرفة العلة.
الشيخ : أحسنت.
الطالب : مشاهد، ملموس.
الشيخ : أي نعم، بارك الله فيك، صحّ، ريّان؟
الطالب : تضمين العلّة إذا وجد القياس.
الشيخ : نعم، القياس إذا وجدت العلّة في الفرع المقيس، يعني معناه إمكان إلحاق غير المذكور به في الحكم إذا كان موافقا له في هذه العلّة.
وعن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء ، فإنه طهور ). رواه الخمسة ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
سليمان من أقلّ ما يكون ورودا في أسماء الصّحابة .
الطالب : عندنا سلمان يا شيخ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : عندنا سلمان.
الشيخ : عندكم سلمان؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لا، عندنا سليمان.
الطالب : نعم.
الشيخ : سليمان.
طيب هذا قليل لكن يمكن حصرهم إذا رجعنا إلى مثل كتاب *الإصابة* نعم.
الطالب : يا شيخ فوائد الحديث؟
الشيخ : ذكرناها.
قال: " وعن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور ) رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ":
قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر ) إذا أفطر أي: أراد أن يفطر ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أو إذا أفطر فعلا؟
الطالب : لا، إذا أراد.
الشيخ : إذا أراد أن يفطر، فليفطر على تمر، والخطاب هنا: ( أحدكم ) يعود إلى من؟
إلى الصّائمين، فليفطر على تمر، ويحتمل أن يعود على الجميع ويكون إذا أفطر أحدكم وهو صائم أو إن صمتم.
وقوله: ( فليفطر على تمر ) الفاء هنا رابطة للجواب، واللّام لام الأمر، لكن يُشكل أو قد يشكل أنّها ساكنة، والمعروف أنّها مكسورة كما في قوله تعالى: (( لِينفق ذو سعة من سَعَته )) فلماذا كانت ساكنة الأخ؟
الطالب : أنا ؟
الشيخ : أي نعم ، فلام الأمر تسكّن إذا دخلت عليها الفاء أو الواو أو ثمّ بخلاف لام التّعليل، فإنّها تكسر مطلقاً ، ولهذا نقول : إنّ من قال: ((ليكفروا بما آتيناهم وَلْيتمتّعوا فسوف يعلمون)) من سكّن فهو خاطئ، لأنّ اللاّم للتّعليل.
هو قال: وليتّمعوا، أمّا إذا قصد الأمر على أنّه للتّهديد كما في قوله: (( فتمتّعوا حتّى حين )) صحّ أن تسكّن.
طيب (( من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدّنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السّماء )) فليمدد سكّنها لأنّها بعد الفاء .
(( ثمّ ليقطع )) سكّنها لأنّها بعد؟
الطالب : ثمّ.
الشيخ : ثمّ، وقال تعالى: (( ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم ولْيطوّفوا بالبيت العتيق )) .
هنا يقول: ( فلْيفطر ) لأنّها بعد الفاء.
وقوله: ( على تمر ) التّمر الظاهر لي أنّه إن قرن مع الرّطب صار المراد بالتّمر الجافّ الذي قد كمل استواؤه، وبالرُّطب الرَّطْب.
أمّا إذا أطلق فالظاهر أنّه يشمل الرّطب والتّمر الجافّ.
لكن قد دلّ فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على أنّ الرّطب مقدّم على التّمر إذا وُجد، على أنّ الرّطب إذا وجد مقدّم على التّمر، فكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء عليه الصّلاة والسّلام.
وقوله: ( فإن لم يجد ) إن لم يجد التّمر أو لم يجد ثمن التّمر؟
الطالب : ثمنه وهو.
الشيخ : كلّها، يعني قد يجد التّمر لكن ما عنده الثّمن، التّمر موجود، وقد يكون عنده الثّمن لكن ليس عنده تمر ما في السوق شيئاً، ( إذا لم يجد فليفطر على ماء ) ، ثمّ علّل فقال: ( فإنّه -أي الماء- طَهور ) وطهور بالفتح مطهّر، طاهر في ذاته مطهّر لغيره.
كيف طهور، هل الإنسان نجس حتى يحتاج إلى أن يطهّر معدته؟
لا، ولكنّه طهور مطهّر للمعدة والأمعاء ممّا قد يكون فيها من الأذى، لأنّ الماء كما نعلم جوهر سيّال نافذ، فإذا أتى على المعدة وهي خالية بعد الصّيام فإنّه بلا شكّ ينظّفها، وهو وإن لم يكن فيه غذاء التّمر لكن فيه التّطهير، تطهير المعدة ممّا يكون فيه من آثار الصّوم، ولهذا المعدة في آخر النّهار يفوح منها رائحة كريهة، وهذا الماء يطهّرها ويزيل عنها هذه الرّائحة، وما لا نعلمه مما يكون داخلا في قوله: ( فإنّه طهور ).
3 - وعن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء ، فإنه طهور ). رواه الخمسة ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ...).
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ليس بواجب، ولكن الأكمل والأفضل أن يكون على التّمر، وقد ذكر ابن القيّم رحمه الله في *زاد المعاد* من فوائد التّمر، الإفطار على التّمر أنّه يقوّي البصر، وهو كذلك أيضا ومجرّب، ولهذا كان كثير من النّاس يفطرون قبل كلّ شيء إذا قاموا من النّوم بسبع تمرات، وكان شيخنا رحمه الله يقول: " إنّ قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( من تصبّح بسبع تمرات من العجوة لم يصبه ذلك اليوم سمّ ولا سحر ) ، كان يقول شيخنا: الظّاهر أنّ هذا على سبيل التّمثيل، وأنّ التّمر كلّه يحصل به الفائدة " ، نعم وسواء كان هذا القول صوابًا أو غير صواب فإنّه يرجى أن يكون الإفطار على سبع تمرات أن يكون فيه الخير ويكون داخلا في قوله: (( فاتّقوا الله ما استطعتم )) ، فإذا لم تجد العجوة فهذا يكون بدلا عنه.
وعلى كلّ فإنّ الإفطار به يزيد البصر، ونحن نعلم جميعاً أنّ للحلوى تأثيراً على الدّم لقوّته، لا سيما إذا كان من التّمر، وأظنّكم قد علمتم أنّ الله تعالى هيّأ لمريم عند نفاسها، إيش؟
الطالب : الرّطب.
الشيخ : الرّطب الجني، نعم، لأنّ النّفساء قد خرج منها دم كثير تحتاج إلى تعويض، وهذا يدلّ على أنّ التّمر من أحسن ما يعوّض عن هذا الدّم الذي سال منها عند الولادة.
طيب وأيضًا التّمر أسهل من غيره مؤونة، لأنّه لا يحتاج إلى تعب ولاّ لا؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : الرّزّ يحتاج إلى تعب، وغيره يحتاج إلى أتعب، نعم لكن هذا لا يحتاج إلى تعب ولذلك : بيت فيه تمر لا يجوع أهله، ( وبيت لا تمر فيه أهله جياع )، وأيضا فيقول ابن القيّم رحمه الله: " إنّ التّمر فيه حلوى وفيه غذاء، وهو فاكهة إذا كان رطبا ، فجمع بين الفاكهة والحلوى والغذاء والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كان يحبّ الحلوى ".
نعم ومن فوائد الحديث أيضا: أنّه إذا لم يجد التّمر أفطر على ماء، طيب إذا كان عنده ماء وخبز فعلى أيّهما يفطر؟
الطالب : الماء.
الشيخ : نعم، الماء اتّباعا للسّنّة، طيب إذا كان عنده ماء وحلوى؟
الطالب : على ماء.
الشيخ : على ماء؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : إي، إذن أنتم ظاهريّة!
الطالب : الحلوى.
الشيخ : هذه اختلف فيها العلماء، منهم من قال: يقدّم الحلوى لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ذكر التّمر والحلوى تشاركه في الحلاوة، ويكون ذكر التّمر هنا لأنّه أيسر ما يكون عند القوم، نعم.
ومنهم من قال: نحن في هذه الأمور ينبغي أن نكون ظاهريّة، لا سيما وأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام علّل فقال: ( فإنّه طهور )، ولم يعلّل في التّمر لأنّ فائدته ظاهرة، لكن علّل في الماء ترغيبا فيه، لئلاّ يقول قائل: وش الفائدة من الماء؟
فقال: إنّه طهور، والذي يترجّح عندي أن يقدّم الماء لكن يشرب من الماء ما يحصل به الفطر ثمّ يأكل ممّا عنده.
ومن فوائد الحديث أيضاً: بيان فائدة الماء وتطهيره لبدن الصّائم إذا أفطر عليه لقوله: ( فإنّه طهور ) .
ومن فوائده أيضاً: تعليل الأحكام الشّرعيّة لقوله: ( فإنّه طهور ).
وحسن تعليم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام حيث قرن الحكم بالعلّة.
ومنها أيضاً: اتّخاذ ما يعين على امتثال الأمر يعني: التّشجيع على فعل الأمر والإغراء به، من أين يؤخذ؟
الطالب : ( فإنّه طهور ).
الشيخ : من قوله: ( فإنّه طهور )، لأنّ هذه العلّة تبعث النّفس على أن تفطر على ماء، وإلاّ فقد يقول قائل كما أسلفت قريبا: ما فائدة الماء.
فنأخذ منها التّشجيع على فعل الخير، وعلى فعل الأمر، وأنّ هذا لا يدخل في باب الإجارة، وبناء على ذلك، يكون تشجيع حفظة القرآن بالمال أو بالكتب أو بغيرها ممّا يفرحون به ويشجّعهم أمرًا له أصل في الشّرع، كما أنّ له أصل في الشّرع من جهة سَلَب القاتل، فإنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام جعل لمن قتل قتيلاً من الكفّار جعل له سَلَبَه يعني ثيابه وما عليه خاصّة به، وهذا بلا شكّ تشجيع، وكذلك جعل لكلّ من دلّ على حصن من حصون الكفّار أو على ثغر من ثغورهم من الأشياء الهامّة في مواطن قتالهم جعل له النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام مكافأة، وهذا يدلّ على أنّ المكافأة على الأعمال الصّالحة لا يعدّ من الرّياء، ولا يعدّ من إفساد نيّات النّاس كما زعمه بعضهم، فإنّ بعض النّاس قال: لا تعط حافظ القرآن جائزة نعم، ولا تعطيه مكافأة، لأنّ هذا يؤدّي إلى إفساد النّيّات.
فيقال: لا، أنا ما قلت اعملوا لهذا السّبب، وربّما يكون هذا الرّجل ما طرأ على باله أن يحصل على الجائزة إنّ همّه أن يفعل الخير فقط.
إنسان مريض بداء السكري فهل يفطر على التمر أم ماذا؟
الطالب : يحرم.
طالب آخر : على حسب قول الطبيب.
الشيخ : هاه؟
الطالب : على حسب قول الطبيب.
الشيخ : عندنا الآن ما شاء الله أناس أطبّاء، يقول: يتأكّد أن يفطر على التمر يا ياسر، يتأكّد أن يفطر على التمر، لأنّه يقول: إنّ البدن مع الجوع يفقد كثيرا من السّكّر، نعم فكان يحسن أن يأكل تمرًا ليعوّض.
لكن على فرض أنّ رجلا كان كثير السّكّر وأنّ الفطر على التّمر يضرّه يرجع إلى الطبيب، إذا قال هل التّمرة الواحدة تضرّ يكفي تمرة واحدة، نعم.
ما حقيقة العجوة الموجودة الآن؟
السائل : العجوة العجوة نسمع فيها ما هي العجوة ؟
الشيخ : العجوة أنا سألت بعض الشّيوخ في المدينة يعني: شيوخ السّنّ وليس شيوخ العلم، قالوا: إنّها غير موجودة الآن إنّها منقطعة وأنّ هذا التّمر الذين يقولون عنه عجوة هذا شبيه بها وليس إيّاها، وسألت آخرين قبل العام الماضي أو في أوّل العام الماضي وقال: إنّها موجودة فتعارض عندنا مثبت ونافي.
الطالب : والمثبت مقدم على النافي.
الشيخ : أي نعم .
هل من أكل مع التمر شيئا يكون بذلك قد خالف السنة؟
السائل : شيخ هل يعني خالف السّنّة من أكل مع التّمر شيئا؟ يعني مثلا يأكل مع التّمر أشياء عند فطره؟
الشيخ : إيه.
السائل : هل يكون الأفضل ترك هذا وإلاّ لا بأس.
الشيخ : الظّاهر أنّه إذا أفطر على التّمر حصل المقصود، إذا أفطر أول ما يأكل على التّمر يحصل المقصود.
السائل : ظاهر الحديث حتى يصلي.
الشيخ : لا ما عندنا حتى يصلّي.
السائل : يعني هذا في غيره.
الشيخ : إيه.
السائل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب.
الشيخ : هذه ربّما يكون ما عندهم شيء، أقول: إنّه إذا أفطر على التّمر حصّل السّنّة، والظاهر لي يعني من حيث الطّبّ أنّ الاقتصار عليه حتى تهضمه النّفس أو المعدة أحسن.
ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله أنه قد ورد حديث خاص بالعجوة وورد آخر خاص بتمر المدينة وأما غيرهما فلم يرد فيه فضل فما قولكم؟
السائل : يا شيخ في فائدتين السّؤال.
الشيخ : نعم.
السائل : الفائدة الأولى: الشّيخ ابن باز جزاه الله خيرا يقول: ورد في الحديث بتخصيص تّمر العجوة.
الشيخ : نعم.
السائل : وفي أحاديث أخرى ثبتت عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّها ما بين لابتيها.
الشيخ : نعم.
السائل : يعني جميع ما في المدينة من تمر فهو يحصل به المقصود إن شاء الله.
الشيخ : نعم.
السائل : أما السّؤال .
الشيخ : لكن الذي يقول هو ... في عنيزة؟
السائل : ...
الشيخ : هل يحصل به ولاّ لا؟
السائل : هاه؟
الشيخ : هل يحصل به مثل التّمر عندنا هنا في القصيم؟
السائل : الله أعلم، حسب كلام الشّيخ حسب ما فهمت منه لا يحصل به.
الشيخ : طيب، نعم.
8 - ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله أنه قد ورد حديث خاص بالعجوة وورد آخر خاص بتمر المدينة وأما غيرهما فلم يرد فيه فضل فما قولكم؟ أستمع حفظ
ما الدليل على أن الأمر في تعجيل الفطر للاستحباب وليس للوجوب؟
السائل : السّؤال الثاني هو انصراف الأمر إلى الاستحباب.
الشيخ : نعم.
السائل : في حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ما الدّليل؟
الشيخ : أيهم؟
السائل : في تعجيل الفطر.
الشيخ : الدّليل على ذلك أنّ قوله في ما سبق من حديث سهل بن سعد : ( لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر ) عامّ في كلّ ما يحصل به، وكذلك قوله تعالى: (( فكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل )) فدلّ هذا على أنّ أيّ شيء تفطر به حصل به المقصود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين فإنك تواصل يا رسول الله ؟ فقال : وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فلما أبو أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ، ثم يوماً ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر الهلال لزدتكم ، كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ). متفق عليه .
قال: ( نهى عن الوصال ) النّهي: هو طلب الكفّ على وجه الاستعلاء، والمراد بقولنا: على وجه الاستعلاء ليس معناه أنّ الرّسول يتصوّر نفسه عاليا على غيره، لا، هو من أشدّ النّاس تواضعا، لكن يتصوّر الآمر أنّ المأمور مطيع له هذا معنى الاستعلاء، وأنّه يوجّه الأمر إليه.
الوصال: مصدر واصل يواصل، كقاتل يقاتل قتالا، واصل يواصل وصالا ويصلح مواصلة؟
الطالب : نعم يصلح.
الشيخ : يصلح كمقاتلة، فما هو الوصال؟
الوصال لغة: وصل الشّيء بالشّيء، وفي الشّرع: " وصل يوم بآخر في الصّيام " هذا الوصال هنا.
" ( فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله ) " :
يعني تصل يوما بيوم وكيف تنهى عن ذلك؟ وهل يليق أن يفعل الرّجل ما ينهى عنه؟
لا، ويحتمل أن يكون السّائل أراد معرفة الحكمة في كون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ينهى عن الوصال وهو يواصل، وأيّا كان فإنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أجابه بجواب يتبيّن به الفرق، فقال:
( وأيّكم مثلي؟ ): الإستفهام هنا للنّفي، يعني لستم مثلي في الصّبر والتّحمّل وما يحصل لي من الإستغناء عن الأكل والشّرب.
قال: ( إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) اللهمّ صلّ وسلّم عليه، أبيت يعني: البيات النّوم ليلا.
وقوله: ( يطعمني ربّي ويسقيني ) هذه ليست كقول إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام: (( والذي هو يطعمني ويسقين )) ، لأنّ المراد بذلك في قول إبراهيم الطّعام الحسّي والسّقي الحسّي، هنا يطعمني ويسقيني ليس المراد به الطّعام الحسّي والسّقي الحسّي، إذ لو كان كذلك لم يكن مواصلا، ولم يكن بينه وبين النّاس فرق، لكن المراد طعام وسقي غير الطّعام والسّقي المعهود فما هو؟
قيل: إنّه طعام من الجنّة، وأنّ الطّعام من الجنّة والسّقي من الجنّة ليس كطعام الدّنيا فهو لا يفطّر الصّائم ولو كان طعاما وسقيا، وحينئذ يلغز بها فيقال: طعام وشراب لا يفطّر، ولكن هذا فيه نظر، لأنّ الطّعام والشّراب في الآخرة من الجنّة لا يكون إلاّ بعد دخول الجنّة.
نعم والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أراد أن يأخذ عنقودا من الجنّة في صلاة الكسوف ولكنّه بدا له أن لا يفعل فتركه.
والقول الثّاني في المسألة: أنّ المراد بالطّعام والسقي هنا ما يحصل للقلب من الغذاء بذكر الله عزّ وجلّ والانشغال بذكره عمّا سواه، والانشغال بالشّيء يعني انشغال الرّوح بالشّيء وتعلّقها به لا شكّ أنّه يشغلها عن حاجات البدن الماديّة الحسّيّة، إنّما نحن الآن لو ننشغل بشغل شاغل حقيقيّ لكنّا نذهل عن إيش؟
الطالب : عن الطّعام.
الشيخ : عن الأكل والشّرب، يأتي وقت الغداء، وقت العشاء ما يهمّه الواحد لأنّ قلبه منشغل فهو في غفلة عن الطّعام والشّراب الحسّيّ، فيكون المراد بالطّعام والسّقي هنا ما يفرغه الله عزّ وجلّ على قلب النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام من الأنس بذكره والانشغال به عمّا عداه، وهذه خاصيّة لا توجد لأحد سوى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبهذا يظهر الفرق بينه وبين أمّته فإنّ أمّته لا تطيق أن تنشغل بذكر الله عزّ وجلّ عن الأكل والشّرب، قالوا وعلى هذا قول الشّاعر:
" لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الشّراب وتلهيها عن الزّاد "
المرأة، امرأة له لها حديث من ذكراك تشغلها عن الشّراب وتلهيها عن الزّاد، نعم، هذا واضح يعني انشغال ذهني بذكر من؟
بذكر محبوبها، مع أنّه ليس تعلّق هذه المرأة بمحبوبها كتعلّق محبّة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بالله عزّ وجلّ، بل تلك المحبّة أعني محبّة رسول الله لله عزّ وجلّ وانشغال قلبه به لا يدانيها أيّ محبّة وأيّ انشغال، وهذا الذي يميل إليه ابن القيّم -رحمه الله- وهو الحقّ.
قال: ( فلمّا أبوا أن ينتهوا ) : أبوا يعني امتنعوا أن ينتهوا لا عصيانا لأمر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فهم أشدّ النّاس امتثالا لأمره وأقرب النّاس اتّباعا له رضي الله عنهم، ولكنّهم رضي الله عنهم ظنّوا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم نهاهم إشفاقا عليهم وخوفا عليهم من التّعب، وأنّه ليس هذا من باب الأمور التّعبّدّيّة ولكن من باب الخوف عليهم فقالوا : نحن نطيق ذلك وسنفعل، ونظير هذا لو أنّني مثلا طلبت منك أن تدخل الباب قبلي وأبيت هل تكون عاصيا لي؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، لأنك ما قصدت المعصية لكن قصدت الأدب معي هكذا الصّحابة ما قصدوا المعصية بلا شكّ ، لكن ظنّوا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك إشفاقا عليهم ورحمة بهم لا لأجل أنّ هذا من باب العبادة فقالوا نواصل، نعم .
( فواصل بهم يوما ثمّ يوما ) كم؟ يومين؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ( ثمّ رأوا الهلال ) وإذا رأوا الهلال ما يمكن الوصال، أيّ هلال رأوا؟
الطالب : شوّال.
الشيخ : شوّال، كيف شعبان يروح لوراء؟!
الطالب : ههههه.
الشيخ : شوّال، طيب.
( ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخّر الهلال لزدتكم ) : اللهمّ صلّ وسلّم عليه، لو تأخّر الهلال لزدتكم يوما ثالثا ورابعا، ليش؟
قال الرّاوي: ( كالمنكّل لهم حين أبوا أن ينتهوا ) : يعني معناه كالذي يدعوهم إلى التّرك، التّنكيل هنا معناه التّرك، يعني أنّه أراد أن يفعل ذلك أن يواصل لو تأخّر الهلال لأجل أن ينكلوا عن هذا الفعل فيعرفوا أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ما نهاهم إلاّ من أجل الرّحمة والإشفاق، ولا شكّ أنّ التّيسير في هذا الباب هو الذي يحبّه الله، ولهذا قال الله تعالى في آيات الصّيام: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) ، فإذا كان اليسر يحبّه الله لنا في هذه العبادة فلا ريب أنّ اليسر في إيش؟
الطالب : في الإفطار.
الشيخ : في الإفطار، وإعطاء النّفس حظّها من الطّعام والشّراب والنّكاح.
الطالب : واصلوا ثلاث أو يومين ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : واصلوا ثلاث أو يومين ؟
الشيخ : ثلاثة، الوصال يومين ، يعني الزائدات عن اليوم الذي هم فيه.
طيب في هذا الحديث نهى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته عن الوصال فأوردوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إشكالا في أنّه يواصل وهو ينهى عن الوصال، فبيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفرق وأنّه عليه الصّلاة والسّلام يواصل لأنّ قلبه مشغول بذكر الله تعالى ومحبّته عن الحاجة إلى الأكل والشّرب، وأنّ هذا أمر لا يتسنّى لغيره فظهر الفرق.
ثمّ إنّهم رضي الله عنهم لم يتركوا الوصال ظنّا منهم أنّ النّبيّ صلّى عليه وسلّم أراد بذلك الإشفاق عليهم لا أنّ ذلك من التّعبّد فواصل بهم عليه الصّلاة والسّلام يوما ويوما ليتبيّن لهم الحكمة من النّهي عن الوصال، وقال: ( لو تأخّر الهلال لزدتكم ).
10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين فإنك تواصل يا رسول الله ؟ فقال : وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فلما أبو أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ، ثم يوماً ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر الهلال لزدتكم ، كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ). متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ...).
أوّلا: النّهي عن الوصال وهل النّهي للتّحريم أو للكراهة أو للإرشاد؟
الطالب : للكراهة.
الشيخ : نعم، على خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنّ النّهي للتحريم واستدلّ بأمرين:
الأمر الأوّل: أنّه الأصل في النّهي، الأصل في النّهي التّحريم لقوله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ، والنّهي أمر بالاجتناب ولهذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )، فيكون النّهي للتّحريم.
والأمر الثاني الذي استدلّوا به: أنّه واصل بهم يوما فيوما للتّنكيل، والتّنكيل نوع من العقوبة ولا عقوبة إلاّ على فعل محرّم وإلاّ لما عوقبوا.
وقال آخرون: إنّ النّهي للكراهة، لأنّه لو كان للتّحريم لم يواصل بهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأذن لهم في الاستمرار، بمعنى: أنّه لو كان للتّحريم لنهاهم عنه نهياً باتّا إذ أنّ تمكين المنهي من فعل المحرّم لا يجوز، فقالوا هذا للكراهة.
أما القائلون بأنّه للإرشاد، وأنّ الإنسان حسب قوّته فاستدلّوا لذلك بفعل كثير من الصّحابة رضي الله عنهم للوصال، حتى كان ابن الزّبير رضي الله عنه يواصل خمسة عشر يومًا لا يفطر فيها، فقالوا: إنّ فعل هؤلاء الصّحابة رضي الله عنهم وهم عدد من الصّحابة يدلّ على أنّهم فهموا أنّ النّهي للإرشاد لا للكراهة ولا للتّحريم، وأنّ الإنسان إذا كان يرى من نفسه التّعب والمشقّة فإنّه لا يواصل، أمّا إذا كان يرى الرّاحة والانشراح فإنّه يواصل.
فإن قلتَ ما هو أقرب الأقوال إلى الصّواب؟
فالأقرب أنّه للكراهة على الأقلّ، والقول بالتّحريم قويّ للسّببين المذكورين في صدر الكلام، ومن فوائد الحديث .
الطالب : الراجح ؟
الشيخ : قلنا إنّه للكراهة أو للتحريم أقرب.
الطالب : كيف الرد على من قالوا إنهم أذن لهم بالوصال ؟
الشيخ : طيب، أمّا الرّدّ على من قالوا إنّه أذن لهم في الاستمرار فنقول: إنّ هذا الإذن لا يدلّ على جوازه، لأنّه أراد التّنكيل بهم لا إقرارهم عليه، لأجل أن يعرفوا هم بأنفسهم الحكمة من النّهي.
وأمّا الرّدّ على من قال أنّه للإرشاد فنقول: إنّ هذا فهمهم، وفهمهم ليس حجّة على غيرهم لأنّ لدينا -يا بخاري- كلام للرّسول عليه الصّلاة والسّلام .
أي نعم.
طيب من فوائد الحديث أيضا: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لا يَدَعون شيئا يحتاج إلى سؤال إلاّ سألوا عنه، وهذا أحد الطّرق الذي كمل به الدّين والحمد لله، الدّين كمل بالقرآن وبالسّنّة نعم القوليّة والفعليّة والإقراريّة، حتى إذا جاء شيء لم يأت به الكتاب والسّنّة مثلا قيّض الله له من يسأل عنه إمّا من الصّحابة الذين في المدينة، وإمّا من الأعراب، ولهذا كان الصّحابة يفرحون إذا جاء رجل أعرابي يسأل، لأنّ الأعرابي على فطرته يسأل عن كلّ شيء.
فالحاصل أنّ هذا فيه دليل على أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لم يدعوا شيئا يحتاج النّاس إليه إلاّ سألوا عنه، ولهذا لما نهى عن الوصال أوردوا عليه كونه يواصل.
غرضي بهذه الفائدة ما يترتّب عليها من الأمر العظيم وهو إبطال ما كان عليه أهل الكلام من الإيرادات الباطلة التي يريدون أن يتوصّلوا بها إلى تعطيل أسماء الله وصفاته في قولهم: " لو كان كذا لزم كذا " ، نعم وما أشبه ذلك من الأشياء التي يقولونها يتوصّلون بها إلى إبطال ما وصف الله به نفسه أو سمّى به نفسه، فيقال: أين الصّحابة عن هذه الإيرادات التي أوردتم ؟ هل هم فهموها وإلاّ إيش؟
طيب من فوائد الحديث: إثبات الخصوصيّة للرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ الله تعالى قد يخصّه بأحكام دون الأمّة، وهو كذلك، وقد ذكر أهل العلم خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كتاب النّكاح، الفقهاء أعني، ذكروا خصائصه في كتاب النّكاح لأنّ له في النّكاح خصائص كثيرة، فذكروها هناك وقالوا: إنّ الرّسول خُصّ بأحكام واجبة وهي ليست واجبة على غيره، محظورة عليه وهي ليست محظورة على غيره، مباحة له وهي ليست مباحة لغيره، منها الوصال، في حقّه ليس بمكروه، وفي حقّ غيره مكروه.
ومن فوائد الحديث أنّ ما ثبت في حقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو ثابت في حقّ الأمّة إلاّ بدليل، وجهه؟
الطالب : لما نهى عن الوصال .
الشيخ : نعم أنّه لما نهى عن الوصال قالوا إنّك تواصل وإذا كنت تواصل فلنكن نحن نواصل لأنّك أسوتنا ، وهذه قاعدة دلّ عليها آيات كثيرة في القرآن مثل قوله تعالى: (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله )) فهو أسوتنا وقدوتنا وإمامنا، فقد قال الله تعالى: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) فإذن الأصل في ما فعل أنّه له وللأمّة إلاّ؟
الطالب : بدليل.
الشيخ : بدليل، والأصل في ما قال أنّه له وللأمّة إلاّ بدليل، وبهذا نردّ على قاعدة ذكرها الشّوكاني -رحمه الله- وهي غريبة عليه مع إمامته وجلالته وهي: " أنّ الرّسول إذا ذكر قولا عامّا وفعل فعلا يخالف عمومه حمل الفعل على الخصوصيّة " ، وهذا لا شكّ أنّه خطأ ، لأنّ قول الرّسول سنّة وفعله سنّة، وإذا كان قوله سنّة وفعله سنّة وأمكن الجمع بينهما كان ذلك هو الواجب حتى لا نجعل فعله مخالفا لقوله ، فلا يمكن أن نرجع أو أن يصار إلى الخصوصيّة إلاّ بدليل، وإذا أمكن الجمع فهو الواجب.
نعم ومن فوائد الحديث أيضا: حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
الطالب : الكتاب الذي ذكرته فين ؟
الشيخ : الفقهاء في كتب الفقه، هم يذكرون كتاب الفرائض .
وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) . رواه البخاري وأبو داود ، واللفظ له .
الطالب : ما ذكرتم الوصال إلى السحر ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما ذكرتم الوصال إلى السحر ؟
الشيخ : ما فيه الحديث شيء، في حديث آخر: ( فأيّكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السّحر ).
الطالب : الفوائد.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الفوائد؟
الشيخ : أخذنا الفوائد.
طيب هذا الحديث كما تشاهدون جملة شرطيّة ( من لم يدع قول الزّور ) وهنا توارد على الفعل جازمان : مَن ، ولم ، كما في قوله تعالى: ( فإن لم تفعلوا ) توارد عليها جازمان فأيهما يعمل؟
العامل في اللّفظ هو الثاني المباشر، والأوّل عامل في المحلّ، الأوّل يكون عاملا في المحلّ، وعليه فيدع هنا مجزوم بلم .
وقوله: ( فليس لله حاجة ) الجملة جواب الشرط واقترنت بالفاء لأنّها فعل جامد وإلاّ لا؟
جامد طيب، ما هو الفعل الجامد؟
هو الذي إذا مسسته برّد أناملك؟!
الطالب : ما لا يشتق.
الشيخ : إيش؟
الطالب : ما ليس مشتقّا.
الشيخ : ما ليس مشتقّا، أي نعم.
طيّب وقوله: ( فليس لله حاجة في أن يدع ) حاجةٌ بالرّفع لأنّها اسم ليس مؤخّر.
وقوله ( في أن يدع ) هذه فعل مضارع ماضيها ودعه، ومصدرها وَدْع، ما هي إيداع، إيداع مصدر أودع، لكن مصدرها ودع، ومنها قوله عليه الصّلاة والسّلام: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ) ويدع بمعنى يترك طعامه وشرابه إلى آخره.
في هذا الحديث يقول: ( من لم يدع قول الزّور ) من لم يدع أي: من لم يترك قول الزّور.
وقول الزّور: كلّ قول مائل عن الحقّ، لأنّ الزّور مأخوذة من الإزورار وهو الانحراف، فقول الزّور كلّ قول مائل عن الحقّ.
فالشّتم قول زور، والغيبة قول زور، والقذف قول زور، والكذب قول زور، كلّ شيء مائل عن الحقّ من الأقوال فهو داخل في قول الزّور، هل يدخل في ذلك شهادة الزّور، أن يشهد الإنسان بالباطل؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي نعم، من باب أولى، تدخل في قول الزّور.
ثانيًا : ( العمل به ) يعني من لم يدع العمل بالزور، والعمل بالزّور هو العمل بكلّ قول محرّم كما قلنا في قول الزّور، مثل: القول المحرم، كالغشّ، الغشّ في بيع وشراء، وكالنّظر لمحرّم، كالاستماع إلى الأغاني المحرّمة وما أشبه ذلك، وكمشاهدة المشاهدات المحرّمة كلّ هذه من العمل بالزّور.
وقوله: ( الجهل ) المراد به السّفه، وليس المراد به عدمَ العلم، لأنّ عدم العلم لا يقال تركه أو لم يتركه، لكن يراد السّفه.
والسّفه هو: القول الذي ينسب قائله إلى خلاف الرّشد، وإن لم يكن محرّماً، كالكلمات النابية عرفا هذه تعتبر من السّفه أو من الجهل.
الذي لا يدع هذه الأمور الثّلاثة وهنا يقول: الجهلّ بالنّصب معطوفة على؟
الطالب : قول.
الشيخ : قول الزّور.
( فليس لله حاجة ) الحاجة بمعنى الإرادة أي: فليس لله إرادة في كذا وكذا، يعني أنّ الله ما أراد من الصّائم أن يمتنع عن الأكل والشّرب فقط والنّكاح، وإنّما أراد أن يدع هذه الأمور، هذه هي الحكمة الشّرعيّة من وجوب الصّوم، ويدلّ لذلك قوله تعالى: (( يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )) : هذه هي الحكمة من الصوم ، ولهذا لو أننا أخذنا بهذه الحكمة في نهار رمضان ما خرج رمضان إلاّ وقد تغيّر الإنسان في عبادته لله وفي سلوكه مع عباد الله ، شف يدع قول الزّور والعمل بالزور والسّفه، إذن ما يخرج رمضان ثلاثون يوما إلاّ وقد تكيّف بهذه العادات الفاضلة، وهي: ترك الزّور قولا وفعلا، وترك السّفه.
لكن نحن نشاهد كثيرا من المسلمين أو أكثرهم يدخل رمضان ويخرج لا يتأثّرون به، لماذا؟
لأنّهم لم يحافظوا على ما أرشد الله إليه ورسولُه في ملازمة التّقوى، وترك الزّور قولا وفعلا وترك السّفه.
وقوله: ( فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) : نصّ عليه لأنّ الطّعام والشّراب لازم لكلّ صائم، أمّا النّكاح الذي أشار الله إليه في قوله: (( فالآن فباشروهنّ )) فإنّه يختص به من هو ذو زوج، وأمّا من ليس ذا زوج فإنّه يدع الطّعام والشّراب.
نعود إلى هذا الحديث فنقول: فيه بيان الحكمة من الصّوم وهي اجتناب هذه الأشياء الثّلاثة: قول الزّور، والعمل به، والسّفه.
12 - وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) . رواه البخاري وأبو داود ، واللفظ له . أستمع حفظ
فوائد حديث ( من لم يدع قول الزور والعمل به ...).
منها: الحكمة من الصوم وأنّ من أعظم حكمه مع كونه عبادة أن يتجنّب الإنسان حال صومه هذه الأمور الثّلاثة، هل يدخل فيها ترك الواجب؟
الطالب : يدخل.
الشيخ : أي نعم يدخل فيها ترك الواجب، لأنّ ترك الواجب من الزّور بلا شكّ، ترك الواجب من الزّور فيدخل في ذلك ، يعني يدخل في أنه يجب أن نتجنّب هذا.
ويستفاد من الحديث أيضا: أنّ لهذه الأفعال الثّلاثة أو لهذه الأشياء الثّلاثة أثر بالغ على الصّوم، لقوله: ( فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) ، لكن هل تبطل الصّوم؟
الطالب : لا.
الشيخ : جمهور أهل العلم على أنّها لا تبطل، على أنّها تحرم ويزداد تحريمها في حال الصّوم لكنّها لا تبطل الصّوم، إنّما ربّما تكون آثامها مكافئة لأجور الصوم ، وحينئذ يبطل الصوم من حيث الأجر لا من حيث الإجزاء، قال الإمام أحمد: وقد ذكر له عن بعض السّلف أنّ الغيبة تفطّر، قال : " لو كانت الغيبة تفطّر لم يبق لنا صوم "، نعم صحيح وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : صحيح، لو قلنا أنّ الإنسان إذا اغتاب رجلا فهو كما لو أكل تمراً لكان ما يبقى أحد صحيح الصّوم إلاّ نادرا، لأنّ كثيرا من النّاس اليوم نسأل الله لنا ولهم الهداية لا يبالون في غيبة النّاس.
طيّب ولأنّ القاعدة عند عامّة الفقهاء أنّ التّحريم إذا كان عامّا فإنّه لا يبطل العبادة بخلاف الخاصّ، المحرّم لخصوص العبادة يبطلها، وهذه القاعدة مرّت علينا في قواعد ابن رجب على: " أنّ التّحريم إذا كان عامّا لا يقتصر بالعبادة فإنّه لا يبطلها "، فمثلا الكذب والنّميمة والغشّ وما أشبه ذلك تحريمه؟
الطالب : عامّ.
الشيخ : عامّ، ما حرّم من أجل الصّوم، فلمّا كان التّحريم عامّا صار لا يبطل الصّوم.
أمّا ما حرّم من أجل الصّوم فإنّه يفسد الصّوم، ولذلك لو أكل أو شرب فسد صومه، لأنّه محرّم لخصوص الصّوم، وهذه قاعدة نافعة .
طيب لو أنّ رجلا لبس عمامة من حرير تبطل صلاته؟
الطالب : لا.
الشيخ : ليش؟
الطالب : لأن النهي عام.
الشيخ : لأنّ النّهي عامّ، وهو آثم على كلّ حال، ولو لبس ثوبا من حرير؟
الطالب : كذلك.
الشيخ : تجزئ؟ هاه؟
الطالب : تجزئ.
الشيخ : تجزئ الصّلاة على خلاف فيها، الذين قالوا إنّ الصّلاة تجزئ قالوا: إنّ التّحريم هنا عامّ في الصّلاة وغيرها فلا يبطلها.
والذين قالوا: إنّها لا تجزئ ولا تصحّ، قالوا: لأنّ التّحريم متعلّق بما هوشرط للعبادة وهو السّتر، والثوب هو السّاتر، فصار وجوده كالعدم فأبطل الصّلاة، طيب المهمّ أنّ هذه الأشياء التي ذكرها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام تنافي الحكمة الشّرعيّة ولكن لا تبطل الصّوم، لأنّ تحريمها ليس خاصّا به.
ومن فوائد الحديث: إثبات الحاجة لله، ولكن الحاجة إن أريد بها الاحتياج فهذا؟
الطالب : منفيّ.
الشيخ : منفيّ عن الله عزّ وجلّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (( ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين )) ، فهو سبحانه وتعالى غنيّ عن كلّ أحد، وكلّ أحد لا يستغني عن الله.
أمّا إذا أريد بالحاجة الإرادة فهذه جائزة، فإنّ الله تعالى يريد من عباده بشرع الصّوم أن يتجنّبوا هذه الأشياء المحرّمة.
وأمّا القسم الأوّل فممنوع، نظير ذلك: الأسف هل هو ثابت لله أو منفيّ عنه؟
الطالب : ثابت.
الشيخ : إن أريد بالأسف الغضب فهو ثابت لله، وإن أريد بالأسف الحزن على ما مضى فليس بثابت له، قال الله تعالى: (( فلمّا آسفونا انتقمنا منهم )) قال المفسّرون: معناها أغضبونا، فلمّا أغضبونا انتقمنا منهم، وليس المعنى آسفونا أي: ألحقوا بنا الأسف الذي هو الندم والحزن لأنّ هذا أمر ممتنع في حقّ الله عزّ وجلّ.
طيب ومن فوائد الحديث قلت: إثبات الحاجة لله عزّ وجلّ.
لكن هذه الحاجة يراد بها؟
الإرادة.
طيب ومن فوائده أيضا: إثبات الحكمة من الشّرائع، لقوله: ( فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ، ولكن يريد الله منّا أن ندع قول الزّور والعمل به والجهل.
لو قال قائل هل في الصّيام فوائد غير تلك، هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : قلنا: نعم فيه فوائد، ولنذكر منها ما تيسّر:
منها: معرفة الإنسان قدر نعمة الله عليه بتيسير الأكل والشّرب والنّكاح أيضًا إذا كان متزوّجًا، وجه ذلك أنّ الإنسان لا يعرف قدر النّعمة إلاّ بضدّها، كما قيل: " وبضدّها تتبيّن الأشياء " ، فالإنسان الشّبعان ما يعرف ألم الجوع ، فإذا جاع وعطش عرف ألم الجوع وعرف قدر النّعمة بالغنى.
ومنها: أنّ الإنسان يذكر أخاه الفقير الذي لا يقدر على الأكل والشّرب فيرحمه ويتصدّق عليه ولاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، ومنها أيضًا كسر النّفس عن الأشر والبطر، لأنّ الإنسان إذا فقد الأكل والشّرب وذاق ألم الجوع والعطش فإنّ نفسه التي تعلو في غلوائها تهبط وتعرف أنّها في ضرورة إلى ربّها عزّ وجلّ فتنكسر حِدّة النّفس.
ومنها: أيضا أنّه يضيّق مجاري الشّيطان، وهي مجاري الدّم، ( والشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم ) ، فإذا ضاقت المجاري عليه قلّ سلوكها.
ومنها أيضا: أنّه يذيب الفضلات التي في الجسم، فإنّ الجسم مع كثرة الأكل والشّرب قد يكون فيه فضلات كثيرة متحجّرة ورواسب، فإذا صام فإنّ الجسم يضمر حتى تخرج هذه الفضلات والرّواسب.
ومنها أيضا: أنّه يحمل المرء على التّقوى والعبادة، ولهذا نرى النّاس في رمضان يكثرون من العبادة أكثر منها في غير رمضان، فإنّه يحملهم على التّفرّغ للعبادة وذكر الله سبحانه وتعالى وقراءة القرآن، فيه شيء بعد؟
الطالب : التّقوى.
الشيخ : التّقوى ذكرناها هي الأولى.
الطالب : يعف الشاب.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الشاب.
الشيخ : إيش؟
الطالب : الشّابّ.
الشيخ : الشّام؟
الطالب : الشّاب.
الشيخ : الشّابّ بالباء؟
الطالب : أي.
الشيخ : على إيش؟
الطالب : على كفّ الشّهوة.
الشيخ : أي صحّ، نعم قد تدخل في كفّ النّفس، لكنّها قد تذكر لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم نصّ عليها: أنّها تساعد الشّابّ على تحمّل الصّبر على النّكاح، لقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( ومن لم يستطع فعليه بالصّوم ) أي نعم.
الطالب : كمال العبوديّة الفرد.
الشيخ : كمال عبوديّة الفرد.
الطالب : ذلك أنه إنما يتعلّق بالبدن في كفه عن محبوب.
الشيخ : أي يعني إتمام؟
الطالب : نعم إتمام.
الشيخ : إتمام أنواع العبادة، لأنّ التّكليف الذي كلّف الله به عباده إمّا بذل محبوب أو كفّ عن محبوب كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أو نوع من تعب البدن، بذل المحبوب كالمال في الزّكاة، الكفّ عن المحبوب كالصّيام، إجهاد النّفس بالعمل كالصّلاة والحجّ والجهاد وما أشبه ذلك، نعم؟
الطالب : بلوغ مقام الإحسان لأنّ الصّائم قد يكون في مكان لا يطّلع عليه أحد ومع ذلك لا يفطر.
الشيخ : نعم، أي نعم، هذه بلوغ رتبة الإحسان .
الطالب : قول الرسول عليه الصّلاة والسّلام ...
الشيخ : أيه، ما تقولون في هذه؟
الطالب : فيها بعد.
الشيخ : هههه، كيف؟ يعني يمكن أن نقول أنّ الإنسان يتذكّر ألم الجوع والعطش في الآخرة؟
الطالب : ما يخطر على باله.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما يخطر على بال كثير من الصّائمين.
الشيخ : على كلّ حال ، لا لا تدخل المستشفى أنّ الله أبرأها، نعم؟
الطالب : شيخ في الحمية.
الشيخ : ذكرناها، الحمية .
هذه بعض النّاس ما يبي هذا أبد.
الطالب : قول الزور ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : قوله: ( من لم يدع قول الزّور ) .
الشيخ : معناه أنّ الصّائم ينبغي له أن يتجنّب هذا الشّيء.
الطالب : أن يتجنّب هذا الشّيء.
الشيخ : أي ما فيه شكّ، نعم؟
الطالب : فيه قاعدة مثلا المترفين.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : ...
الشيخ : نعم ربّما نكتب هذه، إبراهيم ما عندك شيء أنت ؟
الطالب : لا ما عندي إلا
الشيخ : أي صحيح.
الطالب : يا شيخ ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : عندي غيرها.
الشيخ : طيب ما هي يا محمّد؟ وش هي؟
الطالب : يعني أنّ كثيرا ممّن يشربون الدّخان.
الشيخ : أي.
الطالب : وأيضا الذين يستعملون ..
الشيخ : القات.
الطالب : شم ال ...
الشيخ : نعم نعم.
الطالب : وربّما زاد.
الشيخ : أي نعم، هو ربّما إذا تغذّى قلبه في اللّيل مثلا قد يكون هذا يمتدّ إلى اللّيلة الثانية.
الطالب : مهو يا شيخ ... عليه الصلاة والسلام تنام عينه وقلبه لا ينام.
الشيخ : هو على كلّ حال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كما قلت : تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثمّ هو في العشر الأواخر من رمضان هو لا ينام، يحيي اللّيل كلّه، والقضيّة هذه النّهي كان في العشر الأواخر لأنّه ما بقي إلاّ يومين، نعم يا عبد الله؟
الطالب : شيخ ليس في الوصال مخالفة؟
الشيخ : إيش؟
الطالب : أقول الوصال ليس فيه مخالفة لتعجيل الفطر ، فإذا واصل ألا يفوته هذا ؟
الشيخ : أي وش فيها يعني؟
الطالب : ما فيه مخالفة؟
الشيخ : لا شكّ أنّه تفويت للأفضل، يعني حتى لو واصل للسّحر فإنّه مفوّت للأفضل، إذ أنّ الأفضل أن يبادر بالفطر.