وعن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ، وهو صائم ). رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف . قال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء .
ففي حجّة الوداع ، فإنّه سافر في رمضان وأفطر عليه الصّلاة والسّلام وعلى هذا فنحتاج إلى قوله : ( وهو صائم ) وإن كانت الحاجة إلى ذلك ليست بذاك لأنّ قولها : ( اكتحل في رمضان ) تعني وهو صائم، أمّا مجرّد الإخبار بأنّه اكتحل في رمضان فهذا فائدته قليلة.
على كلّ حال تقول: ( اكتحل في رمضان وهو صائم ) : الجملة هذه في موضع نصب على الحال من فعل اكتحل.
وقولها: ( في رمضان ) لم تقل في رمضانٍ؟
الطالب : ممنوع من الصّرف.
الشيخ : والمانع؟
الطالب : العلمية وزيادة الألف والنون.
الشيخ : هاه؟
الطالب : العلمية وزيادة الألف والنون.
الشيخ : العلميّة وزيادة الألف والنّون، أي نعم، طيب ولهذا لو جاءت رمضان غير علم انصرف، أي نعم.
1 - وعن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ، وهو صائم ). رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف . قال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ...).
ثانيًا: أنّ الكحل لا يفطّر الصّائم لأنّه لو كان مفطّرا لوجب؟
الطالب : اجتنابه.
الشيخ : اجتنابه، فلمّا جاز فعله دلّ هذا على أنّه لا يفطّر.
ثالثًا: عمومه يقتضي أنّه لا يفطّر الصّائم ولو وصل إلى حلقه، لأنّه أحيانا إذا كان الكحل نافذاً وصل إلى الحلق أو أحسّ الإنسان بطعمه في حلقه ، فظاهر الحديث أنّه لا يفطر ولو وصل إلى حلقه .
فإن قال قائل: أنتم ذهبتم تستنبطون الأحكام من حديث ضعيف نعم، قال التّرمذي: إنه لا يصحّ في هذا الباب شيء، وإذا انهدم الأساس انهدم الفرع ؟ فالجواب: نعم هذا حقّ، وأنّ البناء على الضّعيف ضعيف، لكنّنا نقول: لنفرض أنّه ليس بثابت، فما الأصل؟
الطالب : الجواز.
الشيخ : الأصل الحلّ، الجواز، حتى يقوم دليل على المنع، ونحن إذا نظرنا إلى الممنوعات في الصّيام وجدنا أنّها محفوظة معروفة بالكتاب والسّنّة: الأكل والشّرب والجماع، ونشوف ما في معناهم إذا صحّ القياس بع، والجماع والحجامة على خلاف فيها أيضا، والاستقاء كما سيأتي عن أبي هريرة على خلاف فيه، والإنزال على خلاف فيه، والإمذاء على خلاف فيه، إذن إيش المجمع عليه؟
الأكل والشّرب والجماع، هذه متّفق عليها، فنقول لكلّ من ادّعى أنّ هذا مفطّر نقول له: عليك الدّليل، لأنّ هذه عبادة ركن من أركان الإسلام، وإذا كان الشّارع قد بيّن موجباتها وشرائطها وأركانها فإنّه سيبيّن مفسداتها، لأنّ الأشياء ما تتمّ إلاّ بوجود الشّروط والأسباب وانتفاء الموانع. والمفسدات موانع فالمسألة ليس هيّنة.
وليس من الهيّن أن تقول لعباد الله: إنّ عبادتكم فاسدة وهم يتقرّبون إلى الله بها، لأنّك سوف تقابل يوم القيامة: لماذا أفسدت عبادة عبادي عليهم بدون دليل؟!
يأتي واحد لأدنى سبب يقول: ترى صيامك فاسد، ترى صلاتك فاسدة، هذا ليس بالهيّن، نعم، هذا عدوان في حقّ الخالق، واعتداء على المخلوق أن تفسد عباداتهم بدون دليل واضح.
فإذا كان الشّيء ثابتا بمقتضى دليل شرعيّ فإنّه لا يمكن نقضه إلاّ بدليل شرعيّ.
فلننظر، وجدنا أنّ الكحل ليس أكلا ولا شربا، ما رأينا أحدًا أراد أن يأكل التّمر فوضعه في عينه أليس كذلك؟
الطالب : بلى .
الشيخ : ما فيه أحد يقول هكذا فليس أكلا ولا شربا، هل هو بمعنى الأكل والشّرب؟
الطالب : لا.
الشيخ : أبدا، ما سمعنا إذا أحد عطش ذهب وضع عينه تحت الماء من أجل أن يروى، ولا أن يضع فيها طحينا علشان يصل إلى المعدة أبدا، إذن ليس أكلا ولا شربا ولا بمعنى الأكل والشّرب.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: " إنّه ليس هناك دليل على أنّ مناط الحكم هو وصول الشّيء إلى الجوف أو الحلق، إنّما مناط الحكم أن يصل إلى المعدة شيء يستحيل دما ويتغذّى به الإنسان فيكون أكلا وشربا " ، وعلى هذا فنقول: الكحل وإن لم يثبت به دليل فالأصل الحلّ.
فإن قلت: قد روى أبو داود أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في الإثمد: ( ليتّقه الصّائم ) يتّقه يعني؟
يجتنبه، قلنا: هذا لو كان صحيحا لكان على العين والرّأس، لكنّه منكر كما قاله البخاري عن ابن معين، قال: إنّه منكر، وإذا كان منكرا فلا حجّة فيه، ويبقى الأمر على الأصل، على الإباحة.
فإن قلت: حديث لقيط بن صبرة قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( أسبغ الوضوء وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما ) شوف قال: ( إلاّ أن تكون صائما ) ليش؟
لأنّ الصّائم لو بالغ في الاستنشاق لدخل الماء إلى جوفه؟
فالجواب: أنّ الأنف منفذ طبيعيّ يصل إلى الجوف، ولهذا كثير من المرضى يوصلون الطعام والشّراب إليهم عن طريق الأنف، وهو ما يسمّى بالسَّعوط، نعم، أما العين فليست بمنفذ معتاد، فلا يكون ما وصل عن طريقها كالواصل عن طريق الأنف، وليس كلّ ما يجده الإنسان في حلقه من خارج يكون مفطّرا فهاهم الذين يرون أنّ من اكتحل حتى إذا وصل الكحل إلى حلقه يفطر هاهم يقولون: لو أنّ الإنسان وطئ على حنظلة تعرفون الحنظلة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ما هي؟
الطالب : الشري.
الشيخ : الشري، وياسر يعرف الشري، تعرفه ؟
الطالب : نعم
الشيخ : أي شيء كالتّفّاح لكنّه شديد ؟
الطالب : المرارة.
الشيخ : المرارة، إذا وطئت عليه برجلك تحسّ طعمه في حلقك، وقال العلماء: إنّ هذا لا يفطّر ولو وجد طعمه في حلقه، ليش؟
قال: لأنّ الرّجل ليست منفذا معتادا، وإنّما دخل مع المسامّ حتّى وصل إلى الحلق.
فالمهمّ أن نقول : إن الكحل حتى لو لم يصحّ هذا الحديث فعندنا فيه الأصل، الأصل الإباحة إلّا ما قام عليه الدّليل.
الطالب : الفوائد.
الشيخ : ذكرنا ثلاث فوائد يا أخي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . متفق عليه . وللحاكم : ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) . وهو صحيح .
وللحاكم: ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ). وهو صحيح " :
أوّلا قال: ( من نسي وهو صائم ): من : شرطيّة وإلاّ موصولة؟
الطالب : شرطيّة.
الشيخ : شرطيّة.
الطالب : لا.
الشيخ : لا، هي في الشّرط أحسن.
الطالب : الذي.
الشيخ : أي لكن من بمنزلة إذا نسي وهو صائم.
طيب، وقوله: ( فليتمّ ) هذا جواب الشّرط، واقترن بالفاء لأنّه طلب، وقد قيل في ما يجب اقترانه بالفاء في جواب الشرط:
" اسميّة طلبيّة وبجامد *** وبما وقد وبلن وبالتّنفيس " .
طيب وقوله: ( فليتمّ ) مجزوم بالفتحة نيابة عن الجزمة وإلاّ عن السّكون؟
الطالب : على السّكون.
الشيخ : مبنيّ على السّكون وشلون؟ فليتمَّ؟
الطالب : لالتقاء السّاكنين.
الشيخ : وين السّاكنين؟
الطالب : الجزم.
الشيخ : أي الجزم، لأنّ الميم الأخيرة مجزومة بلام الأمر، والميم الأولى؟
الطالب : ساكنة.
الشيخ : ساكنة أيضا، فالتقى ساكنان فكان لا بدّ من تحريك أحدهما فليتمّ طيّب، هاه؟
الطالب : ميم واحدة.
الشيخ : لا، ميمين، مشدّدة.
طيب قوله: ( فليتمّ ): اللّام لام الأمر، والأمر هنا للإباحة ولاّ للوجوب ولاّ للإستحباب؟
الطالب : للوجوب.
الشيخ : نشوف الآن نمشي معكم، إذا كان المقصود بالأمر رفض توهّم الفطر فهي؟
إذا كان المقصود رفع توهّم الفطر؟
الطالب : للإباحة.
الشيخ : فهي للإباحة، إباحة الإتمام يعني ولا تفطر.
ثانيا: إذا كان الصّوم تطوّعا وليس المقصود رفع التّوهّم فهي للاستحباب.
إذا كان واجبا وليس للتّوهّم فهي للوجوب كذا؟ والقرائن معروفة.
الطالب : ما وضحت.
الشيخ : ما وضحت سبحان الله! طيّب:
إذا كان المقصود من الأمر هنا رفع توهّم الفطر فهي للإباحة، يعني جائز أن يتمّ ثمّ عاد ينظر إن كان الصّوم واجبا لزمه أن يستمرّ وإن كان تطوّعا استحبّ له أن يستمرّ، ويكون فهم الوجوب أو للاستحباب من طريق آخر، يعني من دليل آخر قصدي، هذا إذا جعلنا اللّام للإباحة لأنّه يخاطب شخصا يتوهّم أنّه إذا أكل أو شرب أفطر، فقال: لا فطر عليك أتمّ ولا عليك، واضح هذا؟
الطالب : واضح.
الشيخ : طيب، إذا كان ما في هناك توهم وأنّ اللّام للأمر الحقيقي، فإن كان الصّوم تطوّعا فالأمر للاستحباب ليس للجواز يعني: يستحبّ أن يتمّ، لأنّ المتنفّل بالصّوم ينبغي له أن يتمّه، وإن كان الصّوم واجبا فاللاّم للوجوب، واضح الآن؟
الطالب : واضح.
الشيخ : طيب قوله عليه الصّلاة والسّلام : ( من نسي وهو صائم ) جملة وهو صائم حاليّة كما هو معلوم، نسي ما معنى النّسيان؟
قال العلماء إنّ النّسيان ذهول القلب عن معلوم، عن شيء معلوم عنده لكن ذهل فهذا نسيان، أمّا عدم العلم فهو؟
الطالب : جهل.
الشيخ : جهل، إذن النّسيان وارد على العلم وإلاّ مورود عليه؟
الطالب : وارد.
الشيخ : وارد على العلم، لا نسيان إلاّ بعد علم، ولهذا قيل : " آفة العلم النّسيان " .
طيب نسي يعني: ذهل قلبه عن الصّوم هذا واحد.
نسي: ذهل قلبه عن كون هذا الشّيء مفطّرا، لأنّه قد ينسى أنّه صائم، وقد ينسى أنّ هذا الشّيء مفطّر ولاّ لا؟
هذا كلّه واقع، فهو إمّا أن ينسى حاله أو ينسى حكم ما تناوله، إمّا أن ينسى حاله وش معنى حاله؟
يعني هل هو صائم أو لا.
أو ينسى حكم ما تناوله من أكل أو شرب وهذا النّسيان للحكم وكلا الأمرين داخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( من نسي وهو صائم )، وقوله: ( فأكل أو شرب ) هذا ليس على سبيل الحصر ولكن على سبيل المثال ومثّل بالأكل والشّرب لأنّهما أكثر تناولًا من غيرهما، إذ أنّ الجماع لغير المتزوّج غير وارد، وفي المتزوّج وارد لكنّه قليل بالنّسبة للأكل والشّرب، اللهمّ إلاّ في أحوال نادرة هذا شيء يمكن.
على كلّ حال الأكل والشّرب قيل كمثال، ومن ثمّ وخوفًا من أن يقول قائل: إنّ الجماع له حكم آخر، أتى المؤلّف -رحمه الله- برواية الحاكم وهي قوله: ( من أفطر في رمضان ) من أفطر، فإنّ من أفطر يعمّ الأكل والشّرب والجماع وغيرها من المفطّرات.
والحديث بهذا اللّفظ صحيح كما قال المؤلّف، فلو قدّر عدم صحّته فهل يمكن أن نأخذ الحكم في الجماع وغيره من المفطّرات من قوله صلّى الله عليه وسلّم : ( من نسي فأكل وشرب ) ؟
نعم بالقياس، يكون هذا على سبيل التّمثيل.
طيب قوله: ( فأكل أو شرب ) الفرق بينهما أنّ الأكل في الطّعام، والشّرب في الشّراب يعني: في المائعات وشبهها هذه تسمّى شرب، وما كان جامدًا فهو أكل، وعلى هذا فالسّكّر إذا حط الإنسان جسمه السّكّر هل تقولون إنّه شرب أو أكل؟
الطالب : أكل.
الشيخ : أكل؟
الطالب : شاي.
الشيخ : لا ليس بشاي، صحيح، السّكّر؟
الطالب : أكل.
الشيخ : طيّب، زين، فيه سكّر شراب واضح يمصّ ولاّ لا؟
الطالب : قصب السّكّر.
الشيخ : القصب، قصب السّكّر هذا يمصّ، هذا الظّاهر أنّه شراب ما فيه إشكال، لكن قصدي بالسّكّر هذا الدّقيق، الظّاهر أنّه يلحق بالأكل هاه؟
الطالب : يذوب ويشرب.
الشيخ : أي لكن بعض النّاس يمشّيه.
طيب عبارة *المنتهى* وهو من كتب الحنابلة يقول: " وبلع ذوب سكّر بفم كأكل " واضح، يعني واحد واضع سكّر بفمه ويذوب السّكّر ويبلعه يقول هذا كالأكل.
الفائدة من هذا مو علشان الصّيام، الصّيام كلّه واحد، الأكل والشّرب واحد لكن فائدته أنّ العلماء قالوا: يجوز للذي يصلّي نفلا إذا عطش وهو يصلّي أن يشرب ماء قليلاً، فسامحوا في الشّرب القليل في النّفل دون الفرض، قالوا: طيّب وش تقولون بالذي يضع حلاوة ويمصّها، أو سكّرا يمصّه؟
قالوا: إنّه كالأكل، هذه الفائدة منه وإلاّ في مسألة الصّيام أظنّ أن الفائدة ليست بذاك الكبيرة.
الطالب : ...
الشيخ : نعم يقول: لأنّ هذا الشّيء له جرم جامد، فصار طعاما لا شرابا .
الطالب : دليل الشرب القليل؟
الشيخ : هاه؟ آه إي قالوا إنّ هذا فعله ابن الزّبير رضي الله عنه، يعني فعله ابن الزّبير أحد الصّحابة.
طيب يقول: ( فأكل أو شرب فليتمّ صومه ) انظر فليتمّ، كلمة فليتمّ: تفيد بأنّ الصّوم لم ينقص، أي: فليستمرّ في صومه حتى الغروب.
ثمّ قال في تعليل ذلك: ( فإنّما أطعمه الله وسقاه ) : هذا تعليل للحكم، يعني أنّ هذا الحكم الصّادر منه نسياناً لا يُنسب إليه وإنّما ينسب إلى من؟
إلى الله عزّ وجلّ، فإنّ الله أطعمه وسقاه، هو الطّاعم السّاقي لا شكّ لكن هو ما تعمّد، ما تعمّد أن يفسد صومه بالأكل والشّرب، فإذن يكون عزّ وجلّ، يكون الله قد أطعمه وسقاه، وكما في حديث عائشة رضي الله عنها: ( إنّما هو رزق ساقه الله إليك ) : رزق ساقه الله إلى الإنسان.
طيب حديث الحاكم: " وللحاكم : ( من أفطر في رمضان ناسياً ) " : من أفطر، قلنا فائدة هذه الرّواية أنّ فيها العموم دون التّخصيص بالأكل والشّرب، من أفطر بأيّ شيء يفطر به.
( ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفّارة ) : كلمة ولا كفّارة تدلّ دلالة ظاهرة على أنّ الجماع داخل ، لأنّه لا كفّارة إلاّ في الجماع، وعليه فإذا كان جامع ناسيًا نعم لم يفسد صومه ولا كفّارة عليه.
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . متفق عليه . وللحاكم : ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) . وهو صحيح . أستمع حفظ
فوائد حديث ( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ...).
أوّلًا: جريان النّسيان على بني آدم نعم، لقوله: ( من نسي ).
وثانيًا: أنّ النّسيان لا يقدح في الإنسان، ليش؟
لأنّه من طبيعة الإنسان، ولو كان سببًا للقدح لما عُذر به الإنسان.
ثانيًا: أنّ ما ترتّب على النّسيان فلا إثم فيه، نعم، من أين يؤخذ؟
قال: ( فليتمّ صومه ).
ويتفرّع من هذه القاعدة: أنّ من نسي آية من القرآن فلا إثم عليه، نعم، وما ورد في التّشديد في من نسي آية من القرآن إن صحّ، فهو محمول على من نسيه بسبب إعراضه وعدم مبالاته، وأمّا من نسيه أو شيئاً منه لأمر لا بدّ له منه في معاشه ومعاده فإنّه لا إثم عليه، وثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّه نسي بعض آيات القرآن وذُكِّر بها فصلّى ذات يوم أو ذات ليلة وأسقط آية من القرآن، فلمّا انصرف ذكّره بها أبيّ بن كعب، فقال: ( هلاّ كنت ذكّرتنيها؟ ) .
ومرّ ذات يوم ورجل في بيته يصلّي يتهجّد فسمعه يقرأ عليه الصّلاة والسّلام فقال: ( رحم الله فلاناً لقد ذكّرني آية كنت أُنسيتها ) ، وعلى هذا فلا لوم على الإنسان في ما ليس من كتاب الله بشرط أن لا يكون ذلك على سبيل الإعراض وعدم المبالاة، طيب هاه؟
الطالب : الأسئلة.
الشيخ : الأسئلة؟
" وليس كلّ خلافٍ جاء معتبراً *** إلاّ خلافا له حظّ من النّظر ".
الطالب : أعد يا شيخ؟
الشيخ : " وليس كلّ خلافٍ جاء معتبرا *** إلاّ خلافا له حظّ من النّظر " .
فيه خلاف ما نعتبره ولا نلتفت له، لكن الخلاف المبني على أدلّة تكاد تكون متكافئة، حينئذ يحتاط الإنسان.
أمّا إذا تبيّن الحقّ فإنّ الاحتياط في اتّباع الحقّ لا في التّشديد ولا في التّيسير، الاحتياط في ما دلّ عليه الحقّ، نعم محمّد؟
الطالب : هل الكبسولة مفطرة على القول بأنها ليست غذاء؟
الشيخ : ههههه.
أي، هو على كلّ حال: كلام الشّيخ رحمه الله ليس يعني أنّ ما كلّ ما وصل إلى المعدة لا يفطر، لأنّ ما سمّي أكلا أو شربا مطلقا حتى وإن كان لا يموع أو كان لا يغذّي هذا هو الصّحيح، وإلاّ بعض العلماء يقول: إذا ابتلع ما لا يموع أو لا يغذّي فإنّه لا يفطر، ومثّلوا ذلك بأن يبتلع خرزة لا تموع ولا تغذّي وأمّا الكبسولة فإذا وصلت هناك تنفجر.
قراءة من متن الزاد تحت باب الذكاة وشرح الشيخ عليه
طيب وثبت أيضا في الصحيح : ( أن عبد الله بن المغفل أخذ جرابا من اللحم والشحم رمي به في خيبر، فأخذه فالتفت وإذا النبي صلى الله عليه وسلم وراءه يضحك ) وهذه سنة إقرارية.
فإن قلت: أفلا يمكن أن يكون الذابح مسلما ؟
وأنا أريد أن أمنع الاستدلال بالسنة أما القرآن فظاهر، لكن لو قال قائل : الرسول نعم أجاب دعوة هؤلاء اليهود وأكل من اللحوم التي أهدوها لكن لعل الذابح مسلم ؟
نقول: هذا احتمال بعيد، وخلاف الظاهر، ولو كان لا يحل ما قدموه للرسول عليه الصلاة والسلام إلا بتذكية مسلم، ولكان الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل عنه حينئذٍ، لأن الأصل فيما بأيديهم أنهم هم الذين ذبحوه.
طيب هل يشترط أن يكون الكتابي هذا أبواه كتابيان ؟
الصحيح : أنه لا يشترط أن يكون أبواه كتابيين، وأن لكل إنسان حكم نفسه، فلو قدر أن الأب شيوعي أو وثني وأن ابنه اعتنق دين اليهود مثلا أو النصارى فإن ذبيحته حينئذ على القول الراجح حلال، لأنه داخل في عموم قوله تعالى : (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم )) .
قوله : " ولو مراهقاً " : المراهق من قارب البلوغ، فظاهر كلام الماتن أن المميز - الذي دون المراهقة- لا تحل ذبيحته، ولكن المذهب خلاف ذلك، وأن المميز تحلّ ذبيحته، لأنه عاقل يصح منه القَصْد، فتحل ذبيحته.
من المميز ؟
قيل: مَن بلغ سبع سنين، وقيل: من فهم الخطاب وردَّ الجواب، وهذا القول هو الراجح، ولكن الغالب أن ذلك يحصل في تمام سبع سنوات.
ومَنْ ميَّز قبل ذلك فإنه يعتبر خارجاً عن الغالب، ومن تأخر تميزه عن ذلك فهو أيضاً خارج عن الغالب، فالغالب أن السبع وما قاربها نزولاً أو علوّاً يكون بها التمييز.
" أو امرأة " :
امرأة فتحل ذبيحتها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ، لعموم قوله تعالى: (( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ )) ، والخطاب يشمل الرجال والنساء.
ولأن: جارية كانت ترعى غنماً للأنصار بسلع، فأصاب الموت واحدة من الغنم، فأخذت حجراً فذبحتها به، فأجاز النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك وهي جارية امرأة.
وقول المؤلف: " أو امرأة " : هذا إن كان فيه خلاف فهو خلاف ضعيف، وإلاَّ فإنه رفع للتوهم.
طيب وقوله: " أو امرأة " : يشمل الطاهرة والحائض، أو لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، فحتى لو كانت حائضاً فإن ذبيحتها تحل، طيب من شرط الحل التسمية كيف وهي حائض ؟
الطالب : الحائض تذكر الله.
الشيخ : إي الحائض لها أن تذكر الله وتسمي، بل إن منعها من قراءة القرآن في النفس منه شيء، لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس في منع الحائض من قراءة القرآن سنة صحيحة صريحة " .
طيب : " ولو امرأة أو أقلف " :
أقلف: هو الذي لم يختن، أي: لم تؤخذ قُلفته، فتحل ذبيحته، وأشار المؤلف إلى ذلك، لأن بعض العلماء يقول: إن الأقلف لا تصح ذبيحته، ولا تؤكل، لكن هذا ليس بصواب، والصواب أن ذبيحته حلال، وأنها لا تكره، ولا علاقة بين القُلفة وبين الذبح.
" أَوْ أَعْمَى " : كذا عندكم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم كذلك لو كان المذكي أعمى فلا بأس إذا عرف موضع الذبح، وأصابه فلا بأس بذلك.
" وَلاَ تُبَاحُ ذَكَاةُ سَكْرَانَ " : لماذا ؟
الطالب : لأنه غير عاقل.
الشيخ : لأنه غير عاقل، وليس له قصد.
ولا تباح ذكاة مَجْنُون ، لفقد العقل.
ولا ذكاة وثني : وهو من يعبد الأوثان، لأنه ليس بمسلم ولا كتابي، فالذي يعبد وثناً، أو ملكاً، أو نبياً ما تصح ذكاته.
طيب والذي يعبد الله لكن يدعو النبي صلّى الله عليه وسلّم ؟
أيضاً لا تصح ذكاته لأنه وثني، وكذلك الذي يعبد الله ويدعو ولياً فإنه لا تحل ذبيحته.
ولهذا المسألة هذه مشكلة، لأنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية قوم يدعون القبور والأموات، ويستغيثون بهم، حتى وإن كانوا بعيدين عنهم، تجده يدعو الولي، أو يدعو النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا محمد، أو يدعو علي بن أبي طالب يقول: يا علي، أو الحسن، أو الحسين، وما أشبه ذلك، وهذا شرك، فمن كان كذلك فإن ذبيحته لا تحل لأنه مشرك، ولو كان يعبد الله بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) ، فالشرك لا يغفره الله لا حكماً ولا جزاء.
وبناء على ذلك فإن المشرك لا تصح منه عبادة، ولا يصح منه أي عمل يشترط له الإسلام.
طيب : " وثني ومَجوسيٍّ " : المجوسي الذي يعبد النار، وعطفه على الوثني من باب عطف الخاص على العام، لأنه في الواقع يعبد الوثن لكنَّ وثنه نار، فالمجوس الذين يعبدون النار لا تصح ذبيحتهم، وإنما نص عليه -رحمه الله-، لأن المجوس تؤخذ منهم الجزية كأهل الكتاب، لكن لا تحل ذبائحهم بإجماع العلماء، إلاَّ أنه يُروى عن أبي ثور أنه أباح ذبائح المجوس قياساً على أخذ الجزية منهم.
والصواب أن أخذ الجزية منهم لا لأنهم مجوس، ولكن لأن جميع الكفار إذا بذلوا الجزية وجب الكف عن قتالهم، سواء كانوا من أهل كتاب، أو من المجوس، أو من الوثنيين، أو غيرهم.
لكن نص على المجوس لما أشرت إليه، لئلا يقول قائل: إنهم أهل ذمة فتجوز ذبائحهم؟
فنقول : لا، ولهذا لا تجوز ذبائحهم ولا تجوز مناكحتهم.
" ومرتد " : مرتد عن إيش ؟
عن الإسلام، بأي نوع من أنواع الردَّة، فمن كذَّب خبراً مِن أخبار الله مع علمه أنه من خبر الله فهو مرتد، لا تحل ذبيحته، ومن جحد وجوب الفرائض الظاهرة المجمع عليها فهو مرتد، لا تحل ذبيحته، ومن سخر بشيء من الدين فهو مرتد، بل من كره شيئا من الدين فهو مرتد ، من كره شيئا مما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم أو شيئا منه فهو مرتد، قال تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )) ، ولا يحبط العمل إلاَّ بالردة، قال تعالى: (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) ، (( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )).
طيب تارك الصلاة ؟
الطالب : مرتد .
الشيخ : مرتد إذن لا تحل ذبيحته، طيب وعلى قول من يقول: إنه لا يكفر تحل ذبيحته، تحل ذبيحته على قول من يقول: إنه لا يكفر.
طيب ذبح تارك الصلاة هذه الذبيحة، ودعا إليها رجلين، أحدهما يقول: إن تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، لأنه مرتد، والثاني يقول: تحل، لأنه غير مرتد، كيف نعمل بالذبيحة من يأكلها ؟
الطالب : يأكلها من لا يكفره.
الشيخ : يأكلها من لا يكفِّره، ومن كفَّره لا يأكلها.
نعم لو أن من يقول بعدم ردته يترك أكلها تعزيراً له وهجراً لما عمل لعله يرتدع، فلو فعل ذلك لكان خيراً، إنما الحرام ما يحرم عليه.
طيب انتهى الكلام على الشرط الأول: أهلية المذكي ويكون ذلك في أمرين العقل والدين.
أما العقل فيتفرع عنه شرطان : شرط متفق عليه وشرط مختلف فيه :
الشرط المتفق عليه : هو قصد التذكية ، والمختلف فيه : قصد الأكل.
أما الثاني: وهو الدين فإنه يباح ذكاة المسلم واليهودي والنصراني .
شكك بعض الناس في عصرنا بحل ذبيحة اليهودي والنصراني اليوم وقال: إنهم اليوم لا يدينون بدين اليهود ولا النصارى، وهذا ليس بصواب.
نعم إن قالوا : نحن لا ندين بهذه الأديان ولا نعتبرها دينا فإن ردتهم واضحة ، أما إذا قالوا : إنهم يدينون بها ولكن عندهم شرك فإن ذلك لا يمنع ، بدليل : أن الله تعالى أنزل سورة المائدة وحكى فيها عن النصارى ما حكى من القول بالتثليث وكفرهم بذلك ، فقال: (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )) وفي نفس هذه السورة قال: (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم )) ، فالقرآن نزل بعد أن غيروا وبدلوا ، بل بعد ما كفروا ومع ذلك أحل ذبائحهم ونساءهم، وعلى هذا فما دام هؤلاء الآن يقولون : إنهم يدينون بدين النصارى أو اليهود فإن لهم حكم اليهود والنصارى ولو كان عندهم تبديل وتغيير، ما لم يقولوا إنهم مرتدون ولا يقبلونه فهذا شيء آخر.
لو ذبحها على خلاف شرعه لكن على وفاق الشرع الإسلامي ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ها ؟
الطالب : على خلافهما يا شيخ ؟
الشيخ : على خلافهما جميعا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : هذه معروف أنها لا تحل ما في إشكال .
مراجعة ومناقشة تحت حديث ( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ...).
طيب القاعدة ليست مطّردة في كلّ شيء، بل ما توفّرت الدّواعي على نقله ولم ينقل فإنّ عدم نقله كنقل العدم، لأنّه يقال: كيف تذكر أنّها فعلت ثمّ لا تذكر أنّهم أمروا بالقضاء مع الحاجة تدعو إلى ذلك، الأمر مهمّ.
طيب إذن من أفطر ناسياً أو جاهلا بالوقت أو بالحكم ؟
الطالب : فلا قضاء عليه.
الشيخ : فلا قضاء عليه ولا كفّارة.
طيب ما تقولون في رجل اشترى عنباً لأهله في رمضان، وخرج بالعنب في المنديل ونسي أنّه صائم، وجعل يأكل هذا العنب حبّة حبّة، فلمّا وصل إلى البيت وإذا لم يبق إلاّ حبّة واحدة في العنقود، فقال له أهله: كيف تأكل اليوم صيام؟
قال: ما دريت لكن سآكل هذه، وتعمّد أكلها وقال: إن كان سأفطر فهذه من باب أولى، وإن كنت لست مفطرا فهذه ما تفطّر!
الطالب : يفطر بالحبّة.
الشيخ : هاه؟
الطالب : يفطر بالحبة هذه، تلك لا يؤاخذ بها لأنّه كان ناسيا.
الشيخ : نعم.
الطالب : وما تعمّد أكلها فيفطر بها.
الشيخ : فيفطر بها صح؟
الطالب : لا يا شيخ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : هو جاهل بالحكم.
الشيخ : لا، ما هو جاهل، ما هو جاهل بالحكم، هو عارف أنّها تفطّر لكن قال: سألحق هذه بتلك فإن كانت لا تفطّر فهذه كذلك وإن كان يفطّر فهي تبع.
الطالب : ...
الشيخ : ما هو بالظّاهر.
طيب دقيقة، هو الآن عالم بأنّ هذا يفطّر العنب، الآن يعرف أنّ أكل العنب يفطّر صحّ وإلاّ لا؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : لكن لو يعلم أنّ هذه بذاتها في هذه الحال تفطّر، صحّ؟ يعني هو الآن ظنّا منه إن لم يكن مستهترا، ما ندري بعد، قد يكون مستهترا، لكن على حسن الظّنّ به نقول: هو في الحقيقة متجاوز، كان عليه أن يصبر، أمّا أن يقول: إذا كان هذا ليس مفطر فهذه تبع ، وإن كان مفطر فهذه ليست مفطرة ليس بصحيح .
فإذن الذّكر موجود الآن ، وهو يعرف أنّ العنب في الأصل مفطّر إذن فهو عالم.
الطالب : ...
الشيخ : في هذه ؟
الطالب : لا بس !
الشيخ : ما أدري ؟
الطالب : هل يفرق بين معذور تارك العلم ، وغير معذور تارك للعلم ، ومن كان معذورا ، واحد ما تعلّم يقول: أبقى جاهلا وكل ما أخطأ عفونا عنه مشكلة يا شيخ؟
الشيخ : لا هو على كلّ حال الذي يكون هذا في فعل المأمور، قصدي في ترك المأمور هو الذي قد يقال: إنّه إذا كان مفرّطا ألزمناه أمّا فعل المحظور فالنّصوص عامّة.
الطالب : يا شيخ سؤال؟
الشيخ : ليش سؤال ما جاء وقته، خل الفوائد.
الطالب : بلى
الشيخ : كيف؟
الطالب : ...
الشيخ : السّبب؟ نحن ما ذكرنا الحكمة في هذا؟
الطالب : لا، ...
الشيخ : نذكرها في حديث أبي هريرة إذا كان، لأنّ حديث أبي هريرة : ( من نسي ) ما له علاقة في هذا.
طيب، قال المؤلف رحمه الله: " وعن أبي هريرة رضي الله عنه " .
الطالب : الفوائد يا شيخ.
الشيخ : ما أخذناها يا عبد الرّحمن؟
الطالب : أخذناها.
الشيخ : طيب
تتمة فوائد حديث ( من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ...).
ثانيًا : بيان رحمة الله عزّ وجلّ بترك المؤاخذة على النّسيان، فإنّ هذا من رحمة الله، لأنّه لمّا كان النّسيان من طبيعة البشر عفا الله عنها.
ثالثًا -أو نقول من الفوائد عشان ما نغلط في الحساب- :
من فوائد الحديث: أنّ فعل المحظور مع النّسيان لا يترتّب عليه شيء، وذلك لأنّ مفسدة المحظور بفعله، فإذا انتفت المفسدة بالنّسيان لم يبق هناك أثر لهذا المحظور، بخلاف المأمور، فإنّ ترك المأمور ناسيا لا يسقطه، ولهذا قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في من نسي الصّلاة: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها لا كفّارة لها إلاّ ذلك ) ، لأنّ فعل المأمور لا تزول مفسدة تركه بالنّسيان، إذ يمكن تداركه وإزالة هذه المفسدة في قضائه.
ولهذا القاعدة المقرّرة عند عامّة الفقهاء : " أنّ ترك المأمور لا يعذر فيه بالنّسيان والجهل، بل لا بدّ من قضائه، وإن كان الإثم يسقط، وأمّا فعل المحظور فيعذر فيه بالجهل والنّسيان " ، عرفتم؟
إلاّ أنّه يرد علينا أنّ هناك أشياء من المأمورات أسقطها الشّارع بالجهل، مثاله: المرأة التي قالت للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّي أستحاض فلا أطهر ) : ومعنى ذلك أنّها لا تصلّي، نعم، والمستحاضة يجب عليها الصّلاة وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم تجب عليها الصّلاة، ولم يأمرها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقضائها، مع أنّها تركت المأمور لكن تركته جهلا.
مثال آخر: عمّار بن ياسر بعثه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حاجة فأجنب وليس عنده ماء، فجعل يتمرّغ في الصّعيد كما تتمرّغ الدّابّة، نعم ثمّ جاء للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فأخبره فقال: ( إنّما كان يكفيك أن تقول هكذا ) وذكر التّيمّم ، ولم يأمره بإعادة ما سبق.
ثالثًا: الرّجل الذي رآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أحد أسفاره لم يصلّ معتزلا القوم فسأله؟ قال : ( أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصّعيد فإنّه يكفيك ) ، فهذا أيضا يدلّ على أنّ الجاهل بالمأمور لا يؤمر بالإعادة، مع أنّ النّسيان إن كان في المأمور أمر فيه الشّارع بالإعادة، قال: ( من نام عن صلاته أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها ) ، فظاهر السّنّة التّفريق في باب المأمور بين الجهل وبين النّسيان، فما هو الجواب عن هذا الظّاهر؟
الجواب أن يقال: أما في مسألة المستحاضة التي كانت تترك الصّلاة وهي مستحاضة والمستحاضة تجب عليها الصّلاة فلأنّها معذورة لأنّها تأوّلت، كيف التّأوّل؟
كانت على أصل، فالأصل ما هو؟
أنّ كلّ دم فهو حيض، فهي بنت على أصل، فتكون كما لو أخطأ المجتهد في تأويله، ما نقول إنّ اجتهادك الثّاني ينقض الاجتهاد، أو علمك بالدّليل بعد اجتهادك ينقض اجتهادك.
وكذلك نقول في قضيّة عمّار بن ياسر، لأنّ عمّار بن ياسر رضي الله عنه استعمل القياس، الذي يغتسل من الجنابة ماذا يطهّر؟ هاه؟
الطالب : جميع البدن.
الشيخ : جميع بدنه، هذا الرّجل اجتهد وقام يتمرّد في الصّعيد كما تتمرّغ الدّابّة قال : الآن التّراب وصل إلى جميع البدن وهذا قياس، إذن هو متأوّل وإلاّ غير متأوّل؟
الطالب : متأوّل.
الشيخ : متأوّل طيب.
قصّة الرّجل الذي قال: ( أصابتني جنابة ولا ماء ) ، يقول: من الذي قال أنّ هذا الرّجل كان عليه صلوات سابقة؟
قد يكون لم يفته إلاّ هذه الصّلاة، ولما قال له الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( عليك بالصّعيد فإنّه يكفيك ) فإنّه سوف يتيمّم ويصلّي، هذا هو المعروف، ثمّ نقول: أيضا الرّجل هذا بعد أن جاء الماء إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، بعد أن جاء واستقى النّاس وشربوا وسقوا الإبل وبقي بقيّة قال للرّجل: ( خذ هذا فأفرغه على نفسك ) يعني اغتسل به، لأنّ التّيمّم ما يرفع الحدث إلاّ رفعا مؤقّتا، ما دام الإنسان لم يجد الماء فإذا وجده عاد عليه الحدث، فهذا هو الجواب عمّا ذكر.
وإلاّ فإنّ الأصل أنّ فعل المأمور لا بدّ منه، لكنّ بعض أهل العلم رحمهم الله قال: إنّه إذا كان ذلك المأمور أشياء كثيرة شاقّة على الإنسان، وأنّه بانٍ على أصل، يعني: ما علم توّه ناشيء في الإسلام ولا يدري أنّ الصّلاة واجبة مثلا حديث عهد بالإسلام ولم يعلم أنّ الصّلاة واجبة فترك الصّلاة مدّة طويلة فإنّ هذا لا يؤمر بإعادة الصّلاة، أو لا يؤمر بقضاء الصّلاة، أو بإعادة ؟
الطالب : القضاء.
الشيخ : القضاء إي نعم، لأنّ الإعادة ؟
الطالب : أعادها.
الشيخ : صلاها ثم أعادها، طيب.
الطالب : كالمسيء يا شيخ؟
الشيخ : نعم، وكذلك المسيء في صلاته يقولون: إنّ المسيء في صلاته أنّه كان ليس في المدينة ولا يعلم والصّلوات كثيرة.
السائل : سمعنا يا شيخ من أهل العلم من يفتي أنّ من ترك الصّلاة عمدًا سنين طويلة فلا يعيد فما وجه ذلك؟
الشيخ : هذا صحيح إذا تركها مع علمه بوجوبها لأنّ القاعدة: " أنّ كلّ عبادة مؤقّتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فهي لا تُقبَل منه " ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة من أهل العلم، قالوا: الصّلاة المؤقّتة إذا تعمّدت أن تتركها ثمّ أردت أن تقضيها ما يصخّ.
السائل : يعني بناء على كفره؟
الشيخ : لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) ، وكما أنّها لا تقبل قبل الوقت فلا تقبل أيضا بعد الوقت.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ذرعه القي فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء ) . رواه الخمسة ، وأعله أحمد ، وقواه الدار قطني .
قوله: ( ذرعه ) يعني: غلبه، والقيء معناه: لفظ ما في المعدة من الطّعام والشّراب، هذا القيء، " لفظ ما في المعدة من الطّعام والشّراب ".
نعم يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ( فلا قضاء عليه ) ، لأنّه ليس باختياره.
ولكن لو أنّ هذا الرّجل الذي غلبه القيء وفرغت معدته من الطّعام والشّراب لو أنّه أنهكه الجوع والعطش وخاف على نفسه من الضّرر أو الهلاك يجوز أن يأكل ويشرب؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يجوز لدفع الضّرورة ويكون إفطاره هنا بالأكل والشّرب لا بالقيء الذي غلبه.
قال: ( ومن استقاء ) استقاء على وزن استفعل، أو لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : إيش وزن استقاء؟
الطالب : استفعل.
الشيخ : استفعال؟ أعوذ بالله! أين أنتم والصّرف الذي قرأناه مدّة؟!
الطالب : استفعل.
الشيخ : استفعل، صحّ، وأصلها استقيأ من القيء أو لا؟
لكن نقلت حركة الياء إلى الساكن قبلها، ثمّ صارت ساكنة بعد فتح فقلبت ألفا، فصارت استقاء .
نعم طيب استقاء يقول ( فعليه القضاء ) : على : من أحرف الوجوب ، لأنّ أحرف الوجوب أو كلمات الوجوب أو أدوات الوجوب كثيرة، يلزم: من أدوات الوجوب، يجب، حتم: من أدوات الوجوب، فرض، مكتوب، وما أشبه ذلك، أيضًا : على ، قال العلماء هي أيضا من أدوات الوجوب وهي ظاهرة فيه وليست بصريحة.
إذن ( فعليه القضاء ) ظاهره الوجوب، وجوب القضاء، قضاء إيش؟
قضاء ذلك اليوم الذي استقاء فيه، وبماذا يستقيء؟
يستقيء بالقول، والفعل، والشّمّ، والنّظر، كلّ هذا يمكن يستقيء به، بالقول يعني: يبدأ يتحدّث عن أشياء مكروهة حتى تروج معدته ثمّ تخرج ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، الشّمّ يدوّر أشياء منتنة يشمّها حتى يقيء.
النّظر ينظر إلى أشياء كريهة فيستقيء أو فيقيء على الصّحيح، لأنّ النّظر هو الاستيقاء، الفعل؟
الطالب : يدخل أصبعه.
الشيخ : الفعل؟
الطالب : يدخل أصبعه.
الشيخ : أي، يدخّل أصبعه في حلقه ولاّ يعصر بطنه عصرا شديدا نعم حتى يخرج، السّمع؟ السّمع يمكن.
الطالب : يجعل أحد يكلمه عن أشياء !
الشيخ : أي يمكن يمكن، يسمع أشياء توجب هيجان المعدة وخروج ما فيها. المهمّ أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يعيّن أداة الإستيقاء، بل قال: ( من استقاء ) بأيّ سبب يكون، فعليه القضاء، يعني: يجب عليه أن يقضي. ومعلوم أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إنّما أوجب القضاء فيما يظهر على من كان صومه ذلك اليوم واجباً، لأنّ من كان صومه غير واجب فله أن يفطر ولا قضاء عليه.
وقد سبق لنا من حديث عائشة أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال لها: ( أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأرته إياه فأكل ) ، وعلى هذا فيكون عليه القضاء إذا كان صومه؟
الطالب : واجبا.
الشيخ : واجبا.
8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ذرعه القي فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء ) . رواه الخمسة ، وأعله أحمد ، وقواه الدار قطني . أستمع حفظ
فوائد حديث ( من ذرعه القي فلا قضاء عليه ...).
أوّلًا: أنّ الاستيقاء مفسد للصّوم لقوله؟
الطالب : ( ومن استقاء فعليه القضاء ).
الشيخ : ( ومن استقاء فعليه القضاء ) نعم.
ثانيًا: حكمة الشّارع في أنّه ينبغي للإنسان أن يكون مع نفسه عدلاً في معاملتها، لأنّه إذا صام ثمّ استقاء بقي بطنه خاليًا من الطّعام والشّراب، والشّارع أمرنا أن نتسحّر ليكون في بطوننا ما يعيننا على الصّوم، فإذا أخرجنا ما في البطن هذا يكون غير عدل، فمن ثَمّ صار هذا سبباً مفطّرًا فيفطر به الإنسان، وهو نظير الحجامة من بعض الوجوه، ونظير الجماع أيضًا من بعض الوجوه، لأنّ الجماع يخرج من الإنسان الماء وهو موجب للفتور، وضعف البدن، فكان من الحكمة أن يفطّر.
انظر الآن حكمة الشّرع: إن تناول الإنسان ما يغذّي بدنه وهو صائم أفطر لأنّ ذلك يفقده حكمة الصّوم.
وإن أخرج ما عليه اعتماد بدنه كذلك أفطر، وهذا من الحكمة، فلا تدخّل على بدنك شيئا ولا تخرج منه شيئاً، خلّيك معتدل، خلّي كلّ شيء على طبيعته.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أنّ ما غلب الإنسان من المحظورات فلا أثر له، كلّ المحظورات إذا كانت بالغلبة فليس عليك شيء، نعم مثاله؟
في الصّلاة: رجل تكلّم بالغلبة، غلبه الكلام ثمّ تكلّم مثل؟
سقط عليه شيء وقال: -أحّ-، هذا غصبا عليه ولاّ لا؟
كلمة أحّ مثل إغماض العين إذا أقبل عليها شيء، الآن عينك إذا أقبل عليها شيء تغمضها بغير اختيارك، هكذا أيضا مثل هذه الكلمة، كذلك أيضا الظّاهر أنّ الموسوس من هذا النّوع، لأنّ فيه ناس نسأل الله العافية موسوسون يغلبهم الكلام، يتكلّم غصبا عليه، الظاهر أنّ هذا من هذا النّوع، ويدلّ لهذا قوله تعالى: (( لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها )) نعم -دقيقة نكمل هذا البحث- وبعدين لو قال قائل: هل من الغلبه الضّحك ؟ واحد فطن شيء، فطن شيء وكركر.
الطالب : هههههه.
الشيخ : إيش؟ يكركر يعني.
الطالب : يقهقه يعني؟
الشيخ : إيه نعم .
الطالب : حلها ضحك .
الشيخ : طيب، ههههه، وش رأيكم؟
الطالب : يا شيخ من هذا الباب.
الشيخ : طيب، الغريب أنّ الضّحك يقول العلماء: إنّه مبطل للصّلاة مطلقا لأنّه ينافي الصّلاة، ينافي الصّلاة قالوا فهو كالحدث، لأنّ الإنسان لو كان بين يدي شخص مهيب من بني آدم يمكن يضحك قدّامه؟
إلاّ لسبب مباح عند بني آدم، يرى أنّ هذا ما يجوز.
طيب التّبسّم؟ فطن لشيء وتبسّم لكن بدون صوت؟
الطالب : لا يبطل.
الشيخ : هذا لا يبطل الصّلاة، لأنّه ليس من القول، غاية ما هنالك أنّه فعل قد يغلب عليه وقد لا يغلب أيضاً.
إنّما هذا نصّ العلماء على أنّه لا يتبسم، وعلى أنّ التّبسّم لا يبطل الصّلاة وأنّ الضّحك يبطلها مطلقا وعلّلوا ذلك بأنّه نوع استخفاف بالله عزّ وجلّ الذي وقف بين يديه .
ولكن قد يقول قائل: إنّ الضّحك إذا كان غصبا على الإنسان نعم، افرض أنّ الرّجل حاضر بين يدي الله عزّ وجلّ ولا يهوجس، لكن سمع شيئا لا بدّ يضحكه لأنّ هذا أحيانا يقع ؟
الطالب : الضحك ينافي الحضور يا شيخ .
الشيخ : هاه؟
الطالب : الضّحك ينافي الحضور.
الشيخ : أبدًا يا أخي، لأنّ سماع الإنسان غير استماعه، أنا لا أستمع مثلا إلى ناس يتحدّثون حتى ضحكت من حديثهم، لكن .
الطالب : فكر.
الشيخ : ولا فكّرت، لكن غصب سمعت هؤلاء قالوا كلامًا ما يملك الإنسان نفسه إلاّ أن يضحك وضحكت، نعم، ظاهر كلام الفقهاء -رحمة الله عليهم- أنّه يبطل الصّلاة مطلقا، وهذا أنا عندي وإن كان من حيث النّظر فيه شيء لكن من حيث التّربية يكون أحسن للنّاس : إذا قلنا أعد صلاتك ، ما عاد يحاول في المستقبل أن يقهقه أبداً.
إنّما لو قلنا : والله هذا شيء ، قال : لا والله غصبا عليّ ضحكت، قلنا: خلاص ما عليك شيء، إذا كلّ يوم يفكّر بالأشياء المضحكة ثمّ يضحك ويقول: غصبا عليّ.
فإن كان الأمر كذلك فتصحّح بتمثيل في غزوة الفتح، أي نعم.
كذلك بالنّسبة لمسألة : ( فليتقّ الصّائم ) قلنا أنّ أبا داود قال عن يحيى بن معين أنّه منكر، وهو قال لي أنّك قلت: قال البخاري ما أدري؟
الطالب : نعم.
الشيخ : قال البخاري؟
الطالب : نعم، قال البخاري عن ابن معين.
الشيخ : الصّواب قال أبو داود سبحان الله العظيم! قال أبو داود، طيب نرجع الآن إلى مناقشتنا في حديث أبي هريرة .
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ، حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) . وفي لفظ : فقيل :( إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت . فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ). رواه مسلم .
قال: " وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ) " :
خرج عام الفتح : عام الفتح : ظرف منصوب على الظّرفيّة لأنّه مفعول فيه، وش معنى مفعول فيه؟
أي: أنّ الفعل واقع فيه، فكلّ اسم زمان أو مكان يدلّ على أنّ الفعل واقع فيه فإنّه يسمّى مفعولا فيه وينصب على الظّرفيّة.
وقوله: ( في رمضان ) : مبنيّ على الفتح لأنّ فيه العلميّة وزيادة الألف والنّون. ( فصام حتى بلغ كراع الغميم ) : كراع الغميم هذا وادٍ أمام عسفان سمّي بذلك لأنّه يشبه الكراع، فإنّ ما حوله فيه سواد.
( فصام النّاس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ) : قدح أي: إناء يشرب به .
( حتّى نظر النّاس إليه ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) :
أولئك اسم إشارة مبني على الكسر في محلّ رفع مبتدأ، والعصاة خبره، وكرّرها بعد ذلك تأكيدًا، تأكيد لفظي وإلاّ معنوي؟
لفظي نعم .
وفي لفظ: ( إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت ) : إنّما هذه أداة حصر، يعني لا ينتظرون إلاّ في فعلك، ( فدعا بقدح من ماء ) إلى آخره.
( فيما فعلت ) : ما هذه يجوز أن يكون موصولا وعائدها محذوف تقديره؟
الطالب : فيما فعلته.
الشيخ : فيما فعلته، ويجوز أن تكون مصدريّة فيؤوّل ما بعدها بمصدر فتكون في فعلك.
وقوله: " ( فدعا بقدح من ماء بعد العصر - أي في آخر النّهار- فشرب ) رواه مسلم " :
يقول جابر : ( خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح ) : أي : عام فتح مكّة وذلك في رمضان بعد مضيّ أيّام منه ، خرج لقتال قريش ، لأنّهم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه في صلح الحديبية، حيث أعانوا حلفاءَهم على حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا شكّ أنّ إعانة الحلفاء، حلفاءهم على حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نقض للعهد.
نعم يقول: ( خرج إلى مكّة ) وذلك في السّنة؟
الطالب : الثّامنة.
الشيخ : الثّامنة من الهجرة.
( فصام ) يعني : فصام في سفره وذلك لأنّ الأفضل الصّوم في السّفر إلاّ أن يشقّ على الإنسان فالأفضل الفطر.
وقوله: ( حتى بلغ ) حتّى هذه غائيّة أي: إلى أن بلغ هذا المحلّ.
فلمّا بلغه وكان النّاس قد صاموا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولعلّ المراد أكثرهم، لأنّهم كانوا يسافرون مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم منهم المفطر ومنهم الصّائم، ولكن شقّ الصّوم على النّاس، ولم يفطروا اقتداء بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم .
( فجيء إليه فقيل له: إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصّيام وإنّهم ينتظرون ماذا يفعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ) ، لأنّه عليه الصّلاة والسّلام أسوتهم يقول: ( ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه ) يعني: طلب عليه الصّلاة والسّلام ماء ورفعه على بعيره حتى رآه النّاس.
( فشرب والنّاس ينظرون ) : تحقيقا لفطره، وليحملهم على التّأسّي به عليه الصّلاة والسّلام، فمن الناس من أفطر كما أفطر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن النّاس من بقي متعلّلاً بأنّ ذلك كان بعد صلاة العصر والزّمن قريب، ولكن بلغ ذلك النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ بعض النّاس قد صام بمعنى استمرّ على صيامه، فماذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في هؤلاء؟
قال: ( أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) العصاة هنا : هل هي جمع مؤنّث سالم أو هي جمع تكسير؟
الطالب : جمع تكسير.
الشيخ : جمع تكسير، ما الذي يمنع أن تكون جمعا مؤنّثا سالما؟
الطالب : الألف أصلية.
الشيخ : لأنّ الألف أصليّة وابن مالك يقول: " وما بتا وألفٍ قد جمعت "، وهذه ما جمعت بالألف والتّاء وإنّما جمعت بالصّيغة، لأنّ عصاة على وزن فُعَلَة ومفردها؟
الطالب : عاصٍ.
الشيخ : عاصٍ، نعم.
طيب إذن نقول: العصاة هنا ليست جمع مؤنّث سالم.
ومن ذلك كتبت التّاء بالهاء، ولو كانت جمعًا مؤنّثا سالما لكانت مفتوحة، نعم.
فقال: ( أولئك العصاة ) فما هي المعصية؟
المعصية مخالفة الأمر، وتارة تكون بترك الواجب، وتارة تكون بفعل المحرّم هذا إذا ذكرت وحدها، أمّا إذا قيل: طاعة ومعصية فالطّاعة في فعل الأمر والمعصية في فعل المنهيّ عنه.
فإن وجدت إحداهما شملت الأخرى.
وفي اللّفظ الثاني فيه بيان سبب فطر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : وهو أنّه إنّما أفطر من أجل مشقّة الصّوم على النّاس.
10 - وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ، حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) . وفي لفظ : فقيل :( إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت . فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ). رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة ...).
منها: جواز قتال أهل مكّة، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج لقتالهم، توافقون على هذا؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما توافقون؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي ما نوافق، صحّ، لا موافقة على هذا، لأنّ هذا الحكم نسخه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في اليوم الثاني من الفتح، فإنّه قام خطيبا عليه الصّلاة والسّلام في النّاس : وأخبر بأنّ مكّة حرام بحرمة الله منذ خلق السّماوات والأرض وأنّها لم تحلّ لأحد قبل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأنّها لم تحلّ للرّسول عليه الصّلاة والسّلام دائما وإنّما أحلّت له؟
الطالب : ساعة.
الشيخ : ساعة من نهار للضّرورة، وأخبر عليه الصّلاة والسّلام أنّها عادت حرمتها في ذاك اليوم الذي يخطب فيه كحرمتها بالأمس، يعني كانت حراما ثمّ أحلّت ثمّ حرّمت، فيكون النّسخ وقع عليها كم؟
الطالب : مرّتين.
الشيخ : مرّتين، ثمّ قال: ( إن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولوا: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ) : جواب لأمر مفروض : ( إن أحد ) : فأخبروه بأنّ الله عزّ وجلّ الذي بيده الحكم أذن لرسوله ولم يأذن لكم. إذن قولنا إنّه يستفاد منها جواز القتال في مكّة صحّ وإلاّ لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : غير صحيح، لأنّ هذا خاصّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم للضّرورة، وكان في هذا الإذن كان فيه من المصالح العظيمة ما يربو على مفسدته، وإلاّ قتال أهل مكّة في البلد الآمن ليس بالأمر الهيّن، لكن فيه من المصالح العظيمة ما يربو على هذه المفسدة، فإنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حرّر مكّة من الشّرك ومن حكم أهل الشّرك، وصارت البلد بلدًا إسلاميّا بعد أن كان بلد كفر وهذا أمر مهمّ.
طيب وفي هذا دليل على جواز الخروج للقتال في رمضان، لا يقول قائل: سنبقى حتى نفطر، بل نقول: متى دعت الحاجة إلى الخروج تخرج ولو في رمضان، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم خرج في رمضان، وفيه دليل على جواز الصّوم في السّفر، من أين يؤخذ؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صام، والنّاس معه أيضا، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله: فقال بعض العلماء:
إنّ الصّوم في السّفر، الصّوم الواجب لا يجزئ عن الصّوم المفروض، فإنّ الإنسان يحرم عليه أن يصوم في رمضان في السّفر، ولو فعل كان آثما ولا يجزئه وهذا مذهب الظّاهريّة، واستدلّوا بقوله تعالى: (( ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر )) أي: فعليه عدّة، وعليه فيكون صومه قبل أن يرجع من سفره كالصّوم في شعبان، لأنّه صام في غير الوقت الذي يلزمه الصّوم فيه، نعم ولكنّ جمهور أهل العلم على خلاف قولهم، بل قالوا: إنّ الصّوم جائز والفطر جائز، ولا ريب أنّ هذا القول هو المتعيّن، لأنّ السّنّة دلّت عليه.
والآية الكريمة فيها تقدير، ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدّة من أيّام أخر، هذا يتعيّن، لأنّ فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في أسفاره وصومه يفسّر الآية الكريمة.
ثمّ القائلون بالجواز اختلفوا، فمنهم من قال: الأفضل الصّوم، ومنهم قال: الأفضل الفطر، ومنهم من قال: هما سواء:
فالذين قالوا الأفضل الصّوم علّلوا قولهم هذا بوجوه:
الوجه الأوّل: أنّ هذا فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، فإنّه صام ولكنّه لما شقّ على النّاس الصّيام أفطر مراعاة لهم، بدليل أنّه صلوات الله وسلامه عليه دعا بالقدح من الماء ورفعه والنّاس ينظرون، لأنّه لولا أنه يريد أن يفطر النّاس لكان بإمكانه أن يفطر بدون أن يرفع الإناء.
ولأنّ أبا الدّرداء رضي الله عنه قال: ( كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في يوم شديد الحرّ في رمضان حتى إنّ أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ وما فينا صائم إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة ) : الحرّ شديد، الإنسان من شدّة الحرّ يضع يده على رأسه، نعم، لكن كان النّاس مفطرين، ولم يفطر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، بل كان صائمًا، لأنّه لا داعي للفطر في هذه الحال أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : كان أفطر كما في حديث جابر من أجل الناس، لكن لما كان النّاس مفطرين في حديث أبي الدّرداء لم يفطر، بقي على صومه صلوات الله وسلامه عليه مع شدّة الحرّ، إذن هذه علّة.
العلّة الثانية: أنّه أسرع في إبراء الذّمّة، لأنّك إذا صمت في الشّهر برئت ذمّتك من الصّوم، فإذا لم تصم بقي الصّوم عليك دينًا، ثمّ قد تتكاسل وتتهاون حتى يأتي رمضان الثاني كما هو الواقع الآن، أتصدّقون أنّ بعض الناس يسألون في آخر يوم من شعبان يقول: عليّ صوم يوم من رمضان، أصوم بكرة وهو الثّلاثين من شعبان نعم؟
طيب، مضى عليه أحد عشر شهرًا وشتاء قصر نهار وبرودة ويخلّيه إلى الثّلاثين من شعبان المشكوك فيه، ربّما يكون من رمضان، شوف كيف الإنسان يسوّل له الشّيطان.
فإذا صام الإنسان الشّهر في وقته صار ذلك أسرع في إبراء ذمّته.
ثالثًا: أنّه أيسر له، لأنّ هذا مشاهد، وهو أنّ الإنسان إذا صام مع النّاس صار أيسر له، تجد الرّجل يصوم رمضان مع النّاس ثلاثين يوما وهي عنده كيوم واحد، لكن إذا بقي عليه يومان قضاء صارت كأنّها شهران، فإذن تيسير العبادة على الإنسان لا شكّ أنّه مراد للشّارع ولا سيما وأنّ قوله تعالى: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) جاءت في أيّ آيات؟
الطالب : آيات الصّيام.
الشيخ : في آيات الصّيام، من أجل هذه الأمور الثّلاثة قالوا: إنّ صوم الإنسان في رمضان أفضل في السّفر.
والذين قالوا: إنّ الفطر أفضل ويكره الصّوم وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-، القول الثاني: أنّ الفطر أفضل وأنّ الصّوم مكروه، وهذا مذهب الحنابلة -رحمهم الله-، وعلّلوا ذلك بأنّ هذا رخصة من الله وكرم، والإنسان لا ينبغي له أن يردّ الرّخصة والكرم، لا ينبغي له أن يردّها لأنّ ردّ كرم الكريم غير محبوب إلى النّفوس، وغير لائق من حيث الأدب، ولهذا لما سأل عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى: (( فإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )) فقال: ( يا رسول الله كيف نقصر ونحن آمنون؟ قال: صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ، شوف كلمة : ( اقبلوا صدقته ) معناه : أنّنا مأمورون بأخذ الرّخص وأنّ الذي ينبغي لنا أن نأخذ برخص الله عزّ وجلّ وأن لا نشدّد على أنفسنا، عرفتم؟ فقالوا: ما دامت رخصة فإنّ الأولى الأخذ بها، وأن لا نردّ فضل الله وكرمه وإحسانه، بل نقبله، والله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبده بنعمة فإنّه يحبّ أن يرى أثر نعمته عليه.
وأيضا فإنّنا نراعي بذلك أو نتحاشى بذلك قول بعض علماء المسلمين وهو: أنّ الإنسان إذا صام لا يقبل منه صومه، ولا تبرأ به ذمّته، فنحن نؤخّره لنصومه قضاءً ونحن إذا صمناه قضاءً أجزأ عنّا ذلك بإجماع المسلمين، ظاهريّهم وقياسيّهم، وإذا صمنا في رمضان قال لنا بعض علماء المسلمين: إنّ صومكم؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : غير صحيح وغير مقبول، فإذن نراعي هذا الخلاف من علماء المسلمين ونؤخّر الصّوم ونجعله قضاء أعرفتم؟
طيب وأمّا الذين قالوا بالتّخيير على السّواء: فاستدلّوا بحديث أنس رضي الله عنه قال: ( كنّا نسافر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمنّا الصّائم ومنّا المفطر فلم يعب الصّائم على المفطر ولا المفطر على الصّائم ) : إذن المسألة ما فيها لوم على من صام ولا على من أفطر، وهذا يدلّ على التّخيير، ولكننا إذا رجعنا إلى النّظر بين هذه الأقوال الثّلاثة.