تتمة فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة ...).
مذهب الشّافعي مؤيّد بنصّ، ومذهب الحنابلة مؤيّد بقياس، والمؤيّد بالنّصّ؟
الطالب : أقوى.
الشيخ : أقوى، لأنّنا نقول: كلّ هذه النّظريّات والأقيسة تبطل بكون أتقى النّاس وأعلمهم، محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم في السّفر، وما دام يصوم فلا ريب أنّ الأفضل الصّوم، نعم نحن نوافقكم على أنّ الإنسان إذا وجد في الصّوم أدنى مشقّة فإنّنا نقول له: لا تصم بل الصّوم لك مكروه، فإن تضرّرت؟
الطالب : فهو حرام.
الشيخ : فهو حرام عليك، إن تضرّرت فهو حرام، مفهوم هذا؟
وهذا القول هو الرّاجح عندي، أنّ الأفضل الصّوم إلا فيمن يجد مشقّة ولو يسيرة فالأصل الفطر ومن خاف ضررا أو مشقّة ولو محتملة فإنّ الصّوم في حقّه حرام، لأنّ عدوله عن الفطر مع وجود المشقّة الشّديدة يدلّ على تنطّع في الدّين وقد قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( هلك المتنطّعون ).
وبهذا نعرف خطأ بعض العامّة وأشباه العامّة الذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ثمّ يعلمون أنّهم سيقدمون في النّهار وأنّه سيلحقهم مشقّة في الطّواف والسّعي وفي طلب المنزل وما أشبه ذلك وتراهم يصومون، تجد الواحد منهم يتعب في الطّواف، في السّعي في طلب المنزل وفي تنزيل العفش وما أشبه ذلك وهو مصرّ على الصّوم، نعم، مصرّ على الصّوم، طيب لماذا؟
خطأ هذا، إذا قال: هل ترون أن أبقى صائما وأؤجّل أداء مناسك العمرة أو أن أفطر وأؤدّي مناسك العمرة فور وصولي؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : الأخير؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : الأخير، الأخير لا شكّ أنّه أفضل، نعم، طيب لماذا؟
لأنّ لدينا القاعدة الشّرعيّة: " أنّ الشّيء المقصود ينبغي المبادرة به " ، كلّ شيء مقصود لك لا تؤخّره بادر به، نعم، دليل هذه القاعدة فعل أحسن الخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم، المبادرة بالشّيء لأنّ انتهاز الفرص أمر مطلوب للشّرع، ومن هدي النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ومن الحزم، لأنّ الإنسان لا يدري ما يعرض له.
القاعدة هذه أخذناها من عدّة وقائع منها : ( أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لمّا بال الأعرابيّ في المسجد أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ) ، ولم يتأخّر مع أنّه من الممكن أن يتأخّر وتطهر الأرض بالشّمس والهواء.
ثانيًا: لما بال الصّبيّ في حجره ما قال: إذا قمت إلى الصّلاة أتوضّأ غسلت الثّوب أو نضحته، بل دعا بماء وأتبعه إيّاه.
ولمّا دعاه عِتبان بن مالك إلى بيته لمكان يصلّي فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتّخذه عتبان مصلّى قدم النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلى عتبان في بيته وكان قد جهّز لهم طعاما فمن حين دخل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أين تريد أن أصلّي؟ ) ، ما جلس يأكل الطّعام ثمّ بعد ما يأكل الطّعام يقول أين المكان، فور وصوله طلب قال: أين تريد أن أصلّي؟ ، فدلّ هذا على المبادرة ، إذن فأنا ما قدمت إلى مكّة إلاّ للعمرة، كيف أخّرها إلى اللّيل مراعاة للصّوم الذي يحلّ لي أن أفطر منه؟ ! هذا واحد.
ثانيًا: دليل خاصّ في هذه المسألة وهي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قدم مكّة للنّسك لا يبدأ بشيء قبله، حتى إنّه لا ينيخ راحلته إلاّ عند المسجد من المبادرة لقضاء النّسك، لأنّه جعل لهذا الغرض.
فنقول لإخوتنا الذين يقدمون مكّة للعمرة في رمضان: الأولى بكم والأوفق للسّنّة أن تفطرون، ما دمتم أنّكم ستجدون مشقّة فأفطروا وأدّوا المناسك بسهولة.
طيب جماعة مثلا ما أفطروا ودخلوا مكّة صائمين وطافوا ولما طافوا عطشوا شقّ عليهم العطش، نقول لهم أفطروا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نقول: أفطروا ولا بأس، طيب يشربون والنّاس ينظرون؟
الطالب : لا لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا حتى ما يظنوا فيهم.
الشيخ : إي طيّب في مكّة الآفاقيّون فيها كثيرون، يمكن في بلدك الذي ما يرد عليه الآفاقيّون يمكن نقول ما تفطر علنا، لكن في مكّة .
الطالب : حتى في مكة.
الشيخ : هاه؟
الطالب : وفي الكعبة بالذّات يعني معروف كلّها أجانب.
الشيخ : أي وفي المسجد الحرام.
الطالب : الآفاقي؟
الشيخ : الآفاقيّ الأجنبيّ الذي ليس من أهل البلد، مأخوذ من الأفق، طيب في ظنّي أنّ هذا لا بأس به ولو أمام النّاس، نعم وقد فعلتُ ذلك أنا في العام الماضي وتعمّدته، جلست إلى إحدى الترامس وجعلت أشرب فوقف واحد عليّ وقال: كيف تشرب في رمضان؟ أي أنا رفعت رأسي وقلت هذا يا أخي جائز نحن مسافرون، هو الظاهر أنّه عرف أنّه أنا واستحى وراح، نعم، لكن على كلّ حال القصد أنّ مثل هذه المسائل يعني إظهارها للنّاس علشان ما يشدّد عليهم، فيه ناس مساكين يعني ربّما يسقطون من الجوع أو العطش، كلّ هذا حفاظا على صومهم مع أنّ الله قد يسّر لهم، إذن نأخذ من هذا أنّ الأفضل لمن يشقّ عليه الصّوم؟
الطالب : أن يفطر.
الشيخ : أن يفطر، طيب هل هناك دليل لهذه المسألة؟
نقول: الدّليل هذا الحديث الذي معنا، ودليل آخر نصّ في الموضوع في قصّة الرّجل الذي كان مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في سفر، فرأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زحاماً ورجلاً قد ظُلّل عليه، ( قال ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) : فنفى أن يكون برّا ، وهذا ممّا استدلّ به أيضا من يقول أنّ الأفضل الفطر، أخذوا بالعموم.
ولكن نقول: الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( ليس من البرّ الصّيام في السّفر ) في حالة خاصّة وهي؟
المشقّة التي بلغ بصاحبها أن يظلّل عليه وأن يزدحم الناس عليه كأنّه في مرض الموت.
نعم ويستفاد من هذا الحديث: جواز الفطر في أثناء النّهار للمسافر، من أين يؤخذ؟
من أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفطر بعد العصر، زد على ذلك أنّه يستفاد منه جواز الفطر لمن رُخّص له فيه ولو في آخر النّهار، يعني: ما نقول تصبّر وتحمّل، نا بقي لنا إلا ساعة أو ما بقي إلاّ نصف ساعة، لا، له أن يفطر ولو لم يبق من النّهار إلاّ جزء يسير.
ومن فوائد الحديث: أنّه ينبغي للإمام يعني: للإمام المتبوع والمسؤول أن يراعي أحوال النّاس ويعدل عن الأفضل إلى المفضول مراعاة لأحوال النّاس، من أين؟
الطالب : من فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم .
الشيخ : نعم من إفطار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مراعاة لأحوال النّاس ويدلّ على أنّه أفطر مراعاة لأحوالهم ما سبق في حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه. ويدلّ لذلك أيضا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في صلاة العشاء كان يستحبّ أن يؤخّر من صلاة العشاء، ولكن إذا اجتمع النّاس عجّل لئلاّ يشقّ عليهم في الانتظار، فيدع الفاضل إلى المفضول مراعاة لأحوال النّاس.
بل يدلّ على ذلك أيضا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ترك بنيان الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا على تغيّر النّاس ونفورهم قال لعائشة: ( لولا أنّ قومك حديثوا عهد بكفر، لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين باباً يدخل منه النّاس وباباً يخرجون منه ) ، ولكنّه تركها خوفا من نفور النّاس.
والحكمة في ما قدّر الله عزّ وجلّ : لما تولّى عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه الخلافة في الحجاز هدمها وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابين باباً يدخل منه النّاس وباباً يخرجون منه، ولما قُضي عليه رضي الله عنه أُعيدت الكعبة على ما هي عليه في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن الحكمة في ما أراد الله سبحانه وتعالى، الآن يعني ما أراده النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام من انتفاع النّاس من دخول الكعبة وجعل بابين لها حصل، ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أين البابان؟
الطالب : الحجر.
الشيخ : الحجر، الحجر الآن من الكعبة له باب يدخل منه النّاس وباب يخرجون، مع أنّ في هذا من راحة النّاس أكثر ممّا لو كانت قد سقّفت، لو سقّفت والنّاس على جهلهم اليوم؟
الطالب : لتزاحموا.
الشيخ : مهو تزاحموا لقتل بعضهم بعضا، يمكن الذي يدخل ما يخرج، لكن من نعمة الله عزّ و جلّ أنّ الله سبحانه وتعالى أعادها على ما كانت عليه، والذي قدّره النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأراده حصل ولله الحمد: باب يدخل منه النّاس وباب يخرجون مع الإنشراح والهواء وعدم المشقّة، نعم؟
الطالب : شرع في الصّيام في بلده ثم سافر.
الشيخ : نعم.
الطالب : هل له أن يفطر؟
الشيخ : أي نعم، له الفطر .
أنّ المالكيّة يوافقون الحنابلة وأما الأحناف فلا أدري ما مذهبهم.
الطالب : يستدلّون بخروج النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلى مكّة .
الشيخ : المهم ما نريد استدلال ما بعد وصلنا له.
الطالب : عندما أفطر !
الشيخ : وكان بعض العلماء ؟
الطالب : ثم أفطر.
الشيخ : وبعض العلماء منع ذلك.
الطالب : فأخذ خبزا رحمه الله وأكله أمام العسكر فاقتدى به النّاس.
الشيخ : نعم، حتى يطمئنّوا وهذا أمر مشاهد.
ما هو الجواب عن قتال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في مكة ؟
عند وجود السّبب المبيح، ما هي موجودة هذه عندكم؟
الطالب : موجودة
الشيخ : هاه؟
الطالب : موجودة.
الشيخ : لا لا، هذه قيّدوها في هذه الفائدة عند وجود السّبب.
الطالب : عند وجود السبب.
الشيخ : موجودة عندكم؟
الطالب : أي.
الشيخ : إيش؟
الطالب : مكتوب : " يستفاد من هذا الحديث جواز الفطر في أثناء النّهار للمسافر وكذلك حتى لو كان لم يبق من النهار إلا قليل " .
الشيخ : إي ، أجل ما حاجة ، فيه اختلاف عندكم الآن، اختلفت النّسخ، طيب.
بسم الله الرّحمن الرّحيم :
أيضًا من فوائد هذا الحديث: أنّه ينبغي للإنسان أن يؤكّد قوله بفعله ليطمئنّ النّاس إليه، لماذا؟
لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام دعا بقدح فشربه والنّاس ينظرون.
ومنها: أنّ نقل بعض مخالفات النّاس للمصلحة ما يعدّ من النّميمة أو الغيبة.
الطالب : أعد يا شيخ؟
الشيخ : أن نقل بعض مخالفات النّاس لا يعدّ من الغيبة أو النّميمة، ووجهه؟ الدّليل؟
قولهم: إنّ بعض النّاس قد صام، ووجهه: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم ينكر عن الذين بلّغوا وإنّما أنكر على الذين خالفوا.
ومن فوائد الحديث أيضا: أنّه يجوز وصف الإنسان بما يكرهه على سبيل العموم إذا كان واقعا فيه، لقوله: ( أولئك العصاة ) هذا على سبيل العموم واضح، ( أولئك العصاة ) ولا شكّ أنّ المعصية وصف ذميم مكروه للنّفوس، ولكن إذا كان الإنسان مستحقّا له فلا بأس أن يوصف به، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وصف هؤلاء بالعصاة.
أمّا أن تقول لشخص معيّن: أنت عاصٍ فهذا محلّ تفصيل، إن اقتضت المصلحة ذلك بأن يكون فيه ردع له ولغيره فلنقل له هذا، وإلاّ فإنّ الأولى أن لا نقول ذلك له مواجهة ومباشرة، لأنّ هذا ربّما يثيره فتأخذه العزّة بالإثم فيزداد تعنّتاً في معصيته، وربّما ازداد معصية أخرى، عرفتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ومنها أيضا: أنّ النّفوس مجبولة على تقليد الكبير لقوله: ( وإنّما ينتظرون فيما فعلت ) ولا شكّ في هذا : أنّ النّاس مجبولون بفطرهم على تقليد الكبير.
طيب ومن فوائد الحديث أيضا: جواز الإخبار عمّا يحصل في العبادات من المشقّة لقوله: ( إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصّيام ) : لا يقال إنّ هذه شكوى من مشقّة العبادة ، بل يقال : إنّ هذا خبر ، وفرق بين الخبر المجرّد وبين الخبر الذي يراد به الشّكوى، ولهذا يجوز للمريض أن يخبر بما يجد لكن من غير شكوى، مثلا يقال كيف أنت؟
فيقول: والله البارحة سهرت وتعبت وآلمني كذا وآلمني كذا، إخبارا لا شكوى، ولهذا بعض المرضى يقول إخبارا لا شكوى.
وهناك فرق بين الإنسان الذي يشتكي والإنسان الذي يخبر.
طيب فإذا أخبرت أنّ العبادة شقّت عليك لا تشكّيا منها فهذا لا بأس به.
ومن فوائد الحديث أيضا: حسن تعليم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وحسن خُلُقِه مع أصحابه، لأنّه شرب هذا بعد العصر والنّاس ينظرون، كلّ هذا من أجل التّسهيل والتّيسير علينا.
ومنها أيضا: جواز سؤال الغير حيث لا يكون هناك منّة على السّائل، من أين تؤخذ؟
الطالب : فدعا بقدح.
الشيخ : من قوله: ( فدعا بقدح ) : فإنّ الإنسان لا حرج عليه إذا كان لا يرى منّة عليه في السّؤال أن يسأل، ومثل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إذا سأل أحداً وقال: هات القدح يعتبر المسؤول هذا؟
الطالب : منّة.
الشيخ : منّة من الرّسول عليه، فهناك فرق، لكن لو تدعو إنساناً مساوياً لك تقول أعطني قدحا تلقاه يتمغط بالساعتين ويمد يده إلى أن يعطيك إيّاه، هذا الأحسن أن تسأله أو لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : ما تسأله، لأنّ فيه منّة وفيه إحراج لهذا الرّجل.
أمّا بعض النّاس تسأله قبل أن ينتهي الكلام وهو قائم سائر بشدة يأتي لك بما تريد هذا ما يقال: إنّ سؤاله يعتبر من الذّلّ أمام النّاس، بل هذا من الأمر المباح الذي سنّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّته.
طيب ومنها: جواز الإخبار بالكلّ عن البعض، من قولهم؟
الطالب : إنّ النّاس.
الشيخ : ( إنّ النّاس قد شقّ عليهم الصّيام ) ، لأنّ الظّاهر والله أعلم أنّه ليس كلّ النّاس يشقّ عليهم ذلك فإنّ النّاس يختلفون في التّحمّل، ويختلفون أيضا في الجوع وفي العطش، بعض النّاس يجوع سريعا ويعطش سريعا، وهذا فرد من أفراد كثيرة وهي جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنّه، بل جواز إقسامه على ذلك كما سيأتينا إن شاء الله في حديث أبي هريرة، نعم.
الطالب : الفوائد شيخ !
الشيخ : هاه؟ طيب، هذا خلاص الفوائد، فيه شيء؟
الطالب : أنّه ليس كل مجتهد مصيب.
الشيخ : إي، يمكن؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : يدلّ على أنّ ليس كلّ مجتهد مصيباً، لكن ما أدري هل هذه من مسائل الإجتهاد لأن النّاس يصومون ويفطرون على سبيل أنّ هذا شرع وليس على سبيل الاجتهاد، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقرّهم على هذا، نعم؟
الطالب : لأن بعض الناس قال: قد اجتهدوا.
الشيخ : أي.
الطالب : فظنوا !
الشيخ : نعم هذه من هنا، من هذه صحّ، إنّ بعض النّاس قد صام، فهذا صحيح، هؤلاء اجتهدوا بلا شكّ، لكن اجتهادهم صار خطأ.
طيب إذن نأخذ منه: أنه ليس كلّ مجتهد مصيبا من جهة، ومن جهة أخرى: أنّ من أخطأ في اجتهاده فيجب الإنكار عليه وبيان خطئه، وحينئذ نقول: إنّ العبارة المشهورة عند العلماء : " لا إنكار في مسائل الاجتهاد " مقيّدة بما إذا لم يكن ذلك الإجتهاد مخالفا؟
الطالب : للنّصّ.
الشيخ : للنّصّ، فإن كان مخالفا للنّصّ فإنّه ينكر عليه، لكن ما دامت المسألة محتملة للاجتهاد فإنّه لا ينكر إذ ليس اجتهادك أولى بالقبول من الإجتهاد الآخر، أو أولى بالصّواب من اجتهاد الآخر.
النساء اللاتي يأخذن حبوب منع الحيض لأجل الصوم في رمضان هل يدخلن في حكم العصاة الوارد في الحديث؟
السائل : شيخ في الموضوع السابق هل يدخل النّساء اللّاتي يأخذن الحبوب في رمضان لمنع العادة في العصاة، تركن الرّخصة؟
الشيخ : إي، إيش تقولون؟
الطالب : قد يدخل.
الشيخ : يقول: النّساء اللّاتي يأكلن حبوب منع الحيض في رمضان يدخلن في هذا لأنّهنّ تركن الرّخصة؟
ولكن هل نقول: إنّ عدم صوم المرأة وهي حائض من باب الرّخصة أو من باب أنّها ليست أهلا لهذه العبادة؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : الظّاهر الأخير، كما أنّها ليست أهلا للصّلاة، هي لم يسقط عنها الصّوم من أجل الرّخصة، وإلاّ لقلنا لو صامت لصحّ صومها وليس الأمر كذلك.
الطالب : إذا كان فيه ضرر ؟
الشيخ : هذه مسألة ثانية، تأتي مسألة الضّرر وفيه ضرر، لأنّه قد أخبرنا الأخ رشاد لو أنّه حاضر كتب لنا مرّة ورقة في أضرار هذه الحبوب، فيها أربعة عشر ضررا، يكفي منها؟
الطالب : واحد.
الشيخ : واحد، وثلاثة عشر تروح، نعم، ومع ذلك فإنّ النّساء منهمكات فيهنّ، في هذه الحبوب، نعم، لأجل أن تصوم مع النّاس أو لأجل أن لا يفوتها عشر رمضان أو ما أشبه ذلك ، أي نعم؟
الطالب : لو شق صومه على الرسول لعلم بحال الناس ، فيؤخذ منه أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أشد تحملا من الناس.
طالب آخر : أو لا يعلم الغيب؟
الشيخ : الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم الغيب صحّ، هذا صحيح مطلقا شقّ عليه أو ما شقّ، أما كونه ما يشقّ عليه ما ندري قد يكون شقّ عليه ولكن يتصبّر عليه الصّلاة والسّلام، الله أعلم، ولكن الذي قال لما نهى عن الوصال: ( إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) الظّاهر أنّه ما يشقّ عليه الصّوم.
الطالب : يا شيخ؟
الشيخ : نعم.
2 - النساء اللاتي يأخذن حبوب منع الحيض لأجل الصوم في رمضان هل يدخلن في حكم العصاة الوارد في الحديث؟ أستمع حفظ
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال :( يا رسول الله ، إني أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) . رواه مسلم . وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة : أن حمزة بن عمرو سأل .
وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة: ( أنّ حمزة بن عمرو سأل ) " :
قوله رضي الله عنه حمزة بن عمرو كان كثير الأسفار كما في رواية أخرى، وكان له ظهر يكريه، ظهر معناه؟
إبلا يكريها ويذهب بها.
فهو كثير الأسفار فيصادفه هذا الشّهر وهو في السّفر يعني: رمضان.
يقول: ( إنّي أجد فيّ قوّة على الصّوم في السّفر فهل عليّ جناح؟ ) : يعني عليّ جناح في إيش؟
الطالب : في الصّوم.
الشيخ : في الصّوم وإلاّ في الفطر؟
الطالب : في الصّوم.
الشيخ : في الصّوم نعم، أو في الفطر؟
الطالب : في الصّوم.
الشيخ : ما الذي يجعلكم تقولون أنّه في الصّوم؟
الطالب : قوله : ( قوّة ).
الشيخ : إي قوله: ( قوّة على الصّيام ) هذا هو الظّاهر، وكأنّه رضي الله عنه استفهم هذا الاستفهام لقول الله تعالى: (( ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر )) : فجعل الله تعالى فريضة هذا المسافر عدّة من أيّام أخر، فقال هل عليّ جناح؟ يعني: إذا صمت، هذا هو الأقرب، ويحتمل أنّي إذا أفطرت ولكنّه بعيد لأنّ هذا معلوم من الآية.
طيب والجناح معناه: الإثم، وهو مبتدأ مؤخّر، والجار والمجرور خبر مقدّم.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( هي رخصة من الله ) : الرّخصة في اللّغة السّهولة والنّعومة ، ومنه قولهم : " بنان رخص " يعني: ناعم، والبنان طرف الأصبع، فهي في اللّغة السّهولة.
وفي الشّرع قالوا: " إنّها ما ثبت على خلاف دليل شرعيّ لمعارض راجح " ، نعم في الحقيقة أنّ هذا التّعريف فيه شيء من الصّعوبة ، ولو قلنا إنّ الشّرع واللّغة هنا متّفقان لم يكن بعيدا، وأنّ الرّخصة في الشّرع هي: التّسهيل بإسقاط الواجب أو إباحة المحرّم، إسقاط الواجب مثل: الصّوم يفطر الإنسان في السّفر هذا إسقاط واجب، رخصة، المسح على الخفّين هاه؟
رخصة وإلاّ لا، هي إسقاط إيش؟
الطالب : واجب.
الشيخ : واجب وهي غسل الرّجل.
طيب إباحة الأكل، أكل الحرام للمضطرّ كالميتة هذا أيضا رخصة وإن كان بعضهم يسمّيها عزيمة وبعضهم يقول: هي رخصة واجبة والخلف قريب من اللّفظي.
هذه رخصة لأنّها استباحة محظور لسبب، فلو قيل: إنّ الرّخصة في الشّريعة هي الرّخصة في اللّغة فهي كلّها تسهيل، لكان هذا أولى،
أوّلًا: لأنّ هذا أقرب إلى الفهم من التّعريف الذي عرّفه به الأصوليّون.
الشّيء الثّاني: أنّه أقرب إلى موافقة اللغة، والأصل في لغة الشّارع أنّها لغة العرب، لأنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عربيّ فالأصل أنّ اللغة الشّرعيّة هي اللّغة العربيّة، إلاّ إذا وجد دليل يخصّ المعنى الشّرعيّ بمعنىً لا تقتضيه اللّغة، مع أنّي أقول: إنّ المعنى الشّرعي وإن كان أخصّ غالبا من المعنى اللّغوي فإنّه لا بدّ أن يكون بينه وبين المعنى اللّغوي ارتباط.
نعم ونحن نقول: إنّ المعنى اللّغوي قد يكون أخصّ وقد يكون أعمّ، الغالب أنّ المعنى اللّغوي أعمّ من المعنى الشّرعي، وقد يكون المعنى اللّغوي أخصّ مثل؟
الطالب : الإيمان.
الشيخ : الإيمان، الإيمان في اللّغة التّصديق، أو التّصديق المتضمّن للإقرار لكن في الشّرع الإيمان يشمل الإعتقاد وهو التّصديق والقول والعمل.
طيب المهمّ أنّ الأولى أن نفسّر الرّخصة بأنّها السّهولة لغة وشرعا، وأنّها في اللّغة: التّسهيل في إسقاط واجب أو إباحة محظور.
طيب فقال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ) : فحسن أخذه بها ، لأنّ قبول رخصة الله لا شكّ أنّها من الأمور المطلوبة ، فإنّ رخصة الله عزّ وجلّ فضل من الله ومنّة وينبغي أن نقبل فضل ذي الفضل ومنّته.
( ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه ) : هذا جواب قوله: ( فهل عليّ جناح؟ ) أي : فله أن يصوم، وهذا يدلّ على التّخيير أو على تقديم الأخذ بالرّخصة؟
الطالب : التخيير.
الشيخ : هاه؟
الطالب : على التّخيير.
الشيخ : لكن مع ترجيح؟
الطالب : الأخذ بالرّخصة.
الشيخ : الأخذ بالرّخصة لأنّه قال ( فحسن ) نعم.
" رواه مسلم وأصله في المتّفق عليه من حديث عائشة " .
ولكن يقال إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( من أخذ بها فحسن ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه ) قد يقول قائل: إنّ هذا نفي لتوهّم المنع، ولذلك سأل عنه حمزة بن عمرو، فهو دفع لتوهّم المنع، كقوله تعالى: (( إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما )) قال: (( فلا جناح عليه أن يطوّف بهما )) مع أنّ الطواف بهما واجب، سواء كان ركناً أو واجبا اصطلاحا.
على كلّ حال قد يقول قائل: إنّ نفي الجناح هنا لدفع توهّم المنع، وعليه فلا يمنع أن يكون مساويا للصّوم.
ثمّ إنّه سبق لنا أنّ فعل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام للصّيام في السّفر يدلّ على ترجيحه.
لكن لو كان على الإنسان مشقّة ولو بعض المشقّة فالأفضل الفطر.
3 - وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال :( يا رسول الله ، إني أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) . رواه مسلم . وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة : أن حمزة بن عمرو سأل . أستمع حفظ
فوائد حديث ( يا رسول الله ، إني أجد في قوة على الصيام في السفر ...).
منها: حرص الصّحابة رضي الله عنهم على التّفقّه في الدّين، يؤخذ مِن سؤال؟
الطالب : حمزة.
الشيخ : من سؤال حمزة بن عمرو الأسلميّ للنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام.
ومنها: أنّ بعض النّاس يظنّ أنّ التّرخيص مِن أجل المشقّة، وأنّه إذا وجدت القوّة فلا رخصة، لقول حمزة : ( إنّي أجد قوّة في الصّيام فهل عليّ من جُناح؟ ) وهذا على احتمال أن يكون هل عليّ من جناح في الفطر.
طيب ومنها: إثبات الرّخص في الشّريعة الإسلاميّة لقوله: ( هي رخصة من الله ) لكن هذه الرّخص لا يمكن أن ترد إلاّ لسبب، وإلاّ كان الشّرع متناقضا، فكلّ رخصة رخّصها الله فإنّها لسبب نعم، وإلاّ كان الشّرع متناقضا، أو كان الشّرع غير حزم.
ومن فوائد الحديث: أنّ الأخذ بالرّخصة ليس بواجب، لقوله: ( فحسن ) ولم يقل: فحقّ أو فواجب، ولكن قال: ( فحسن )، وزيادة على ذلك قال: ( ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه ) وهو يؤكّد أن الأخذ بالرّخصة ليس بواجب.
طيب ومن فوائد الحديث: الرّدّ على الجبريّة: ( أخذ بها )، ( وأحبّ أن يصوم )، كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ومن فوائد الحديث أيضا: الرّدّ على من يقول إنّه لا يجوز صوم رمضان في السّفر، وهم؟
الطالب : الظاهريّة.
الشيخ : الظّاهريّة لقوله: ( ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه ) وهذا صريح. طيب ومنها: أنّه يجوز إضمار ما دلّ السّياق عليه ولا يعدّ ذلك إلغازا في الكلام.
الطالب : فمن أحب أن يصوم !
الشيخ : ما أظنّكم تلقونها، أعيد؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : جواز الإضمار في الشّيء إذا دلّت عليه القرينة سواء كانت متّصلة أو منفصلة ولا يعدّ هذا من باب التّعمية!
الطالب : فهل عليَّ جناح
الشيخ : لا ، نعم ؟
الطالب : فمن أحب أن يصوم .
الشيخ : أي، لا، طيب، هو في الحقيقة قد تعذرون لأنها ما هي في الحديث.
الطالب : ...
الشيخ : في الآية.
الطالب : (( أو على سفر )) .
الشيخ : (( أو على سفر فعدّة )) وش المحذوف؟
الطالب : فأفطر.
الشيخ : فأفطر.
الطالب : أنت قلت في الحديث يا شيخ.
الشيخ : أنا قلت لكم الآن ليس في الحديث.
الطالب : نحن في فوائد الحديث.
الشيخ : طيب، زين.
الطالب : شيخ : ( من أحبّ أن يصوم ) الجواب محذوف؟
الشيخ : كيف؟ لا موجود يا أخي، موجود.
الطالب : ( من أحبّ أن يصوم ) !
الشيخ : فلا جناح عليه، أي هذا الجواب.
الطالب : هل عليَّ جناح يا شيخ في الصّيام أو في الفطر؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : هل عليَّ جناح يا شيخ في الصّيام أو في الفطر؟
طالب آخر : ... يدل عليه .
الشيخ : إيه، فيه دليل، طيب وأخذنا منه جواز الفطر والصّوم في رمضان للمسافر نعم.
نقول رخص البنان أو بنان رخص؟
الشيخ : نعم؟
السائل : أو بنان رخص؟
الشيخ : أي نعم، ورخص البنان كلّه واحد، لأنّ رخص البنان من باب إضافة الصّفة للموصوف، وبنان رخص من باب وصف الموصوف بصفته.
السائل : إذا قلنا الرخصة للتنكيل ؟
الشيخ : لا لا.
رجل يتكلم في الصلاة وهو مأموم ما حكمه على المذهب؟
الشيخ : يتكلّم في الصّلاة؟
السائل : في الصلاة ، يتكلّم ويخاصم ويسمعه من في المسجد ، ونادرا أن يصلّي صلاة ولا يتكلّم.
الشيخ : يتكلّم على روحه يعني؟
السائل : أي نعم ، هو ما يتكلم مع روحه غالبا ، خاصّة في الصّلاة.
الشيخ : أي.
السائل : فمثل هذا على المذهب ماذا يلزمه؟ يعني ينتظر حتّى لو تكلّم في صلاة بطلت؟
الشيخ : ليس ظاهرًا، الظّاهر أنّ هذا مغلوب.
السائل : نعم؟
الشيخ : هذا مغلوب، ما أظنّهم يبطلون صلاته.
السائل : لكن يتكلّم بكلام خارجيّ؟
الشيخ : أيوة ، هو إذا تكلّم بكلام من جنس كلام الصّلاة ما يضرّ.
السائل : على المذهب لو تكلّم مغلوبا بأمر وقع
الشيخ : نعم.
السائل : إيش الفرق؟
الشيخ : هو في الحقيقة يعني إذا كان فيه جنّ هذا الرّجل ربّما الذي يتكلّم الجنّ.
السائل : أي نعم لكن على لسانه.
الشيخ : ليس من فعله يصير، ولذلك هو إذا صحى يقول ما نطقت بشيء ولا يحسّ بشيء أبدا.
السائل : إذن ؟
الشيخ : لا تبطل صلاته، لكن يُنظر في صلاته من جهة أخرى هل هو يحسّ بخروج الرّيح والحدث وإلاّ لا؟
السائل : نعم ، هو الكلام فقط .
الشيخ : والله الظّاهر أنّ كلّ كلام مغلوب عليه ما تبطل به الصّلاة.
السائل : إن شاء الله ما عليه شيء؟
الشيخ : ما عليه شيء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه ) . رواه الدار قطني والحاكم وصححاه .
قوله رضي الله عنه: ( رُخّص ) : إذا قال الصّحابيّ هكذا بالبناء للمجهول فإنّ الفاعل هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك بالبناء للمجهول فإنّ الفاعل هو الله عزّ وجلّ.
وعلى هذا فيكون مثل هذا الحديث حديث ابن عبّاس : رُخّص يكون من باب المرفوع حكماً ، لا نجعله صريحاً ، لأنّه لم يصرّح بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الذي رخّص، ولم يجعله موقوفاً لأنّه لم يقله من عند نفسه بل قال: ( رُخِّص ).
فإن قال قائل: أفلا يجوز أن يكون ابن عبّاس رضي الله عنهما فهم ذلك اجتهادا، وحينئذ يكون موقوفا لا مرفوعا؟
فالجواب: أنّ مثل هذا لا يقع بهذا الجزم فيقول: ( رُخِّص ) إلاّ مقرونا بالدّليل في الغالب، على أنّه روي عنه رضي الله عنه أنّ قوله تعالى: (( كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون * أيّاما معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر * وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) : قال: " إنّها ليست بمنسوخة إنّما هي في الشّيخ والشّيخة لا يستطيعان الصّوم يفطران ويطعمان عن كلّ يوم مسكينا " ، لكن هذا الإجتهاد منه رضي الله عنه ليس في محلّه ، لأنّه ثبت في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في الصّحيحين أنّها منسوخة ، وأنّ أوّل ما فرض الصّوم كان النّاس بالخيار ، ثمّ تعيّن الصّوم .
لكن قد يقال : إنّ لكلام ابن عبّاس رضي الله عنه وجها وهو أنّ الله تعالى جعل الإطعام عديلا للصّوم ، والإنسان مخيّر فيه بينهما، فإذا تعذّر الصّوم حلّ محلّه عديله وهو الإطعام ، فيكون هذا من الاجتهاد الموفّق للصّواب.
وقوله رضي الله عنه: ( رُخِّص للشّيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ) : تقدّم لنا معنى الرّخصة وأنّها السّهولة في الأمر، وأنّ الشّرع موافق للغة في ذلك.
وقوله: ( يفطر ويطعم عن كلّ يوم مسكينا ) : فإذا كان الشّهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشّهر تسعة وعشرين أطعم تسعة وعشرين مسكينا.
وقوله: ( ولا قضاء عليه ) : لأنّ القضاء في حقّه متعذّر أو متعسّر وحينئذ يكون الإطعام بدلا عن الصّوم.
يطعم عن كل يوم مسكين هل تشمل المسكين أو الفقير؟
الطالب : يشملهما.
الشيخ : يشملهما جميعا ، لأنّه سبق لنا أنّ مثل هذا الكلمة إذا قرنت بما يماثلها أو إذا قرنت بالفقير فالمراد بها من دون الفقير، وإذا انفردت عمّت، فيكون هذا من باب الكلمتين: " إذا افترقتا اتّفقتا، وإذا اجتمعتا افترقتا " ، نعم .
وقوله: ( يطعم عن كلّ يوم مسكينا ) لم يقدّر الإطعام فيتناول أو يشمل كلّ ما يسمّى إطعاما، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر كان يصنع طعاما ويدعو إليه ثلاثين فقيرا يأكلون، فعليه إذا غدّا المساكين أو عشّاهم أجزأه، لأنّه يصدق عليه أنّه أطعم عن كلّ يوم مسكينا.
طيب وعن أبي هريرة رضي الله عنه .
الطالب : الفوائد.
7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه ) . رواه الدار قطني والحاكم وصححاه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم ...).
أوّلًا: أن الشّيخ الكبير إذا لم يستطع الصّوم سقط عنه ووجب عليه بدله وهو أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا.
ثانيا: يقاس عليه من يشبهه من ذوي الأعذار التي لا يرجى زوالها، لأنّ العلّة واحدة وهي: العجز عن الصّوم عجزا مستمرّا، مثل أصحاب الضّعف المنهك الذي لا يرجى قوّتهم في ما بعد، وكأصحاب السّكّري الذين يحتاجون إلى الشّرب دائما، وكذلك أيضا أصحاب أمراض الكلى الذين يحتاجون إلى الشّرب دائما، وكذلك من به مرض يحتاج إلى تناول الدّواء كلّ يوم، كلّ ستّ ساعات مثلا، وكذلك أصحاب أمراض السّرطان وشبهها مما لا يرجى زواله فحكمهم كالشّيخ الكبير.
ومن فوائد الحديث: أنّه يجب أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا، لا أن يطعم طعام ثلاثين مسكينا، الواجب أن يطعم عن كلّ يوم مسكين لا أن يطعم طعام ثلاثين مسكينا، والفرق بينهما واضح، وعلى هذا لا بدّ أن يطعم بعدد الأيّام فلو قال : أنا سأخرج طعاما يكفي ثلاثين مسكينا لستّة فقراء أطعمهم على خمسة أيّام ، فالجواب؟
الطالب : لا يجزئ.
الشيخ : لا يجزئ ، لا بدّ عن كلّ يوم مسكين.
ومن فوائد الحديث: أنّه لا يجمع بين البدل والمبدل منه لقوله؟
الطالب : ( ولا قضاء عليه ).
الشيخ : ( ولا قضاء عليه ) ، وقد يقول قائل :
إنّ هذا ليس بفائدة لأنّ هذا الرّجل لا يستطيع القضاء لكن يقال: بل له فائدة وهو ما إذا شفي هذا الرّجل من مرضه، والكلام ليس على الكبير لأنّ الكبير لا يزول كبره، لكن لو كان لمرض لا يرجى برؤه ثمّ شفاه الله فإنّه في هذه الحال لا يلزمه القضاء لأنّ ذمّته برئت ولم يبق مطالبا بشيء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا . ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر . فقال : تصدق بهذا ، فقال : أعلى أفقر منا ؟ فما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه . ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك ). رواه السبعة واللفظ لمسلم .
قوله: ( جاء رجل ) ، يقول : " عندي هو سلمة بن صخر البياضي " ولكن فيه نظر ، إنّما نحن نقول إنّه لا يهمّنا أن نعرف عين الرّجل، المهمّ ما في القصّة من الأحكام .
فقال: ( يا رسول الله هلكت ) : والمراد بالهلاك هنا الهلاك المعنويّ لا الحسّيّ لأنّه موجود، هلاك معنويّ بماذا؟
قال: ( وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان -وفي بعض الرّوايات- وأنا صائم ) .
وقوله: ( وقعت على امرأتي ) : كناية عن الجماع ، لأنّ هذا ممّا يستحيا منه وقد جرت عادة العرب أنّ ما يستحيا عنه يكنّى عنه بما يدلّ عليه، فمثلا الغائط: اسم للمطمئنّ من الأرض المنخفض، كانوا يقضون الحاجة فيه قبل بناء الكنف في البيوت، فكنّوا بلفظ غائط عمّا يخرج ممّا يستقذر، كراهة لذكره باسمه الخاصّ، نعم.
هنا أيضا يكنّى عن الجماع بما يدلّ عليه، وهذا موجود في القرآن بكثرة وموجود كذلك في السّنّة.
قال: ( هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا ) : وقوله : تعتق رقبة، الإعتاق بمعنى: تحرير الرّقبة وتخليصها من الرّقّ هذا الإعتاق، ويحصل الإعتاق إمّا باللّفظ، وإمّا بالفعل، وإمّا بالملك:
إمّا باللّفظ بأن يقول: أنت عتيق.
وإمّا بالفعل كالتّمثيل به.
وإمّا بالملك كشراء من يَعتُق عليه كشراء من يعتق عليه مثل أن يشتري ابنه أو أباه أو أخاه أو عمّه أو خاله، أو من بينه وبينه رحم محرّم، فإنّه بمجرّد شرائه يكون عتيقا.
المهمّ قوله: تعتق، معنى الإعتاق؟
تحرير الرّقبة وتخليصها من الرّقّ.
وقوله: ( رقبة ) المراد بها النّفس كاملة، والرّقبة نفسُها لا تعتق ، لكنّه عبّر بالبعض عن الكلّ للدّلالة عليه، والتّعبير بالبعض عن الكلّ لا يُستساغ إلاّ إذا كان هذا البعض إذا فُقِد فُقِد الكلّ، التّعبير بالبعض عن الكلّ لا يستساغ إلاّ إذا كان هذا البعض إذا فُقِد فُقِد الكلّ، ولهذا لا نقول: أعتق أصبعا، ليش؟ لأنّه إذا فقد لا يفقد الكلّ، بل نقول أعتق رقبة.
ومن هذه القاعدة ما مرّ علينا أنّ الشّارع إذا عبّر عن العبادة ببعضها دلّ هذا على أنّ ذلك البعض؟
الطالب : ركن فيها.
الشيخ : ركن فيها لا تصحّ بدونه، فمثلا: التّعبير عن الصّلاة بالقرآن يدلّ على أنّ القرآن ركن فيها، قال الله تعالى: (( وقرآن الفجر )) .
والتّعبير عنها بالتّسبيح يدلّ على أنّ التّسبيح واجب فيها، والتّعبير عنها بالرّكوع يدلّ على أنّ الرّكوع واجب فيها، أو عنها بالسّجود يدلّ على أنّ السّجود واجب.
طيب قوله: ( رقبة ) نكرة في سياق الإثبات، أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ( هل تجد ما تعتق رقبة؟ ).
الطالب : استفهام.
الشيخ : العامل المسلّط على رقبة تعتق وليس الاستفهام، الاستفهام عن الوجود نعم، أمّا لو قال: هل تجد رقبة صحّ .
قال: ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا ) : كم خصلة ذكر؟
ثلاثة: الإعتاق وبدأ به أوّلا، ثمّ الصّيام، ثمّ الإطعام.
( ثمّ جلس ) جلس الرّجل عند النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام مع أصحابه .
( فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر ) العرق هو المكتل، المكتل معروف؟
الطالب : لا.
الشيخ : المكتل: الزّنبيل، معروف؟
الطالب : نعم.
الشيخ : والزّنبيل: الزبيب نعم؟
الطالب : لا.
الشيخ : الزّنبيل الذي تحمل فيه الحوائج.
الطالب : معروف.
الشيخ : معروف ما يحتاج، طيب: ( بعرق فيه تمر فقال: تصدّق بهذا ) : قال الفاعل هو النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، والمخاطب الرّجل.
قال: ( تصدّق بهذا، فقال: أعلى أفقرَ منّا؟ ) : الهمزة هنا للإستفهام، والجار والمجرور متعلّق بمحذوف تقديره : أتصدّق على أفقر منّا؟
يعني ما فيه أحد أفقر منّا .
ولهذا قال : ( فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ) :
قوله: لابتيها، تثنية لابة، واللّابة: الحرّة، وللمدينة حرّتان: شرقيّة، وغربيّة.
والحرّة هي: أرض تركبها حجارة سوداء، هذه الحرّة.
يقول : ( فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ) يعني: أشدّ حاجة إليه منّا ( فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه )، ضحك، ممّا ضحك؟ ضحك من حال هذا الرّجل، فإنّ هذا الرّجل كان جاء خائفا مشفقا يقول إنّه هلك، وقبل أن يفارق المكان صار طمّاعاً يجبي لنفسه، فلمّا قال: ( تصدّق به قال أعلى أفقر منّا؟ ) طمع في النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام .
وقوله: أنيابه جمع ناب، وهي الأسنان التي تلي الرّباعيّة، هذه هي الأنياب، لأنّ فيها الثّنايا والرَّباعيّات والأنياب والأضراس والنّواجذ، نعم، الثّنايا: هما السّنّان المتجانبان في وسط الفم، متواليان بعضهما يلي بعضا، والرّباعيّات؟
الطالب : بعدهما.
الشيخ : بعدهما، لأنّ الثّنيّة مع الرّباعيّة، والثّنيّة الأخرى مع الرّباعيّة صارت أربعا، والأنياب هي التي وراء الرّباعيّات، وسمّيت أنيابا، لأنّها تشبه النّاب، فإنّها مستديرة بعض الشّيء، بينما الرّباعيّات والثّنايا مفلطحة وما وراء ذلك؟
الطالب : الأضراس.
الشيخ : فهي أضراس، والنّواجذ قالوا : إنّها أقصى الأضراس، وبعضهم قال : إنّ النّواجذ تطلق على الأنياب هذا في اللّغة العربيّة.
الطالب : الثّنايا ...
الشيخ : إلاّ إلاّ بس الكلام على صفّ واحد.
طيب يقول: " ( ثمّ قال: اذهب فأطعمه أهلك ) رواه السّبعة واللّفظ لمسلم " : اذهب فأطعمه أي: أطعم هذا التّمر أهلك.
الرّجل ذهب ورجع إلى أهله بتمر وكان قد خرج منهم وهو يخشى على نفسه ولكنّه رجع غانما.
9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا . ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر . فقال : تصدق بهذا ، فقال : أعلى أفقر منا ؟ فما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه . ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك ). رواه السبعة واللفظ لمسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله ...).
الطالب : ألف وواحد.
الشيخ : أي ألف وواحد، نعم، لكن عاد نشوف نجمع ألف وإلاّ أقلّ وإلاّ، الله أعلم:
طيب أوّلًا : حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعوته إلى شرع الله، وجه ذلك : أنّه لم يعنّف هذا الرّجل، ولو يوبّخه على ما صنع، مع أنّ الذي صنعه من كبائر الذّنوب، لأنّه انتهاك لحرمة رمضان وفرضيّة الصّوم، ولكن لم ينتهره النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لماذا؟
لأنّ الرّجل جاء تائباً، وفرق بين من يجيء تائباً يريد الخلاص، وبين إنسان غير مبالٍ بما يصنع من الذّنوب.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: أنّه يجوز للرّجل أن يخبر عن ذنبه عند الاستفتاء ولا يقال: إن هذا من باب كشف ستر الله عزّ وجلّ، وجهه؟
الطالب : ...
الشيخ : وجه الاستدلال؟
الدّليل صحيح هو ما قلتم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ينكر عليه لم يقل: اجعل هذا بيني وبينك، ما أنكر عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الرّجل إذا أفطر بالجماع وجبت عليه الكفّارة وإن لم يعلم أنّها واجبة عليه، من أين يؤخذ؟
الطالب : من سؤاله.
الشيخ : لأنّ هذا الرّجل لم يدر ماذا يجب عليه، لكن يدري أنّ الجماع حرام؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، من أين نعلم ذلك؟
من قوله: هلكت، وإن كان فيه احتمال أنّه أُخبر بعد أن فعل بأنّ ذلك حرام فيه احتمال، لكن هذا الاحتمال وارد، وقد مرّ علينا أنّ الأصل عدم الوارد يعني: بمعنى أنّ هذا الاحتمال يرد على القضيّة ورودا يعني: ليس هو من لوازم القضيّة بل هو وارد عليها والأصل عدم الورود .
فإذا قال قائل: يحتمل أنّه أخبر بعد أن فعل؟
قلنا أين الدّليل؟ الأصل عدم ذلك وحينئذ يبقى الاستدلال بهذا الحديث واضحا بأنّ الرّجل كان عالما بأنّه حرام ولكنّه جاهل بما يجب عليه.
طيب هل يقاس على ذلك ما لو زنى رجل وهو يعلم أنّ الزّنا حرام لكنّه يجهل الحدّ الواجب فيه؟
الطالب : لا يقاس.
الشيخ : لا يقاس؟
الطالب : لا يقاس.
الشيخ : أي نعم، يقاس عليه بلا شكّ ، لأنّ العلم بالعقوبة ليس بشرط ، الشّرط العلم بالحكم الشّرعيّ ، وإذا علم الإنسان الحكم الشّرعيّ وأقدم على انتهاكه عوقب بما يقتضيه ذلك الإنتهاك ، والعلم بالحدّ ليس بشرط ، وقد مرّ علينا في كتاب الحدود : أنّ الشّرط أن يكون عالما بالتّحريم.
طيب ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الكفّارة المغلّظة في الجماع في نهار رمضان، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوجب عليه الكفّارة.
فإن قلت: هل يقاس على ذلك إذا كان صائما في قضاء رمضان أو لا يقاس؟
الطالب : لا يقاس.
الشيخ : يقال: لا يقاس، والفرق بينهما حرمة الزّمن، وعليه فلو أنّ الرّجل جامع زوجته وهو يصوم رمضان قضاء فلا كفّارة عليه، وذلك لأنّ وجوب الكفّارة من أجل انتهاك الصّوم في زمن محترم وهو نهار رمضان.
ولذلك الآن يدلّكم على هذا: لو أنّ رجلا أفطر في قضاء رمضان عامدًا فالفطر حرام، لكن هل يلزمه الإمساك إلى الغروب؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ولو أفطر في نهار رمضان عامدًا فالفطر حرام ويلزمه الإمساك، وإذا كان الجماع في نهار رمضان يمتاز عن غيره بهذه العلّة فإنه لا يمكن إلحاق غيره به.
طيب من جامع زوجته في كفّارة عليه كفّارة؟
الطالب : لا.
الشيخ : ليس عليه كفّارة، لكنّ صومه يبطل بلا شكّ، لكنّه ليس عليه كفّارة ككفّارة المجامع في نهار رمضان.
طيّب ويستفاد من هذا الحديث: أنّ الرّجل لو جامع غير زوجته في نهار رمضان فلا شيء عليه.
الطالب : لا يا شيخ.
الشيخ : ليش؟ انظر للحديث يقول: ( وقعت على امرأتي ).
الطالب : عليه الكفّارة والحدّ.
الشيخ : نشوف، إذا قيل من باب أولى قد يقول قائل: إنّ هذا سيحدّ ويكتفى بحدّه عن الكفّارة فلا يجمع عليه بين كفّارتين؟ هاه؟
الطالب : يجمع.
الشيخ : فالجواب عن ذلك أن يقال: أمّا قوله: ( على امرأتي ) فهذا وصف طردي لا أثر له، الوصف الطّردي الذي يسمّيه بعض الأصوليّين مفهوم اللّقب هذا لا أثر له، والأثر الحقيقي للمعنى وهو الفعل الذي هو الجماع، هذا وجه. وجه آخر: ما يمكن أن نقول أنّ هذا الأغلب لأنّك إذا قلت أنّه الأغلب كان معناه في غير الأغلب؟
الطالب : يطأ غيرها.
الشيخ : يطء غير زوجته نعم، لكن نقول هذا وصف طرديّ ليس قيدا فلا يؤثّر في الحكم.
طيب إذن نقول: إذا جامع غير امرأته في نهار رمضان فإن انطبقت عليه شروط الحدّ وجب عليه شيئان :
كفّارة الجماع ، والثّاني الحدّ.
طيّب وإن وقع على غير امرأته على وجه يعذر فيه كالوطء بشبهة فعليه؟
الطالب : الكفّارة.
الشيخ : الكفّارة فقط.
الطالب : على أمته؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : على أمته؟
الشيخ : إذا وقع على أمته نعم ففيه الكفّارة فقط.
طيب يستفاد من هذا الحديث: أنّه لو جامع زوجته في رمضان والصّوم غير واجب عليه فلا كفّارة عليه.
الطالب : نعم.
الشيخ : يستفاد من هذا الحديث؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لو جامع زوجته في نهار رمضان وهو صائم والصّوم غير واجب عليه فلا كفّارة عليه.
الطالب : نعم.
الشيخ : من أين يؤخذ؟
الطالب : يؤخذ من !
الشيخ : دقيقة، هلكت، لأنّ المسافر لو أفطر في نهار رمضان وهو صائم يهلك ولاّ لا؟
الطالب : لا يهلك.
الشيخ : لا يهلك، يباح له ذلك، وعلى هذا فلو أنّ رجلا كان مع امرأته في نهار رمضان صائمين وهما مسافران فجامعها فلا شيء عليه.
طيب ويستفاد من هذا الحديث: جواز الفتوى بدون السّؤال عن الموانع، من أين يؤخذ؟
الطالب : من فتوى النبي.
الشيخ : لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يسأله لم يقل: هل أنت مسافر، ولكن أفلا يحتاج هذا إلى نقاش هذه الفائدة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كيف؟
الطالب : قوله: هلكت واضح.
الشيخ : لأنّ قوله: هلكت يدلّ على أنّ الصّوم؟
الطالب : واجب.
الشيخ : واجب عليه، وحينئذ لا يستقيم هذا الاستدلال ، ولكنّ المسألة من حيث هي صحيحة، يعني : أنّه يجوز للمفتي أن يفتي ولا يسأل عن الموانع، فلو جاءه رجل وقال: إنّي طلّقت زوجتي طلقة فهل لي أن أراجعها؟
هل يلزم أن يقول طلّقتها في الحيض؟ طلّقتها في طهر لم تجامعها فيه؟ طلّقتها حاملا؟ طلّقتها في طهر جامعتها فيه؟
الطالب : لا يلزم.
الشيخ : لا، لو جاءه يسأل هلك هالك عن ابن وعمّ، فهل يلزمه أن يسأل هل الابن قاتل؟ هل هو رقيق؟ هل هو مخالف لدين أبيه؟
لا، فذكر الموانع لا تتوقّف عليه الفتوى، أمّا التفصيل في أمر وجوديّ فلا بدّ منه، كما لو قال السّائل: هلك هالك عن أخ وبنت وعمّ، فهنا البنت ما يحتاج يستفصل فيها ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، لها النصف ، والعمّ الشّقيق والأخ يحتاج يستفصل يا ياسر، يقول من الأخ؟ يقول: من الأخ أو ما الأخ؟
الطالب : ما الأخ.
الشيخ : ما الأخ، إن كان أخاً من أمّ فالباقي بعد فرض البنت للعمّ، وإن كان أخا لغير أمّ فالباقي بعد فرض البنت؟
الطالب : للأخ.
الشيخ : فحينئذ يحتاج إلى استفصال، فبخلاف ذكر الموانع فليس بشرط.
إنّما لو ذكر المانع في الاستفتاء يجب أن يفتي على حسب هذا المانع، نعم؟
الطالب : حتى في الحدود؟
الشيخ : الحدود قد يقال: أنّها تدرأ بالشّبهات فلا بدّ من استثبات لأنّه قد يظنّ أنّه زنا وليس بزنا.
الطالب : هل يقال للجهل ؟
الشيخ : يمكن أن يقال إذا كثر الجهل، وقد يقال إنّه لا يلزم لأنّ الصّحابة في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كانوا يطلّقون ويفتَون أو يأخذون بالعدّة، ويدلّ لذلك أنّهم ليسوا كلّهم يعلمون هذا أنّ ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض.
الطالب : الغالب عليهم أنّهم يعلمون، والآن غلب الجهل في المسألة.
الشيخ : والله قد يقال: أنّه إذا غلب الجهل، قد يقال بهذا، وقد يقال أنّ الأصل السّلامة، لأنّه مشكل بعد حالة النّاس الآن مع غلبة الجهل غلب عليهم نقص الإيمان، بدا كل واحد الآن يتحسف إذا طلّق وإلاّ شيء يأتي ويقول: أنا مطلّق وأنا غضبان، وإلاّ أنا مطلّق وهي حائض ويتّفق مع المرأة على هذه الدّعوة مشكلة .
الطالب : له حكم الزنا ؟
الشيخ : لا ، ما له حكم الزنا ، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، عشان يأكل حرام، لكن ما هي كفّارة رمضان، ليست كفّارة الوطء في رمضان، يجب عليه كفّارة الوطء في العمرة .
الطالب : إذا كان يعني؟
الشيخ : حتى يقوم بالكفّارة أو يقام عليه الحدّ؟ نقول يقام عليه الحدّ ما يؤخّر.
الطالب : ...
الشيخ : لا ما قال: في كلّ يوم مسكين، قال: ( عن كلّ يوم مسكين )، وهذا الآن أطعم عن كلّ يوم مسكين.
نعم إذا لم يوجد في البلد سواه يمكن يجزئ، نعم؟
الطالب : ... أن يصوم.
الشيخ : نعم.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، لا المشقّة الزّائدة عن الحضر، يعني المشقّة في السّفر، مع أنّه في أيّام الشّتاء ما يحصل فيه مشقّة إطلاقا، يحتاج ندرس المسألة هذه اليوم.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم نعم .
من فوائد الحديث: السّؤال عن المجمل، سؤال المفتي عن المجمل، من أين يؤخذ؟ من قوله: ( وما أهلكك؟ ) لما قال: هلكت.
ومن فوائده أيضا: إثبات رسالة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لقوله: ( يا رسول الله ) فأقرّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ومن فوائده أيضا: أنّه تنبغي الكناية عمّا يستحيا منه لقوله: ( وقعت على امرأتي ) ولم يقل جامعت.
ومن فوائد الحديث: الاستفهام عن الشّيء مرتبة مرتبة إذا كان له مراتب، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: هل تجد كذا، هل تجد كذا، فدلّ هذا على أنّ المفتي ينبغي أن يسأل عن مراتب الشّيء أوّلا بأوّل إذا كان له مراتب.
ومن فوائده أيضا: أنّه لا يجزئ الجمع بين خصلتين من خصال الكفّارة كما لو أعتق نصف عبد وأطعم ثلاثين مسكيناً ، أو صام شهراً لقوله: ( رقبة )، وقوله: ( شهرين )، وقوله: ( ستّين مسكينا ).
ومن فوائد الحديث: أنّ كفّارة الجماع في نهار رمضان على التّرتيب لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم ينتقل عن خصلة إلاّ حين قال الرّجل إنّه لا يستطيع أو لا يجد، نعم.
ومنها: فضيلة العتق لأنّه بدأ به أوّلا، ولأنّه كفّارة عن هذا الذّنب العظيم، نعم.
ومنها: إثبات الرّقّ شرعاً لقوله: ( هل تجد ما تعتق؟ ) فإذن الرّقّ ثابت.
ومنها: جواز قول الإنسان لذي الشّرف والمنزلة العظيمة: لا، دون أن يلجأ إلى قوله: سلامتك، عندنا مثلا إذا كان واحد يكلّمك وهو شريف نحن نقول: ما لك لوى وإلاّ سلامتك، وهنا يقول: لا، فلا بأس أن تقول للإنسان ولو كان كبيرا في المرتبة أن تقول: لا.
ومنها أيضا: صحّة الاكتفاء بالجواب بما يدلّ عليه، لقوله: لا، فإنّ كلمة لا تتضمّن جملة السّؤال، ولهذا يقال: إنّ السّؤال معادٌ في الجواب.
ومن فوائد الحديث: أنّ الإنسان مؤتمن على عباداته، من أين يؤخذ؟
من اكتفاء الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بجواب هذا الرّجل بقوله: لا، ما قال هات بيّنة أنّك لا تجد، ولا قال لما قال: لا أستطيع الصّوم إنّك امرئ شابّ وما أشبه ذلك وتستطيع، فالإنسان مؤتمن على عباداته، ولهذا قال العلماء: إنّ الرّجل يصدّق إذا قال: إنّي صلّيت، أو قال إنّي أدّيت الزّكاة، أو قال إنّي صمت، أو قال إنّي كفّرت أو ما أشبه ذلك، ويصدّق بلا يمين، لأنّه مؤتمن على عباداته.
اللهمّ إلاّ إذا كان فيه حقّ لآدميّ كالزّكاة فإنّه قد يتوجّه إلزامه باليمين أحياناً إذا اتّهمه القاضي أو اشتبه في أمره.
أمّا الحقّ الخاصّ لله المحض فهذا لا يحلّف عليه الإنسان لأنّه مؤتمن على دينه فيما بينه وبين ربّه.
ومن فوائد الحديث: اشتراط التّتابع في صيام الشّهرين، نعم لقوله: ( متتابعين ) : فلو أفطر بينهما يوما واحدا أعاد من جديد حتى وإن لم يبق آخر يوم فإنّه يعيد من جديد ، ولكن لو أفطر لعذر كمرض وسفر وما أشبهها فهل يقطع التّتابع؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، لماذا؟
لعموم قوله تعالى: (( فاتّقوا الله ما استطعتم )) ، وهذا ملتزم بتقوى الله عزّ وجلّ وأن يصوم شهرين متتابعين لكن حصل له مانع.
ماذا تقولون لو سافر ليفطر؟
الطالب : ينقطع.
الشيخ : ينقطع التّتابع ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ينقطع التّتابع، إذا أفطر ينقطع التّتابع، لأنّ هذا حيلة على إسقاط ما أوجب الله عليه.
ومن فوائد الحديث: أنّ المعتبر الشّهور لا الأيّام، لقوله : ( شهرين ) ، والشهر كما قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام : ( يكون هكذا وهكذا وهكذا وقبض الإبهام يعني ويكون تسعة وعشرين ) ، وعلى هذا فإذا ابتدأ الصّوم في اليوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل ينتهي في اليوم؟
الطالب : السادس عشر
الشيخ : السّادس عشر من شهر جمادى الأولى كذا؟
حتى وإن كان شهر ربيع الأوّل ناقصا وشهر ربيع الثّاني أيضا ناقصا، فإن كانا ناقصين كم سيصوم؟
ثمانية وخمسين يوما.
طيب ومن فوائد الحديث: أنّه لا بدّ من إطعام ستّين مسكيناً ، لا إطعام طعام ستّين مسكيناً، أنّه يجب إطعام ستّين مسكينا لا إطعام طعام ستّين مسكينا صحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : بينهما فرق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : بينهما فرق، إذا قلنا إطعام طعام ستّين مسكينا صار معناه أن يجمع ما يكفي ستّين مسكينا ويعطيه ولو مسكينا واحدا وهذا لا يجوز، بل لا بدّ من إطعام ستّين مسكيناً لقوله هنا: ( فهل تجد ما تطعم ستّين مسكينا ). طيب ومنها: أنّنا إذا رجعنا إلى البدل أخذنا بكمال المبدل منه، من أين يؤخذ؟ ( ستّين مسكينا ) ، ولم يقل: إطعام ما يقابل صيام شهرين متتابعين ، لأنّنا نقول في الصّيام أنت وما تكون الشّهران، لكن في الإطعام تطعم ستّين مسكينا عن ستّين يوما، لأنّ الله جعل: (( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )).
طيب ومن فوائد الحديث: عظم الجماع في نهار رمضان، لقوله: هلكت، ولإيجاب الكفّارة المغلّظة، لأنّ أغلظ الكفّارات هذه، وكفّارة الظّهار، وكفّارة القتل، فهذا يدلّ على أنّ الجماع في نهار رمضان من أعظم الذّنوب.
طيب فإن قلت: هل تجب الكفّارة في غير الجماع كما لو أكل أو شرب أو أنزل بتقبيل أو ما أشبه ذلك؟
فالجواب: لا، لأنّ الإنسان لا ينال من الشّهوة بهذه الأمور كما ينال بشهوة الجماع، ولأنّ شهوة الجماع شهوة تمتّع وتلذّذ، وشهوة الأكل في الغالب شهوة حاجة، فلهذا خفّفت، يعني لو أنّ الإنسان أكل وشرب عامدا فلا كفّارة عليه بخلاف الجماع.
طيب ومن فوائد الحديث: أنّ الإنسان قد يرزق من حيث لا يحتسب، لأنّ الله ساق صاحب هذا التّمر إلى أن جاء به إلى مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي كان فيه هذا الفقير، ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لقوله: ( ثمّ جلس فأتي النّبيّ ) إلى آخره.
طيب ومن فوائد الحديث: سقوط كفّارة الوطء في نهار رمضان عند العجز عنها من أين تؤخذ؟
الطالب : التّدرّج.
الشيخ : هاه؟
الطالب : التدرج في الحكم.
الشيخ : لأنّه لما قال: لا أستطيع إطعام ستين مسكينا ما قال تبقى في ذمّتك، لكن يعكّر على هذه الفائدة أنّه لما جيء بالتّمر قال له: ( خذ هذا فتصدّق به ) ، فإنّ هذا يدلّ على أنّها لم تسقط، وسيأتي إن شاء الله البحث فيه قريبا.
ومن فوائد الحديث أيضا: أنّ الإنسان ينبغي له إذا استفتى مفتيا في حلقة علم أن يجلس لينال فضل العلم، هاه؟ أو ما يمكن؟
الطالب : يمكن.
الشيخ : إلاّ، يقول ثمّ جلس.
الطالب : ...
الشيخ : ما يدل عليه؟
الطالب : جلس النبي ولا هو ؟
الشيخ : لا، الرّجل، الرّجل يا طلال خلّيك فاهم إن شاء الله.
طيب ومن فوائد الحديث أيضا: أنّه يجوز دفع الصّدقات للإمام ليقوم بدفعها لأهلها ، ( فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعَرَق فيه تمر ) ، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام هو الإمام ، والنّاس يأتون إليه أحيانا بمثل هذا ليصرفه في أهله.
ومن فوائد الحديث: أنّ الإمام مخيّر في صرف ما يأتيه من الأموال بمعنى: أنّ له أن يخصّ به من شاء، فلا يقال: يجب أن يوزّعه على النّاس بالسويّة نعم ، نقول هو مخيّر في أن يدفعه لمن شاء، من أين يؤخذ؟
الطالب : لأنّه أعطاه للرّجل.
الشيخ : لأنّه أعطاه لهذا الرّجل وقال: ( تصدّق به ) ، مع أنّ الرّجل في الواقع لم يأخذه إلاّ لدفعه كفّارة وليس لحاجته الخاصّة، لدفعه كفّارة.
إذن لو أنّ أحدًا من النّاس أرسل إليك دراهم من الزّكاة لتدفعها، ورأيت رجلا طالب علم، صاحب دين محتاجاً للزّواج، يحتاج إلى عشرين ألف للزّواج، والدّراهم التي أتتك عشرون ألفا، هل يجوز أن تعطيها لهذا الرّجل وحده؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : نعم، هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : إيش؟
الطالب : إذا لم يحدّد فقال اصرفها في هذا .
الشيخ : هو للزّكاة، للزّكاة، وعلى هذا فيجوز أن تعطيها لهذا الرّجل وحده، لأنّه من أهل الزّكاة، ولا أحد يستطيع أن يحتجّ عليك ويقول: ليش تعطي فلان لحاله ونحن ما أعطيتنا، لأنّ الإنسان مؤتمن في هذا الشّيء.
طيب ومن فوائد الحديث: جواز مساعدة الإنسان في الكفّارة، من أين؟
من قوله: ( خذ هذا فتصدّق به ) .
ومن فوائده أيضا: أنّ الكفّارة تسمّى صدقة، لقوله؟
الطالب : تصدّق.
الشيخ : تصدّق، والجامع بينهما أنّ الصّدقة كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النّار ) ، والكفّارة أيضا تذهب أيضا خطيئة هذه المعصية التي كفّر عنها.
الطالب : من أين تؤخذ يا شيخ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : من أين تؤخذ هذه؟
الشيخ : من قوله: ( تصدّق به ).
الطالب : تصدّق بهذا.
الشيخ : بهذا أي نعم.
من فوائد الحديث أيضا: جواز ذكر الإنسان حاله من غنى أو فقر أو مرض أو حاجة لا على وجه الشّكاية إلى الخلق، لقول الرّجل: ( أعلى أفقر منّا؟ ) فيجوز لك أن تخبر إنسانا مثلا فتقول: إنّه فقير لا على سبيل الشّكاية.
وهل يجوز على سبيل السؤال؟
تأتي إلى شخص أمين تخبره أنّك في حاجة لعلّه يعطيك؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الحديث: ( لا تحلّ المسألة إلاّ لثلاث ).