وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ). متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
فيما مرّ علينا أنّه يسنّ صيام ثلاثة أيّام على التّعيين.
قال: " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا ) متفق عليه، واللفظ لمسلم " :
قوله صلّى الله عليه وسلّم ( ما من عبد يصوم يوما ) :
كلمة عبد يراد بها العبوديّة العامّة الشّاملة للمؤمن والكافر، ويراد بها العبوديّة الخاصّة بالمؤمنين، ويراد بها عبوديّة أخصّ للرّسل.
فمن الأوّل: أي العبوديّة العامّة قوله تعالى: (( إن كلّ من في السّماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدًا )) فهذه العبوديّة عامّة، ولا يمكن أحدًا أن يستكبر عنها، كلّ النّاس خاضعون لها، لأنّها عبوديّة كونيّة، لا أحد يستطيع أن يردّ المرض عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الجوع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الموت عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردّ الحوادث والمصائب عن نفسه، هذه عبوديّة عامّة وهي العبوديّة الكونيّة المتعلّقة بقدر الله عزّ وجلّ. عبوديّة خاصّة وهي: عبوديّة التّذلّل لله تعالى بالطّاعة، وهذه العبوديّة عبوديّة شرعيّة، يعني: التّذلّل للشّرع، وهذه تكون لمن؟
للمؤمنين، وهذه تكون للمؤمنين.
ومنها عبوديّة أخصّ وهي: عبوديّة الرّسل.
مثال عبوديّة المؤمنين: قوله تعالى: (( وعباد الرّحمن الذين يمشون على الأرض هوناً )) هذه عبوديّة خاصّة بالمؤمنين.
عبوديّة الرّسل: (( سبحان الذي أسرى بعبده ))، (( واذكر عبادنا إبراهيم ))، (( واذكر عبدنا أيّوب )) وما أشبه ذلك، وهذه أخصّ من التي قبلها.
طيب قوله تعالى: (( وما ربّك بظلاّم للعبيد )) من العامّة أو من الخاصّة؟
الطالب : من العامّة.
الشيخ : من العامّة، يعني لا يظلم هؤلاء، ولا هؤلاء، طيب .
( ما من عبد يصوم )؟
الطالب : خاصّة.
الشيخ : من العبوديّة الخاصّة، ليش؟
الطالب : للمؤمنين.
الشيخ : لأنّ غير المؤمن لا يصحّ منه الصّوم، فإنّه لا تجتمع العبادة مع الكفر، بل الكفر إذا ورد على العبادة واستمرّ إلى الموت أبطلها كما قال تعالى: (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فألئك حبطت أعمالهم )) .
طيب وقوله: ( يصوم يوما في سبيل الله ) : يوما هذه ظرف، مفعول فيه أو مفعول به؟
الطالب : مفعول به.
الشيخ : مفعول به، لوقوع الفعل عليه.
والمفعول فيه هو: الذي يقع فيه الفعل، تقول مثلا: زارني يومًا واحدًا هذا مفعول فيه وإلاّ به؟
الطالب : مفعول به.
الشيخ : زارني يوما واحدا؟
الطالب : مفعول فيه يا شيخ.
الشيخ : مفعول فيه واضح، نعم، هذه مفعول فيه، يعني زارني في يوم.
طيب أمّا صمت يوما واحدا، فإنّ اليوم يصام، كما تقول: صمت شهرا.
قال الله تعالى: (( فصيام شهرين )) صارت مضافا إليها ، (( فصيام شهرين ))، فهناك فرق بين المفعول به والمفعول فيه:
المفعول فيه هو الذي يقع فيه الفعل، والمفعول به هو الذي يقع عليه الفعل.
نعم وقوله عليه الصّلاة والسّلام: ( في سبيل الله ) هل المراد في شريعة الله، أو المراد في سبيل الله أي: في الجهاد في سبيل الله؟
الطالب : في الجهاد .
طالب آخر : محتمل.
الشيخ : نعم هو يحتمل المعنيين ، ولننظر أيّهما أرجح :
فيحتمل أن يكون المراد في سبيل الله أي : في شريعة الله ، ويكون في هذا تنبيه على الإخلاص والمتابعة ، لأنّ العمل لا يكون في سبيل الله إلاّ إذا جمع بين الإخلاص والمتابعة، نعم طيب.
ويحتمل أن يكون المراد في سبيل الله أي : في الجهاد في سبيل الله ، لأنّ الصّوم في هذه الحال دليل على قوّة رغبة الإنسان فيه، فيمتاز بزيادة الأجر، أمّا كونه يقع خالصًا لله متّبعا فيه للرّسول صلّى الله عليه وسلّم في أيّ مكان وفي أيّ زمان فهذا شرط للعبادة على كلّ حال، حتى لو لم يقل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله فإنّ من صام لا لسبيل الله فلا أجر له، فالذي يظهر أنّ المراد في سبيل الله يعني: الجهادَ في سبيل الله.
السائل : بأي قرينة؟
الشيخ : نعم؟
السائل : بأيّ قرينة؟
الشيخ : القرينة لأنّ الأصل أنّه إذا أطلق الصّوم الشّرعيّ فهو الذي يكون في سبيل الله، وحينئذ يكون التّقييد ضعيفا، أمّا إذا قيّدناه فإنّه لا بدّ أن يفيد معنىً قويّا مفيدًا أكثر من الإطلاق وهو الظّاهر أنّ في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله.
ولكن يشترط لذلك أن لا يكون مخالفاً للشّرع، فإن كان مخالفا للشّرع فلا شكّ أنّ الإنسان لا ينال به أجرًا، كما لو كان الصّوم يضعفه عن القتال، فحينئذ لا يصوم.
ولهذا لما كان المسلمون مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح لما كانوا معه رغّبهم في الفطر فمنهم من أفطر ومنهم من صام، ولما نزلوا المنزل الذي يلاقون فيه العدوّ من غده قال لهم: ( إنّكم لاقوا العدوّ غدًا والفطر أقوى لكم فأفطروا ) فأمرهم بالفطر، وعلّل ذلك بأنّه أقوى، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في القتال فالمشروع له أن يفطر.
وحينئذ لا يمكن أن يرغّب الشّرع بأمر يطلب من المسلمين أن يدعوه.
طيب إذن كيف يكون مجاهدا في سبيل الله ويصوم هذا اليوم الذي فيه الأجر العظيم مع أنّكم تقولون: لا يصوم وقت ملاقاة العدوّ؟
الطالب : إذا كان مرابطًا.
الشيخ : نعم، يمكن إذا كان مرابطا، يمكن أن يكون إلى الآن لم يلتحم القتال، نعم يصلح ويستعدّ والصّوم لا يشقّ عليه فهذا أمر ممكن.
وقوله: ( إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار ) : باعد من البعد أي: جعلها بعيدة عنه، وهذا يدلّ على أنّ هذا اليوم يكفّر الذّنوب، لأنّ الذّنوب هي سبب دخول النّار، فإذا بوعد بينه وبين النّار هذه المدّة دلّ ذلك على أنّه قد كفّر عنه سيّئاته .
وقوله: ( سبعين خريفا ) سبعين هذه نائبة مناب الظّرف، وخريفا؟
الطالب : تمييز.
الشيخ : تمييز، لأنّها مبيّنةٌ لنوع المعدود، وكلّ ما بيّن نوع المعدود فهو تمييز، والخريف السّنة وهو أحد فصول السّنة، لأنّ فصول السّنة أربعة:
ربيع وصيف وخريف وشتاء، كم للرّبيع من برج؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : عددناها لكم سابقا.
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : عدّها يا ياسر؟
الطالب : الحمل والثور والجوزاء.
الشيخ : الحمل والثّور والجوزاء هذه للرّبيع، الحمل والثّور والجوزاء، السّرطان والأسد والسّنبلة هذه للصّيف، الذي نسمّيه القيض، الميزان والعقرب والقوس هذه للخريف، الجدي والدّلو والحوت في الشّتاء.
الطالب : نحن في الجدي.
الشيخ : نعم؟ نحن الآن في الجدي، واللّيلة ثلاثة عشر منه، من الجدي لأنّه داخل في أوّل الشّهر.
الطالب : من أين جاءت هذه البروج ؟
الشيخ : هذه البروج يعني مصطلح عليها من قديم معروفة عند النّاس قديما يقال يعني من قبل زمن الرّسالة ، كلّ برج له نصيب من النّجوم، ومن مطالع النّجوم وهي: ثمانية وعشرون مطلعا، معروفة عندهم.
ثمانية وعشرين هذه كلّ يوم ينزل القمر منها منزلة، ويبقى ليلتين التي هي ليالي الانتصاب يكون دائرة حتى يرتحل إلى المنزلة الثانية في أوّل الشّهر.
طيب على كلّ حال الخريف هو أحد فصول السّنة بين؟
الطالب : الصّيف والشّتاء.
الشيخ : الصّيف والشّتاء.
الطالب : البرج اسمه الحَمَل أو الحَمْل؟
الشيخ : الحَمَل إي نعم.
طيب سبعين خريفا: هل المراد بالسّبعين حقيقتها أو المراد المبالغة؟
الطالب : المبالغة.
الشيخ : نعم؟
الظاهر أنّ المراد حقيقتها، لأنّه لا وجه للمبالغة هنا.
1 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ). متفق عليه ، واللفظ لمسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله ...).
وفي الحديث: إثبات النّار لقوله: ( باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النّار سبعين خريفا ) .
وهل هي موجودة الآن؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، هي موجودة الآن بدلالة الكتاب والسّنّة وإجماع السّلف، أمّا الكتاب ففي قوله تعالى: (( واتّقوا النّار التي أعدّت للكافرين )) : والإعداد بمعنى التّهيئة.
وأمّا السّنّة فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عرضت عليه النّار وهو يصلّي صلاة الكسوف، حتى تأخّر مخافة أن يصيبه من لفحها ورأى فيها النّاس يعذّبون، رأى عمرو بن لُحي الخزاعي، ورأى صاحب المحجن الذي يسرق الحجّاج بمحجنه، ورأى صاحبة الهرّة التي تعذّب في هرّة حبستها لا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.
وهل هي مؤبّدة؟
نعم، هي مؤبّدة أبد الآبدين، النّار مؤبّدة أبد الآبدين، لا تنقطع ولا ينقطع عذابها، ولا يخرج منها أهلها، قال الله تعالى في آيات ثلاث من القرآن: (( خالدين فيها أبدًا )) محمّد .
الطالب : في غيرها .
الشيخ : هاه؟
السائل : في غيرها ؟
الشيخ : هذه ثلاث مواضع.
السائل : قولا واحدا؟
الشيخ : وش قولا واحدا؟
السائل : ...
الشيخ : هاه؟ ما أذكر القصّة، يجب أن تمشوا عليها، المتشابه من النّصوص يردّ إلى؟
الطالب : المحكم.
الشيخ : إلى المحكم فيبقى محكما، و (( خالدين فيها أبدا )) واضحة ما فيها إشكال، نعم.
وقد علّق شيخنا عبد الرّحمن بن سعدي رحمه الله على شفاء العليل لابن القيم ينتقد هذا القول انتقادا بالغا، يقول: كيف يقال هذا القول؟
وكيف ابن القيّم يرجّح هذا القول؟
أي نعم وهذا صحيح يستغرب يعني: لكن لكلّ جواد كبوة، هذا يدلّك على أنّ الإنسان مهما بلغ من العلم ومهما بلغ من الأمانة فإنّه قد يخطأ.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم مرّت علينا، أي نعم.
المهمّ على كلّ حال حتّى لو قالها وهو أمامنا الآن قال: إنّ النّار أنّها تفنى قلنا غفر الله لك يا ابن القيّم وعفا عنك، أعد النّظر في النّصوص مرّة ثانية ويتبيّن لك.
الطالب : أنت يا أخي ؟
الشيخ : أنت يا أخي، والله ما ودّي أنّ هذه تقع منك شوف لا تسأل عن من خالفه أبدا مهما كان هذا واضح، ما فيه إشكال، ولهذا العلماء عدّوه من معتقد أهل السّنّة والجماعة أي نعم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ). متفق عليه . واللفظ لمسلم .
الطالب : الفوائد يا شيخ.
الشيخ : أخذناها.
الطالب : اثنين فقط، أخذنا فائدتين فقط.
الشيخ : طيب ما عندي غير هذا.
الطالب : نحن قلنا في الدرس القادم نكمل الفوائد يا شيخ، فضلا عن عدم الأسئلة في أثناء الدّرس عموما يعني.
الشيخ : طيب صحّ،
" ( وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) متفق عليه " :
أوّلا: عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمّهات المؤمنين عندهنّ من العلم بحال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في بيته ما ليس عند غيرهنّ، ولهذا كان النّفر الثّلاثة الذين سألوا عن عمل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السّرّ إنّما سألوا زوجاته لأنهنّ أعلم، وهذا من فوائد تعدّد زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من أجل أن يحفظن مِن أعماله في السّرّ ما لا يحفظه؟
الطالب : غيرهنّ.
الشيخ : غيرهنّ، تقول: ( كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى نقول لا يفطر ) : يعني : يصوم ويسرد الصّوم ويكثر الصّوم.
وعلى العكس من ذلك ( ويفطر حتّى نقول لا يصوم ) : وهذا غير الصّيام المعتاد الذي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعتاده كالاثنين والخميس مثلا، أو صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، هو أحيانا يصوم ويسرد الصّوم ، وأحيانا يفطر حتى يقال : لا يصوم، وأقول: إنّ هذا في غير الصّيام الذي كان يعتاده، لماذا ينوّع؟
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعلّق به مصالح كثيرة، لأنّه إمام الأمّة وقائد الأمة وتعتريه أشغال وأحوال يكون فيها بعض العبادات أفضل من بعض، فيراعي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما هو أفضل، ولهذا نحن نجزم أنّه ما خرج مع كلّ جنازة، ولا صام كلّ يوم، ولا يوماً وأفطر يوماً ، بل لما أمر عبد الله بن عمرو أو لما عرض عليه أن يصوم يومين ويفطر يوما قال: ( نودّ لو أنّا قدرنا على ذلك ) .
فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام له أحوال وأعمال تقتضي أن يفطر، وأحوال وأعمال تقتضي أن يصوم، فإذا رأى المصلحة أن يصوم صام، وإذا رأى المصلحة في الفطر أفطر، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون سائسًا لنفسه، إذا رأى فيها إقبالًا على عمل ما وهو عمل صالح يفعل، ما لم يشغله عن فريضة، إذا رأى فيها فتوراً عن هذا العمل وإقبالا على عمل آخر فعل، حتى يكون دائما مع نفسه في عبادة بدون أن يلحقها الملل والتّعب.
ومن هنا أخذ العلماء تلك القاعدة المشهورة وهو: " قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل " ، كلّ ذلك باعتبار المصالح .
ويجب أن نستثني الفرائض، الفرائض ليس عنها بديل ، لكن التّبادل إنّما هو في أعمال التّطوّع.
قد يكون هذا الشّخص يصوم ونقول الصّوم لك أفضل، وهذا الشّخص يفطر ونقول الفطر لك أفضل، وقد يكون نفس الواحد منّا نقول: في هذه الأيّام الصّوم لك أفضل وفي هذه الأيّام الفطر لك أفضل حسب الحال.
حتى قال العلماء: لو أنّ طالب العلم إذا صام حصل له كسل وتعب ولم يجد نشاطه في طلب العلم قالوا: فالأفضل أن يفطر لأنّ طلب العلم أفضل من الصّوم، وكذلك أيضًا لو أنّ الإنسان رأى أنّه تعب أو ملّ من الصّلاة فهو يحبّ أن ينام فنقول له: نم، فالنّوم أفضل، نَمْ ولاّ نُمْ؟
الطالب : نَمْ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نُمْ هذه من النّميمة.
الشيخ : إي، لا، نقول: نَم لأنّها من نام ينام.
طيب كذلك رجل تعب من الصّلاة وأحبّ أن يقرأ ، نقول: القراءة أفضل لك. رجل تعب من القراءة وأحبّ أن يصلّي نقول: الصّلاة أفضل لك.
ولهذا لو سألنا سائل ينتظر صلاة الجمعة وقد أتى مبكّراً ما تقولون هل الأفضل لي أن أصلّي أو أقرأ القرآن؟
فنقول: أمّا بالنّظر للعمل من حيث هو عمل فالصّلاة أفضل، ولكن بالنّسبة لحالك انظر ما هو أصلح لك، قد تكون إذا كنت تصلّي يفوتك التّدبّر والتّأمّل والخشوع ويشغلك الشّيطان بالوساوس، وإذا جلست تقرأ حصل لك من التّأمّل والتّدبّر والتّفكّر والخشوع ما لا يحصل لك وأنت تصلّي، فنقول: هنا القراءة أفضل.
طيب وتقول رضي الله عنها: ( وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) :
إذن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يصوم الشّهر المحرّم، مع أنّه قال: ( لما سئل أيّ الصّوم أفضل؟ قال: شهر الله المحرّم ) ، وهو عليه الصّلاة والسّلام وإن صام في المحرّم لكن لا يستكمله قطعا لأنّها تقول : ( ما استكمل صيام شهر قطّ إلاّ رمضان، قالت: وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) :
نعم تقول : ( ما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان ) وظاهر كلامها حتى في المحرّم أنّه يصوم في شعبان أكثر من صيامه في المحرّم، لماذا؟
قيل: لأنّ هذا الشّهر شهر يغفل فيه النّاس بين رجب ورمضان فأحبّ صلّى الله عليه وسلّم أن يكون فيه متعبّداً قائماً بالعبادة.
وقيل: بل لأنّ شعبان في مقدّمة يدي؟
الطالب : رمضان.
الشيخ : رمضان، فالصّيام فيه بمنزلة الرّاتبة للصّلوات.
وقيل: من أجل أن يمرّن نفسه على الصّوم ليستقبل رمضان، وقد تمرّن على الصّوم أعرفتم؟
ولو قال قائل: بأنّه يصوم لهذه العلل ولغيرها ممّا لا نعلمه لكان له وجه، لأنّ تعدّد العلل غير ممتنع، بل تعدّد العلل ممّا يزيد الحكم قوّة، نعم.
قال: " متّفق عليه " : يعني رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ). متفق عليه . واللفظ لمسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ...).
من فوائد الحديث: أنّ عمل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحسب المصالح يؤخذ من قولها:
( كان يصوم حتى نقول لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول أنّه لا يصوم ).
ومن فوائده: أنّه ينبغي للإنسان أن يسوس نفسه في العمل الصّالح ويروّضها على العمل ويتبع ما هو أنفع نعم.
فإن قلت كيف نجمع بين هذا الحديث وبين قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ )؟
فالجواب أن يقال: لا تعارض، لأنّنا لا نقول اترك العمل هكذا بل نقول: اتركه لأيّ شيء؟
الطالب : لمصلحة.
الشيخ : لعمل آخر، لمصلحة، لغيره، وأنت إذا تركت العمل الذي تداوم عليه لمصلحة أو لعذر فكأنّك لم تتركه، قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ) : يكتب له ما كان يعمل كأنّما فعله صحيحا مقيما، وحينئذ لا منافاة بين الحديثين.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الصّوم لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر منه حتّى يقال: لا يفطر.
ومن فضيلته أنّ للصّوم تطوّعا مقيّدا وتطوّعا مطلقا ما معنى مقيّد؟
يعني: مخصوصا بيوم معيّن، وصوما غير مخصوص بيوم معيّن، لكن سيأتينا إن شاء الله أنّ بعض الأيّام يحرم صومه مفردا ومجموعاً، وبعض الأيّام ينهى عن صومه مفردا لا مجموعا، وسيأتي في بيان ما نهي عنه إن شاء الله.
ومن فوائد الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يصم شهرا كاملا قطّ إلاّ رمضان صحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم صحيح، هل يؤخذ منه أنّ تحريم الزّوجة ليس بظهار؟
الطالب : كيف شيخ ؟
الشيخ : هل يؤخذ من هذا الحديث أنّ تحريم الزّوجة ليس بظهار؟
الطالب : لا يؤخذ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما معنى هذا؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : الرّسول عليه الصّلاة والسّلام آلى من نسائه شهرا وأتمّ الشّهر ما جاءهن، وحرّم العسل وأمر بأن يكفّر كفّارة يمين، وقلنا: إنّ الصّواب أنّ التّحريم يشمل الزّوجة وغير الزّوجة، وكفّارة تحريم الزّوجة كفّارته : كفّارة يمين.
المهمّ أن الواقع لا يمكن الأخذ من هذا الحديث أنّ تحريم المرأة ليس بظهار، ما يمكن يؤخذ.
الطالب : ما وجهه ؟
الشيخ : وجه ذلك أن يقال: إنّ من خصال كفّارة الظّهار صوم شهرين متتابعين، وهذا أيضا حتى لا يصحّ لماذا؟
قد يقول قائل: لو فرض أنّ تحريم الزّوجة ظهار نعم فإنّ الرّسول قد يعتق ولايلزم أن يصوم شهرين متتابعين.
طيّب المهمّ على كلّ حال نقول: يؤخذ من هذا الحديث أنّه لا ينبغي للإنسان أن يصوم في التّطوّع شهرا كاملا، من أين يؤخذ؟
من كون الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يفعله، وفعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سنّة وتركه سنّة.
طيب لو أنّه صام يوما وأفطر يوما مدى الدّهر؟
الطالب : صيام داود.
الشيخ : هذا أفضل الصّيام، ولا يقال: إنّك صمت شهرا كاملا.
ومن فوائد الحديث أيضا: مشروعيّة إكثار الصّوم في شعبان، من أين يؤخذ؟ " ( وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) ".
هل يؤخذ منه بيان ضعف الحديث الذي رواه أبو هريرة: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كيف ذلك؟
الطالب : لأنّه يكثر الصّيام.
الشيخ : لأنّه مادام يكثر الصّيام في شعبان .
الطالب : زاد على النصف.
الشيخ : أكثر من النّصف، دلّ هذا على أنّ الثّاني ضعيف، وفيه مناقشة.
الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ ) مع أنّ عائشة كانت تقول: ( إنّه يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ) : كيف الجمع يا عبد الله زيدان؟
أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر الصّيام في شعبان تقول: ( وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) حتى المحرّم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : حتّى المحرّم، ونحن لو ثبت عندنا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم شهر المحرّم أكثر من شعبان لقلنا إنّ عائشة رضي الله عنها حكت ما رأت، هي تقول: ( ما رأيته ) ونفيها للرّؤية لا يمنع رؤية غيرها واضح؟
لكن لم يثبت عندنا أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان يصوم المحرّم كاملا بل قال في آخر حياته : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التّاسع ) وهذا ممّا يردّ قول النّووي رحمه الله : " إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام علم بفضل المحرّم قبل وفاته فلم يصمه " ، نعم.
على كلّ حال نقول كما قال ابن القيّم وجماعة من أهل العلم: إنّ شهر المحرّم أفضل الشّهور في الصّيام المطلق، وشهر شعبان صوم مقيّد لأنّه لرمضان بمنزلة الرّاتبة، والرّواتب للفرائض أفضل من النّوافل المطلقة، وعلى هذا فيكون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يكثر الصّوم في شعبان لأنّه كالمقدّمة بين يدي رمضان فهو كالرّاتبة له، فيكون رمضان محفوفا بصيامين: صيام شعبان، وستّة أيّام من شوّال.
طيب يستفاد من هذا الحديث فوائد نعم؟
الطالب : السؤال.
الشيخ : السّؤال بعدين.
الطالب : ما هو سؤال مسألة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في محرّم أمر بصيامه.
الشيخ : نعم.
الطالب : وفي شعبان جاءنا دليل على أنّه فعله، وما فعله أقوى ممّا أمر به.
الشيخ : لا لا، بعض النّاس يعكس كلامك، بعض النّاس يقول: ما أمر به أوكد ممّا فعل، لكن على كلّ حال الواقع أنّ هذا يقال: إنّ محرّم صومه من باب الصّوم المطلق فهو أفضل الصّيام المطلق، يعني: لو قال قائل: نصوم ربيع الأوّل أو المحرّم؟
قلنا المحرّم، أمّا صوم شعبان فهذا من باب النّفل المقيّد، يعني أنّه كالرّاتبة للفريضة لشهر رمضان، ومعلوم أنّ النّفل المقيّد أفضل من النّفل؟
الطالب : المطلق.
الشيخ : المطلق.
نأخذ من الحديث فوائد: الفائدة الأولى .
الطالب : أخذناها.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الفوائد مرت.
الشيخ : كيف؟
الطالب : أخذنا الفوائد كلّها.
الشيخ : أخذنا الفوائد كلّها؟
الطالب : إلى ...
الشيخ : لكن كلمة الإنسان يسوس نفسه في العبادات هذا مهمّ جدّا، لأنّ بعض النّاس إذا عمل العمل أثبته ولو جاء شيء أفضل منه لم يتركه، وهذا لا ينبغي، بل إذا جاء شيء أفضل منه تترك العمل إن كان ممّا يقضى قضيته وإن كان مما لا يقضى سقط عنك بما هو أفضل منه.
طيب بقينا في حديث: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) :
قلنا: قد يؤخذ من هذا الحديث ضعف حديث أبي هريرة: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) وجهه؟
( ما رأيته في شهر أكثر صيام منه في شعبان ) ، وقلت : إنّ هذا فيه مناقشة لأنّه قد يقال نعم هو يكثر الصّوم في شعبان إذا صام خمسة عشر يوما منه وكان لا يصوم في الشّهور الأخرى إلاّ عشرة أيّام مثلا، فإنّه يصدق أن يقال: إنّي ما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان، واضح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ولكن لفظ الحديث اللّفظ الثاني: ( كان يصومه كلّه ) وفي لفظ: ( كان يصومه إلاّ قليلا ) في نفس الحديث وهذا يتبيّن به الدّلالة على ضعف الحديث المذكور.
كما أنّ الإمام أحمد رحمه الله أعلّه بحديث: ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين )، طيب.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال :( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ). رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان .
( أمرنا ) : الأمر هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء، لأنّ الأمر إذا كان من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر، ومن الأدنى إلى الأعلى؟
الطالب : سؤال.
الشيخ : سؤال، ومن المماثل للمماثل؟
الطالب : التماس.
الشيخ : التماس، فالزّميل إذا أمر زميله فهو التماس، والأمير إذا أمر مأموره فهو أمر، والمأمور إذا أمر الأمير؟
الطالب : دعاء.
الشيخ : ليس دعاء، سؤال، السّؤال أحسن من كلة دعاء طيب.
" ( أمرنا أن نصوم من الشّهر ثلاثة أيّام: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ) رواه النسائي والترمذي وصحّحه ابن حبّان " :
نعم، أمرنا الأمر هنا للإرشاد وليس للوجوب، والأيّام الثّلاثة نصف الشّهر، يعني في منتصف الشّهر، وتسمّى الأيّام؟
الطالب : البيض.
الشيخ : البيض، أي: أيّام اللّيالي البيض، وسمّيت اللّيالي فيها بيضاً لابيضاضها بنور القمر، واختير وسط الشّهر لأنّ فيه مصلحة للبدن، مصلحة طبّيّة لأنّ الدّم في هذه المدّة يفور ويزداد، والصّيام في هذه الأيّام يقلّل من مضرته، فإنّ الدّم كما يقال: يتبع القمر يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، والقمر أكثر ما يكون امتلاءً من النّور في هذه الأيّام الثّلاثة ، فأمر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أن نصوم هذه الأيّام الثّلاثة.
ولكن صيام الأيّام الثّلاثة من كلّ شهر له جهتان:
الجهة الأولى: استحباب صيام الأيّام الثّلاثة مطلقا.
الوجه الثاني: استحباب أن تكون في هذه الأيّام، فاستحباب الأيّام الثّلاثة ثبتت من قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفعله، فقد كان يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، وقال: ( صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدّهر كلّه )، ولكنّها غير معيّنة، تصوم مثلا أوّل يوم واليوم الحادي عشر واليوم التّاسع والعشرين يصحّ ولاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يصحّ، يعني: هذا صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، تصوم الرّابع والخامس والسّادس، أو الخامس عشر والسّادس عشر والسّابع عشر، أو الخامس والعشرين والسّادس والعشرين والسّابع والعشرين، يصحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يصحّ، ولهذا قالت عائشة في ما صحّ عنها: ( كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر لا يبالي أفي أوّل الشّهر صامها أم وسطه أم آخره ) .
أمّا الوجه الثّاني: فأن تكون الثّلاثة في هذه المدّة المعيّنة وهي: الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر.
ونظير ذلك الوتر سنّة ولاّ لا؟
الطالب : بلى .
الشيخ : من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ولكن كونه في آخر اللّيل أفضل لمن يقوم آخر اللّيل، فهنا نقول: في الأيّام الثّلاثة من كلّ شهر هي سنّة مطلقا وكونها في هذه الأيّام الثّلاثة أفضل، كما أنّ الصّلاة في أوّل وقتها أفضل والوتر في آخر اللّيل أفضل، فهذا اختيار وقت فقط، وإلاّ فالأيّام مشروعة في أيّ وقت من الشّهر.
5 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال :( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ). رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ...).
الطالب : ...
الشيخ : أقول ما وجه أنه للإرشاد؟
أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يصومها في أوّل الشّهر ووسطه وآخره، فيكون هذا الأمر للإرشاد.
ويستفاد منه أيضا: استحباب تعيين الصّوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر في هذه الأيّام الثّلاثة: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة.
ويستفاد منه أيضا: حكمة الشّرع في اختياره العبادة في الوقت الذي يكون أنسب وأنفع حيث أرشد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلى أن تكون الأيّام الثّلاثة في هذه الأيّام .
أن يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، لأنّ هذه الأيّام خصّت بزمن وهي في ذاتها في الأصل مستحبّة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
الطالب : شيخ !
الشيخ : نعم؟ ترى ضاق وقت الأسئلة ما أخذنا إلاّ شويّة، من السّائل الأوّل؟
الطالب : لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين؟
الشيخ : نعم، ما فيه إشكال لأنّه قال في نفس الحديث: ( إلاّ رجل كان يصوم صوما فليصمه ).
الطالب : طيب حديث أبي هريرة: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) .
الشيخ : نعم.
السائل : هل يحمل على هذا المحمل؟
الشيخ : على إيش؟
السائل : ( إلاّ رجل كان له صيام فليصمه ).
الشيخ : هذا نقول إذا كان الشّارع رخّص في اليوم واليومين قبل رمضان فما بالك بخمسة عشر يوما؟ معلوم.
الطالب : كيف رخص؟
الشيخ : قال إلاّ رجل، قال: ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلاّ رجل كان يصوم صوما فليصمه ).
الطالب : رددنا حديث أبي هريرة .
الشيخ : نعم.
الطالب : لنفس العلّة هذه.
الشيخ : لا لا، رددناه لأنّ مفهوم قوله: ( لا يتقدمنّه بيوم أو يومين ) أنّه يجوز في خمسة أيّام، في عشرة أيّام، في خمسة عشر يوما، هذا وجه الرّدّ.
سيأتينا هو على كلّ حال موجود في *بلوغ المرام *.
الطالب : هل تقضى الأيام البيض؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : بالنّسبة لقضاء الأيّام البيض.
الشيخ : نعم.
الطالب : إذا فاتته هذه الأيام فهل يسن له أن يقضيها ؟
الشيخ : نشوف يمكن نأخذها من الفوائد هذه، وهي:
هل إذا فاتت الأيّام البيض هل يصومها؟
نقول: ما دامت في الشّهر فليصمها يعني الشّهر ما خرج، لكن إذا خرج فهل نقول إنّ هذه سنّة فات محلّها؟ أو نقول إنّها تقضى؟
الظّاهر أنّها تقضى كغيرها، حتّى الرّاتبة من الصّلاة إذا فاتت تقضى، طيب. أوّلا: لأنّ الفعل المجرّد لا يدلّ على الوجوب، والترك لا يدلّ على عدم الوجوب لأنّه قد يكون لسبب أو لعارض، نعم، وإن كان فيه دليل قصدي أنّ الاستدلال بالقول أقوى من الإستدلال بالفعل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه .
السائل : سؤال يا شيخ؟
الشيخ : هاه؟
السائل : سؤال؟
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ). متفق عليه . وللفظ للبخاري . زاد أبو داود :( غير رمضان ).
زاد أبو داود: ( غير رمضان ) " :
أوّلا: الحديث فيه إشكال من حيث صناعة التّخريج لأنّ المؤلّف قال: " متّفق عليه واللّفظ للبخاري ثمّ قال: زاد أبو داود " :
وأبو داود لا يدخل في المتّفق عليه، لأنّ المتّفق عليه عند المؤلف هو الذي رواه البخاري ومسلم.
لكن المؤلف رحمه الله طوى ذكر رواية أبي داود بذكر الزّيادة، كأنّه قال: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وزاد كذا وكذا، وهذا من باب طيّ الذّكر المعلوم، وله أمثلة كثيرة ذكره أهل البلاغة في كلامهم على الإيجاز، الذي قالوا إنّه نوعان:
إيجاز قِصر، وإيجاز حذف، نعم طيب.
أمّا لفظ الحديث فقال: ( لا يحلّ للمرأة ) كذا عندكم بالتّعريف؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ( للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) : أن تصوم هذه مؤوّلة بمصدر فاعل يحلّ، يعني الصّوم.
وقوله ( وزوجها شاهد ) جملة حاليّة، والشّاهد بمعنى؟
الطالب : الحاضر.
الشيخ : نعم الشّاهد بمعنى الحاضر.
وهذا الحديث كما تدلّ عليه رواية أبي دواد يراد به غير رمضان أي: يراد به النّفل، بل ظاهره النّفل والواجب بالنّذر، لأنّه لم يستثن إلاّ رمضان.
فيقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّه لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) ، وذلك لأنّ المرأة عند الزّوج كالأسير ، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اتّقوا الله في النّساء فإنّهنّ عوانٍ عندكم ): والعوان جمع عانية بمعنى أسيرة.
ووصف الله تعالى الزّوج في القرآن بأنّه سيّد فقال: (( وألفيا سيّدها لدى الباب )) أي: زوجها.
وبيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السّنّة أنّ الزّوج راع على أهله قال: ( والرّجل راع في أهله ومسؤول عن رعيّته ) .
والزوج له حقوق على زوجته فإذا صامت نفلاً وهو حاضر بلا إذنه فإنّه سيقع في حرج، لأنّه بين أمرين:
إمّا أن يمتنع من الاستمتاع بها مع كونه مشتهيا لذلك، وإمّا أن يفسد صومها وكلا الأمرين فيهما حرج، أمّا الأوّل ففيه إشقاق على نفسه، وأمّا الثاني ففيه إشقاق على غيره مع الأثر النّفسي الذي يتركه هذا الأمر إذا أفسد صومها، ولهذا قطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الأمر الذي يكون فيه إحراج الزّوج فقال: ( لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) .
وقوله: ( لا يحلّ ) نفي الحلّ إثبات للتّحريم، هذا هو الظّاهر، وإن كان نفي الحلّ لا يمنع الكراهة يعني بمعنى أن يقال: إنّ المكروه أيضا فعله ليس حلال، ولكن الغالب أنّه إذا نفي الحلّ أو الجواز فالمراد التّحريم لماذا؟
لأنّ التّحريم هو المقابل للجواز، كما قال الله تعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )) فجعل الله تعالى الحلال قسيما للحرام ومقابلا له، فإذا قلنا لا يحلّ فالمعنى؟
الطالب : يحرم.
الشيخ : يحرم.
فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون المعنى يكره لأنّ الأصل عدم التّأثيم؟
بمعنى: أنّه يكره للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه لأنّك إذا قلت يحرم لزم من قولك تأثيمها بالفعل، والأصل عدم التّأثيم، وما دام نفي الحلّ صالحا للكراهة وصالحا للتّحريم فلماذا لا تحمله على أدنى الاحتمالين الذي تسلم فيه المرأة من التّأثيم لأنّ الأصل براءة الذّمّة؟ أو ما فهمتم الإشكال؟
الطالب : أعد هذا!
الشيخ : هاه؟
الطالب : أعد هذا!
الشيخ : طيب، كلمة: لا يحلّ قلنا : معناها يحرم، لكن لو قلنا معناها يكره هل يستقيم الكلام ولاّ لا؟
الطالب : لا .
الشيخ : هل يستقيم الكلام؟
الطالب : نعم يستقيم.
الشيخ : نعم، لماذا؟
لأنّ المكروه لا يحلّ، ليس بحلال، إذ أنّ الحلال ما استوى طرفاه والمكروه لا يتساوى الطّرفان فيه، فنفي الحلّ لا يستلزم التّحريم، لأنّه يجوز أن يكون المراد الكراهة.
لكنّي قلت لكم: الأصل أنّ نفي الحلّ يعني التّحريم، لأنّه أي: التّحريم هو المقابل للحلّ والقسيم له، بدليل قوله تعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )) ، ومازال العلماء رحمهم الله يعبّرون بقولهم " ولا يجوز كذا " يعنون؟
الطالب : يحرم.
الشيخ : يحرم، وأمّا تعبيرهم لا يحلّ،، أي نعم قصدي لا يحرم كذا فلا يقتضي الحلّ، قد يجب، هو لا يحرم وقد يجب لكن الكلام على أنّه لا يحلّ، إذا عبّر بها العلماء فمرادهم التّحريم، إذن نقول هنا: لا يحلّ أي: يحرم.
انتبهوا للإيراد فإن قال قائل: ما دمت تقول إنّ نفي الحلّ يحتمل الكراهة ويحتمل التّحريم فلماذا نحمله على الكراهة؟ ليش؟ قال: لأنّ الكراهة لا يحصل فيها إثم المرأة، فيحمل الحديث على أدنى الاحتمالين حتى تسلم المرأة من الإثم ؟
السائل : هل كلّ مكروه
الشيخ : دقيقة.
السائل : ما يترتّب عليه إثم؟
الشيخ : أي ما يترتّب عليه إثم.
ليش؟ قال: لأنّ تأثيمها إشغال لذمّتها وإلزام لها بأكثر ممّا يحتمله اللّفظ ؟
فالجواب: أنّ العادة المطّردة أنّ نفي الحلّ يعني التّحريم، وحينئذ يكون هذا الظّاهر مقدّما على الأصل الذي هو عدم التّأثيم، واضح؟
الطالب : أي واضح.
الشيخ : طيب، إذن يحرم على المرأة أن تصوم وزوجها شاهد.
والزوج معروف هو الذي تمّ العقد بينه وبين المرأة، عقد الزّواج على الوجه الشّرعي.
وقوله: ( إلاّ بإذنه ): الإذن بمعنى الرّخصة والإرادة ، يعني: إلاّ بإرادته، العلّة في ذلك: لأنّ للزّوج عليها حقّا وهو الاستمتاع، وإذا كانت صائمة فإنّ صيامها يمنعه من استمتاعه بها إلاّ على وجه فيه إحراج له، والإحراج هو أنّه سيكون متردّدا بين أمرين:
إن استمتع بها أفسد صومها، وإن تركها ونفسه تطلب ذلك وقع أيضا في حرج، فلهذا لا يجوز أن تصوم نفلا إلاّ بإذنه.
وأمّا رواية أبي داود يقول: ( غير رمضان ) : فأمّا رمضان فيجوز أن تصومه ولو كان زوجها شاهداً ولو لم يأذن، وهذا مع ضيق الوقت أي: وقت القضاء واضح، يعني مثلا: لو لم يبق من شعبان إلاّ مقدار ما عليها من رمضان فلها أن تصوم وإن كان زوجها شاهدا وإن منعها، ولكن إذا كان في الوقت سَعَة بأن يكون قد بقي من شعبان أكثر ممّا عليها : مثل أن تريد صوم القضاء في جمادى ، فهل لها أن تفعل ذلك بلا إذنه؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا.
الشيخ : إن نظرنا إلى الحديث : ( غير رمضان ) : قلنا الظّاهر أنّ لها ذلك ما لم ينهها، وحينئذ تكون المراتب ثلاثًا:
أوّلا: النّفل فلا تصوم حتى يأذن لا تصوم وتقول أرى إن منع وإلاّ استمرّت في الصّوم نقول أصلا لا تصوم إلاّ بإذنه.
ثانياً: القضاء إذا بقي من شعبان بمقدار ما عليها فهذه تصوم وإن منع.
الثالث: القضاء مع سعة الوقت فهذه تصوم ما لم يمنع.
الطالب : لا تستأذن إلاّ في النّفل.
الشيخ : نعم؟
الطالب : لا تستأذن إلاّ في النّفل.
الشيخ : ما تستأذن، لا لا، هذه تصوم ما لم يمنع لأنّ هذه فريضة وظاهر الحديث العموم لكن الفرق بينه وبين الفرض الضّيّق أنّ الضّيّق وإن منع فإنّها تصوم، والفرق بينه وبين النّفل: أنّ النّفل لا تصوم إلاّ بإذنه، أمّا هذا فتصوم بدون استئذان ما لم يمنعها ويقول لها إنّ الوقت أمامك واسع، فإذا قال: الوقت أمامك واسع فله الحقّ، ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها لا تصوم القضاء عليها إلاّ في شعبان لمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها.
7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ). متفق عليه . وللفظ للبخاري . زاد أبو داود :( غير رمضان ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ).
الفائدة الأولى: أنّ حقّ الزّوج على الزّوجة أعظم من حقّها عليه، وجهه؟
أنّها منعت من الصّوم إلاّ بإذنه، وأمّا الزّوج فله أن يصوم بدون إذنها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : تطوّعاً وليس فريضة؟
الطالب : له.
الشيخ : يصوم التّطوّع بلا إذنها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : من أين يؤخذ؟
الطالب : مفهوم الحديث.
الشيخ : طيب.
الطالب : مفهوم الحديث.
الشيخ : طيب، ويدلّ لهذه الفائدة قوله تعالى: (( ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة ))، ولو تساوى الرّجل والمرأة في هذا لم يكن عليها درجة.
طيب ومن فوائد الحديث: وجوب مراعاة الزّوجة لحقوق الزّوج، لقوله: ( إلاّ بإذنه ) نعم، يعني: لا يمكن لها أن تصوم إلاّ بإذنه.
ومن فوائد الحديث: أنّه لا يحلّ لها أن تسافر إلاّ بإذنه .
الطالب : من باب أولى.
الشيخ : هاه؟ من باب أولى؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : من غير محرم.
الشيخ : لا، هي تسافر بمحرم معها أبوها وأخوها وعمّها وخالها وجدّها .
الطالب : العلّة واحدة.
الشيخ : نقول: معروف ما يجوز، هذا من باب أولى أن يمنعها، لأنّه إذا كان لا يجوز أن تصوم وهو شاهد مع أنّها بالصّوم أمامه يتمتّع منها بالنّظر واللّمس والتّقبيل وما أشبه ذلك وقضاء الحاجة إذا قالوا ائت بكذا، ائت بكذا، فكيف تسافر وتترك الأولاد أو ما تترك الأولاد تتركه هو.
الطالب : ...
الشيخ : لا لا، هذا أشدّ، على كلّ حال هذا يؤخذ منه دليل على منع سفرها إلاّ بإذنه.
طيّب فإنّ سافرت فهل يسقط حقّها من النّفقة أو لا؟
الطالب : يسقط إن كان بغير إذنه.
الشيخ : إن كان بغير إذنه فلا شكّ أنّ حقّها من النّفقة يسقط مع الإثم، وعلى المذهب أيضا لا تترخّص برخص السّفر كالقصر والفطر في رمضان وما أشبه ذلك، لأنّ السّفر سفر معصية.
طيب إذا سافرت بإذنه فهل تسقط النّفقة عنه؟
الطالب : لا.
الشيخ : بإذنه؟
الطالب : ما تسقط.
الشيخ : نعم؟
الطالب : فيه تفصيل.
الشيخ : ما هو التّفصيل؟
الطالب : إذا في حاجتها فتسقط.
الشيخ : نعم.
الطالب : وإن كانت الحاجة له هو فلا تسقط.
الشيخ : هذا الذي فصّله خالد هو المذهب: إن كانت الحاجة له لم تسقط، وإن كانت لها سقطت، والصّحيح أنّها لا تسقط ولو كانت الحاجة لها ما دامت قد سافرت؟
الطالب : بإذنه.
الشيخ : بإذنه، لأنّه هو الذي أذن لها والحقّ له وقد أسقطه وحقّها لم يسقط. نعم طيب الفائدة الرّابعة: هل نقول فيه دليل على أنّ المرأة لا تصلّي تطوّعا وزوجها حاضر إلاّ بإذنه؟
الطالب : لا.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا ، العلة مختلفة.
الشيخ : الظّاهر أنّه ليس كالصّوم، لأنّ الصّوم مدّته طويلة والصّلاة غير طويلة .
السائل : إذا كان تطوّعا؟
الشيخ : تطوّع، كلامنا على التّطوّع، الفريضة ما.
لكن مع ذلك نقول مثلا: له أن يحلّلها من الصّلاة، يعني: لو أرادها فله أن يقول: اقطعي الصّلاة، إلاّ إذا كان قد أذن، فالظّاهر أنّه إذا أذن لا يملك تحليلها من الصّلاة، لأنّها دخلت في أمر مشروع بإذنه فلا يملك تحليلها.
ومن فوائد الحديث: جواز صوم المرأة بلا إذن زوجها إذا كان غائباً، من أين يؤخذ؟
الطالب : ( وزوجها شاهد ).
الشيخ : مفهوم قوله: ( وزوجها شاهد ) فيدلّ على أنّه إذا كان غائبا فلا بأس وظاهر الحديث لا بأس وإن منعها، توافقون على هذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب لو منعها وقال: ما أريد أن تصومي، إذا صمت قلّ الأكل وقلّ اللّحم وأنا أريدك أن تسمني نعم! إيش نقول؟!
الطالب : يتضرّر البيت بالخدمة.
الشيخ : نعم ربّما المهمّ إذا كان له غرض ومنعها فالظّاهر أنّه إذا كان الغرض يتعلّق به أو بمصلحته فله أن يمنعها وإلاّ فلا، يعني: لو قال: أنا أمنعها شفقة عليها لا من أجل مصلحتي أنا، ولا من أجل أنّها تنقص بالصّوم وما أشبه ذلك لكن ما ودّي يشقّ عليها الصّوم، فالظّاهر أنّه لا يمنعها، وأنّ لها أن تصوم ما دام غائباً، لأنّه هنا ليس له مصلحة، طيب وفيه أيضا من فوائد الحديث .
السائل : -يا شيخ؟
الشيخ : ما فيه أسئلة يا أخي بعدين- أنّه لو كان الزّوج غير عاقل فلها أن تصوم ولو كان شاهدًا من أين يؤخذ؟
الطالب : ( إلاّ بإذنه ).
الشيخ : ( إلاّ بإذنه ) ؟ توافقون على هذا؟
الطالب : بقصد إذنه.
الشيخ : طيب ما يخالف، هو يفهم من القصد، لكن ألا نقول: إنّه إذا كان مجنونا فلا تصوم مطلقا لأنّنا لا نعلم أنّه أذن أم لم يأذن وهو ممّن لا إذن له، وعلى هذا فنقول: صوم التّطوّع لامرأة المجنون لا يمكن من رمضان إلى رمضان.
الطالب : ما فهمت.
الشيخ : يعني قصدي أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: ( إلاّ بإذنه ) فإذا كان هذا مجنونا ليس له إذن نعم فإنّ إذنه متعذّر، وإذا تعذّر الإذن الذي وُقف الصّيام عليه وش يتعذّر؟
يتعذّر الصّوم، لأنّ تعذّر الشّرط يستلزم تعذّر المشروط، عرفتم؟
هذا هو ظاهر الأمر هكذا، ولكن قد يقول قائل: إنّ في هذا إضرارا عليها، وقول الرّسول: ( إلاّ بإذنه ) يدلّ على أنّ المراد بذلك الزّوج العاقل الذي له إرادة وتصرّف، أمّا المجنون فلا يدخل في هذا، ولكن المجنون لو أرادها مثلا وهي صائمة وجب عليها التّمكين من نفسها، وإلاّ فلها أن تصوم، لأنّه هو ما يشعر أنّها صامت أو ما صامت، مجنون، ما يشعر بكونها صائمة أو غير صائمة فلا يهمّ.
طيب كأنّ طلالا يقول ما تبقى معه وهو مجنون كذا؟
الطالب : لا، المسألة هل يصح أن المرأة تبقى تحت المجنون أو لا؟
الشيخ : أي تبقى، إذا رضيت تبقى تحت المجنون، قد يكون مجنونا بجنون حادث، وقد يكون مهذرياً، يكون الزّوج كبير السّنّ، وقد يعتريه مثلا حادث يخلّ بفكره، المهمّ ليس له إذن، وقد يزوّج وهو صغير، يمكن يزوّج وهو صغير؟
الطالب : يمكن.
الشيخ : عنده خمس سنوات لا يعرف يأذن ولا شيء هاه؟
الطالب : ما موجود.
الشيخ : المهمّ إن كان، نعم، على كلّ حال المسألة الذي يظهر لي أنّ غير العاقل يعني ليس له إذن معتبر تصوم المرأة، فإن دعاها لحاجته المفسدة للصّوم وجب عليها أن تمكّنه لأنّه زوج.
طيب ويستفاد من الحديث: مراعاة الشّارع البعد عن الإحراج، وأنّه لا ينبغي أن نفعل ما فيه إحراج على الغير، هاه؟
لأنّه منع من صومها بلا إذنه، بأن لا يحرج الزّوج.
ويتفرّع على هذه الفائدة فائدة أخرى وهي: أن لا نحرج غيرنا لا سيما في الأمور التي لا يحبّ أن يطّلع عليها أحد، فإنّ بعض النّاس يحرجك في أمور يقول وش حفظ كذا؟ وش قال كذا؟ فلان رأيته عندك وش يقول؟ وش عنده؟ ويحرجك يؤذيك، نعم، فتقع في حرج، حتى لو أردت أن تتأوّل ربّما تظهر المسألة وتكون عند هذا الرّجل كاذبا.
فالمهمّ أنّ هذا الحديث يشير أنّه ينبغي أن يتجنّب الإنسان إحراج غيره، وهذا صحيح، لأنّي أرى أنّ الإحراج من الأذيّة، يتأذّى المحرج، الحمد لله خذ العفو كما قال الله عزّ وجلّ: ما عفا من أقوال النّاس وأفعالهم خذ، وما لا يأتي إلاّ بمشقّة اتركه.
طيب يستفاد من هذا الحديث: أنّ المرأة لو صامت وزوجها شاهد بدون إذنه فصومها فاسد، صحّ؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : ليش؟
لأنّه منهيّ عنه لذاته، فكما أنّ الإنسان لو صام يوم العيد فصومه غير صحيح كذلك هذه المرأة .
ولكن قد ننظر في الموضوع، إذا قيل: إنّ التّحريم هنا لحقّ الزّوج وهو كذلك، بدليل أنّه رتّب على إذنه، فهل نجزم بأنّ الصّوم حرام، أو نقول إنّه موقوف على إجازته، إن أجازه صحّ وإن لم يجزه فليس بصحيح ؟
ربّما يقول هذا ما دمنا نعرف أنّ العلّة هي حقّ الزّوج والزّوج أسقط حقّه فإنّه يكون صحيحا، لكنّه يشكل على هذا أنّ العبادات ليس فيها تصرّف فضولي عند أكثر العلماء -انتبه لهذه وش تصرّف الفضولي هذا؟ ما ندري هل فهد يعرفه أو لا؟
الفضولي يعني: معناه الذي يقف على إجازة الغير، التّصرّف في حقّ الغير الذي يقف على إجازته مثل: الحقيبة هذه لي فجاء واحد منكم وباعها بدون إذني يصحّ البيع وإلاّ لا؟
الطالب : ما يصحّ.
الشيخ : ما يصحّ، لكن لو أذنت، جاءني وقال: وجدت من يريد حقيبة وبعتها عليه غالية قلت طيب الله يعافيك أنا موافق، بكم بعتها؟ قال بعتها بعشرين ريال، وأنا ألقى لك ب15 ريال فأجزت، يصحّ ولاّ لا؟
الطالب : لا يصح.
الشيخ : الصّحيح أنّه يصحّ، والمذهب لا يصحّ، والتصرّف الفضولي أيضا يصحّ حتى في العبادات كما في حديث يزيد بن معن أو معن بن يزيد حين أعطى رجلا دراهم يتصدّق بها فوقعت في يد ابنه، فقال للعبد : أنا ما أمرتك أن تعطيها ابني فرفع الأمر إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فأجازه، ( وقال للمتصدّق عليه: لك ما أخذت، وللمتصدّق لك ما أردت )، فهذا يدلّ أيضا على أنّ تصرّف الفضولي في العبادات جائز تنفيذه.
ومن ذلك أيضا حديث أبي هريرة حين جاءه الشّيطان وأخذ من التّمر الذي كان أبو هريرة أمينا عليه أعطاه كم ليلة؟
الطالب : ثلاث.
الشيخ : ثلاث ليالي، فأجازه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ولم يضمّن أبا هريرة، الحاصل أنّ الذي يظهر لي في هذا الحديث أنّ المرأة لو شرعت في الصّوم بدون إذن الزّوج ثمّ رضي بذلك فالصّوم صحيح.
طيب زيادة أبي داود: ( غير رمضان ) هل يمكن أن يقول قائل: المراد غير رمضان أداء لا قضاء؟
الطالب : نعم.
طالب آخر : يشمل.
الشيخ : هاه؟
الطالب : يشمل.
الشيخ : نقول يشمل؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب كيف يكون رمضان، تصوم رمضان وزوجها شاهد وهو ليس صائم؟
الطالب : يقدم من سفر.
الشيخ : كأن يكون مسافراً، أو يكون مريضاً، أو قادماً من سفر، أو مفطراً لإنقاذ غريق من غرق أو ما أشبه ذلك، أي نعم، طيب، وفيه أيضاً لو صامت عن نذر هل يحلّ لها أن تصوم وزوجها شاهد؟ النّذر؟
الطالب : فيه تفصيل.
الشيخ : طيب، إيش التّفصيل؟
الطالب : إذا كان حدّد هذا اليوم.
الشيخ : نعم.
الطالب : أمّا إذا ما حدّد فالحكم الأوّل يكون واجب موسع أو مضيق.
الشيخ : نقول: إذا كان قد أذن لها في النّذر، إن أذن لها وصامت فلا بأس، يعني هي مثلا قالت له: إن عليّ صوم نذر ثلاثة أيّام أربعة أيّام ، هل تجيز هذا ؟ قال : نعم، فشرعت في الصّوم، لو لم يأذن يعني معناه: لا يشترط أن تستأذن أن تصوم ذلك اليوم المعيّن، أفهمتم؟
يعني مثلا: قالت عليّ صيام ثلاثة أيّام صوم نذر، قال: طيب ما فيه مانع، هي صامت من الغد، لكن ما قالت: إنّي سأصوم غدا يصحّ ولاّ لا؟
الطالب : يصحّ.
الشيخ : يصحّ، لأنّه أذن لها فيه، نعم؟
السائل : لو حجّت بدون إذن زوجها هل الحج يسقط عنها أو لا ؟
الشيخ : فريضة ولاّ نافلة؟
السائل : الفريضة.
الشيخ : يسقط عنها، حتى هو إذا تمّت شروطها لا يجوز أن يمنعها.
طيب بقي لنا الكفّارة، الكفّارة هل لها أن تصوم وزوجها شاهد بدون إذنه؟
الطالب : لا ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : إذا كان هو السبب فلا يمنعها.
الشيخ : الكفّارة إذا كان هو السّبب؟
الطالب : فلا تستأذن.
الشيخ : وإن كان ليس السّبب كما لو كفّارة يمين .
الطالب : تستأذن
الشيخ : إلى متى؟ لأنّ كفّارة اليمين على الفور، ما لها وقت، على الفور، أي نعم، الظّاهر أنّه في هذه الحالة لها أن تفعل لأنّ هذا حقّ واجب لله فلها أن تفعل، نعم؟
السائل : إذا قلنا أنّ للزّوج أن يصوم بدون إذن الزّوجة فإنّ الزّوجة أيضا قد تحتاج إلى زوجها أن يجامعها فما وجه الفرق ؟
الشيخ : ما يمكن يقول لها اصبري حتى أفطر؟
الطالب : إذن أيضا المرأة تقول لزوجها اصبر حتى أفطر.
الشيخ : بس هذا هو الفائدة من أنّ الرّجل مفضّل عليها : (( وللرّجال عليهنّ درجة )) ولذلك دائما الرّجل هو الطّالب والمرأة مطلوبة، حتى النّساء الآن كثر سؤالهنّ لماذا يكون للرّجال حور عين في الجنّة؟
وش نقول لها؟ هاه؟ صحيح والله، فيه تساؤل، وسمعت محاضرة لامرأة سألنها النّساء عن هذا وهي تتحاور مع النّساء، قالت: أنا إذا وصلت للجنّة خلّي زوجي يتزوّج ألف مرّة ما يهمّني، نعم.
الطالب : الجواب يا شيخ؟
الشيخ : الجواب أنّ الأزواج، قصدي النّساء أفضل من الحور العين وأطيب، الرّجال في الجنّة يكونون أفضل ممّا لو قدّر أنّ هناك رجال من رجال الجنّة لأنّ الله عزّ وجلّ وصف الولدان: (( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثوراً )) فما بالك بالأسياد؟!
إجابة سماحة الشّيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن بعض الأسئلة.