وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر ). متفق عليه .
" وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النّحر ) متفق عليه " :
قوله : ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى ) : النّهي سبق لنا عدّة مرّات أنّه: طلب الكفّ على وجه الاستعلاء، يعني: على وجه يعتقد النّاهي أنّه أعلى رتبة من المنهيّ، وكلّ النّواهي التي ترد في الكتاب والسّنّة فهي على هذا الوصف.
فإنّ النّاهي إمّا الله عزّ وجلّ، وإمّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله: ( عن صيام يومين يومِ الفطر ) بالكسر على أنّه بدل؟
الطالب : بعض.
الشيخ : بدل بعض من كلّ، ويوم الفطر هو أوّل يوم من شوّال، لأنّ النّاس يفطرون فيه من رمضان، ويوم النّحر هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة لأنّ النّاس ينحرون فيه الضّحايا، وسمّي يوم النّحر تغليباً لما هو أكبر وأفضل وهي الإبل وإلاّ فإنّ فيه نحرا وفيه ذبحا.
في هذا الحديث يقول: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن كذا، وإذا قال الصّحابيّ: نهى عن كذا فالصّواب بلا شكّ أنّه بمنزلة قوله: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا تصوموا، يعني : أنّ تعبير الصّحابيّ بقوله : نهى كالنّهي الصّريح بلفظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ هناك فرقا بين نهى وبين لا تصوموا لأنّ الثاني صريح، والصّواب أنّ الأوّل أيضا صريح.
وأمّا قول من قال: إنّه ليس بصريح، لاحتمال أن يكون الصّحابيّ فهم أنّه نهى وليس بنهي فهذا بعيد ولا يرد، وذلك لأنّ الصّحابيّ عالم باللغة العربيّة ومدلولاتها ولا سيما كلام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي لم يزل يسمعه منه كثيرا.
فالصّواب أنّ قوله: أمر، وأنّ قوله: نهى، أنّ الأوّل بمنزلة افعل والثاني بمنزلة لا تفعل ولا فرق.
وقوله: ( عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النّحر ) : إنّما نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صيامهما لأّنّهما اليومان اللّذان يحصل بهما الأكل والشّرب إظهارا لنعمة الله سبحانه وتعالى بالنّحر في أيّام النّحر، وإظهارا للفطر في يوم الفطر، لأنّ النّاس لو صاموا لم يكن هناك فرق بين أوّل يوم من شوّال وآخر يوم من رمضان، واختلطت الأيّام التي يجب صيامها بالأيّام التي لا يجب، والشّارع له نظر في التّفريق ولهذا سبق لنا : ( أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يتقدّم الإنسان رمضان بصوم يوم أو يومين ) خوفا من أن يختلط الواجب بغيره .
ولأنّ العبادة المحدودة بوقت إذا لم يكن هناك تمييز بين طرفيها فإنّها تبدو وكأنّها إيش؟
غير مؤقّتة، فمن أجل هذه الحكم نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يصام يوم عيد الفطر.
وأمّا قول بعض أهل العلم: إنّه نهي عن صيامهما لأنّ الخلق في ضيافة الله ففيه نظر ظاهر، لأنّ الخلق دائما هاه؟
الطالب : في ضيافة الله.
الشيخ : في ضيافة الله عزّ وجلّ، لكن الحكمة هو هذا.
أمّا يوم النّحر فالحكمة فيه لأنّ النّاس لو صاموا لكان هذا عزوفا عن تمتّعهم بالأكل من هداياهم وضحاياهم، وقد أمر الله تعالى بالأكل منها، وقد أشار النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلى هذه الحكمة في قوله: ( أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب وذكر لله عزّ وجلّ ): فلمّا كان الصّوم يحول بين الإنسان وبين أكله من هذه الشّعيرة العظيمة وهي: النّسك، نهى عنه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام.
وقوله: ( نهى عن صيامهما ) : عامّ، يشمل صيامهما على أنّه فريضة، أو أنّه نافلة، ويشمل صيامهما مضمومين إلى ما بعدهما أو منفردين، يعني بمعنى: أنّه لا يجوز أن تصوم يوم الفطر ولو صمت اليوم الثاني، ولا اليوم العاشر ولو صمت اليوم التّاسع أو الحادي عشر فالنّهي عن صيامهما مطلقا.
1 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر ). متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين ).
أوّلاً: تحريم صوم هذين اليومين.
وثانياً: بيان حكمة الله عزّ وجلّ من الشّريعة، وأنّه سبحانه وتعالى أراد منّا أن نجعل الشّريعة متميّزة ظاهرة، يتميّز فيها كلّ شيء عن شيء.
ثالثاً: مشروعيّة الحفاظ على الأكل من الأضاحي وكذلك الهدايا لأنّ الله أمر بها، والصّوم يحول بيننا وبين الأكل إلاّ في اللّيل.
ومن فوائد الحديث: أنّ الإنسان لو نذر أن يصوم هذين اليومين فإنّ نذره لا يصحّ ولا يجوز الوفاء به، لماذا؟
الطالب : لأنه معصية.
الشيخ : لأنّهما معصية وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ).
ولكن هل يلزمه أن يكفّر كفارة يمين؟
هذا محلّ خلاف بين العلماء، والصّحيح أنّه يلزمه أن يكفّر كفّارة يمين، لأنّ حقيقة الأمر:
أوّلًا: لأنّه ورد فيه حديث بهذا، وثانياً : أنّ حقيقة الأمر أنّ النّذر متضمّن معنى اليمين فهو إيجاب، والمقصود باليمين ما هو؟ الإيجاد، التّأكيد على الفعل إن كان حلفت على فعل أو على التّرك إن حلفت على التّرك.
وعليه فإذا نذرت معصية فلا تفعلها وعليك كفّارة يمين طيب.
ظاهر الحديث أيضا أنّه لا يصام يوم النّحر ولا عن دم المتعة والقران، مع أنّه واجب لقوله تعالى في دم المتعة والقران: (( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم ))، ويوم عيد النّحر هو يوم الحجّ الأكبر، فهل يصوم الإنسان ذلك اليوم ويقول: أنا أصوم لأنّ الله يقول ثلاثة أيّام في الحجّ؟
نقول: لا، لا تصم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن صوم هذين اليومين فهما ليسا وقتا للصّوم.
طيب ما نظيرهما في الصّلاة؟
أوقات النّهي التي نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصّلاة فيها.
وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر الله عز وجل ). رواه مسلم .
وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: ( لم يرخَّص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) رواه البخاري " :
قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( أيّام التّشريق ) : أيّام التّشريق ثلاثة أيّام بعد يوم النّحر ، وسمّيت أيّام تشريق: لأنّ النّاس يشرّقون اللّحم، يشرّقونه أي: يضعونه في الشّمس بعد أن يشرّحوه.
كان في الزّمن السّابق يشرّحون اللّحم ثمّ يضعونه في الشّمس لييبس لم يكن عندهم فريزرات أو ثلاّجات يحفظون بها اللّحم من التّغيّر، فطريقتهم في حفظ اللّحم هي هذه: أن يشرّح اللّحم ثمّ يشرّقه في الشّمس حتى ييبس.
وهذه الأيّام الثّلاثة أيّام تشريق، لأنّ النّاس يذبحون فيها الأضاحي والهدايا. وقوله: ( أيّام أكل وشرب ): أمّا كونها أيّام أكل فواضح، وش الأكل الذي يؤكل فيها؟
اللّحم، لحوم الهدايا والأضاحي لكن شرب؟
الطالب : تابع.
الشيخ : طيب، إن كان في الشّتاء؟
المراد بذلك أنّها أيّام وضعت لهذا الأمر: للأكل والشّرب، يعني: ليس فيها صيام، والله عزّ وجلّ يقول في الصّيام: (( وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر )).
فالمعنى: أنّ هذه الأيّام وضعت شرعا لأن تكون أيّام أكل وشرب لا صوم. طيب وقوله: ( وذكر لله ) نعم هي أيّام ذكر لأنّها الأيّام المعدودات التي قال الله تعالى فيها: (( واذكروا الله في أيّام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى )) فهي أيّام ذكر، ما نوع هذا الذّكر؟
نوعه التّكبير : " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " ، أو على ثنتين ثنتين : " الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " ، هذا الذّكر المشروع فيها.
وربّما يقال: إنّ هذا هو الذّكر الخاصّ المشروع، أمّا الذّكر على سبيل العموم فيبنغي فيها الإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ.
فهنا يقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إنّ هذه الأيّام كانت لهذا الغرض أو وضعت لهذا الغرض فلا ينبغي للإنسان أن يغفل فيها عن ذكر الله لأنّها أيّام ذكر .
طيب، وقوله: ( عزّ وجلّ ) عزّ بمعنى: قهر وغلب، وجلّ بمعنى: عظم.
أمّا عزّ فإنّه -أعني هذا الفعل- له نظير في الأسماء ما هو؟
الطالب : العزيز.
الشيخ : العزيز، وأمّا جلّ فلا يحضرني أنّ له نظيراً في الأسماء: الجليل، نعم لكنّه يوصف بأنّه الجليل ولا يسمّى به إلاّ إذا ثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّ من أسماء الله الجليل.
3 - وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر الله عز وجل ). رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر الله عز وجل ).
من فوائد الحديث أوّلا: أنّه ينبغي للإنسان أن يتمتّع بنعم الله من الأكل والشّرب، حتى في أيّام الأعياد؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : حتّى في أيّام الأعياد، بل هي أولى، ولهذا رُخّص للنّاس في أيّام الأعياد رُخّص لهم في شيء من الفرح لا يرخّص لهم في غيره، الجاريتان اللّتان تغنّيان في يوم بُعاث بين يدي الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في أيّام منى، لما انتهرهما أبو بكر قال له النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( دعهما فإنّها أيّام عيد ) ، فيستفاد من هذا: أنّه يبنغي للإنسان في أيّام الأعياد أن يتبسط وأن يفرح بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه بإكمال الصّوم لا للتّخلّص منه ولكن للتّخلّص به، بينهما فرق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟ لا للتّخلّص منه ولكن للتّخلّص به، التّخلّص به من أين؟
الطالب : من الذنب.
الشيخ : من الذّنوب ، ( لأنّ من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه ) .
في يوم النّحر عرفة الواقف فيها يقال لهم : ( ارجعوا مغفورا لكم )، أو انصرفوا مغفورا لكم فلهذا صار عيدا يفرح به الإنسان من التّخلّص من الذّنوب، نعم بسبب هذا العيد.
ومن فوائد الحديث أيضا: تحريم صيام أيّام التّشريق، لأنّه خروج بها عن إيش؟
الطالب : عن مراد الشّارع.
الشيخ : خروج عمّا أراد الشّارع بها من أن تكون أيّام أكل وشرب.
ومنها: أنّه ينبغي للإنسان أن لا يلهيه الأكل والشّرب الذي هو غذاء البدن عن ذكر الله الذي هو غذاء الرّوح، فإنّ الإنسان إذا أكل وشرب حصل له من الأشر والبَطَر ما لا يحصل للجائع فأعرض عن ذكر الله، فقال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام : ( وذكر ) حتى لا يغفل الإنسان بالأكل والشّرب عن ذكر الله.
ومن فوائد الحديث: حكمة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في تربية الخَلْق ، لأنّه لمّا ذكر هذا الأكل والشّرب الذي يكون مظنّة للغفلة نبّههم على ذكر الله، قال: ( وذكر لله عزّ وجلّ ).
طيب ومنها: أنّه ربّما يستدلّ بعموم كلمة ذكر على مشروعيّة التّسمية على الذّبائح، لأنّه لا شكّ أنّ من ذِكْر الله في هذه الأيّام التّسمية على الذّبائح، والتّسمية على الذّبائح كما سبق لنا في كتاب الفقه شرط لحلّ الذّبيحة، فمن ذبح ذبيحة لم يسمّ الله عليها حرم أكلها حتّى وإن كان الذّابح ناسياً، لكن لو أكلها ناسيا فلا إثم عليه، لقوله تعالى: (( ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )).
ولا يصحّ أن يستدلّ بهذه الآية على حلّ ذبح مَن نسي التّسمية، لا يصحّ أن يستدلّ بهذه الآية: (( ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) على حلّ ما نسي الذّابح التّسمية عليه، لماذا؟
لاختلاف الفعلين، الذّابح له فعله فلا يؤاخذ إذا نسي أن لا يسمّي، وأمّا أنا الآكل فلي حكم فعلي والله يقول: (( ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه )) ولهذا لمّا جاء قوم إلى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وقالوا: ( يا رسول إنّ قوما من أهل الكتاب يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال لهم: سمّوا أنتم وكلوا ) : ففرّق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بين الفعلين، فعل أولئك عليهم مسؤوليّته، أمّا فعلكم أنتم وهو الأكل فعليكم مسؤوليّته.
طيب ومن فوائد الحديث: وصف الله عزّ وجلّ بالعزّة والجلال لقوله: ( عزّ وجلّ ) .
طيّب هل يؤخذ من هذا الحديث إباحة الأكل والشّرب؟
الطالب : هذا الأصل.
الشيخ : هاه؟
الطالب : بناء على الأصل.
الشيخ : أي لا، من هذا الحديث، ليس بناء على الأصل، هاه؟
الطالب : أيام أكل وشرب.
الشيخ : أي لكن لو قال قائل: هذه في أيّام التّشريق.
الطالب : باقي الأيّام من باب أولى.
الشيخ : لا، ما هي من باب أولى.
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ما يؤخذ يا شيخ.
الشيخ : من هنا ما يؤخذ، لكن يؤخذ من أدلّة أخرى ما فيه إشكال هذا، ما فيه إشكال أنّ الأكل والشّرب حلال، لكن هل نأخذه من هذا الحديث أم لا؟ لأنّنا نودّ أن نمرّن الإنسان على أخذ الفوائد واستنباطها من النّصوص.
طيّب ذكر الله هل هو باللّسان أو بالقلب أو بهما؟
الطالب : بهما.
الشيخ : بهما جميعاً، ويكون بالقلب وحده، ويكون باللّسان وحده، لكن اللّسان وحده الذّكر فيه ضعيف جدّا، غاية ما فيه أنّه يجزئ الإنسان في ما إذا كان واجبا، وأمّا الثّواب المرتّب على الأذكار فإنّ حصوله لمن يذكر الله بلسانه فقط فيه نظر.
الذّكر بالقلب لا يترتّب عليه الثّواب المعلّق بالقول مثل: من قال لا إله إلاّ الله مائة مرة ، لو واحد قالها في قلبه ما يترتّب عليه هذا الفضل لأنّه لا يصدق عليه أنّه قال، بل هو حدّث نفسه وفكّر، فهو يؤجر على هذا التفكير، وربّما يكون تؤثّر قلبه بالذّكر القلبي أكثر بكثير من تأثّره بالذّكر اللّساني.
ولا ريب أنّه إذا اجتمع الأمران فهو أكمل بلا شكّ.
طيب هل يكون ذكر الله عزّ وجلّ بذكر أحكامه ونشرها وتعلّمها؟
الطالب : نعم نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يكون؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يعني واحد مثلا يقرأ في دراسة علم : فقه توحيد نعم هذا من ذكر الله؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، أمر بالمعروف ونهي عن منكر؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم من ذكر الله.
الشيخ : من ذكر الله، طيب لو قال قائل: الصّلاة إذن من ذكر الله؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : صحيح؟
الطالب : صحيح.
الشيخ : إذا قلتم إنّه صحيح نورد عليكم آية من القرآن يدلّ على أنّ في كلامكم نظر: (( إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصّلاة )) ؟
الطالب : أخرجها من ذكر الله لفضيلتها.
الشيخ : يعني من باب إيش ذكر الخاصّ؟
الطالب : بعد العامّ.
الشيخ : بعد العامّ، وهذا لا يقتضي أن لا يشمله العامّ ولاّ لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب صحّ، إذن مثل: (( العليم الخبير )) ومثل: (( تتنزّل الملائكة والرّوح )) .
طيب إذن نقول: إنّ ذكر الله إذا أطلق يشمل كلّ شيء يتذكّر به الإنسان ربّه من أقوال وأفعال في القلوب وفي الجوارح.
وأحيانا يراد به الذّكر الخاصّ: (( فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا الله )) هنا ما تدخل الصّلاة لأنّه ليس المعنى إذا قضيتم الصّلاة فصلّوا بل المراد الذّكر الخاصّ المعروف.
وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا :( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ). رواه البخاري .
سبق أنّ معنى الرّخصة هو السّهولة، ورخّص بمعنى: سهّل.
وكلمة: ( لم يرخّص ) مبنيّ للمجهول أي: لم يبيّن من الفاعل فهل المراد بالفاعل الله أو الرّسول عليه الصّلاة والسّلام؟
إن كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فالحديث في حكم المرفوع، وإن كان الله فالحديث من باب التفقّه والاستنباط، أنتم فاهمين؟
الطالب : أعد يا شيخ.
الشيخ : طيب، أقول: ( لم يُرَخّص ) مبنيّ للمجهول ما بيّن فيه الفاعل هل المرخّص الله أو الرّسول، إذا كان المرخّص هو الرّسول فالحديث له حكم؟
الطالب : الرّفع.
الشيخ : الرّفع، لأنّه كقول الصّحابيّ : أُمِرنا أو نُهينا أو ما أشبه ذلك، وإذا كان المرخّص الله فهو من باب التّفقّه والاستنباط ، أنت فاهم يا حمد؟
طيب، فاهمين كلّكم؟
الطالب : نعم يا شيخ.
الشيخ : نشوف، إذا كان المرخّص الرّسول فهو من باب المرفوع، وعلى هذا فيكون حجّة، لأنّ المرفوع حجّة لا معارض له.
وإن كان المرخّص هو الله فهو من باب التّفقّه والاستنباط وحينئذ قد يقبل وقد لا يقبل لأنّه اجتهاديّ، كيف يكون الاحتمال الثّاني؟
لأنّه يجوز أنّ عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما أنّهما فهما ذلك من قوله تعالى: (( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم )) ومعلوم أنّ أيّام التّشريق داخلة في قوله: (( في الحجّ )) ، لأنّ الحجّ ما ينتهي إلاّ في آخر أيّام التّشريق، ففي أيّام التّشريق مبيت ورمي وطواف حتى إنّ بعض العلماء يقول: لا يجوز تأخير طواف الإفاضة عن أيّام التّشريق، نعم على كلّ حال فيه احتمال أن يكون هذا القول من عائشة وابن عمر على سبيل؟
الطالب : الاستنباط.
الشيخ : الاستنباط والتّفقّه، أو على سبيل الرّفع، يعني: أنّه في حكم الرّفع، ولهذا أُحبّ أن أكلّف واحدا منكم يتتبّع طرق الحديث هل هو مرفوع أو هو مستنبط؟
طيب الله يعافيك، تأتي به إن شاء الله الأسبوع القادم.
5 - وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا :( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ). رواه البخاري . أستمع حفظ
فوائد حديث ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ).
من فوائده: أنّ الصّوم في هذه الأيّام، أي ثلاثة أيّام التّشريق محرّم لأنّه قوبل بالرّخصة لمن يباح له، وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ولو كان مباحا لكان مرخّصا فيه لكلّ أحد، كلّ أحد يمكن أن يصوم، ولهذا استدلّ أكثر أهل العلم على وجوب طواف الوداع لحديث ابن عبّاس: ( أُمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلاّ أنّه خفّف عن الحائض ) : والتّخفيف بمعنى الرّخصة ، قالوا بأنّه لمّا خفّف عن الحائض معناه أنّه على غيرها واجب ، ولم لم يكن واجبا كان خفيفا على كلّ أحد.
من فوائد الحديث: جواز صيام أيّام التّشريق لمن لم يجد الهدي، ومن الذي يجب عليه الهدي؟
الطالب : القارن والمتمتّع.
الشيخ : القارن والمتمتّع، الدّليل؟
استمع إلى قوله تعالى: (( فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة )) : قال: صيام ثلاثة أيّام في الحجّ، وهذه الثّلاثة من أيّام الحجّ بلا شكّ.
لكن لو قال قائل: أنت ذكرت التمتّع والقران، والآية التمتّع فقط؟
فالجواب: أنّ التّمتّع في لسان الشّارع يشمل: القران والتمتّع، لأنّ كلاّ من المتمتّع الذي أحلَّ من عمرته ثمّ أحرم بالحجّ في عامه، والقارن الذي أحرم بهما جميعاً كلّ منهما قد ترفّه بترك أحد السّفرين، لأنّ المتوقّع أن يكون للعمرة سفر وللحجّ سفر، وهذا أتى بهما جميعًا في سفر واحد فحصل له بذلك التّرفّه عرفت؟
ولأنّ الصّحابة رضي الله عنهم عبّر بعضهم بقولهم إن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تمتّع، ومعلوم أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يتمتّع وإنّما حجّ قارنا كما قال الإمام أحمد: " لا أشكّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان قارنا والمتعة أحبّ إلي " أعرفتم؟
طيب إذن نقول: إن الآية يدخل فيها القران بناء على أنّ هذا هو المعهود في لغة الشّارع، ولكنّ بعض العلماء وهم قليل، قال: لا نسلّم، ولو سلّمنا بأنّ التمتّع يدخل فيه القران فإنّه ليس بظاهر بالنّسبة للفظ الآية، لأنّ الله يقول: (( فمن تمتّع بالعمرة إلى )) فذكر الغاية، والغاية لها طرفان: ابتداء وانتهاء، وهذا يقتضي أن تكون العمرة منفصلة عن الحجّ، فتمتّعتَ بها يعني لما أحللت منها تمتّعت إلى الحجّ، فمن أجل هذا التّمتّع بزوجتك ولباسك وطيبك من العمرة إلى الحجّ اشكر نعمة الله عليك، وأهد الهدي، بخلاف الإنسان الذي سيبقى على إحرامه من حين أن يحرم بالعمرة إلى يوم العيد فهذا ما عنده تمتّع، صحيح تمتّع بالتّرفّه بعدم إعادة السّفرين لكن ما تمتّع في ما بين العمرة والحجّ ولهذا قال الإمام أحمد: " القارن ليس كالمتمتّع " يعني : حتّى لو قلنا بوجوب الهدي عليه فليس كالمتمتّع، لأن المتمتّع واضح فيه ولكنّ الأئمة الأريعة كلّهم متّفقون على أنّ القارن كالمتمتّع في وجوب الهدي عليه.
وذهب بعض العلماء وهم قلّة إلى أنّ القارن لا هدي عليه لأنّه لا يسعفه اللّفظ الذي في الآية، أعرفت؟
طيب دخل وقت الأسئلة، نعم؟
السائل : الرّاجح يا شيخ؟
الشيخ : قال: ( بما أهل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فإنّ معي الهدي فلا تحلّ ) هل يمكن أن يستدلّ لهذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : تأكّد.
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لعموم قوله ...
الشيخ : هو من ساق الهدي معروف، لكن سوق الهدي مسنون وليس بواجب، على أنّ القارن عليه الهدي، استدلّوا به على أنّ القارن يجب عليه الهدي.
الطالب : قوله : ( من ساق الهدي فلا يحلّ ومن لم يسقه فليحلّ ).
الشيخ : أي بس الهدي يطلق على الواجب والمستحبّ.
اللهمّ إلاّ أن يقال: ( فإنّ معي الهدي ) " أل " هذه للعهد الذّهني المفهوم من قوله تعالى: (( فما استيسر من الهدي )) إن قيل هذا وهو فيه شيء من البعد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) . رواه مسلم .
نعم، أوّلا: الذي سبق لنا خمسة أيّام يحرم صومها، وليس شيء من أيّام السّنة يحرم صومه إلاّ ما سبق وهما : أيام التّشريق؟
الطالب : والعيدان.
الشيخ : والعيدان، نعم طيب، لكن بدأ المؤلف الآن بما يكره صومه ولا يحرم فمن ذلك قوله: ( لا تخصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين اللّيالي ) : يعني لا تفردوه بقيام من بين الليالي ، فأمّا بدون إفراد فلا نهي ، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: لا تقوموا ليلة الجمعة ، بل قال: لا تخصّوا والفرق بين العبارتين واضح، لو كان يريد النّهي عن قيام ليلة الجمعة لقال؟
الطالب : لا تقوموا.
الشيخ : لا تقوموا، لكنّه نهى عن تخصيصه يعني لا يخصّ الإنسان ليلة الجمعة بالقيام لأنّها ليلة الجمعة، طيب وكذلك يوم الجمعة لا تخصّوه بصيام من بين سائر الأيّام، لا يقول أحدكم: إنّي سأصوم يوم الجمعة لأنّه يوم الجمعة فأصومه وأدع بقيّة الأيّام، ووجه ذلك أنّه لما كان هذا اليوم هو أشرف أيّام الأسبوع فإنّ النّفوس قد تذهب إلى تعظيمه واحترامه من صوم يومه وقيام ليلته، فنهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أن يخصّ بصيام أو بقيام.
7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ...).
ويستفاد من هذا الحديث: أنّه لو كان الإنسان يقوم ليلة بعد ليلة وصادف أن يكون قيامه في ليلة الجمعة، فإنّ ذلك لا يضرّ ولا يشمله النّهي، لأنّ هذا الرّجل إنّما قام لما كان يعتاده من القيام ليلة بعد ليلة.
ويستفاد من هذا الحديث: أنّ ما شرُف من الزّمان والمكان فإنّه لا ينبغي أن يخصّص بزيادة عبادات ليست في غيره، لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( لا تخصّوا يوم الجمعة ).
فمثلا لو قال قائل: إنّي سأخصّ مثلا شهر ربيع الأوّل بزيادة عمل صالح، لأنّه الشّهر الذي بعث فيه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، والشّهر الذي قدم فيه إلى المدينة، والشّهر الذي ولد فيه!
نقول: له لا تفعل، لا تخصّ، لأنّه ما فيه دليل.
فإن قلت: أليس رمضان خصّ بالصّيام لأنّه أنزل فيه القرآن؟
فالجواب: بلى، لكنّه خصّه بأمر من الشّرع، وما أمر به الشّرع فموقفنا نحن أن نقول: سمعنا وأطعنا، أمّا أن نقيس ونجتهد نحن ونخصّ بعض الأيّام الفاضلة أو الأماكن الفاضلة بعبادة لم يرد بها الشّرع فإنّ هذا من البدع.
ويستفاد من هذا الحديث: النّهي عن إقامة أعياد مولد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لماذا؟
لأنّنا خصصناه بعبادة لم يُخصّ بها شرعًا ، فيؤخذ من هذا النّهي عن إقامة الأعياد بدون دليل شرعيّ.
ويستفاد من هذا الحديث أيضا: النّهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم وهو ظاهر فيه.
ويستفاد منه: أنّه لو صامه الإنسان لا للتّخصيص ولكنّه رجل له عمل في أيّام الأسبوع، لا يستطيع الصّوم في هذه الأيّام لمشقّته عليه، وهو يحبّ أن يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام فكان يصوم يوم الجمعة نعم، فهل يدخل في النّهي؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، لأنّه لم يخصّ يوم الجمعة لأنّه يوم الجمعة لكن لأنّه يوم فراغه، فلو كان له فراغ في يوم الاثنين أو الثّلاثاء نعم لصام، وهذا يقع كثيرًا في القضاء، بعض النّاس يكون عليه قضاء من رمضان فلا يحصل له فراغ إلاّ في يوم الجمعة فنقول له: لا بأس أن تصوم في يوم الجمعة.
ويستفاد من هذا الحديث: أنّه لو صادف يوم الجمعة يوما كان يعتاد صومه مثل أن يكون ممّن يصوم يوما ويفطر يوما، فصادف ذلك اليوم يوم جمعة هاه؟
الطالب : يصومه.
الشيخ : فلا بأس؟
الطالب : نعم.
الشيخ : فلا بأس، لأنّه إذا كان يصوم يوما ويفطر يوما، سيفطر يوم الخميس ويوم السّبت، ويكون يوم الجمعة يصادف أحيانا هو اليوم الذي يصوم فيه.
صام الجمعة وأفطر السّبت، صام الأحد وأفطر الاثنين، وصام الثّلاثاء وأفطر الأربعاء، وصام الخميس وأفطر الجمعة هذا في الأسبوع الثاني، الأسبوع الذي بعده بالعكس، لأنّه سبعة أيّام، طيب هذا استثناه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ( إلاّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم ).
ويستفاد من هذا الحديث: أنّ للعادة تأثيراً وأنّه يفرّق بين الشّيء المعتاد والشّيء الذي يأتي صدفة، لأنّ الرّسول قال: ( إلاّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) : فانظر الآن العادة كيف رفعت النّهي عن صوم هذا اليوم، كما أنّ العادة قد تكون بدعة في أمر يجوز فيه الشّيء أحياناً كالجماعة في النّوافل، الجماعة في النّوافل إذا فُعلت أحيانا فلا بأس بها، لحديث ابن عبّاس وحذيفة وابن مسعود في صلاة اللّيل حيث صلّوا مع النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كلّ على انفراده، نعم في بعض اللّيالي.
لكن لو أنّ أناسا قالوا: سنقوم اللّيالي جماعة كلّ ليلة؟
قلنا لهم: هذا بدعة، أمّا أحيانا فلا بأس، وبهذا يعرف أنّ الشّرع يفرّق بين الشّيء الذي يتّخذ عادة والشّيء الذي لا يتّخذ عادة، فهذا الرّجل لما كان يعتاد صوم يوم الجمعة لسبب من الأسباب لا لأنّه يوم الجمعة رفع الشّارع النّهي عنه، ولهذا قال: " ( إلاّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) رواه مسلم ".
طيب هل يستفاد منه إنّ النّهي عن التّخصيص على سبيل الكراهة؟
الطالب : نعم ؟
الشيخ : هاه؟
الطالب : كيف يا شيخ ؟
الشيخ : هل يستفاد من هذا الحديث أنّ النّهي عن التّخصيص على سبيل الكراهة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نعم يستفاد.
الشيخ : كيف ذلك يا عيد؟
الطالب : لقوله: ( إلاّ أن يكون في صوم يصومه ) ، لأنّه لو كان محرّما لم يجز هذا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
الشيخ : لو كان محرّما لم تؤثّر فيه العادة ، ولهذا لو صادف يوم عيد الفطر أو يوم عيد الأضحى لو صادف أنه يوم يصومه عادة مثل أن يصوم يوما ويفطر يوما لا يصومه، فلمّا كان هذا التّخصيص تبيحه العادة فإنّ النّهي يكون فيه للكراهة.
طيب وعلم من هذا الحديث أنّه لو صام مع يوم الجمعة يوما آخر فلا كراهة لأنّه لم يخصّصه.
ولكن هل يشترط أن يليه أو لا بأس وإن كان في أيّ يوم من أيّام الأسبوع؟
الطالب : يشترط.
الشيخ : نشوف.
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله ، أو يوماً بعده ). متفق عليه .
وفي حديث جويرية : ( أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها ذات يوم وهي صائمة يوم الجمعة ، فقال: أصمت يوم الخميس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري ) " :
وظاهر حديث أبي هريرة الذي معنا وحديث جويرية أنّه لا بدّ أن؟
الطالب : يصام قبله أو بعده.
الشيخ : أن يليه، لأنّه قال: ( أصمت يوم الخميس؟ ) ( أتصومين غدا؟ ) ، وحديث أبي هريرة الذي معنا يقول : ( إلاّ أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ) :
فظاهر الحديث أنّه لا بدّ أن يليه ، وقد اختلف العلماء في ذلك :
منهم من قال: إنّه لا يشترط أن يليه فلو صام يوما واحدا في الأسبوع لم يكن قد خصّص يوم الجمعة، لأنّ التّخصيص إيش معناه؟
الطالب : إفراده.
الشيخ : أن يفرد الشّيء بالشّيء، كما تقول: خصصت فلانا بالعطاء يعني ما أعطيت غيره، فمن صام يوما من أيّام الأسبوع معه فقد زالت الخصوصيّة، وعلى هذا فلو صام يوم الاثنين ويوم الجمعة فلا نهي.
وقال بعض العلماء: إنّه لا بدّ أن يليه إما قبله وإمّا بعده حتى يكونا يومين متقارنين أو متواليين، نعم، ولا شكّ أنّه إذا صام يوما قبله يليه أو يوما بعده فإنّ النّهي مرتفع بلا شكّ.
وأمّا إذا كان بينه وبينه يوم ففي النّفس منه شيء، ولهذا نقول: للإنسان إذا صمت يوم الجمعة فصم يوم السّبت، فإذا قال: أنا قد صمت يوم الاثنين هذا أحوط أن تصوم يوم السّبت الذي هو اليوم الذي يلي الجمعة.
9 - وعنه أيضاً رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله ، أو يوماً بعده ). متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ...).
الطالب : عادة.
الشيخ : عادة، وإذا صام يوما قبله أو يوما بعده، كذا؟
طيب، ويستفاد من هذا الحديث الثاني، حديث أبي هريرة: أنّ الإفراد يزول بصوم يوم قبله أو يوما بعده.
ويستفاد من حديث جويرية: أنّ الإنسان إذا رقّع الخلل الحاصل بالعمل زال المحذور، لأنّ جويرية كانت تريد أن تصوم يوم الجمعة فقط لكن يمكن أن ترقّع هذا الإختصاص بماذا؟
بصوم يوم السّبت فيزول المحذور.
طيب بقي علينا يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس ما حكم صيامها؟
الطالب : الجواز.
الشيخ : نقول الأصل : الجواز ، لكن -نمشي مع هذا حتّى نكمّل ونرجع إلى الحديث-.
وعن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب ، أو عود شجرة فليمضغها ) . رواه الخمسة ، ورجاله ثقات ، إلا أنه مضطرب ، وقد أنكره مالك ، وقال أبو داود : هو منسوخ .
الطالب : الذي سبق ؟
الشيخ : نخلّيه نأجله، من أجل أن نستمرّ مع الأيّام.
قال: ( لا تصوموا يوم السّبت إلاّ فيما افترض عليكم ) :
هذه لا: ناهية، والدّليل على أنّها ناهية؟
الطالب : الجزم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : الجزم.
الشيخ : جزم الفعل، حذف النّون في لا تصوموا.
وقوله: ( إلاّ فيما افترض عليكم ) يعني: إلاّ فيما كان فرضا كرمضان وقضاء رمضان، والكفّارة .
الطالب : والنّذر.
الشيخ : كيف؟
الطالب : والنّذر.
الشيخ : والنّذر إذا لم يعيّنه، إذا لم يقل أصوم يوم السّبت، لأنّه إذا نوى الصّوم يوم السّبت فقد نذر مكروها، لكن إذا نذر أن يصوم يوما فصام يوم السّبت فهذا يدخل فيه.
وقوله: ( إلاّ فيما افترض عليكم ) : استثناء يدلّ على أنّ ما قبله عامّ، لأنّ لدى أهل العلم قاعدة، يقولون: " إنّ الإستثناء معيار العموم " ، معيار أي: ميزان، يعني: أنّه إذا جاء اللّفظ فيه استثناء فما قبل المستثنى عامّ، وأظنّه واضح، لأنّه إذا استثنى شيء، هذا الشّيء المعيّن دلّ على أنّه أراد العموم في ما سبق، وإلاّ لم يكن للاستثناء فائدة، فإذا جاء شيء عامّ واستثني منه شيء فاعلم أنّه عامّ في ما عدا إيش؟
الطالب : المستثنى.
الشيخ : المستثنى طيب.
وقول: ( فإن لم يجد أحدكم ) يعني: إذا صامه وأراد أن يفطر ( فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنب ) :
اللّحاء: القشر، لأنّه يلحى بالمقلمة بالمبراة.
( أو عود شجرة فليمضغها ) يعني: إن لم يجد ما يفطر به إلاّ هذا فليفطر به وهذا تأكيد لفطر يوم السّبت إذا صامه الإنسان -انتبه- إذا تأمّلنا في هذا الحديث، يقول المؤلّف : " رواه الخمسة ورجاله ثقات إلاّ أنّه مضطرب " : مضطرب في إسناده كما يعلم ذلك من كلام علماء الحديث عليه وممّن تكلّم عليه وأطال الشّوكاني في *نيل الأوطار* هذا واحد.
" وقد أنكره مالك " : وهو إمام حافظ من أئمّة الحديث أنكره قال هذا كذب لا يصحّ عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام.
الثالث: " وقال أبو داود هو منسوخ " : نعم والنّسخ يحتاج إلى دليل.
فيه أيضا علّة رابعة : وهي الشّذوذ في متنه.
وفيه علّة خامسة : وهي نكارة متنه من حيث القواعد الشّرعيّة، نعم.
أمّا الإضطراب في السّند فهذا يرجع فيه إلى ما قاله المحدّثون كالشّوكاني مثلا، لأنّه تكلّم عليه كلاما طويلا.
وأمّا إنكار مالك له: فلعلّ مالكا أنكره من جهة شذوذه ونكارة متنه.
وأمّا شذوذه: فلأنّه مخالف للأحاديث الصّحيحة كحديث أبي هريرة السّابق : ( إلاّ أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده )، واليوم الذي بعده هو يوم؟
الطالب : السّبت.
الشيخ : السّبت، وكحديث جويرية قال: ( أتصومين غدا؟ قالت: لا ) وغدا بالنّسبة للجمعة هو يوم السّبت، واضح، طيب.
من جهة نكارة المتن: نكارة المتن من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ ظاهره تحريم صوم هذا اليوم مطلقا، سواء ضمّ إليه ما قبله أو ما بعده أو لم يضمّ، من أين يؤخذ أنّ ظاهره التّحريم؟
أوّلا: من النّهي. والثّاني: من التّأكيد على فطره، مع أنّ الرّسول ما قال: إلاّ أن تصوموا يوما قبله ويوما بعده، والأحاديث الصّحيحة تدلّ على أنّه إذا صام يوم الجمعة قبله فصومه جائز وما فيه شيء، فيكون على هذا منكر المتن، لأنّه كيف يكون واجبا أو يكون صومه محرّما مع أنّه يجوز إذا ضمّ إلى يوم الجمعة.
وجه آخر من النّكارة: أنّه قيل في هذا الحديث : ( إن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنب ) وهل يشترط للفطر الأكل ولاّ تكفي النّيّة؟
الطالب : تكفي النّيّة.
الشيخ : تكفي النّيّة، وهذا يدلّ على أنّ الحديث منكر لمخالفته القواعد الشّرعيّة المعلومة من الدّين، وعلى هذا فيكون الحديث غير معمول به.
نأتي إلى دعوى النّسخ : أبو داود رحمه الله يقول: إنّه منسوخ، يعني : إنّ النّهي عنه منسوخ ، ولكن لم يبيّن النّاسخ، والنّسخ كما تعلمون : " رفع حكم النّصّ الشّرعي بدليل شرعيّ متأخّر " ، وسواء كان هذا الحكم تلاوة أو حكما، يعني: إيجابا أو تحريما.
ولكنّه يشترط للنّسخ : أن لا يمكن الجمع، والثاني : أن يعلم التّاريخ.
فعدم إمكان الجمع ظاهر، أنّه لا يمكن الجمع بينه وبين حديث أبي هريرة وحديث جويرية، لأنّ ظاهره التّحريم مطلقا وظاهرهما؟
الطالب : الجواز.
الشيخ : الجواز إذا ضمّ إليه يوم الجمعة.
لكن التّاريخ، ولعلّ أبا داود رحمه الله أخذه ممّا كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أوّل ما قدم إلى المدينة كان يحبّ موافقة أهل الكتاب ، وأهل الكتاب واليهود يرون أنّ هذا اليوم يوم عيد ، فكان ينهى عن صيامه لأنّ صيامه في نوع من تعظيمه ولاّ لا؟
أو نقول: لأنّ صيامه فيه مخالفة لليهود وإفطاره من أجل أنّه يوم عيد فيه موافقة لهم، ثمّ بعد ذلك كان عليه الصّلاة والسّلام كان يكره موافقة أهل الكتاب فأباح صيامه، لأنّ صيامه مخالفة لليهود إذ أنّ يوم العيد يوم فرح وسرور وليس يوم صوم وانطواء.
ربّما أنّ أبا داود أخذه من هذا الحكم العامّ بالنّسبة للرّسول عليه الصّلاة والسّلام حيث كان في أوّل قدومه المدينة يحبّ موافقة أهل الكتاب ثمّ بعد ذلك صار يحبّ مخالفتهم.
على كلّ حال الأحاديث تدلّ على أنّ صوم يوم السّبت لا بأس به ولا حرج فيه، سواء أفرده أو ضمّه إلى ما سواه وهذا الحديث كما سمعتم فيه هذه العلل.
ثمّ قال: " وعن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله " .
الطالب : شيخ.
الشيخ : هاه؟ نتوقّف عند هذا قبل استكمال البحث؟
الطالب : استكمال البحث.
الشيخ : هاه؟
الطالب : نستكمل البحث.
11 - وعن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب ، أو عود شجرة فليمضغها ) . رواه الخمسة ، ورجاله ثقات ، إلا أنه مضطرب ، وقد أنكره مالك ، وقال أبو داود : هو منسوخ . أستمع حفظ
وعن أم سلمة رضي الله عنها :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول :( إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم ). أخرجه النسائي ، وصححه ابن خزيمة ، وهذا لفظه .
هذا أيضا ممّا يؤيّد أنّ أبا داود
الطالب : أحال النّسخ عليه.
الشيخ : نعم، أحال النّسخ عليه، أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر من صوم يوم السّبت ويوم الأحد، لماذا؟
لأنّهما يوما عيد للمشركين، من هم؟
الطالب : اليهود والنّصارى.
الشيخ : اليهود والنّصارى، فيوم السّبت عيد اليهود ويوم الأحد عيد النّصارى.
( وأنا أريد أن أخالفهم ) : عليه الصّلاة والسّلام، نعم ، لأنّنا منهيّون عن موافقة الكفّار في ما يختصّون به، أمّا من الأديان فظاهر، وأمّا من العادات فلأنّ التّشبّه بهم في العادات يؤدّي إلى محبّتهم والتّشبّه بهم في العبادات.
12 - وعن أم سلمة رضي الله عنها :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول :( إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم ). أخرجه النسائي ، وصححه ابن خزيمة ، وهذا لفظه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ...).
ويفيد أيضا: أنّه ينبغي للمسلم مخالفة أهل الكتاب في أعيادهم، وبه نعرف سفه أولئك الذين يقدّمون التّهاني والهدايا للمشركين في أعيادهم، وأنّ هؤلاء والعياذ بالله ضعيفوا دين، وسفهاء، قال ابن القيّم: " إنّ العلماء اتّفقوا على تحريم تقديم الهدايا لهم والرّضا بأعيادهم الدّينيّة وتهنأتهم بها أيضًا " ، محرّم ، لأنّ تهنئتهم بعيدهم الذي يتعبّدون لله به يدلّ على الإعجاب والرّضا بدينهم وهذا خطير قد يؤدّي إلى الكفر.
أمّا تهنئة الإنسان منهم بولد يولد له أو بمال يحصل له فهذا لا بأس به إذا كانوا يفعلون ذلك بنا.
ويستفاد من هذا الحديث: أنّ اليهود والنّصارى مشركون وليسوا من أهل الدّين، لقوله: ( إنّهما يوما عيد للمشركين ).
ويستفاد منه: أنّه ينبغي لنا أن نتقصّد مخالفة المشركين، لقوله: ( أريد أن أخالفهم ) : والإرادة بمعنى القصد ، فأنت أيّها المسلم مطلوب منك أن تخالف المشركين في كلّ ما هو من خصائصهم الدّينيّة والعاديّة، كلّها، وقد قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ( من تشبّه بقوم فهو منهم ).
هل يشمل ذلك التّشبّه بهم فيما يختصّ من تاريخهم وما أشبه ذلك؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : الجواب: نعم، وقد نصّ الإمام أحمد على ذلك، فقال: " أكره التّوقيت أو قال التّاريخ بآذرناه " : هو أحد أشهر الأفرنج، وبه نعرف سفه أولئك القوم الذين استعبدهم النّصارى أو استعمروهم مدّة طويلة وغيّروا تاريخهم كالدّول الإسلاميّة عموماً اللهمّ إلاّ البلاد السّعوديّة والحمد لله، نسأل الله أن يثبّتها، وإلاّ فكلّهم والعياذ بالله استولى عليهم الإستعمار وغيّر، حتّى تاريخهم الهجري هجروه، وصاروا لا يعرفون إلاّ التّاريخ الغربي الإفرنجي، وكان عليهم بمقتضى الإسلام وبمقتضى العروبة أن يحمدوا الله أن نجّاهم من استعمار هؤلاء وأن يزيلوا كلّ أثر للإستعمار، هذا الواجب عليهم.
أمّا أن يُبقوا على آثار الإستعمار في هذه الأمور هذا خطأ عظيم، وهم محاسبون أمام الله عزّ وجلّ يوم القيامة، كلّ من له قدرة على تغيير هذه الأشياء ولم يفعل فإنّه محاسب على ذلك أمام الله يوم القيامة.
لأنّنا نعجب لو سئل الإنسان أيّ واحد من المسلمين: هل تحبّ أن تتبع طريق الصّحابة والتّابعين والأمّة الإسلامية إلى وقت الإستعمار في التّاريخ والتّوقيت أو تحبّ أن تتابع هؤلاء الكفّار؟
إذا كان مسلما حقيقة قال: أريد الأوّل، طيب حتى وهو عربيّ لو كان عربيّا حقيقيّا تاريخ العرب ما هو؟ توقيتهم؟
الطالب : الهجري.
الشيخ : الهجري لا شكّ، لأنّ العرب قبل الإسلام ليس عندهم تاريخ فلمّا جاء الإسلام وكان في عهد عمر رضي الله عنه أرّخ التّاريخ فصار إسلاميّا عربيّا ومع ذلك كان هؤلاء الآن مازالوا يوقّتون به، حتّى إنّ بعض المدرّسين عندنا لما كنت أدرّس في المعهد يقول: والله ما عرفت الأشهر العربيّة ربيع وربيع وجمادى إلاّ بعد ما جئت هنا! ليش؟
لأنّ المعروف عندهم الافرنجيّة هذه، كما أنّنا الآن ما نعرف الإفرنجيّة هذه لو تقول لي : عدّها أقول: ما أعرفها، أسماؤها ما أعرفها وترتيبها أيضا، الحمد لله الذي هدانا للطّريق السّليم، كذلك هم ما يعرفونها لأنّهم ما علّموها ولا تعلّموها.
13 - فوائد حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ...). أستمع حفظ
مراجعة ومناقشة تحت باب صوم التطوع وما نهي عن صومه
الطالب : الكراهة.
الشيخ : لا، لا يكره صومه، وإنّها يكره إفراده، إن قلنا بصحّة الحديث، أمّا إذا قلنا بأنّ الحديث منكر وشاذّ فإنّ السّبت يجوز إفراده ويجوز أن يضمّ إلى ما قبله وإلى ما بعده.
طيب مرّ علينا أنّ ممّا يقصده الشّرع، نعم؟
الطالب : حديث أمّ سلمة .
الشيخ : نعم.
الطالب : قالت : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم من الأيام يومي السّبت والأحد، وكان يقول: إنّهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم ).
الشيخ : نعم.
الطالب : يستدلّ من هذا مخالفة المشركين.
الشيخ : أن مخالفة المشركين أمر مقصود بالشّرع، وهذا أيضا الحديث الصّحيح الذي سنده جيّد أخرجه أحمد في المسند : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) .
طيب نرجع الآن إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( لم يرخص في أيّام التّشريق أن يصمن إلاّ لمن لم يجد الهدي ) .
نعم منكر فيه الزّيادة وهي هاه؟ أو محصر.
الطالب : المتمتّع.
الشيخ : المتمتّع واضح في القرآن ، لكن أو محصر هذه منكرة ، لأنّ الإحصار ما يتأتّى أي نعم.
رقم الصّفحات والأجزاء طيّب ، لكن ينبغي أيضا أن يقال : في باب كذا لأنّ الطّبعات تختلف، فإذا لم يحدّد الباب والطّبعات تختلف يعني ربّما يبطء الإنسان وما يهتدي إليه، فإذا قيّده فيقول: في باب كذا، يكون أحسن أي نعم.
تلخّص لنا الآن أنّ المرفوع صريحا كلّها أسانيدها ضعاف جدّا، لكن قد يقال: إنّه يستأنس بها مع احتمال اللّفظ الذي في الصحيحين: ( أن يرخّص ) فيعطى حكم الرّفع وهذا هو الظّاهر والله أعلم.
وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) . رواه الخمسة ، واستنكره أحمد .
" وعنه -أي عن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) رواه الخمسة واستنكره أحمد. " :
يعني: قال: إنّه منكر ، وذلك لأنّه مخالف لحديث أبي هريرة الثابت في الصّحيحين: ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) فإنّ ظاهره جواز تقدّمه لأكثر من ذلك.
والحديث هذا اختلف العلماء فيه، والصّحيح أنّه حديث ضعيف لا تقوم به حجّة.
وأمّا مخالفته لحديث أبي هريرة الذي في الصّحيحين فإنّه يمكن الجمع بينهما كما سأذكره إن شاء الله تعالى.
يقول: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) : ليس المراد فلا تستمرّوا بالصّوم، لأنّه قد ثبت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أكثر ما يكون صوما في شعبان، فكان يصومه إلاّ قليلا، بل قد كان يصومه كلّه، وهذا يدلّ على أنّ المراد بالنّهي هنا النّهي عن ابتداء الصّوم بعد النّصف، وأمّا إذا كان الإنسان مستمرّا في صومه فإنّ ذلك لا نهي فيه.
وأمّا حديث أبي هريرة الذي يقول: ( لا تقدّموا رمضان ) فيمكن الجمع بينه وبين هذا الحديث: بأن يحمل حديث أبي هريرة هناك على أنّ النّهي للتّحريم، وهنا على أنّ النّهي للكراهة، وإلى هذا ذهب الشّافعيّة رحمهم الله وقالوا: إنّ ابتداء الصّوم بعد نصف شعبان مكروه، أما الاستمرار فيه فليس بمكروه.
وأمّا حديث أبي هريرة: ( لا تقدّموا رمضان ) فالنّهي فيه للتّحريم، وبهذا جمع بين الحديثين.
ولا شكّ أنّ هذا الجمع متعيّن عند من يرى أنّ هذا الحديث يصل إلى درجة الحسن، فإنّ الحَسَن كما هو معروف من أقسام المقبول وليس من أقسام الصّحيح، بل هو قسيم له.
والرّاجح والله أعلم أن يقال: إنّ الأولى عدم الصّوم، الأولى ولكن لا نقطع بالكراهة لكون هذا الحديث ضعيفاً.
فإن قلت: قد مرّ علينا قاعدة عند بعض العلماء: " أنّ النّهي إذا كان الحديث ضعيفا يحمل على الكراهة "، نعم ، فلماذا حملته هنا على أنّ الأولى أن لا يصوم؟
فالجواب : أنّ حديث أبي هريرة : ( لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) يمنع أن نقول بالنّهي ، لأنّ مفهومه يدلّ على الجواز ، أي جواز تقدّم الصّوم بأكثر من يومين أو يوم.
15 - وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) . رواه الخمسة ، واستنكره أحمد . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ). رواه الخمسة غير الترمذي ، وصححه ابن خزيمة والحاكم ، واستنكره العقيلي .
هذا الحديث يقول: ( نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ) ، وأمّا في غير عرفة فقد سبق أنّه يكفّر السّنة التي قبله والتي بعده، لكن في عرفة لا تصوم.
والحديث هذا ضعيف كما ضعّفه العقيلي، لكن له شاهد ثابت في الصّحيح من حديث أمّ الفضل رضي الله عنها: ( أنّها أرسلت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَدَحًا فيه لبن وهو واقف بعرفة، فأخذه وشربه والنّاس ينظرون إليه ) ، ليحقّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّته أنّ هذا اليوم ليس يوم صوم.
والعلّة في ذلك والحكمة : لأنّ هذا اليوم يوم دعاء وتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى، والإنسان إذا صام فسوف يضعف بدنه ونفسه، لا سيما في أيّام الصّيف، ولا سيما في آخر النّهار الذي هو أفضل ما يكون من أجزاء يوم عرفة، فإنّ يوم عرفة آخره أفضل من أوّله، وإذا صام هذا الإنسان في هذا الموقف الذي لم يأت من بلده إلاّ لهذا الموقف وأشباهه من شعائر الحجّ ، فإنّه يفوّت على نفسه الفرصة العظيمة وهي الدّعاء والإلحاح على ربّه جلّ وعلا.
وعلى هذا فنقول: إنّ صوم يوم عرفة بعرفة للحاجّ، أمّا العمّال الذين لم يحجّوا فلا حرج أن يصوموا لكن إذا كان حاجّا فإنّه لا يصوم ولا يتعبّد بالصّوم، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يصم وأعلن عدم صومه من أجل أن تقتدي الأمّة به.
فإن صحّ هذا النّهي عن أبي هريرة كان مؤكّدا لترك الصّوم، وإن لم يصحّ فإنّ فعل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وإعلانه الإفطار في هذا اليوم مع أنّه رغّب في صوم يوم عرفة يدلّ على أنّ صومه غير مرغوب لديه صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قال قائل: قد يكون هذا خاصّا بالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ونحمل الحديث العامّ صوم يوم عرفة يكفّر السّنة التي قبله والتي بعده نحمله على العموم، ويكون هذا خاصًّا بالرّسول عليه الصّلاة والسّلام؟
قلنا: لو كان خاصّا بالرّسول ما أعلنه وأظهره، لأنّ إعلانه وإظهاره إيش يقتضي؟
الاقتداء به والتّأسي به، وهذا يدلّ على أنّه ليس خاصّا به.
ثمّ نقول: الأصل عدم الخصوصيّة حتى يقوم دليل على ذلك.
ثمّ نقول: إنّ صبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الأكل والشّرب مع ابتهاله إلى الله والتّضرّع إليه أقوى منّا بلا شكّ، ولهذا كان يواصل وينهى عن الوصال، فكيف يكون المشروع في حقّه أن يفطر وهو أقوى منّا وأصبر وأشدّ رغبة ورهبة إلى الله عزّ وجلّ، ويكون الاستحباب عامّا لأمّته؟!
فالمهمّ أن القول بأنّه خاصّ قول ضعيف بلا شكّ، طيب.
16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ). رواه الخمسة غير الترمذي ، وصححه ابن خزيمة والحاكم ، واستنكره العقيلي . أستمع حفظ
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا صام من صام الأبد ). متفق عليه . ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ :( لا صام ولا أفطر ).
ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ: ( لا صام ولا أفطر ) " :
( لا صام من صام الأبد ) : لا نافية ، وهل هي باقية على النّفي أو هي بمعنى الدّعاء؟
يعني: هل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يخبر أنّ من صام الأبد فإنّه لم يصم الأبد بمعنى: أنّه لم يحصل له ثواب صوم الأبد، فيكون لا صام شرعًا من صام الأبد حِسًّا -انتبه- فيكون الحديث نفياً، أو هو دعاء عليه؟
الطالب : الأوّل.
الشيخ : نعم؟
بمعنى: لا صام أي: لا أعانه الله على الصّوم بل عجز عنه حتى لا يصوم.
يحتمل ولكن المعنى الأوّل أقرب، لأنّ الأصل في النّفي أنّه على حقيقته للنّفي.
ثمّ إنّه يبعد أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يدعو على شخص فعل ها الفعل يريد التّعبّد لله عزّ وجلّ .
فالظّاهر أنّ الصّواب في هذا معناه: أنّه نفي للصّوم شرعا لمن صام الدّهر حسّا ، لأنّ صائم الدّهر ماذا يريد؟
الطالب : يريد الثّواب.
الشيخ : يريد الثّواب، أن يثاب على عدد أيّام الدّهر فبيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه لا يحصل له ذلك، وأنّه لا يثاب عليه.
17 - وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا صام من صام الأبد ). متفق عليه . ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ :( لا صام ولا أفطر ). أستمع حفظ
فوائد حديث ( لا صام من صام الأبد ).
وقال بعض العلماء: بل يستفاد منه تحريم صوم الدّهر، لأنّه إذا انتفت شرعيّته ماذا يكون؟
الطالب : بدعة.
الشيخ : يكون بدعة، غير مشروع، ولأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منع القوم الذي قال أحدهم : أنا أصوم ولا أفطر، وقال: ( ومن رغب عن سنّتي فليس منّي ) .
ولأنّه منع عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم الدّهر ، وآخر مرتبة له أن يصوم يوماً ويفطر يوماً.
ولأنّه إذا صام الدّهر كلّه فإنّه لا يخلو غالبا من التّقصير في الواجبات الأخر، والدّين الإسلامي متكامل يجعل للنّفس حظّها، ولأهله حظّهم، وللزّائرين حظّهم، وللنّاس عامّة حظّهم، وللبدن أيضا أعمال أخرى بدنيّة يجعل له حظّها.
ومعلوم أنّ الصّيام يعوق الإنسان عن مسائل كثيرة بدنيّة يحتاج الإنسان إلى أن يقوم بها ، لا سيما في أيّام الصّيف الطّويلة الحارّة.
فالأقرب عندي: أنّ صوم الدّهر منهيّ عنه على سبيل التّحريم لهذه الأدلّة السّمعيّة والنّظريّة التي تمنع من أن يصوم الإنسان على سبيل التّأبيد.
حديث عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا صام من صام الدّهر ) :
أوّلا: هل هذا الكلام خبرا أو دعاء؟
الطالب : دعاء.
الشيخ : دعاء؟
باب الاعتكاف وقيام رمضان
وأمّا قيام رمضان فالمناسبة فيه واضحة، فإنّ الصّيام أوجب ما فيه صيام رمضان، والقيام قيام رمضان، لكنّ الصّيام فريضة والقيام مندوب.
ولقيام رمضان مناسبة أخرى وهي صلاة التطوّع ، فإنّ الفقهاء -رحمهم الله- ذكروا التّراويح وقيام رمضان هناك، وذكروا هنا قيام ليلة القدر، على كلّ حال المسائل هذه مسائل فنّيّة كما يقولون ولا تهمّ.
أمّا الاعتكاف في اللّغة: فهو لزوم الشّيء، ومنه قوله تعالى: (( ويعكفون على أصنام لهم )) : يعكفون يعني : يديمون ملازمتها ويبقون عندها ، (( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون )) ، (( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا )) أي : ملازما ثابتا.
أمّا في الشّرع : فهو : " التّعبّد لله بلزوم المسجد للتخلّي لطاعة الله عزّ وجلّ " ، إذن الغرض منه أنّ الإنسان ينقطع عن الدّنيا ولذّاتها وزهرتها ويتخلّى في هذا المسجد لطاعة الله عزّ وجلّ، فهو عبارة عن رياضة نفسيّة يروّض الإنسان نفسه فيه عليها .
وحكمه أنّه مسنون، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله-: " لا أعلم خلافا بين العلماء أنّه مسنون " .
ولكنّه يجب بالنّذر لحديث عمر رضي الله: ( أنّه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوف بنذرك ) ، ولأنّه طاعة، وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ).
أمّا قيام رمضان فهو الصّلاة في رمضان، وقد كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة كما قالت ذلك عائشة رضي الله عنها لمن سألها : كيف كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في رمضان ؟ ولكنّه أحيانا كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) . متفق عليه .
من شرطيّة، وفعل الشّرط: قام، وجوابه؟
الطالب : غفر له.
الشيخ : غفر له. وحذف الفاعل في غُفِر له للعلم به، مَن هو؟
الطالب : الله.
الشيخ : الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: (( ومن يغفر الذّنوب إلاّ الله ))، كما حذف الفاعل للعلم به في قوله: (( وخلق الإنسان ضعيفاً )) لأنّ الخالق هو الله سبحانه وتعالى.
قال: ( من قام رمضان ) يعني : شهر رمضان وهو يشمل كلّ الشّهر من أوّله إلى آخره.
وقوله: ( إيمانا ) هذه مفعول من أجله، وعامله إيش؟
قام، وهو وصف للقائم، هذا المفعول من أجله هو الباعث أو هو الغاية؟
الطالب : هو الباعث.
الشيخ : هو الباعث، يعني يبعثه على ذلك الإيمان، يعني: لإيمانه.
وقوله: ( احتسابا ) : هو أيضا مفعول من أجله يحتمل أن يكون علّة باعثة أو علّة غائيّة، يعني: الغاية من قيامه احتساب الأجر، طيب إيمانا بمن؟
إيمانا بالله عزّ وجلّ، إيمانا بوعد الله وتصديقا به.
احتسابا : احتسابا للأجر يعني: يحتسب الأجر من الله، الأجر الذي رتّب على هذا القيام هو مغفرة الذّنوب.
وقوله: ( غفر له ما تقدّم ) ما : اسم موصول تفيد العموم .
وقوله: ( ما تقدّم من ذنبه ) الذّنب المعصية وهي مفرد مضاف فيكون عامّا لكلّ ذنب، لأنّه سبق لنا قاعدة عدّة مرّات : " أنّ المفرد إذا كان مضافا فإنّه يفيد العموم ".
20 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).
منها: الحثّ على قيام رمضان، وجهه؟
الطالب : ( من قام رمضان ).
الشيخ : قوله: من قام، غفر له، فإنّ هذا يحمل الإنسان على أن يقوم رمضان.
ومن فوائده أيضا: الإشارة إلى إخلاص النّيّة، لقوله: ( إيمانا )، وكذلك الإشارة إلى التّصديق بوعد الله عزّ وجلّ لقوله: ( واحتسابا ) فإنّ الإنسان لا يحتسب الشّيء إلاّ إذا آمن به.
ومن فوائده أيضا: أنّ من قام رمضان على هذا الوصف حصل على مغفرة الذّنوب السابقة، لقوله؟
الطالب : ( غفر له ما تقدم ).
الشيخ : ( غفر له ما تقدّم من ذنبه ).
وظاهر الحديث شمول الذّنب للصّغائر والكبائر، وأنّ كلّ ما سبق يُغفر له. ولكنّ جمهور أهل العلم يرون أنّ هذا العموم مخصوص بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر -أو- إذا اجتنبت الكبائر ) .
فقالوا: إنّ هذا الحديث وأمثاله مخصّص بذلك، ويكون المراد بالذّنب الصّغائر فقط، فإذا اجتنب الكبائر غفرت الصّغائر.
ويوجّهون كلامهم بأنّه إذا كانت الصّلوات الخمس وهي أعظم أركان الإسلام لا تقوى على تكفير الكبائر فما دونها من باب أولى لأنّه لا شكّ أنّ الفرض أحبّ إلى الله تعالى وأعظم أثرا على قلب المؤمن وأعظم أجرا، فإذا كانت الفرائض العظيمة لا تكفّر بها الكبائر فهذا من باب أولى وهذا أقرب.
ومن فوائد الحديث: أنّ من قام رمضان على العادة فإنّه لا يحصل له مغفرة الذّنب كما هو شأن كثير من النّاس اليوم يقومون رمضان لأنّهم كانوا يعتادون قيامه، ولهذا تجد غالبهم لا يحصل عنده خشوع في صلاته ولا طمأنينة بل ينقرها نقر الغراب.
وحدّثني رجل أثق به قال: إنّه دخل على مسجد وهم يصلّون التّراويح ويلعبون بها ينقرونها هذا النّقر المعروف، يقول: فلمّا نام رأى في المنام كأنّه دخل على أهل هذا المسجد وهم يرقصون يعني: كأنّ صلاتهم صارت لعبا، ولا شكّ أنّ بعض الأئمّة -نسأل الله لنا ولهم الهداية- يعني يصلّون التّراويح صلاة لعب، لا يتمكّن الإنسان من التّسبيح في الرّكوع، ولا من التّحميد بعده، ولا من التّسبيح في السّجود، حتّى في التّشهّد تشكّ هل أكملوا التّشهّد أو لم يكملوه ، وهذا نقص في الإيمان ، لأنّ المؤمن المحتسب ما يمكن يصلّي هذه الصّلاة.
ومن فوائد الحديث أيضا: أنّ الإنسان إذا قصد بعمله الثّواب عليه فإنّ ذلك لا يعدّ مثلبة في حقّه بل هو منقبة لقوله: ( واحتسابا )، ففيه ردّ على من يقول: إنّ أكمل عبادة الله أن تعبد الله تقصد الله فإن قصدت الله مع الثّواب فهذا نقص ولا شكّ أنّ هذا القول خطأ لأنّ الله وصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وهم خير الأمّة بلا شكّ بأنّهم يبتغون فضلا من الله ورضوانه فقال: (( محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا )) :فوصفهم بأنّهم يبتغون الأمرين: الفضل والرّضوان.
وقال تعالى: (( ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه )) : فهؤلاء يريدون الله، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يريد هو وأصحابه يريد الفضل والرّضوان ، فكوننا نقول للإنسان: أكمل العبادة أن تعبد الله لله فقط لا رجاء في ثوابه هذا خطأ، فإنّنا نقول: إنّ رجاء ثوابه هو من إرادة الله، لأنّ ثواب الله تعالى فعله وفعله من صفاته، فهذا هو القول الرّاجح في هذه المسألة.
ومن فوائد الحديث: إثبات الأسباب لقوله: من قام، غُفِر، وهو كذلك.
وإثبات الأسباب هو من الإيمان بحكمة الله عزّ وجلّ، يعني: من تمام الإيمان بحكمة الله أن تثبت الأسباب، لكن ما هي الأسباب التي نثبتها؟
هي الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا، وهي نوعان:
شرعيّة وكونيّة، مثال ذلك في المرض، المرض .