السائل : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فيسر تسجيلات التقوى الإسلامية بالرياض أن تقدم أشرطة الدروس والفتوى التي ألقاها شيخنا الفاضل الشيخ محمد بن صالح العثيمين في المسجد الحرام في شهر رمضان المبارك من هذا العام سبعة وأربمعمئة وألف للهجرة وقد يسر الله لنا تسجيل أكثرها هذا وقد قمنا بفهرسة هذه الأشرطة وذكرنا في أول كل شريط رقمه لتسهيل البحث فيه نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بها جميعا وأن يجزي الشيخ خير الجزاء أيها الأحبة مع محتوى هذ الشريط وهو الشريط لأول من هذه المجموعة.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الأخوة فقد استمعنا جميعا إلى ما تلاه إمامنا من هذا القرآن العظيم ولاسيما سورة ق تلك السورة العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بينها وبين سورة اقتربت في المجامع الكبار فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في صلاتي العيدين لما يتضمناه من المواعظ العظيمة التي تلين لها القلوب القاسية.

الشيخ : في هذه السورة العظيمة أقسم الله عز وجل بالقرآن العظيم بصفته القرآن المجيد والمدح هو العظمة والعزة والرفعة وهذا القرآن يعلو ولا يُعلى ومن تمسك به فإنه يعلو ولا يعلى ثم تحدث الله عز وجل عن أولئك المكذبين الذين أنكروا البعث.

الشيخ : (( بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أءذا متنا وكنا ترابا )) يعني أنرجع ونحيا بعد أن متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ولكن الله عز وجل استدل على إمكان ذلك الرجع بأمور حسية معقولة وأدلة برهانية معلومة.

الشيخ : استدل الله تعالى على إمكان ذلك بأنه ينزل من السماء ماءً مباركا فينبت به جنات وحب الحصيد ينزل على الأرض الهامدة التي ليس فيها شجر حي ولكن الله تعالى يجعل من هذا الماء يجعل منه ذلك الحب الحصيد الذي يبلغ منتهاه إلى الحصاد والنخل باسقات ترتفع في أوج السماء لها طلع نضيد رزقا للعباد فيحي به الأرض بعد موتها يقول الله عز وجل كذلك الخروج فإن القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على أن يحي الموتى بعد موتنا واستمع إلى تفصيل ذلك في قوله تعالى : (( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير )).

الشيخ : ثم بين الله عز وجل أن تكذيب هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بغريب ولا ببدع على بني آدم فإنه قد كذب قبلهم قوم نوح وكذلك غيرهم من أتباع الرسل.

الشيخ : ثم تحدث الله عز وجل عن برهان آخر ألا وهو خلق الإنسان أول مرة فإذا كان الله تعالى لم يعيَ بخلقه أول مرة فهو قادر على أن يخلقه مرة أخرى (( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد )).

الشيخ : ثم بين الله عز وجل أنه خلق الإنسان وأنه جل وعلا يعلم ما توسوس به نفسك ما تحدثك به نفسك قبل أن ينطق به لسانك فإن الله تعالى يعلمه فاحذر يا أخي احذر أن تخفي في نفسك ما لا يرضاه الله عز وجل فإن هذا الذي تخفيه في نفسك سيكون الحساب عليه يوم القيامة يوم تبلى السرائر (( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور )) إن الحساب في الآخرة على مافي القلوب أما في الدنيا فإن الأحكام على ما في الظاهر لأنه لا يعلم مافي القلب إلا الله عز وجل ولكن في يوم القيامة تختبر السرائر ويحصل ما في الصدور.

الشيخ : ثم قال عز وجل : (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد وحبل الوريد هو ذلك العرق الغليظ الذي يخرج من القلب ويرجع إليه فالله عز وجل بملائكته أقرب إلى الإنسان من هذا الحبل لأنه قال : (( أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان )) فجعل هذا القرب جعله معلقا مقيدا في هذه الحال إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد وهذا دليل على أن هذا القرب قرب الملائكة الذين يتلقون ما يعمله بنو آدم ويدل لهذا أن قرب الله عز وجل بنفسه لا يكون إلا لمن دعاه أو عبده فقط لا يكون لكل إنسان (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع الصحابة أصواتهم بالذكر : ( اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولم يرد القرب القرب أي قرب الله تعالى بنفسه لعبده إلا في حال الدعاء وحال العبادة أما القرب العام فإنه قربه لملائكته كما قال الله تعالى هنا : (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) وقال الله عز وجل : (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) وهذا قربه تعالى بملائكته الذين ينزلون لقبض روح الإنسان ثم قال عز وجل.

الشيخ : (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) ملكان يكتبان على الإنسان كل ما قال وكل ما فعل من خير أو من شر أخي المسلم تأمل لو كان لديك جهاز مسجل مصور يسجل ما تقول ويصور ما تفعل ثم يبعث به إلى الأمير أو السلطان ليحاسبك على ما رأى وعلى ما سمع من هذا الجهاز هل يمكن أن تقول قولا يغضب ذلك الأمير أو السلطان أجب هل يمكن أن تفعل فعلا يغضب ذلك الأمير أو السلطان إذا فكل ما تقوله وكل ما تفعله فإنه مسجل عليك وسوف ينشر لك يوم القيامة كما قال الله تعالى : (( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )).

الشيخ : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ما يلفظ من قول كلمة من قول تدل على العموم العموم الأكبر الذي لا يمكن أن يخصص شيء من أفراده ذلك لأنه جاء في سياق النفي وأكد بمِن التي هي زائدة إعرابا وليست زائدة معنى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد إذا تكلمت بأي كلمة وبأي قول فلديك رقيب حاضر يكتب كل ما تقول من خير أو من شر ولما مرض الإمام أحمد رحمه الله مرض مرضا شديدا وجعل يئن من المرض دخل إليه بعض أصحابه فقال له يا أبا عبدالله إن طاووسا وهو أحد التابعين يقول إن المريض إذا أنَّ فإنه يكتب أنينه في مريضه لأن الله يقول : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) حتى أنين المريض يكتب أمسك أبو عبدالله الإمام أحمد عن الأنين وصار لا يئنّ في مرضه وهكذا أئمتنا يعظمون الله عز وجل ويعظمون كل ما قرره الله تعالى في كتابه وبينه لعباده أيها الإخوة لو أننا نظرنا إلى ما نقوله في أيامنا في خلواتنا ومع أصحابنا ومع أقوامنا لو نظرنا إلى هذه الأقوال الكثيرة التي هي غير محصاة لنا لوجدنا أننا نفرط في أقوال عظيمة تذهب سدى لا تنتفع منها بل ربما نتضرر بها ولقد قال نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) فليقل خيرا أو ليصمت فإما أن تقول خيرا تنتفع به عند الله عز وجل وإما أن تصمت حتى يتم بذلك إيمانك لأنك إذا تكلمت وأطلقت لسانك فما أكثر خطأك وما أعظم زلتك (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) وبعد خلق الإنسان وبعد عمله وبعد كدحه في هذه الدنيا فما هي النهاية استمع.

الشيخ : (( وجاءت سكرة الموت بالحق )) جاءت سكرة الموت بالحق إنها سكرة ليست سكرة شراب ولا سكرة هوى ولا سكرة عشق ولا سكرة مال ولا سكرة جاه ولا سكرة رئاسة ولكنها سكرة فراق سكرة فراق الدنيا التي يشعر الإنسان بها أنه فارق الدنيا فارق دار العمل ليس في هذه الحال يسكر لأنه فارق أمه وأباه أو زوجته وأولاده ولكنه يسكر لأنه فارق دار العمل (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت )) لا يقول ارجعون لعلي أرجع إلى زوجتي أو إلى أمي أو إلى أبي أو إلى ولدي أو إلى صديقي ولكن يقول ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت يقول الله عز وجل : (( كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون )) يا أخي أقول لنفسي وأسأل الله تعالى أن يليّن قلبي وقلوبكم أقول تذكر هذه الآية (( وجاءت سكرة الموت بالحق )) هذه السكرة التي لا تدري متى تنزل بك لا تدري أتنزل بك صباحا أم مساء لا تدري أتنزل بك عن قريب أم عن بعيد لا تدري أتنزل بك وأنت على فراشك لا تدري أتنزل بك وأنت على كرسي مكتبك لا تدري أتنزل بك وأنت على سيارتك تقصد عملك ولكن يحال بينك وبينه أيها الأخ أيها المسلم أيها المؤمن أيها الموقن إنه لا يمكنك أن تنكر الموت لأن الموت مشاهد محسوس ولكن يأخذك التسويف والتفريط والإهمال حتى تستبعد وقوع الموت وماهو ببعيد إنما توعدون لآت أيها الإخوة إني أدعو نفسي وإياكم أن نتذكر دائما هذه السكرة (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )) ما إما أن تكون اسما موصولا أي ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر عنه ولكن قل (( إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )) أو تكون ما نافية أي ذلك الذي لا محيد لك عنه وكلنا يعلم أن هذا هو غاية كل إنسان.

الشيخ : ثم ذكر الله عز وجل الغاية العامة فقال : (( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد )) والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل أحد الملائكة الذين يحملون العرش قد التقم الصور وحنا جبهته ينتظر متى يؤمر فإذا أمره الله عز وجل أن ينفخ في هذا الصور سمع الناس صوتا عظيما يفزعون منه ثم يصعقون ويموتون (( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )) قيام من قبورهم ينظرون ماذا حدث فإذا نفخ في الصور فإنهم يحشرون إلى الله عز وجل ليقضي بينهم بحكمه وهو السميع العليم قال الله عز وجل : (( ذلك يوم الوعيد )) ذلك يوم الوعيد هذا اليوم أيها الإخوة ليس يوم وعيد فقط بل هو يوم وعد ووعيد يوم وعد للمتقين ووعيد للكافرين ولكنه عز وجل قال ذلك يوم الوعيد لأن هذه السورة افتتحت بشأن من ينكر البعث ويكذب الرسل فكان المقام البلاغي يقتضي أن يذكر ذلك الجانب أعني جانب الوعيد فقال ذلك يوم الوعيد.

الشيخ : (( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )) والله إننا في غفلة من هذا إننا غافلون سادرون في دنيانا لاهون عن آخرتنا وسوف نرى ببصر قوي حديد ما يكون يوم القيامة إذا جاء ذلك اليوم (( ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )).

الشيخ : ثم ذكر الله تعالى في آخر هذه السورة مآل كل إنسان وذكر أن الناس ينقسمون إلى قسمين قسم يكون من أهل النار نعوذ بالله منها وقسم يكون من أهل الجنة أما أهل النار فإن الله تحدث عن دارهم فقال : (( يوم نقول هل امتلأت وتقول هل من مزيد )) فلا تزال يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد هل من مزيد وهذا الاستفهام للطلب وليس للنفي كما زعمه بعض المفسرين ولكنه للطلب تطلب الزيادة ولكن رحمة الله عز وجل سبقت غضبه فيضع عليها جل وعلا يضع عليها رجله حتى ينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط أي حسبي حسبي كفاية كفاية.

الشيخ : أما الجنة وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهلها فإنها تزلف، تقرب للمتقين غير بعيد (( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب )) هذه أربعة أوصاف لكل أواب منيب من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب أما الأواب فهو الرجاّع إلى الله عز وجل من ذنوبه إلى طاعة مولاه حفيظ حافظ لأوامر الله لا يخل بها ولا يتجاوزها فهو جامع بين الرجوع من المعصية وكل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون وبين حفظ حدود الله عز وجل لا يتجاوز ما أمره الله به بل يأتي به كاملا موفرا بحسب استطاعته من خشي الرحمن بالغيب أي خاف الله تعالى بالغيب والخشية أخص من العلم فكل خشية علم وليس كل خوف خشية إذ أن الخشية لا تكون إلا مع العلم كما قال الله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) أي العالمون بالله عز وجل ليس العالمون بالطبيعة فإن من العالمين بالطبيعة من هو أكفر خلق الله بالله ولكن المراد العالمون بالله سبحانه وتعالى بما له من الأسماء والصفات والأحكام الكونية والشرعية المتضمنة للحكمة البالغة (( من خشي الرحمن بالغيب )) هل المراد أنه يخشى الله إذا كان منفردا في سوقه أو بيته أو بره أو بحره أو المراد ما هو أعم من ذلك المراد ما هو أعم من ذلك يخشى الله في الوحدة ويخشى الله بالغيب أي بما غاب عن الناس مما يكنه في صدره فهو خاش لله عز وجل ظاهرا وباطنا في الاجتماع والانفراد وكثير من الناس نسأل الله أن يعيذني وإياكم من أحوالهم يخشون الله تعالى ظاهرا فتجده أمامك يقوم مقام الخاشع العابد الذليل ولكن قلبه متكبر جبار والعياذ بالله أما من خشي الله بالغيب وكان قلبه كظاهره يخشى الله ظاهرا وباطنا وجاء بقلب منيب ولم يقل وكان ذا قلب منيب وإنما قال : (( وجاء بقلب منيب )) إشارة إلى أن تلك الإنابة امتدت به حتى الموت حتى لقي الله عز وجل وجاء بقلب منيب فهذه الأربعة الأوصاف هي أوصاف أهل الجنة.

الشيخ : الذين يقال لهم : (( ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد )) ومن المزيد الذي لدى ربنا النظر إلى وجهه الكريم اللهم ارزقنا النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم اجعلنا ممن وفق لليلة القدر واستكمل فيها عظيم الثواب والأجر يا رب العالمين ونسألك اللهم أن تعيد علينا شهرا ونحن في أعز ما يكون وفي آمن ما يكون وفي أقوى إيمانا ما يكون وفي أحسن عملا صالحا يكون يا رب العالمين.

الشيخ : ثم قال الله تبارك وتعالى : (( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )) وهذا من الأدلة على إمكان البعث الذي أنكره أولئك المكذبون لأن من خلق هذه السماوات العظيمة والأرض وما بينهما في هذه المدة الوجيزة قادر على أن يعيد الخلق في ستة أيام وما مسنا من لغوب ما هو اللغوب اللغوب التعب وذلك لكمال قوة ربنا عز وجل خلق هذه السماوات العظيمة في هذه المدة الوجيزة بدون أن يلحقه جل وعلا لغوب وتعب لأنه كامل القوة وخلقها الله عز وجل في ستة أيام مع أنه قادر على أن يخلقها في لحظة واحدة إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون لأن حكمة الله عز وجل تقتضي أن تناط الأمور بأسبابها وهذا التكوين العظيم في هذه المخلوقات العظيمة لابد له من أسباب يترتب بعضها على بعض حتى تصل إلى درجة الكمال وفي قول الله تعالى وما بينهما دليل على أن ما بين السماوات والأرض أمر عظيم كبير لأنه جعل معادلا لخلق السماوات والأرض بينما نحن نظن أنه ليس بينهما إلا ذلك الهواء وتلك النجوم ولكن هناك أمورا عظيمة بين السماوات والأرض استحقت أن تكون عديلا لخلق السماوات والأرض.

الشيخ : (( فاصبر على ما يقولون )) والخطاب لمن ؟ للرسول صلى الله عليه وسلم اصبر على مايقولون من إنكار البعث وغيره من تكذيبك لا تتضجر فإنك مثاب على ذلك والعاقبة لك وهكذا نقول لكل من دعا إلى الله عز وجل اصبر على ما يقال لك وتحمل فإن العاقبة للمتقين (( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) إنك سوف تلاقي من يرد دعوتك ومن يسخر بك ومن يستهزء ولكن هذا كله يذهب جفاء إذا قابلته بالصبر والاحتساب وأنت إذا قتلت أو إذا أوذيت في ذلك فإنما هو في سبيل الله عز وجل لما أدميت أصبع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل أنت إلا إصبع دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي ) فكل ما يلقاه الإنسان في الدعوة إلى الله عز والجل والعمل من الأذى النفسي أو الجسمي أو المالي أو الأهلي فإنما ذلك في سبيل الله فليصبر وليحتسب ولينتظر الفرج من الله عز وجل فإن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرا وإن الفرج مع الكرب فاصبر على ما يقولون ولو أننا رجعنا إلى سورة المطففين لوجدنا لمن تكون العاقبة يقول الله عز وجل : (( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون )) متى في الدنيا (( وإذا مروا بهم يتغامزون )) استهزاء وسخرية (( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون )) ونحن في عصرنا هذا لا يقال للدعاة إنكم ضالون ولكن يقال إنكم رجعيون كل من تمسك بالدين فإنه يقال له عند هؤلاء هو رجعي والكلمة وإن اختلفت في اللفظ فالمعنى واحد (( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين )) ماهي العاقبة استمع إليها (( فاليوم الذين آمنوا )) اليوم يعني يوم القيامة (( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون )) وهذا هو الضحك الذي لا بكاء بعده أما ضحك أولئك المجرمين فإن بعده البكاء الذي لا يرقأ دمعه نسأل الله العافية والسلامة قال الله لنبيه (( فاصبر على ما يقولون )).
السائل : ... .
الشيخ : نعم (( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )).

الشيخ : (( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير نحن أعلم بما يقولون )) وهذه الجملة لا يمتري عاقل في أنها تهديد لهؤلاء المكذبين فالله أعلم بما يقولون وسوف يحاسبهم عليه وما أنت عليهم بجبار أي بحفيظ ووكيل (( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )) فالقرآن إنما يتذكر به من يخاف وعيد الله أما من كان مكذبا معرضا مستكبرا فإنه إذا تتلى عليه آيات الله قال أساطير الأولين ولم ينتفع بها وكأنها سواليف العجائز عنده والعياذ بالله بخلاف المؤمن فإنه يرى أن هذا الكلام أعظم الكلام وأنفعه للقلب والفرد والمجتمع أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يتذكر القرآن وينتفع به ويتلوه حق تلاوته إنه سميع قريب والحمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد هذا الكلام الموجز على هذه السورة التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعله فاتحة خير لنا ولكم.

الشيخ : نرجع إلى مناقشة ما ذكرناه في الليلة الماضية من مفطرات الصائم وكم هي وما أدلتها ولا نقبل الإشارة باليسرى .
السائل : ثلاثة سبعة ثمانية.
الشيخ : ثمانية عد منها ثلاثة.
السائل : الأكل والشرب والجماع.
الشيخ : استرح الأخ.
السائل : الحجامة.
الشيخ : الحجامة ولا خروج الدم بالحجامة.
السائل : خروج الدم بالحجامة وما قام مقام الأكل والشرب وخروج المني بشهوة.
الشيخ : الأخير غير صحيح.
السائل : بفعل من الصائم.
الشيخ : إنزال المني بشهوة بفعل من الصائم طيب أحسنت هذه ستة بقي اثنان.
السائل : الحيض إذا حاضت المرأة.
الشيخ : خروج دم الحيض والنفاس.
السائل : والقيء عمدا.
الشيخ : والقيء عمدا بارك الله فيكم ماهو الدليل على أن الأكل والشرب والجماع مفسد للصوم ؟

الشيخ : وقبل أن أطلب الدليل أود أن أسأل عن قاعدة مهمة في هذا الباب ذكرناها في الأمس
السائل : ما بني على أساس شرعي لا بد له من دليل شرعي.
الشيخ : هو مبني على أساس شرعي كيف تقول لابد له من دليل شرعي ما بني على أساس شرعي فإنه لا ينقض إلا بدليل شرعي طيب وبناء على هذه القاعدة كل من ادعى أن هذا مفطر نقول له هات الدليل وإلا فقولك مردود كل من قال هذا ينقض الوضوء في الطهارة نقول هات الدليل وإلا فقولك مردود كل من قال هذا يفسد الصلاة نقول هات الدليل وإلا فقولك مردود كل من قال هذا البيع فاسد نقول هات الدليل وإلا فقولك مردود كذا كل من قال هذا الشرط في العقد فاسد نقول هات الدليل وإلا فقولك مردود وهذه القاعدة تنفع طالب العلم في كل أبواب الفقه.

الشيخ : طيب ماهو الديل على أن الأكل والشرب والجماع مفسد للصوم.
السائل : (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )).
الشيخ : (( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا )).
السائل : (( واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )).
الشيخ : أحسنت طيب ذكرنا أن الله عبر عن الجماع بقوله (( باشروهن )) وأن هذا يشير إلى خلق وأدب فما هو ؟
السائل : أن الجماع يستحيا منه.
الشيخ : أنه ينبغي الإنسان أن يكني عما يستحيا منه ولا يذكره بصريحه إلا.
السائل : إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
الشيخ : إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك بارك الله فيك طيب الجماع الأخ .
السائل : نفس الآية
الشيخ : أقول إن الجماع مفسد للصوم فهل الجماع يفسد الصوم فقط أو هناك شيء آخر ؟
السائل : غير الجماع هو الجماع وآثاره.
الشيخ : هل يفسد الصوم نقول لمن جامع فسد صومك وعليك القضاء بس القضاء فقط.
السائل : لا الكفارة.
الشيخ : الكفارة في كل صوم.
السائل : في صوم الفرض طبعا في رمضان.

الشيخ : متى تجب الكفارة بالجماع ؟
السائل : في الصوم الواجب.
الشيخ : لا متى تجب الكفارة بالجماع يا جماعة لازم نفهم ؟
السائل : على كل حال.
الشيخ : لا لا ما هو على كل حال، أنت.
السائل : إذا كان الصائم تعمد تعمد ... .
الشيخ : سلامة.
السائل : إذا علم وهو الصائم الجماع حرام فذلك يجب عليه.
الشيخ : أنا أقول الآن إذا أخذنا ثلاثة ما عرفوا خلاص تجب الكفارة في الجماع إذا جامع الإنسان في نهار رمضان والصوم واجب عليه انتبه للقيود إذا جامع في نهار رمضان والصوم واجب عليه فإن جامع في صوم نفل فيه كفارة ؟ لا كفارة عليه إن جامع في قضاء رمضان ما هو في نهار رمضان هذا لا كفارة عليه إن جامع في نهار رمضان والصوم غير واجب عليه فلا كفارة عليه مثل لو جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان وهو مسافر فليس عليه كفارة وليس عليه إلا القضاء.

الشيخ : وذكرنا أنه إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان والصوم واجب عليه يتعلق به أربعة أحكام : الإثم ووجوب الإمساك والقضاء والكفارة أربعة أشياء طيب ما هو الدليل على وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ؟
السائل : حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث الأعرابي جاء قال للرسول هلكت يا رسول الله قال : وما أهلكك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال له هل تستطيع أن تصوم شهرين قال لا قال هل تستطيع أن تطعم ؟
الشيخ : يعني بدأ بالشهرين قبل كل شيء أو عتق الرقبة.
السائل : بعد الصيام عتق رقبة أولا الإعتاق ثم الصيام ثم الإطعام .
الشيخ : هذا الرجل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : ( يا رسول الله هلكت قال ما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم فسأله النبي عليه الصلاة والسلام هل يستطيع أن يعتق رقبة قال : لا قال : هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين قال : لا قال : هل يستطيع أن يطعم ستين مسكينا قال لا ثم جلس الرجل وجيئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : خذ هذا فتصدق به قال أعلى أفقر مني والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أطعمه أهلك ) هذا هو الدليل ووجه الدلالة ظاهرة طيب لو أن هذا الرجل صام الشهرين المتتابعين ولما بقي عليه يوم واحد نزل به ضيف فتغدى معه هذا الرجل اللي صام تغدى في آخر يوم مع هذا الضيف ماذا يجب عليه ؟
السائل : يعيد الشهرين.
الشيخ : يعيد الشهرين توافقونه.
السائل : نعم.
الشيخ : نعم نوافقه على ذلك لأن الرسول يقول : ( فصم شهرين متتابعين ).

الشيخ : هل لهذه الكفارة نظير مذكور في القرآن شرط نظير مذكور في القرآن ها هو كفارة الظهار إذا قال الرجل لزوجته أنت عليّ كظهر أمي قلنا له قف الآن لا يمكن أن تقربها حتى تعتق رقبة فإن لم تجد تصوم شهرين متتابعين فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا هل لها نظير آخر في القرآن كفارة القتل ليست مثلها لأن كفارة القتل فيها عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولا إطعام إن لم يستطع الصوم فلا شيء عليه بخلاف كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان فبعد الصيام إطعام ستين مسكينا.

الشيخ : طيب لو قال قائل ما تقولون في المرأة ما تقولون في المرأة هل عليها كفارة أم لا نعم قل يا أخي اللي رافع يده ؟
السائل : إذا كانت مكرهة ما عليها كفارة.
الشيخ : نعم وإن كانت راضية.
السائل : ... .
الشيخ : صح طيب إذا كانت مكرهة فلا كفارة عليها يعني أن الرجل غلبها على أمرها حتى جامعها فليس عليها كفارة وإن كانت راضية فعليها كفارة وبناء على القاعدة وقد قالها الأخ ماهو الدليل ؟
السائل : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
الشيخ : هذا دليل على أنها إذا كانت مكرهة هذا لا شيء عليها لكن ماهو الدليل على أنها إذا كانت راضية فعليها الكفارة هذا هو المطلوب الآن.
السائل : لأنه لا دليل يخرج المرأة من أنها إذا كانت موافقة على أن لا عليها كفارة فهي متساوية مع الرجل إلا أن يقوم دليل يخرجها من ذلك.
الشيخ : طيب أحسنت لكن لو قال قائل الدليل على أن المرأة ليس عليها كفارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكر في المرأة شيئا لم يذكر في المرأة شيئا والأصل براءة الذمة وعدم الوجوب فالرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر لهذا الرجل ما يلزمه لم يذكر أنه يلزم المرأة كذا وكذا وهذه مشكلة.
السائل : كثيرا من الأحكام حتى آيات القرآن تذكر يعني المذكر فينبطق ذلك على الرجل والمرأة.
الشيخ : هذا صحيح أن خطابات الشرع في القرآن والسنة كثير منها يوجه للرجال والمراد الرجال والنساء لكن هذه قضية عين بين رجل وامرأة ذكر حكم الرجل وسكت عن حكم المرأة الظاهر إنه يمكن ما نتوصل إلى جواب نأخذ أجل واحد فقط.
السائل : أنا أعرف القاعدة يا شيخ ما الناقل ليس دليل إنه ما نقل.
الشيخ : هذا يقول إنه عدم النقل ليس نقلا للعدم فكونه لم ينقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بالكفارة لا يدل على أنه لم يأمرها لكن ما فيه جواب أسد من هذا عندك شيء.
السائل : أنه قال وقعت عليها فكأنه قد أكرهها.
الشيخ : اصبر في بعض ألفاظ الحديث هلكت وأهلكت فأخذ بعض العلماء من كلمة أهلكت أن المرأة مكرهة إذ لو كانت مطيعة لكانت هالكة لا مهلكة عرفتم هذا الجواب جواب آخر أن هذا استفتاء والاستفتاء إنما يعطى الحكم فيه من استفتى فقط والمرأة مسكوت عنها ما جاءت تستفتي ونظير ذلك استفتاء هند بنت عتبة حين جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت إن فلانا تعني زوجها رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ فقال : ( خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك ) هل الرسول عليه الصلاة والسلام قال هات الزوج نسأله هذا صحيح ولا لا لا لماذا لم يأت به لم يطلب حضوره لأنه قد تكون المرأة مدعية لماذا لم يطلب حضوره لأن الفتوى إنما توجه لمن للسائل فقط أما من وراءه فيجرى عليه الأحكام العامة في الشريعة ومن المعلوم أن المرأة تكون شريكة للرجل فيما يترتب على الوقاع بينهما إذا كان برضى الطرفين أرأيت الزنا جعل الله الحكم فيه شاملا للرجل والمرأة الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة.