هل قول الصحابي حجة ؟ وتعظيم أقوال السلف والتماس العذر لهم في حال الخطأ (الكلام على مسألة الزيادة على إحدى عشرة ركعة في قيام رمضان).
فالمهم أنني أحثّكم بارك الله فيكم على الحذر من هؤلاء وطريقتهم الذين لا يقيمون وزنا للسلف الصالح ولا يحترمونهم ويعدّون القول منهم كقول السوقة من الناس اليوم، فإن الواجب أن نحترم أقوالهم، وإذا رأيناها مخالفة للدليل نطلب لهم أيش؟
الطالب : العذر.
الشيخ : العذر، ونقول لعله لم يبلغه، لعلّه تأوّل، ولهذا الصحابة رضي الله عنهم علموا أن عثمان بإتمامه الصلاة في منى ليس على صواب، وهم مع ذلك ما شنّعوا عليه وما انفصلوا عنه في الصلاة، بل أتمّوا الصلاة.
من هذا الطراز أنا الحقيقة لو ضيّعت عليكم الدرس لكن هذا مفيد، من هذا الطراز أننا رأينا في المسجد الحرام أقواما إذا صلوا خمس تسليمات انصرفوا، لماذا؟ قال لأن هذا مبتدع، هذا الإمام مبتدع، السبب؟ قال قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ) إذن فما زاد على ذلك فهو بدعة، وكأنه نسي أن الذي كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة قال حين سأله السائل عن صلاة الليل، قال له: ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة ) ولم يحدّد ذلك بإيش؟
الطالب : بعدد.
الشيخ : بعدد، مع أن هذا السائل لا شك أنه يجهل العدد كما أنه يجهل الكيفية، ومع ذلك ما حدّد له الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: ( إذا خشيت الصبخ ) لو أنت مصلي مائتي ركعة ( فصلّ ركعة توتر لك ما صليت )، ثم نسي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتمّ به ) وهذا إمام شرعي مجعول في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو غيره من المساجد، وكأنه نسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) لو كان نبينا عليه الصلاة والسلام قال: من زاد على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة فلا تصلوا خلفه، لكان انصراف هذا الرجل على حق، لكن أنّى له ذلك، قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ).
فأنا أحذّركم بارك الله فيكم من هؤلاء وطريقتهم، وأقول: إنه يجب علينا أن نحترم أقوال سلفنا الصالح، ولكننا لا نعتقد عصمتهم، بل نقول إن الخطأ جائز عليهم كما هو علينا أجوز، ولكن إذا رأينا خطأ بيّنا مخالفا للكتاب والسنة فإننا لا نقبله، ولكن نعتذر عن من علمنا حسن قصده حتى من بعد الصحابة، يعني في أئمة يخطؤون، في أتباع للأئمة لكنّهم أئمة في مذاهبهم يخطؤون، ولكن هل نتّخذ من هذا الخطأ الجفاء معهم والكلام الذي لا ينبغي؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، أبدا بل إذا أخطؤوا اعتذرنا عنهم، وقلنا والله نحن لا نتّبع إلا ما قام الدليل عليه، ولكن هؤلاء أخطؤوا وربما يكون لهم عذر، ومن قرأ كتاب شيخ الإسلام رحمه الله " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " تبين له كيف يعامل الأئمة والعلماء، أما أن نستعزّ بأنفسنا ويرى الواحد منا كأنه رسول يوحى إليه فهذا خطأ عظيم.
والغالب أن هؤلاء يحرمون بركة العلم، ولا أعني ببركة العلم أن لا يكون عندهم علم واسع، قد يكون عندهم علم واسع، لكن يحرمون بركته من خشية الإنسان لربه عزّ وجلّ وإنابته إليه، والحقيقة أن العلم إذا لم يثمر خشية الله عزّ وجلّ والإنابة إليه والتعلق به سبحانه وتعالى واحترام المسلمين فإنه علم فاقد البركة، بل قد يختم لمن سلك هذا المسلك بخاتمة سيّئة، مثل ما علمنا أناسا علماء فطاحل لكنهم والعياذ بالله ختم لهم بسوء الخاتمة، لأنهم اعتزوا بأنفسهم وفخروا بأنفسهم وازدروا غيرهم، وهذا خطير جدّا نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه، وأن يعافي بقيّة إخواننا المسلمين من ذلك.
1 - هل قول الصحابي حجة ؟ وتعظيم أقوال السلف والتماس العذر لهم في حال الخطأ (الكلام على مسألة الزيادة على إحدى عشرة ركعة في قيام رمضان). أستمع حفظ
معنى قوله:( معادن التقوى مع الأسرار ) وتعريف التقوى والفرق بين البر والتقوى.
قال: " معادن التقوى مع الأسرار " الأسرار جمع سرّ، والمراد به هنا الاطّلاع على خفايا العلوم والمناهج، المناهج يعني السبل والطرق والأخلاق التي يتخلّقون بها، فلا أحد أعمق علما من الصحابة، ولا أحد أقل تكلفا من الصحابة، ولذلك لو جمعت كل ما روي عن الصحابة في أبواب العلم لوجدته ينقص كثيرا عن مؤلف من مؤلفات علماء الكلام الذي ليس فيه إلا حشو الكلام الذي لا منفعة فيه بل فيه مضرّة أدناها أضاعة الوقت.
تجد كلام الصحابة رضي الله عنهم سهلا واضحا سلسا ليس فيه تكلف ولا تشدّد، بل كله مبني على السهولة، لما أفطر الناس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن تغرب الشمس، لأنها كانت غيما ثم طلعت الشمس، قالوا: ( يا أمير المؤمنين إن الشمس قد طلعت، قال: الخطب سهل، إننا لم نتجانف لإثم ) كلمات يسيرة واضحة سهلة، بيّنت الحكم والحكمة، الخطب سهل، لأننا لم نتجانف لإثم، إذن لا شيء علينا، وفي رواية أخرى قال: ( الخطب سهل، نقضي يوما مكانه ) فيكون له في المسألة قولان.
علم السلف رحمهم الله وخصوصا الصحابة وخصوصا الخلفاء الراشدين تجده سهلا بيّنا واضحا، حتى النفس يعني تلتذّ له ولسماعه.
فهذا ما قال المؤلف، الأسرار إذن جمع سرّ، وهي المراد بها خفايا العلوم والأخلاق التي تكون عند الصحابة رضي الله عنهم بدون تكلف وبدون تعمّق، بل بكل سهولة وتجري على النفوس وعلى القلوب مجرا سهلا هيّنا.
القارئ : ...
" وبعد فاعلم أن كل العلم *** كالفرع في التوحيد فاسمع نظمي
لأنه العلم الذي لا ينبغي *** لعاقل لفهمه لم يبتغ
فيعلم الواجب والمحالا *** كجائز في حقّه تعالى
وصار من عادة أهل العلم *** أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم
لأنه يسهل للحفظ كما *** يروق للسمع ويشفي من ظما ".
الشيخ : " ويشفي من ظَما ".
القارئ : " ويشفي من ظما ".
معنى قوله:( وبعد فاعـلـم أن كـل العلم كالفرع للتـوحيـد فاسـمع نظمي ) والكلام على كلمة بعد وأخواتها وإعرابها.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
" وبعد فاعلم " بعد أي بعد ما ذكر من الحمد والثناء على الله عزّ وجلّ والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله، " فاعلم " وبعدُ هنا مضمومة ضمّة بناء، لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه، وهذه الكلمات بعد وأخواتها يقول النحويّون فيها إنها لا تخلو من أربع حالات: أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه، وحينئذ تبنى على الضمّ.
أن يحذف المضاف إليه وينوى لفظه، وحينئذ تعرب بالحركات غير منوّنة، فتجرّ في حال الجرّ، وتنصب في حال النصب، وما أمكن أن يرفع منها يرفع في حال الرفع، لكن غير منوّن، لماذا؟ لأنه قد نوي لفظ المضاف إليه، والكلمة إذا أضيفت لا تنوّن كما قيل:
" كأنّي تنوين وأنت إضافة *** فأين تراني لا تحل مكاني ".
طيب، الحال الثالثة أن يذكر المضاف إليه فتعرب بالحركات حسب العوامل بتنوين ولا بغير تنوين؟
الطالب : بغير تنوين.
الشيخ : بغير تنوين.
الحال الرابعة: أن يحذف المضاف إليه ولا ينوى لا لفظه ولا معناه، وحينئذ تعرب بالحركات منوّنة، قال الشاعر:
" فساغ لي الشراب وكنت قبلا *** أكاد أغص بالماء الفرات " قال " وكنت قبلاً ".
وأكثر ما ترد هذه الكلمات أكثر ما ترد مبنية على الضم، لأن المضاف إليه يكون محذوفا وينوى معناه.
قوله " بعدُ " هنا إذن هي مبنية على الضمّ، لماذا؟
الطالب : لأنه حذف المضاف.
الشيخ : لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه.
" فاعلم " الفاء رابطة في جواب شرط مقدّر، لأن تقدير وبعد: وأما بعدُ " فاعلم أن كل العلم *** كالفرع للتوحيد " أمرك المؤلف أن تعلم لأن المقام مقام ينبغي أن يهتم به، وهو أن يعلم الإنسان أن جميع العلوم كالفرع للتوحيد، كل العلوم كعلم الفقه والتفسير والحديث وغيرها كلها فرع لعلم التوحيد، لأن التوحيد هو الأصل الذي ينبني عليه دين العبد، ولا يمكن أن يقوم دين إلا بتوحيد (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )).
وقول المؤلف " كالفرع للتوحيد " يعني بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فكل العلوم بل والأعمال أيضا مدارها على التوحيد، فالتوحيد هو الأصل وما سواه فهو الفرع.
قال: " كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي " أمرك بأن تعلم وأن تسمع، " فاسمع نظمي " أي منظومي الذي سأنظمه وأقوله، لأن ما سينظمه رحمه الله في علم التوحيد، ولهذا أمرك بأن تسمع إليه سماع انتفاع.
3 - معنى قوله:( وبعد فاعـلـم أن كـل العلم كالفرع للتـوحيـد فاسـمع نظمي ) والكلام على كلمة بعد وأخواتها وإعرابها. أستمع حفظ
معنى قوله:( لأنه العلم الذي لا ينبغي لـعاقـل لـفهمه لم يبتـغي )
" لأنه العلم الذي لا ينبغي *** لعاقل لفهمه لم يبتغي "
" لأنه " أي علم التوحيد، " العلم الذي لا ينبغي " أي لا يصلح ولا يستقيم ولا يمكن للإنسان العاقل أن لا يبتغي فهمه، فاللام في قوله " لفهمه " زائدة، يعني: لا ينبغي لعاقل لم يبتغ فهمه، يعني أنه لا ينبغي للعاقل أن يدع فهم علم التوحيد، لأنه الأصل، وإذا كان هو الأصل وجب أن يقدّم على غيره، لأن الفرع لا يبنى إلا على أصل.
معنى قوله:( فيعلم الواجب والمـحالا كـجائز في حقه تعالى ) بيان الواجب والمستحيل والجائز في حق الله وذكر الأمثلة على ذلك وهل هذه القسمة الثلاثية صحيحة ؟
طيب، فالأقسام إذن ثلاثة: واجب، مستحيل، جائز. ويقال للواجب أحيانا اللازم، ويقال للمحال أحيانا الممنوع، ويقال للجائز الممكن، والمدار على المعنى، فما هو الواجب في حقّه؟ الواجب في حق الله تعالى ما لا يتصوّر عدمه بالنسبة إليه، كل شيء لا يتصوّر عدمه بالنسبة لله فهو واجب، فمثلا الحياة؟
الطالب : واجبة.
الشيخ : من الواجب، العلم من الواجب، القدرة من الواجب، القوة من الواجب، والأمثلة في هذا كثيرة، فكل ما لا يتصور عدمه فهو واجب.
طيب، المستحيل كل ما لا يتصور وجوده، الذي لا يتصور وجوده هو المستحيل، مثل: الموت والعجز والضعف والجهل والنسيان، وما أشبه ذلك، هذا ممتنع في حق الله عزّ وجلّ.
إذن ما هو الضابط في الأول والثاني؟ الضابط: كل كمال؟
الطالب : فهو واجب.
الشيخ : فهو من الواجب، كل نقص؟ فهو من الممتنع في حق الله عزّ وجلّ.
الجائز ما جاز وجوده وعدمه بالنسبة للخالق، مثل: النزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش وخلق شيء معيّن كخلق الذباب مثلا، خلق السماوات، خلق الأرض، هذا من الأمور الجائزة، لأنه يجوز أن لا يخلق الله هذا الشيء، ويجوز أن يخلقه، لو لم يخلقه لم يكن ذلك نقصا ولو خلقه لم يكن نقصا، الاستواء على العرش كذلك، النزول إلى السماء الدنيا كذلك من الأمور الجائزة.
فإذا قال قائل: إن إثبات الجائز ممنوع، لأنه إن كان وجوده كمالا كان عدمه نقصا، وإن كان عدمه كمالا كان وجوده نقصا، فلا يتصوّر شيء جائز في حقّ الله. انتبه لهذا المعنى، هذا مهمّ، يعني لو قال قائل: إثبات الجائز في حق الله تعالى غير صحيح لماذا؟ لأنه إن كان عدمه كمالا كان وجوده نقصا، وإن كان وجوده كمالا كان عدمه نقصا، وحينئذ لا بد أن يكون إما موجودا فيكون من الواجب، أو معدوما فيكون من المستحيل، أما أن تقولوا إنه جائز فلا يمكن.
جوابنا على هذا أن نقول: هو كمال في حال وجوده نقص في حال عدمه، إن كان من الموجودات، أو هو كمال في حال عدمه نقص في حال وجوده، واضح؟
فمثلا: إذا اقتضت الحكمة أن يوجد هذا الشيء فوجد صار كمالا، ووجوده قبل اقتضاء الحكمة وجوده نقص ولا لا؟ نقص، وإذا اقتضت الحكمة عدمه كان وجوده نقصا، كذا؟ ووجوده في حال اقتضاء الحكمة عدمه نقص نقص، فإذن نقول بهذا يمكن أن نقول إن هناك شيئا جائزا في حق الله، ويكون في حال اقتضاء الحكمة وجوده كمالا، ويكون في حال اقتضاء الحكمة عدمه هاه؟
الطالب : إذا وجد نقصا.
الشيخ : وجوده نقصا، يكون وجوده نقصا، أما عدمه فهو كمال.
طيب، نزول الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر في هذه الحال كمال، في غير هذه الحال لا يكون كمالا، لأن الله عزّ وجلّ اقتضت حكمته أن يكون نزوله في هذا الوقت فقط، ولو اقتضت الحكمة أن ينزل في غير هذا الوقت ولم ينزل كان عدم النزول نقصا وهذا شيء مستحيل في حق الله عزّ وجلّ.
فالحاصل الآن أنه لو أورد علينا إنسان إيرادا وقال: إن تقسيمكم الأشياء إلى ثلاثة: واجب ومستحيل وجائز، تقسيم غير صحيح، فالشيء إما واجب وإما مستحيل، أما فجائز فلا، لأنه إن كان وجوده كمالا وجب أن يكون موجودا دائما، إن كان عدمه كمالا وجب أن يكون معدوما دائما.
فنقول: هو كمال في حال وجوده إذا اقتضته الحكمة، وهو كمال في حال عدمه إذا اقتضت الحكمة عدمه، وحينئذ يصح هذا التقسيم.
نعم، قال: " كجائز في حقّه تعالى " مثلنا للواجب بماذا؟ بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر وأشياء كثيرة.
للممنوع؟ الموت والعجز والضّعف والجهل وما أشبه ذلك. الجائز؟ كالنزول إلى السماء الدنيا، وكذلك الاستواء على العرش، وكذلك الكلام باعتبار أفراده، فإن الله يجوز أن يتكلم بهذا وأن لا يتكلم به.
5 - معنى قوله:( فيعلم الواجب والمـحالا كـجائز في حقه تعالى ) بيان الواجب والمستحيل والجائز في حق الله وذكر الأمثلة على ذلك وهل هذه القسمة الثلاثية صحيحة ؟ أستمع حفظ
معنى قوله:( وصـار من عادة أهـل العلم أن يـعتنـوا في سبر ذا بالنظم )
" وصار من عادة أهل العلم *** أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم "
صار من العادة، العادة الشيء الذي يعود ويتكرر، فيألفه الناس، ويكون من عادتهم، فصار أهل العلم رحمهم الله من عادتهم " أن يعتنوا " أن يبذلوا العناية، " في سبر ذا " أي في سبر علم التوحيد، والمراد بالسبر التتبع والاستقراء، يسبروه بماذا؟ بالنظم.
لا شك أن هذا التركيب فيه تطويل، ومعناه أنه صار من عادة أهل العلم أن يبحثوا في هذا الموضوع الذي هو علم التوحيد بالنظم، وفيه عادة أخرى غير النظم ولا لا؟ فيه، النثر كثير أو أكثر، كلام العلماء في علم التوحيد نثرا أكثر من كلامهم فيه نظما، لكن مع ذلك النظم شائع مشهور معتاد عندهم، أن ينظموا العقائد وعلم التوحيد حتى يكون كما أشار المؤلف.
معنى قوله:( لأنـه يسـهـل للحفظ كما يروق للسـمـع ويشفـي من ظما ) وبيان فوائد نظم المتون .
" لأنه يسهل للحفظ كما *** يروق للسمع ويشفي من ظما ".
النظم الذي كان العلماء يعتادونه في هذا الباب على أي بحر؟
الطالب : الرجز.
الشيخ : الرجز وغير الرجز، قد يكون على سبيل الرجز وقد يكون الكامل أو الطويل أو البحور الأخرى المعروفة في علم العروض، لكن أكثر ما يكون الرجز، لأن الرجز خفيف عند القراءة وسهل عند النظم، سهل عند النظم، لأن غير الرجز لا بد أن يلتزم الإنسان قافية معيّنة، وهذه قد تصعب على الإنسان غير الشاعر، أما الرجز فكل بيت له قافية معيّنة، لا يحتاج الراجز إلا إلى مراعاة الشطر الأول والشطر الثاني فقط. قال: " لأنه يسهل للحفظ " هذه فائدة، فالنظم يسهل للحفظ أكثر من النثر " كما يروق للسمع " يروق يعني يحسن يطرب له السمع، ولهذا لو جاء إنسان يقرأ خطبة قراءة عادية، لا تجد أنه يهزّ مشاعرك أو يوجد انتباهك، لكن إذا كان نظما فإنه يروق لك.
أما قوله: " ويشفي من ظما " فكون هذا خاصا بالشعر فهذا فيه نظر، لأن الشفاء من الظما يكون في الشعر ويكون في النثر، لكن لعله يريد رحمه الله تكميل البيت بهذه الجملة وإلا فإن الشفاء من الظما يكون في النثر وفي النظم، بل قد يكون في النثر أكثر، لأن النظم أحيانا يضطر فيه الناظم إلى استعمال عبارات أو تركيبات من الكلام توجب تعقيد المعنى وعدم فهمه.
7 - معنى قوله:( لأنـه يسـهـل للحفظ كما يروق للسـمـع ويشفـي من ظما ) وبيان فوائد نظم المتون . أستمع حفظ
معنى قوله:( فمن هنا نظمت لي عـقيـدة أرجوزة وجيزة مفيدة )
" فمن هنا " أي: من هذا الباب أو من هذا المأخذ " نظمت لي عقيدة " أصل النظم هو ضم الخرزات بعضها إلى بعض في سلك، ويطلق على ضم الكلمات بعضها إلى بعض في بيت تشبيها بالخرزات خرزات السبحة أو غيرها مما ينظم.
وقوله " لي " " نظمت لي عقيدة " هل اللام هنا بمعنى من أي نظمت منّي عقيدة لإخواني المسلمين، أو أن اللام للاختصاص أي نظمت لنفسي عقيدة؟ الظاهر أن المراد المعنى الأول، أي: نظمت عقيدة لإخواني المسلمين منّي.
تعريف العقيدة لغة واصطلاحا.
وأما في الاصطلاح: فهو حكم الذهن الجازم هذه العقيدة، يعني أن تحكم على الشيء حكما جازما تحكم عليه ذهنا ولا لفظا؟ ذهنا، يعني تعتقد في قلبك بأن هذا كذا نفيا أو إثباتا جازما به، فلا عقيدة مع الشك، لأنه لا بد أن يكون هناك جزم، ولا عقيدة باعتبار نطق اللسان، لأن نطق اللسان يقع حتى من المنافق، فالمنافق يقول لا إله إلا الله، ولكن ليس عنده عقيدة، إذن العقيدة تعريفها اصطلاحا: حكم الذهن الجازم.
طيب، هل نقول المطابق للواقع أو لا؟ لا، ما نقول هكذا، بل نقول: حكم الذهن الجازم فإن طابق فهي عقيدة صحيحة، وإن خالف الواقع فهي عقيدة فاسدة.
اعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة هذا عقيدة لكن فاسدة أو صالحة؟
الطالب : فاسدة.
الشيخ : فاسدة، لأنها غير مطابقة للواقع.
اعتقاد أهل التحريف أن الاستواء بمعنى الاستيلاء عقيدة لكنها صحيحة أو فاسدة؟
الطالب : فاسدة.
الشيخ : فاسدة، لأنها خلاف الواقع، لكن هم يجزمون بذلك ويعتقدون هذا.
فصارت العقيدة في اللغة من العقد، وهو إحكام الشد الذي ضدّه الحل.
وفي الاصطلاح: حكم الذهن الجازم، فقولنا حكم الذهن خرج به قول اللسان، لأنه لا يعتبر عقيدة، إذ قد يقول الإنسان ما لا يعتقد، وخرج بقولنا الجازم الشك، فإن الشاك لم يعتقد. طيب، ثم هل يشترط أن يكون مطابقا أو لا؟ نقول: لا يشترط أن يكون مطابقا للواقع، لكن إن طابق الواقع فالعقيدة صحيحة وإن خالف الواقع فالعقيدة فاسدة.
الطالب : ... التسميع.
الشيخ : طيب. إذن الدرس القادم تسميع إن شاء الله؟
الطالب : من أي بيت؟
الشيخ : من قوله " وبعد فاعلم " إلى قوله "ويشفي من ظما ".
تسميع الطلاب لمتن السفارنية على الشيخ.
الطالب : خالد.
الشيخ : خالد، يلاّ يا خالد اقرأ! " نظمتها في سلكها "؟
الطالب : " نظمتها في سلكها "
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، سمّ الله!
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. قال الناظم رحمه الله:
" نظمتها في سلكها مقدّمة *** وست أبواب كذاك خاتمة "
الشيخ : " وسمتها "
الطالب : "وسمتها بالدرة المضية ***في عقد أهل الفرقة المرضية "
الشيخ : " في عَقد "
الطالب : " ... *** في عقد الفرقة المرضية
على اعتقاد ذي السداد الحنبلي *** إمام أهل الحق ذي القدر العلي
حبر الملا فرد العلى الرباني *** رب الحجا ماحي الدجا الشيباني
فإنه إمام أهل الإثر "
الشيخ : " الأثر "
الطالب : " فإنه إمام أهل الأثر *** فمن نحا منحاه فهو الأثري
سقى ضريحا حلّه صوب الرضا "
الشيخ : " حَلَّه "
الطالب : ...
الشيخ : " والعفوِ "
الطالب : " ... *** والعفو والغفران ما ... "
الشيخ : " ما نجم أضا "
الطالب : " وحِلّه "
الشيخ : " وحَلّه "
الطالب : "وحله وسائر الأئمة *** منازل الرضوان أعلى الجنة "
الشيخ : آمين آمين.
الطالب : ...
الشيخ : بس.
مراجعة الشيخ لما ذكره، وهل يسوغ للإنسان أن يمدح ما كان من صنعه وتأليفه وهل هذا افتخار؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أن المؤلف رحمه الله بين أن من عادة أهل العلم رحمهم الله أن يعتنوا في علم التوحيد بالنظم، وبيَّن أن النظم يسهل للحفظ، وأنه يروق للسمع، وهذا صحيح، وأنه يشفي من ظما، وهذا الثالث لا يختص به النظم، بل الذي يشفي من الظما النظم وغير النظم، ما كان واضحا بينا فهو الذي يشفي من ظما، وذكر أنه من أجل ذلك نظم عقيدة، من بحر؟
الطالب : الرجز.
الشيخ : من بحر الرجز، ووصفها بأنها وجيزة يعني غير مطوّلة، وهو كذلك، فإنها ليست مطوّلة يذكر فيها رحمه الله القواعد العامة بدون تفصيل، وأنها أيضا مفيدة، يعني تفيد قارئها وسامعها وكاتبها أيضا.
فقوله " إنها أرجوزة وجيزة " هذا ليس فيه مدح، لكن قوله " مفيدة " فيه مدح، فإذا قال قائل: كيف يسوغ للإنسان أن يمدح ما كان من صنعه وتأليفه، وهل هذا إلا افتخار؟
فالجواب: يسوغ ذلك إذا لم يقصد بهذا الافتخار على الخلق، وإنما قصد بيان الواقع، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخرا )، وقال ابن مسعود: ( لو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لرحلت إليه ) وهذا يتضمّن بلا شك أنه على علم عظيم بكتاب الله عزّ وجلّ، لكن هل ابن مسعود رضي الله عنه قال هذا القول ليمدح نفسه ويفتخر، أو ليحث الناس على التلقي عنه وعن غيره من أهل العلم؟
الطالب : الأخير.
الشيخ : الثاني بلا شك. أيضا العلماء رحمهم الله إذا صنّفوا يذكرون فوائد مصنّفاتهم، وقد مر علينا في النحو أن ابن مالك قال في ألفيّة
" فائقة ألفية ابن معطي *** ...
تقرب الأقصى بلفظ موجز *** وتبسط البذل بوعد منجز "
وهذا ثناء عليها لا ليفتخر بها لأنها من تأليفه، ولكن من أجل أن يحث الناس على تلقيها وتعلمها، هكذا المؤلف رحمه الله هنا قال " مفيدة " لأجل أن تحرص عليها، وعلى ما فيها من الفوائد.
11 - مراجعة الشيخ لما ذكره، وهل يسوغ للإنسان أن يمدح ما كان من صنعه وتأليفه وهل هذا افتخار؟ أستمع حفظ
معنى قوله:( نظمتها في سلكها مقدمة وسـت أبواب كـذاك خـاتـمـة )
الطالب : ثمانية.
الشيخ : ثمانية، المقدّمة والخاتمة وستّة أبواب.
معنى قوله:( وسـمـتها بالدرة المـضيـة في عقد أهل الفرقة المرضية )
الطالب : الفِرقة ... .
الشيخ : طيب، الفُرقة يعني؟
الطالب : الافتراق.
الشيخ : الاختلاف والافتراق، والفِرقة الطائفة وما المراد؟ الطائفة، ليس المراد أهل الفُرقة ما هم أهل فُرقة، أهل اجتماع، لكن المراد أهل الفِرقة يعني الطائفة المرضية التي ارتضاها الله ورسوله والمؤمنون، وهم أهل السنة والجماعة الذين كانوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ضدّ هذه الفرقة المرضية أصحاب الفرق المسخوطة من أهل البدع على اختلاف أصنافهم وأنواعهم.
معنى قوله:( على اعتقاد ذي السداد الحنبلي إمام أهـل الحق ذي الـقـدر العلي ) و ترجمة الإمام أحمد بن حنبل.
وقوله " الحنبلي " صفة لذي لا للسداد، يعني على اعتقاد الحنبلي، وهو الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، فنسبته إلى حنبل لأنه جدّه " إمام أهل الحق " يعني معناه الذي يقتدي به أهل الحق، لكن إمامته رحمه الله وإمامة غيره من الأئمة ليست إمامة مستقلة، بل هي إمامة تابعة للإمامة العظمى وهي إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست إمامة مستقلة، بل إمامة تابعة للإمامة العظمى إمامة محمّد صلى الله عليه وسلم، ولولا ائتمام هؤلاء الأئمة به صلى الله عليه وسلم ما صاروا أئمة، قال الله تعالى: (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )) فهؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين صاروا أئمة، لأنهم أهل للإمامة بما أعطاهم الله تعالى من الصبر واليقين.
طيب، " إمام أهل الحق ذي القدر العلي " " القدر " يعني الشرف، العلي ضدّ النازل، فالإمام أحمد رحمه الله له قدر علي بين أهل الحق، تكاد تكون الأمة كلها مجمعة على الثناء عليه، حتى إن بعض العلماء قال: " يجوز أن نشهد له ولأمثاله بالجنة، بأنه من أهل الجنة لأن الأمة اتّفقت على الثناء عليه " وقد قال الله تعالى: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )) فإذا شهدت الأمة لشخص بالصلاح فلنا أن نشهد له بالجنة، والمسألة هذه فيها خلاف، لكن الكلام على أن الرجل قد اتّفق على أنه رحمه الله من أجل أئمة الدين وأعظمهم قدرا، وحصل له من المحنة في الدفاع عن السنة ما يعلم من ترجمته كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في " البداية والنهاية " وغيره ممن تكلموا عن سيرة الرجال.
14 - معنى قوله:( على اعتقاد ذي السداد الحنبلي إمام أهـل الحق ذي الـقـدر العلي ) و ترجمة الإمام أحمد بن حنبل. أستمع حفظ
معنى قوله:( حبـر الملا فرد العلى الربانـي رب الحجا ماحي الدجـى الشيبانـي )
الطالب : الأصغر.
الشيخ : الأكبر، في الاشتقاق الأكبر، لأنها موافقة لها في الحروف دون الترتيب، حبر وبحر حروفها واحدة، الباء والحاء والراء، لكن اختلفت في الترتيب، إذن فهو العالم الواسع العلم، العالم الواسع العلم يسمّى حبرا، وقوله " الملا " يعني الخلق.
ومن المعلوم أنه رحمه الله واسع العلم وكثير العلم، ولا سيما علم المأثور، مع أنه يتكلم بعلم المعقول كلاما جيّدا كما يعرف من كلامه في الرد على الجهمية، لكنه في علم المأثور أكثر منه في علم المعقول.
قال: " حبر الملا فرد العلى " يعني المتفرد بالعلى والشرف، ولا شك أن هذه الأوصاف التي تدل على الإطلاق لا شك أن المؤلف لا يريد بها الإطلاق، لأن مثل هذه الأوصاف على الإطلاق لا تنطبق إلا على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها أوصاف نسبية، يعني بالنسبة لمن دونه، مع أن الأولى والأفضل أن تكون الألفاظ مطابقة للواقع بحيث لا يحصل فيها غلو، لأن الغلو قد يخرج بالإنسان إلى الكذب، وتوجيه مثل هذا الكلام المطلق أن يقال إنه حبر الملا في وقته، فرد العلى في وقته، وأما أن نقول على سبيل العموم أنه فرد العلا في كل زمان ومكان، فهذا غير مراد للمؤلف.
من هو العالم الرباني، وكيف يكون ربانيا ؟
وقيل: إن الرباني هو المخلص لله في علمه، النافع لعباد الله، المربي لهم على شريعة الله، وهذا المعنى واضح، المخلص لله لا يقصد إلا الرب، النافع لعباد الله المربي لهم، النافع لهم بالعلم، المربي لهم تربية خلقية أو تربية علمية؟ يشمل الأمرين، فالتربية العلمية قال العلماء معناها: أن يربي الطلبة بصغار العلم أو بصغير العلم قبل كبيره، فإن هذا من التربية العلمية، لا يأتي إلى الطالب المبتدئ يقول: تعال نريد أن نقرأ قواعد ابن رجب، إذا قرأ على الطالب المبتدئ قواعد ابن رجب يقول ما أدري أنت تتكلم باللغة العربية ولا باللغة الأنجليزية، ما يدري عن شيء أبدا، لكن نربيه بماذا؟ بصغار العلم، نأتي مثلا بكتاب مختصر مبسّط، ويتدرّج به شيئا فشيئا.
في النحو مثلا قال تعال أنت تعرف النحو؟ قال أبدا ما أعرف من النحو شيئا أبدا، قال إذن نبدأ بالكافية، يصلح هذا؟! ما يصلح، لا بد أن تربيه تبدأ بأصغر كتب النحو حتى يترقّى شيئا فشيئا، في أصول الفقه كذلك، في كل العلوم ينبغي أن ترقى بالطالب درجة درجة، أما أن تقول اقفز من أسفل درجة إلى أعلى درجة، هذا لا يمكن، وربما يكون في ذلك ضرر كبير عليه، وش الضرر؟ أنه إذا لم يفهم انغلق ذهنه.